شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"مخلّفات الطعام تشكّل ثروةً حقيقيةً"... مصريّون يدوّرون النفايات باستخدام الديدان والحشرات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الثلاثاء 2 أغسطس 202203:23 م

بالرغم من كل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها المصريون، تُعدّ معدلات إهدار الطعام في مصر عاليةً، إذ بلغ حجم إهدار الفرد السنوي من الطعام فيها 91 كيلوغراماً عام 2021، وفقاً لإحصائيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

ولعل قسماً كبيراً من المصريين لا يعلمون بأن مخلّفات الطعام تشكل ثروةً اقتصاديةً حقيقيةً، يمكن الاستفادة منها إذا ما تمت إعادة تدويرها وتحويلها إلى سماد عضوي، باستخدام الديدان والحشرات.

لكن كيف يتم ذلك؟

المخلفات العضوية موجودة في كل بيت، وتحديداً الفواكه المعطوبة والحطب وأوراق الشجر والطعام المهدور.

أفضل أنواع السماد

يجيب أحمد حسن، وهو صاحب واحدة من أكبر مزارع الحشرات في مصر، عن هذا السؤال الذي طرحه رصيف22، شارحاً:

"المخلفات العضوية موجودة في كل بيت، وتحديداً تلك الناتجة من الزراعة كالفواكه المعطوبة والحطب وأوراق الشجر، كذلك الطعام المهدور، ومخرجات الماشية والدجاج من الروث؛ كلها نفايات تخرج منها انبعاثات غازية تفوق ما يخرج من عوادم السيارات، وتسبب تلوثاً يساهم بشكل أو بآخر في التغيرات المناخية التي نلمسها اليوم جميعاً".

من هنا، تأتي أهمية تحويل تلك المخلفات إلى سماد عضوي كما يقول حسن، عن طريق الحشرات والديدان التي تتغذى عليها وتحوّلها إلى سماد الديدان، أو ما يُعرف باسم "فيرمي كمبوست"، الذي يُعدّ من أجود أنواع السماد الطبيعي في العالم، لأنه ناتج من تحلل المخلفات الزراعية التي تتغذى عليها ديدان الأرض لتخرجها في شكل سماد حيوي.

اهتمام أحمد حسن، صاحب الأربعين عاماً، بالتنمية المستدامة منذ سنوات، جعله حريصاً على القراءة والبحث في عالم الديدان والحشرات، وكيفية استخدامها في إنقاذ البيئة من التلوث. لذا ابتعد عن مجال عمله الأساسي كمخرج مسرحي ومؤسسٍ لمركز خاص بالتنمية الثقافية، لينغمس في عالم تدوير النفايات ويؤسس واحدةً من أوائل مزارع تربية الديدان والحشرات في مصر، ويقول عنها: "بدأت بديدان الأرض التي تتغذى على الفضلات العضوية أو كل ما يخرج من الأرض، ثم ديدان الدقيق التي تعيش في الدقيق وتتغذى على البلاستيك. وتعرفت بعدها على ذبابة الجندي الأسود، وهي كنز في حد ذاتها، فمنها نستخرج السماد والبروتين والدهون. حينها قررت أن تكون هي أساس مشروعي، وهو عبارة عن إنشاء وحدات للتخلص الآمن من المخلفات العضوية عن طريق الحشرات. المشروع موجود في دول كثيرة، وحجم الاستثمار فيه ضخم، يصل إلى ملياري دولار سنوياً في الدول الأوروبية".

أحمد حسن ضمن مزرعته لتدوير النفايات العضوية باستخدام الديدان والحشرات

ويشير إلى أن الحشرات المذكورة من ديدان وذباب، تتغذى على المخلفات العضوية وتحولها إلى سماد عضوي، يمكن من خلال استخدامه الاستغناء عن السماد الكيماوي، وما تسببه مصانع هذا الأخير من تلوث بيئي حاد. كما أن ما يخرج من تلك الحشرات من بروتين ودهون، يدخل في صناعات عدة، كالأعلاف والزيوت والصابون ومستحضرات التجميل، ومن هنا تأتي أهميتها الاقتصادية.

