"انتهى وقت الإنكار"... حين يحيي مرض البروستات مخاوف الرجال الجنسية والنفسية

  يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"،

 والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.

"عشت أسبوعين لا مكان فيهما إلا للتوتر والقلق الشديدين. بدأت القصة بالدخول إلى الحمام بكثرة، فقد احتجت أحياناً إلى أن أفعل ذلك مرتين أو أكثر خلال الساعة الواحدة، ثم ازداد توتري عند شعوري بالألم عند ممارسة الجنس مع زوجتي في إحدى المرات. استشرت صديقي حيال ما يمكن أن يكون السبب الذي يؤرق راحتي ليلاً نهاراً".

هكذا يستعيد وائل (اسم مستعار)، تلك المرحلة التي اكتشف فيها مساراً مقلقاً في حياته اليومية، وتحديداً حين أجابه صديقه: "أكيد بروستات". وقال لرصيف22: "مع أن عمري تجاوز الخمسين ببضعة أعوام، إلا أنني لم أفكّر في أن البروستات يمكن أن يختارني يوماً. حالي كحالي الكثيرين من الرجال الذين يعيشون حالة إنكار شديدة كلّما دق ناقوس المرض بابهم، فكيف إذا كان مرضاً يخترق ذكوريتنا ويمنعنا من ممارسة الجنس بشكل سليم؟".

وتابع واصفاً معاناته التي عاشها قبل موعد الطبيب، حيث كان في انتظاره الرد القاسي: "منيح اللي بعدك لهلق"، وأضاف قائلاً: "إذاً انتهى وقت الإنكار، وحان وقت التعايش مع البروستات".

"بدأت القصة بالدخول إلى الحمام بكثرة، فقد احتجت أحياناً إلى أن أفعل ذلك مرتين أو أكثر خلال الساعة الواحدة، ثم ازداد توتري عند شعوري بالألم عند ممارسة الجنس مع زوجتي في إحدى المرات"

العوارض والعلاج

"غدة البروستات هي غدة موجودة في الجهاز التناسلي للرجال، الذي يضمّ البروستات والخصيتين والقضيب، وتقع تحت المثانة البولية، وهي مزيج من نسيج عضلي وغددي. تضخم البروستات المزمن حالة طبية شائعة مع تقدّم الرجال في العمر، تصيب تقريباً ما يقارب 50 في المئة منهم بعد سن الخمسين، وهي حالة صحية مختلفة عن سرطان البروستات"، وفق ما قال الدكتور جو نهرا، الاختصاصي في المسالك البولية والتناسلية، في حديث إلى رصيف22.

وأضاف نهرا: "العوارض الرئيسية تتمثّل في صعوبة التبول، مترافقاً مع ألم وحرقة، والحاجة إلى التبول بشكل متكرّر، وفي بعض الأحيان يصل الشخص إلى السلس البولي أو عدم القدرة على السيطرة على الإدرار".

وعن العلاجات، يفصّل نهرا التفريق بين العلاجات الوقائية والعلاجات بعد الإصابة، فالأولى تتمثّل في المأكولات الغذائية التي يمكن أن تساهم في الوقاية من التضخم، كالشاي الأخضر والبندورة والأدوية العشبية، أما الثانية فهي التي تؤخذ لتخفيف العوارض أو تصغير حجم البروستات، مشيراً إلى أن المرحلة الأخيرة من العلاج يمكن أن تستدعي تدخلاً جراحياً تقليدياً، أو استخدام الناضور، بحسب الحالة الطبية.

