شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"نحوّل المخلّفات إلى ديكور منزلي"... مشاريع نسائية صديقة للبيئة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 21 أغسطس 202202:42 م

مع إشراقة الصباح الذي يُغطّي الحقول بمحاذاة نهر النيل، والوجوه المُشرّبة بالسُمرة الجميلة، أدركتُ أنني أصبحت على مشارف أسوان، بعد نحو 13 ساعةً من السفر في القطار.

في هذه المحافظة الواقعة جنوب مصر، تنتشر الحِرف التراثية واليدوية التي تعتمد بشكل أساسي على مواد مُعاد تدويرها، وصديقة للبيئة، كمخلّفات النَخيل والأخشاب والفخّار.

وتُعرف إعادة التدوير بأنها عملية تحويل المخلّفات والنفايات إلى منتجات جديدة لها فوائد اقتصادية وبيئية، وتساعد على الحصول على منتجات قابلة للاستخدام مرةً أخرى، وكذلك على خفض استخدام الطاقة، وتقليل استخدام المواد الخام الجديدة، والحد من تلوث المياه والهواء، بالإضافة إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن حرق النفايات، وأيضاً قد تكون إعادة التدوير آليةً تقوم عليها العديد من المشاريع ذات الأهمية والفائدة الاقتصادية الكبيرة.

يمكن أن تشكّل المنتجات الفنية والإبداعية المعتمِدة على إعادة التدوير مصدر دخل للنساء.

وأسوان مدينة تراثية وحضارية عريقة، غنية بالتراث الثقافي، والمناطق الأثرية، ويمتد تاريخها منذ عصور ما قبل التاريخ، إلى العصر الفرعوني فاليوناني فالروماني والقبطي والإسلامي، ثم الحديث فالمعاصر، وهي تضمّ آثاراً من كافة العصور السابقة، بالإضافة إلى غناها بجمال طبيعتها الساحرة، والتراث الإنساني الذي يشمل العادات والتقاليد الأصيلة التي يتميز بها المجتمع الأسواني، والفن الشعبي، والحرف والصناعات التراثية مثل الفخّار والخزف وصناعة الجلود، وصناعة السلال في قرى أسوان والنوبة، وهذا كله يجعلها غنيةً بالمواد القابلة لإعادة التدوير.

من ربّة منزل إلى صاحبة مشروع ناشئ

خلود حسين، سيدة من قرية الكوبانية في محافظة أسوان، لها من العمر 28 سنةً، متزوجة منذ ثماني سنوات، ولديها ولد وبنت.

بدأت قصتها عندما شاركت في تدريب تابع للمجلس القومي للمرأة حول الحِرف اليدوية، وصناعة منتجات من الخرز والجلود. وبعد التدريب دفعها شغفها إلى تنمية مهاراتها بالاستفادة من التدريبات الافتراضية التي تابعتها من المنزل في ظل أزمة كورونا، مما نمّى مهاراتها وقدراتها.

من مشروع "نوبيان كاتو" - المصدر: مواقع التواصل

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية المصاحبة لأزمة كورونا، التي أثّرت على الأحوال المعيشية لمعظم الأسر، قررت خلود بدء مشروعها عام 2020 من المنزل.

تحكي لرصيف22: "اخترت لمشروعي اسم ‘قصقوصة’، لأنه يعتمد على إعادة تدوير بقايا الجلود، التي يشكل التخلص منها مُشكلةً في الورش الموجودة في أسوان، إذ تتكاثر كمياتها مسببةً فوضى في المكان، وهناك صعوبة في التخلص منها، كما أنها تشكل خطراً على البيئة. لكني عملت على دمجها مع الخرز والكروشيه والخوص، وتحويلها إلى منتجات يمكن الاستفادة منها، كالأكسسوارات وأغطية الوسائد، واللوحات ذات التصميمات المستوحاة من التراث النوبي".

بدأت خلود في التسويق لمنتجاتها بدءاً من الدوائر الخاصة بالأهل والأصدقاء. ثم توسعت دائرة زبائنها، وأصبحت تجد مبتغاها في المواسم السياحية، إذ تعرض منتجاتها في المتاحف والبازارات السياحية في أسوان والغردقة. لكنها تحلم بأن يكون لها متجرها الخاص في القاهرة، بعد أن تمكنت من مضاعفة رأسمالها خمس مرات حتى الآن. كما أنها تسعى إلى مساعدة النساء المعيلات، لذا درّبت 20 سيدةً من قريتها إلى الآن ليعملن معها في مشروعها.

ديكورات على الطراز النوبي

سارة ياسين، شابة عشرينية، درست الفنون التطبيقية. لم تنتظر حتى تأتيها فرصة عمل مناسبة، واستطاعت من خلال تأسيس مشروعها الخاص، الذي أسمته "نوبيان كاتو"، تحويل المخلّفات إلى ديكور منزلي.

نشأت سارة في إحدى القرى النوبية في أسوان، وأحبّت طبيعتها، حتى شكلت جزءاً من شخصيتها، ووظفت دراستها للفنون في إحياء التراث النوبي ونشره بين الناس عبر فنّها، فاستغلت مخلّفات الأخشاب والفخّار والزجاج، عبر إعادة تدويرها بالشكل الذي يسمح باستخدامها كمواد فنية، في صنع ديكورات منزلية على الطراز النوبي، وإنتاج لوحات فنية متميزة، وتقول: "اخترت هذه الطريقة لتكون المنتجات من روح البيئة وصديقةً غير ضارّة لها".