ذبابة الجندي الأسود

ذبابة الجندي الأسود هي البطل في حكاية أحمد حسن، بالإضافة إلى الحشرات والديدان، فهي كما وصفها "الحصان الرابح"، إذ يشكل البروتين 45% من تكوينها، الأمر الذي يمكن أن يشكل حلاً لأزمة مصادر البروتين المستخدم في صناعة العلف الحيواني، والتي تصبح نادرةً عاماً بعد آخر، ولا بد من إيجاد بديل لها، خاصةً مع ازدياد الاستهلاك العالمي للّحوم ما يهدد الأمن الغذائي لجميع البلدان.

ويضيف حسن: "بعد أبحاث عديدة أجريناها في مركز البحوث المصرية، وجدنا أن قشرة هذه الحشرة أو هيكلها الكيتيني غني بمادة الكيتوزان التي تدخل في صناعة مئات المنتجات المختلفة. يُبرز هذا أهمية تحويل مشروع تربية ذبابة الجندي الأسود إلى مشروع قومي تتبناه الدولة المصرية".

مراحل متعددة

يحصل أحمد على المخلفات العضوية وبجمعها من أماكن متفرقة. تُنقل إلى مقارّ مزارعه ثم تُطمر في براميل ذات سعات مختلفة تتراوح من 100 إلى 200 كيلوغرام، وتُغلق بإحكام وتُترك لمدة 15 يوماً حتى تتحلل، ثم تُفرم وتُقدّم كطعام جاهز للدود الذي يتغذى عليها لمدة 25 يوماً، ثم يدخل في مرحلة السكون، فتتحول الديدان إلى أنابيب سوداء جافة هي عبارة عن هيكل كيتيني.

الحشرات من ديدان وذباب، تتغذى على المخلفات العضوية وتحولها إلى سماد عضوي، يمكن من خلال استخدامه الاستغناء عن السماد الكيماوي، وما تسببه مصانع هذا الأخير من تلوث بيئي حاد. كما أن ما يخرج من تلك الحشرات من بروتين ودهون، يدخل في صناعات عدة

"حينها نجمع ما خلّفته من فضلات ليكون هو السماد العضوي، أما الهياكل السوداء فنأخذ جزءاً منها ونودعه في حضّانات تتحول فيها إلى ذبابة سوداء، تضع بيضاً يتحول إلى ديدان بعد مدة لا تزيد عن عشرة أيام حسب درجة الحرارة، لتبدأ دورة جديدة"، يضيف حسن.

أما الجزء الأكبر من الهياكل السوداء، فيُجمع لتُستخرج منه مادة الكيتوزان، وهنا يشير صاحب المشروع إلى أن هذه المادة يمكن الحصول عليها عادةً من القشريات البحرية مثل الجمبري وسرطان البحر وجراد الحبر، ويتطلب ذلك إنشاء مزارع سمكية، ومشكلتها أنها تستهلك كميات ضخمةً من المياه وأسماك التغذية، مما يعني تكلفةً عاليةً جداً وهدراً للموارد الطبيعية، "في حين أننا نمتلك مصدراً طبيعياً آخر هو ذبابة الجندي الأسود التي تتغذى على الفضلات، فهي تحمي البيئة من التلوث وتساهم في انتعاش الاقتصاد في وقت واحد".

ضرورة الدعم الحكومي

يؤكد أحمد حسن، أن رأس مال مشروعه حالياً لا يزيد عن مليون ومئتي ألف جنيه (قرابة 63 ألف دولار)، لكنه يطمح إلى أن يتحول من الإنتاج الشهري إلى اليومي، وهذا يحتاج إلى ميزانية ضخمة قد تصل إلى 50 مليون جنيهاً، وهو ما دفع أحمد وفريق عمله للتواصل مع العديد من المستثمرين في مصر وخارجها للحصول على التمويل اللازم. ويضيف في هذا السياق: "حالياً نتعاون مع مؤسسة خاصة تستثمر في مشروعنا لتوفير ما تحتاجه من سماد عضوى لمزارعها، لكن مؤسسةً واحدةً لا تكفي".