"غدة البروستات هي غدة موجودة في الجهاز التناسلي للرجال، الذي يضمّ البروستات والخصيتين والقضيب، وتقع تحت المثانة البولية، وهي مزيج من نسيج عضلي وغددي. تضخم البروستات المزمن حالة طبية شائعة مع تقدّم الرجال في العمر"

تكلفة العلاج

"يعاني مرضى البروستات في لبنان من ارتفاع مستمر في أسعار العلاجات، حالهم معها كحالهم مع الأدوية والمواد الطبية كافة في البلاد، والتي تأثرت بالأزمة الاقتصادية، فالأسعار باتت تتغيّر بحسب سعر صرف الدولار، بالإضافة إلى أن بعض الأدوية المعتادة والتي تُعدّ أسعارها زهيدةً إلى حدّ ما، فُقدت بشكل كلي"، هذا ما شرحه الصيدلاني محمد سكرية، عن كيف يعيش مريض البروستات قلقاً من تأرجح أسعار أدويته خصوصاً الدائمة منها.

وأكّد سكرية لرصيف22، أن بعض المرضى باتوا غير قادرين على تحمّل تكلفة العلاجات، ما أجبرهم على الاستعانة ببدائل أخرى: "من لديه قريب في الخارج، يطلب منه إرسال دواء بديل. وصلت الحال ببعضهم إلى التوقف عن تلقّي العلاج وتالياً، تفاقم الحالة الصحية بشكل كبير، والوصول إلى حاجة ماسة إلى التدخل الطبي السريع والذي بدوره يُعدّ مكلفاً جداً وحلماً صعب المنال للكثيرين".

"يعاني مرضى البروستات في لبنان من ارتفاع مستمر في أسعار العلاجات، حالهم معها كحالهم مع الأدوية والمواد الطبية كافة في البلاد"

"هتك عرض"

"شعرتُ كأنه هتك عرضي مع ألم شديد، ومن دون تنبيه أو شرح"؛ بهذه الكلمات وصف حسن (اسم مستعار)، شعوره خلال معاينة الطبيب له بعد معاناته من عوارض تضخم البروستات.

حسن الخمسيني، متزوج وأب لخمسة أولاد، أكد أن أسوأ أيام حياته كانت بين أخذ خزعة من البروستات وبين نتيجة الفحص، وقال: "48 ساعةً كانت كفيلةً بتدمير حياتي في ظل هواجس ترافق الشخص، تتعلق بما إذا كان السرطان موجوداً واستدعى الأمر نزع الخصيتين".

أضاف لرصيف22: "لا أعرف لماذا انتابني شعور بأنني أصبحت عقيماً ولا أستطيع ممارسة الجنس بعد الآن. صحيح أنني كنت أعاني من وجع خلال العملية الجنسية، لكنه وجع محمول". وتابع: "أذكر أنني حين عرفت بنتيجة الفحوصات، والتي جاءت سليمةً، ولم أُصب بسرطان البروستات، أدركت أن الحياة بدأت من جديد بالنسبة لي، وبدأت أتناول العلاج العادي للتضخم".

هذا ونصح حسن كل رجل أربعيني بأن يجري فحص البروستات حين يشعر بأي من عوارضه، "ولكن عليه أن يستعلم سابقاً عن طريقة الفحص"، وفق قوله.

البروستات وممارسة الجنس

شرح الطبيب جو نهرا، مدى تأثير تضخم البروستات على العلاقة الجنسية، فعلى الرغم من عدم تأثيرها بشكل مباشر، إلا أن "الضعف الجنسي يمكن أن يترافق مع تضخّم البروستات. المرضان متعلقان بتقدّم العمر، بالإضافة إلى أن عوارض البروستات تضعف القدرة الجنسية، كالتبول الليلي والآلام المترافقة مع المرض التي قد تنهك المرض جسدياً".

وبحسب نهرا، فإن أغلب الأدوية تصل آثارها إلى حدّ إضعاف القدرة الجنسية والانتصاب، إلا أن الأمر يمكن أن يتحسّن مع انتهاء العلاج، كما يمكن أن تصغّر الأدوية حجم البروستات، وتمنع السائل المنوي من التدفّق، "ما يؤدي تالياً إلى تخفيف الرغبة الجنسية لدى الرجل وعدم الوصول إلى النشوة".