من مشروع "نوبيان كاتو" - المصدر: مواقع التواصل

تسعى سارة من خلال مشروعها إلى تحقيق أهداف عدة، فمن ناحية تعيد إحياء ديكور البيت النوبي الأصلي مع إضافة لمسة عصرية إليه لإدخاله إلى بيوت المصريين جميعاً وليس النوبيين فحسب، ومن ناحية أخرى تساهم في إنقاذ البيئة من المخلّفات بشكل مفيد.

توفير وسائل تعليمية للأطفال

تعمل آمال عبد العال، وهي سيدة أربعينية، وأخصائية بتدريب ذوي الإعاقة وتأهيلهم، في مركز طيبة لتأهيل وتدريب ذوي الاحتياجات الخاصة في دمياط، والذي يهتم بالعمل بمنحى تنموي مرتكز ووثيق الصلة بالمجتمع، وفي إطار إمكانياته المتاحة.

ودمياط هي محافظة في أقصى شمال مصر، يلتقي فيها النيل بالبحر الأبيض المتوسط، عند أحد مصبّاته، وتنتشر فيها العديد من الصناعات المحلية، كصناعة الأثاث والسفن، كما أن فيها أكبر ترسانات الصيد في مصر، ويُعدّ ميناء دمياط أحد أهم موانئ مصر، إذ ينشط في استقبال السفن وتتكثف فيه حركة البضائع.

اخترت لمشروعي اسم ‘قصقوصة’، لأنه يعتمد على إعادة تدوير بقايا الجلود، التي يشكل التخلص منها مُشكلةً في الورش الموجودة في أسوان، إذ تتكاثر كمياتها مسببةً فوضى في المكان، وهناك صعوبة في التخلص منها، كما أنها تشكل خطراً على البيئة

تقول آمال في لقاء مع رصيف22: "أسعار الأدوات والوسائل التعليمية، خاصةً اللازمة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، مرتفعة للغاية، ويمثّل توفيرها عبئاً مالياً على المركز والأسر على حد سواء. هذا ما دفعني للبحث عن بدائل ملائمة من خلال إعادة تدوير المواد المتاحة محلياً، وخاصةً مخلّفات الخشب من ورش النجارة، واستخدامها لصنع وسائل تعليمية للأطفال".

واستخدمت آمال أيضاً الزجاجات البلاستيكية وأكياس القش وغيرها، لصنع الوسائل التي تيسّر عملية التعلّم على الأطفال.

مدرسة للتراث

حصلت شيرين محمد مازن، على بكالوريوس اقتصاد وإدارة، وعملت على إدارة منشآت صغيرة، وإدارة الاستثمار لصغار المستثمرين، وانضمت كعضوة في نادي روتاري الغردقة كوزموبوليتان، لتصبح مديرةً لمدرسة "تراث للحرف اليدوية والتراثية" التابعة له، في مدينة الغردقة في محافظة البحر الأحمر، وهي في الأربعينات من عمرها.

من مشروع "مدرسة التراث" - المصدر: مواقع التواصل

تقوم فكرة مدرسة التراث، على تدريب مشغولات سيدات البحر الأحمر وتسويقها وبيعها، والتي تتنوع بين الديكورات المنزلية، والمشغولات اليدوية، والأزياء، والحقائب النسائية، من خلال تدريبهن على العمل من المنزل، ثم تتولى إدارة المدرسة التسويق والبيع، وإمدادهن بالتصميمات الحديثة، ومراقبة الجودة مع التحديث الدائم للتصميمات. وتم تدريب قرابة 1،200 سيدة حتى الآن، وتوفير معرض دائم لمنتجاتهن.

تقول شيرين لرصيف22: "نحرص على أن تكون جميع المنتجات من المواد والخامات الصديقة للبيئة، من خيوط القطن والصوف، إلى جذوع الأشجار المستخدمة في صناعة بعض أنواع الأشغال الفنية النسيجية مثل المكرمية، والزجاج المكسّر المُعاد تدويره في الموزاييك، والرمال والأصداف البحرية المستخدمة في صنع لوحات فنية".

تسعى سارة من خلال مشروعها إلى تحقيق أهداف عدة، فمن ناحية تعيد إحياء ديكور البيت النوبي الأصلي مع إضافة لمسة عصرية إليه لإدخاله إلى بيوت المصريين جميعاً وليس النوبيين فحسب، ومن ناحية أخرى تساهم في إنقاذ البيئة من المخلّفات بشكل مفيد

‏وتضيف السيدة في حديثها: "جاءت الفكرة بعد جائحة كورونا، فالغردقة مدينة تعتمد على السياحة بشكل كلي، وقد أثرت الجائحة على توقف السياحة، مما جعل هناك ضرورةً لتوفير مصادر دخل بديلة للأسر. وقد رأينا أن الاهتمام بالمرأة وتمكينها وتوسيع الفرص الاقتصادية أمامها، عوامل حاسمة لتحقيق ذلك".

العديد من المنتجات الفنية والإبداعية المعتمِدة على إعادة تدوير المواد يمكن أن تُشكّل مصدر دخل للنساء، من أبسط الإمكانات المتاحة، كما تساعد على دخولهن مجال ريادة الأعمال، وتوفر بدائل مناسبةً للعديد من السلع التي ترتفع أسعارها يوماً بعد آخر.

وهناك الكثير من النماذج الملهِمة في مصر التي نجحت بالفعل في هذا، مستفيدةً من شغفها، ورغبتها التي لا تنطفئ في التعلم وخوض التجارب والنجاح.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image