"وماذا عن الدعم الحكومي؟"، يجيب: "مع بداية المشروع كان لا بد من أن نتواصل مع جهات حكومية مختلفة كوزارتي البيئة والزراعة للحصول على تصاريح، ومركز البحوث لإجراء التحاليل اللازمة، وهيئة الأعلاف وهيئة التصنيع لنقيس جودة منتجنا. ونسعى حالياً إلى توقيع أكثر من بروتوكول مع وزارة البيئة المصرية لاعتماد المشروع كنموذج عملي يمكن تطبيقه بدعم حكومي".

فلكي تحقق الاستفادة الكاملة من المشروع، وفق حديث أحمد، يجب أن يتوسع ويتحول إلى منظومة متكاملة تضم أماكن لتجميع المخلّفات ومزارع للحشرات ومعامل للفصل ومصانع تنتج الأعلاف والزيوت والمستحضرات التجميلية. وهذا لن يتحقق إلا بالتمويل الحكومي أو الاستثمار الخاص. "حينها يمكن أن نلمس تغيرات في الوضع البيئي وكذلك الاقتصاد المصري".

لكي تحقق الاستفادة الكاملة من المشروع، يجب أن يتوسع ويتحول إلى منظومة متكاملة تضم أماكن لتجميع المخلّفات ومزارع للحشرات ومعامل للفصل ومصانع تنتج الأعلاف والزيوت والمستحضرات التجميلية. وهذا لن يتحقق إلا بالتمويل الحكومي أو الاستثمار الخاص

نشر الفكرة

يشير الدكتور شاكر أبو المعاطي، أستاذ المناخ في المعمل المركزي للمناخ الزراعي، إلى أن كل كيلوغرام من ديدان الأرض يأكل يومياً عشرة كيلوغرامات من المخلفات، وذلك وفق تجارب أُجريت في المعمل. "لنا أن نتخيل كم هي مفيدة للتخلص من النفايات. ليس هذا فقط، بل هي تخرجها في هيئة سماد عضوي، يساهم في تغذية المحاصيل بشكل طبيعي بعيداً عن الأسمدة الكيماوية المتعارفة، ويقلل عدد مرات الري لأن من أهم ميزاته حبس الماء في التربة".

ويضيف أبو المعاطي خلال حديثه إلى رصيف22، إلى أن استخدام الديدان في إعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى سماد عضوي مشروع تبنّته وزارة الزراعة المصرية منذ عام 2007، باستيراد الديدان وإجراء البحوث والدراسات والتجارب عليها، وإقامة الدورات لتشجيع الشباب على تأسيس مزارع لتلك الديدان. "بالفعل في السنوات الأخيرة انتشرت الفكرة وازداد عدد المزارع التي ساهمت بشكل كبير في نشر ثقافة استخدام السماد العضوي بدلاً من الكيماوي".

بدوره، يتحدث المهندس الزراعي باسم مطاوع، مؤسس مبادرة المبدعين الزراعيين، قائلاً إن استخدام الديدان وخصوصاً الحمراء في إعادة تدوير النفايات هو أحد أهم الموضوعات التي تتبناها المبادرة منذ ثلاث سنوات، لما يمثله من أهمية كبيرة، فالسماد العضوي الناتج عن عملية التدوير تلك يغني بنسبة 90% عن الأسمده الكيماوية المتعارفة، لأنه غني بكافة العناصر الغذائية التي يحتاجها النبات، وينمّي البكتيريا النافعة في التربة، ويساهم في زيادة المحاصيل بنسبة 20 إلى 30%.

"مع ذلك تواجه هذه المشاريع صعوبةً في مصر، فالمزارعون المصريون ليست لديهم ثقافة استخدام الأسمدة العضوية بشكل كبير، لكننا نعمل على نشر الموضوع بقدر الإمكان"، يختم حديثه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image