شرح الطبيب جو نهرا، مدى تأثير تضخم البروستات على العلاقة الجنسية، فعلى الرغم من عدم تأثيرها بشكل مباشر، إلا أن "الضعف الجنسي يمكن أن يترافق مع تضخّم البروستات"

"توتر وقلق"

"الخوف الأكبر كان من التبول اللا إرادي الذي قد يسبّب إحراجاً عند حدوثه في أماكن ليست فيها دورة مياه، وهذا الخوف سبّب لي أزمةً نفسيةً مؤقتةً، قبل أن أقرّر زيارة الطبيب". قصة أخرى عاشها جمال (اسم مستعار)، الرجل الستيني الذي يعاني من تضخّم البروستات منذ سنتين.

شرح جمال كيف أثّر المرض على حياته اليومية بشكل سلبي، قبل أن يبدأ مفعول العلاج، فقد كان غالباً ما يلغي الرحلات الطويلة خوفاً من الحاجة إلى التبول الدائم، كما أثّر القلق على حالته النفسية وعلى رغبته في ممارسة الجنس: "لم أمارس حياتي الجنسية بشكل طبيعي، إلا بعدما بدأت بالعلاج".

تأثير البروستات على الحالة النفسية

ينقسم تأثير المرض على الحالة النفسية للمريض إلى شقّين، بحسب حديث الطبيب النفسي سايد جريج، إلى رصيف22؛ الشق الأول متعلٌّق بكونه مرضاً مزمناً "يشعر معه المريض بعوارض اكتئابية كقلة النوم، وعدم تنظيم الأكل، والقلق الشديد، وقلة النشاط، ويمكن أن تصل الحالة في مراحل متقدمة إلى الانتحار".

وأكمل جريج: "الشقّ الآخر متعلّق بكونه مرضاً يسبّب آلاماً يوميةً ويعيق الحياة اليومية في حال التبول الدائم، وعدم انتظام النوم، ما يغيّر من سلامة الوظائف اليومية".

أما في حال التضخم المزمن أو الالتهابات، فـ"ينخفض الأداء الجنسي خلال فترة العلاج، ما قد يؤثّر بدوره على الصحة النفسية للرجل خصوصاً عند الحاجة إلى استئصال البروستات، وانعدام الإنجاب وغيرهما من الأمراض"، بحسب جريج.

ويرى ياسر (اسم مستعار) أن الحديث عن موضوع مرض البروستات أشبه بـ"تابو"، خصوصاً في المجتمعات التي تقلّ فيها حملات التوعية بالمرض وأسبابه

"مش إنكار"

"بالرغم من معاناته مع كثرة التبول لأشهر عدة، فقد رفض الذهاب إلى الطبيب مراراً وتكراراً، ويدّعي شرب الكثير من السوائل"، هذا ما باحت به، آية، زوجة ياسر (اسمان مستعاران)، الرجل الخمسيني الذي بدأ أخيراً رحلة العلاج الطويلة، ليردّ عليها: "مش إنكار بس ما كانت حالتي تستدعي الذهاب إلى الدكتور".

لم ينكر ياسر انزعاجه من الحديث المتكرّر عن مرضه بعد اكتشافه في أوساط العائلة: "البعض يقارن بين عوارضي وعوارض أشخاص آخرين تطوّرت معهم الحالة إلى استئصال الخصيتين. أصبح مرضي حديث الساعة. الموضوع مزعج جداً".

ويرى ياسر أن الحديث عن موضوع مرض البروستات أشبه بـ"تابو"، خصوصاً في المجتمعات التي تقلّ فيها حملات التوعية بالمرض وأسبابه.

وعند السؤال عن أسباب ذلك، قال الطبيب النفسي سايد جريج، إنه يصعب على المريض في بعض الحالات الحديث عن معاناته مع الأمراض المزمنة، فكيف إذا كان رجلاً يعاني من مرض يمكن أن يؤثّر على قدرته الجنسية وتالياً على "رجولته"، كما هو الشائع؟ وختم حديثه بالقول: "إلى جانب ذلك، لا يزال الحديث عن المواضيع التي تتعلق بالجنس بشكل عام، محظوراً خاصةً في المجتمعات المحافظة".