يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"،
والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.
لأول مرة منذ ثلاثة عقود، رُصدت حالات متكررة للإصابة بالكوليرا في لبنان، اعتباراً من 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. أصابت أنباء تفشي العدوى اللبنانيين بالرعب لا سيّما أن بلدهم يعاني انهياراً غير مسبوق على كل الأصعدة، بما في ذلك ملف إدارة الأزمات الصحية المماثلة مع مؤسسات طبية مهترئة.
والكوليرا هي عدوى معوية حادة تنشأ بسبب تناول طعام أو مياه ملوثة ببكتيريا الضمة الكوليرية (Vibrio Cholerae)، والتي تنتشر بسرعة في المناطق ذات الوصول المحدود إلى الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية. وتُصبح مُميتة إذا تركت دون علاج.
وبعد الإبلاغ عن آلاف حالات الإصابة المؤكدة بالكوليرا في سوريا المجاورة، أصبح لبنان الأحدث بين 29 دولة أبلغت عن تفشي المرض منذ بداية العام الجاري.
لم يخفف من شدة مخاوف اللبنانيين أن معظم الإصابات المؤكدة وقعت في مخيمات اللاجئين السوريين الذين يواجهون الأثر الأوضح للانهيار الاقتصادي في لبنان، وما ترتب عليه من صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة وتدهور أوضاع المستشفيات.
ربما كان السبب في ذلك أن "تفشي الكوليرا في لبنان يستمر في الانتشار بسرعة"، بحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف". وفق الموقع الرسمي لوزارة الصحة اللبنانية، بلغ عدد حالات الإصابة بالكوليرا المؤكدة والمشتبه فيها في البلاد، حتى 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، 3671 حالة، 73 منها على أسرّة المستشفيات، و19 حالة وفاة.
لأول مرة منذ ثلاثة عقود، رُصدت حالات متكررة للإصابة بالكوليرا في لبنان، وهو ما أصابهم بالفزع ودفعهم إلى الإفراط في استخدام الكلور لتعقيم المياه والخضروات. لكن ما مدى خطورته على القدرة الإنجابية للبنانيين واللبنانيات؟
علماً أن العدد الحقيقي ربما يتجاوز ذلك بكثير في ظل عدم وجود اختبارات تشخيص بسيطة بإمكانها الكشف عن العدوى. وهذا ما أشعر اللبنانيين بقلق زائد على إصابتهم وذويهم بالعدوى، وهو ما ترتب عليه إفراط في استخدام أدوات التعقيم وأبرزها مادة الكلور.
دفع ذلك نقيب صيادلة لبنان جو سلوم إلى التحذير قبل أيام وخلال تصريح لقناة "OTV"، مواطنيه من أن "زيادة كمية مادة الكلور في المياه يؤدي إلى أمراض خطيرة كالسرطان والقلب وعدم الإنجاب"، موضحاً أن السلطات قادرة على حصر الكوليرا لأن الموضوع سهل… لا داعي للذعر. الكوليرا في أيامنا هذه لا تُخيف".
وسبق أن حذرت دراسات من أن الآثار الجانبية لكلورة المياه تشمل "احتمال زيادة خطر الإصابة بسرطان المثانة والقولون، بالإضافة إلى آثار سلبية على الإنجاب والنمو بينها زيادة معدلات الإجهاض وتشوهات الأجنة".
ما خطورة الكلور على القدرة الإنجابية؟
في الأثناء، يقول الدكتور فيصل القاق، اختصاصي طب النساء في الجامعة الأمريكية ببيروت ورئيس مجموعة صحة المرأة العربية، لرصيف22، إنه ما من أدلة علمية حاسمة أو نهائية في شأن تأثير الكلور بمياه الشرب على القدرة الإنجابية للنساء والرجال.
ويضيف أن هناك دراسات محدودة تتناول الأثر المحتمل لتناول المياه المعقمة بالكلور أو السباحة في برك مياه جرى تطهيرها بالكلور أيضاً، مبرزاً أن نتائجها تختلف بشكل لا يسمح بتعزيز وجهة نظر تنحاز لأي من الجانبين.
ويشرح: "على سبيل المثال، هناك دراسات تقول إن وجود الفلورين في برك السباحة ليس له أي تأثير على سلامة الحمل والمولود. هناك دراسات أخرى تحذر من مركبات أخرى تستخدم في التعقيم ويضر وجودها بنسب كبيرة الحمل والجنين"، معقباً بأن الأثر الضار المحتمل الذي أشارت له بعض هذه الدراسات يتعلق بالرجال والنساء على السواء.
وبرأي دكتور القاق، فإن السبب في أن "هذه الدراسات متباينة النتائج وغير متراصة" هو "أن نسبة الكلور المستخدمة في التعقيم، بمياه الشرب أو برك السباحة، يختلف من مكان لآخر".
ويردف: "لا يمكننا أن نعتمد أياً من هذه الآراء باعتبارها نهائية وحاسمة. لكن إحدى الدراسات مثلاً وجدت أن ساعة السباحة ببركة بها كلور تعرض الشخص لمشتقات الكلور والمواد الكيميائية بمعدل 140 ضعف الاستحمام بمياه عادية، وأن تناول مياه بها كلور يعادل 100 مرة أكثر من شرب المياه العادية".
"دراسات متباينة النتائج وغير متراصة" تتحدث عن احتمال تسبب زيادة نسبة الكلور في مياه الشرب بـ"زيادة معدلات الإجهاض وتشوهات الأجنة". فما هو المعدل الآمن لكلورة المياه لتفادي الإصبة بالكوليرا؟
تعليمات الاستخدام "الآمن" للكلور
بحسب رئيسة دائرة مكافحة العدوى في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، غادة شعيب، فإنه يمكن مواجهة الإصابة بالكوليرا بإجراءات بسيطة من خلال تعقيم المياه والفواكه والخضروات قبل تناولها.
ومن أبرز هذه الإجراءات تناول المياه المعلبة بطريقة موثوق فيها أو تعقيم مياه الشرب المتاحة باستخدام الفلتر الذي يُخلّص المياه من الشوائب وبعض الجراثيم، ثم غليانها وتركها تبرد وتعبئتها في زجاجات نظيفة. لكنها حذرت من تناولها بعد مرور أكثر من يوم على عملية التعقيم هذه.
اقترحت شعيب أيضاً إمكانية تعقيم المياه بالكلور من خلال وضع نقطتين من الكلور (تركيز أكثر من 5%) لكل لتر واحد من المياه أو أربع نقاط (تركيز أقل من 5%) لكل لتر من المياه، مشددةً على ضرورة ترك هذه المياه بالكلور نصف ساعة قبل تناولها لضمان أنها أصبحت "آمنة تماماً".
واقترحت شعيب تطهير الفواكه والخضروات بنفس الطريقة، في حالة تناولها نيّئة، أي بغسلها بالمياه والصابون ووضعها نصف ساعة في مياه معقمة بالكلور بنفس التركيز المقترح سلفاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...