يقف السودان هذا الأسبوع على مشارف كارثة طبيعية تتجدد في فصل الخريف من كل عام، مع استمرار فيضانات النيلين الأزرق والأبيض في وقت يتزامن مع هطول أمطار الخريف الموسمية، وسط تحذيرات من وزارة الري والموارد المائية في السودان بتوخي الحيطة والحذر، بعد إعلانها تجاوز منسوب نهر النيل لمستوى الفيضان الذي كان متوقعاً.
وأعلنت لجنة الفيضان أمس الجمعة 6 أغسطس/ آب في تقريرها الدوري أن منسوب النيل في العاصمة الخرطوم ارتفع إلى 16.74 متراً، ووصل إجمالي تجاوز منسوب الفيضان 24 سنتيمتراً. هذا الارتفاع الهائل البالغة حصيلته ملايين الأمطار المكعبة من المياه، حدث خلال أقل من أسبوع.
ففي البيان اليومي للجنة الفيضان الصادر يوم الأحد الأول من أغسطس/ آب الجاري، ذكرت اللجنة أن المنسوب عند العاصمة الخرطوم كان لا يزال أقل بنصف سنتيمتر عن منسوب الفيضان. إلا أن منسوب العام الحالي، برغم زيادته المتسارعة، لا يزال منخفضاً، مقارنة بمنسوب العام الفائت الذي بلغ عند ذروته 17.5 متراً، وهو منسوب قياسي غير مسبوق.
وبحسب تقارير الأرصاد اليومية كما تابعها رصيف22 على مدار الأسبوع المنقضي، لا تزال الأمطار في الخرطوم نادرة على غير العادة في الخريف، ما يحمل بعض الطمأنينة لأبناء السودان. إلا أن المخاوف لا تزال مرتفعة من أن تشهد البلاد كارثة مشابهة لما واجهته خلال فيضان العام الفائت، الذي أدى – حسب تقديرات- إلى وفاة أكثر من 100 شخص، وتسبب في هدم 37 ألف منزل كلياً وتضرر 39، ما نجم عنه تشريد نحو نصف مليون شخص. يضاف إلى ذلك تضرر أو هدم 34 مدرسة ونحو 2700 مرفق صحي.
خلال كارثة 2020، كان خط الدفاع الرئيس في السودان هو المبادرات الشعبية، التي استطاعت أن تحشد مساعدات شعبية من دول عربية مجاورة - على رأسها مصر- لمواجهة الفيضان، في حين تأخرت الحكومات العربية، ومنها الحكومة المصرية عن مد يد المساعدة. إلا أن تحول الكارثة الإنسانية في السودان إلى هاشتغات واسعة الانتشار، دفع الحكومات العربية للتحرك متأخرة لإرسال مساعدات أسهمت في مواجهة الأزمة.
ويبدأ موسم الأمطار الخريفية في السودان من يونيو/حزيران ويستمر حتى أكتوبر/تشرين الأول، وتهطل عادة أمطار قوية في هذه الفترة، وتواجه البلاد فيها سنوياً فيضانات وسيولاً.
حسب تقارير الأرصاد الجوية اليومية كما تابعها رصيف22 على مدار الأسبوع المنقضي، لا تزال الأمطار في الخرطوم نادرة على غير العادة في الخريف، ما يحمل بعض الطمأنينة لأبناء السودان
استعدادات الحكومة
اكتفت السلطات السودانية باتخاذ جملة "من التدابير الاحترازية متمثلة في أجهزة تشغيل الإنذار المبكر وتكثيف محطات الرصد وإعداد نشرات لمستوى الفيضان وتوزيعها على الجهات المختصة".
وتتوقع لجنة الفيضانات أن ولايات سنار والخرطوم وعطبرة هي الأكثر عرضة للفيضان، وبدأ سكان هذه الولايات في تشييد الحواجز الترابية التقليدية لمنع تدفق المياه إلى الأحياء السكنية. إلا أن هذا الحواجز لم تنفع السودانيين خلال فيضانات 2014 و2019 و2020. ودعت السلطات سكان هذه الولايات إلى أخذ الحيطة والحذر.
ويتعرض السودان إلى هذه الفيضانات بشكل موسمي نتيجة غياب الاجراءات الاحترازية، كالتوسع في إنشاء السدود التي من شأنها حماية البلاد من الغرق، لا سيما أن في السودان أنهاراً كثيرة وتتعدد فيه روافد نهر النيل.
وأنتجت سنوات حكم الرئيس السابق عمر البشير، وتوجيه الإنفاق العام نحو التوسع الأمني في إضعاف البنية التحتية في السودان، ويرى السودانيون في انهيار هذه البنية عنصراً يسهم في تحول الفيضانات إلى موسم للموت والتشريد. ويعيب السودانيون على حكومة الإنقاذ الحالية أنها لم تضع تجديد البنية التحتية ضمن أولوياتها.
فضلاً عن ذلك، يثير ضعف البنية التحتية قلقاً من نوع آخر، وهو تداعيات ركود مياه الفيضانات، وما تسببه من أوبئة موسمية، على رأسها الملاريا والكوليرا، وأمراض الجهاز الهضمي جراء تفشي النواقل (البعوض والذباب). وذلك في ظل ضعف قدرة البلاد على مواجهة فيروس كورونا والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
صرح الماحي محمد سليمان، والي سنار، إحدى أكثر الولايات تأثراً بخريف العام الماضي، عن "رفع نسبة الاستعداد بالولاية إلى 100%" فور اقتراب منسوب النيل من مرحلة الفيضان.
وقال الماحي لرصيف22 إن استعدادت الدولة شملت تأهيل الجسر الواقي بحاضرة الولاية مدينة سنجة، بعدما تسبب انهياره في مفاقمة أزمة المدينة خلال موسم الفيضان السابق.
وأضاف: "جرى إعادة توطين 100 ألف من مواطني الولاية بمناطق آمنة، بدلاً عن مناطق سكناهم السابقة في محالٍ معرضة لأخطار السيول".
وكونت الخرطوم غرفة عليا برئاسة الوالي أيمن نمر لمجابهة فصل الخريف، تضم عدة جهات كوزارة البنى التحتية، وشرطة الدفاع المدني، ووزارة الصحة، بجانب المحليات.
وعن خطط الولاية، قال مدير إدارة الدفاع المدني اللواء عثمان عطا لرصيف22 إن خطط الولاية تشمل تكوين غرف فرعية لطوارئ الخريف بمحليات الولاية السبع، وتقوية التروس الترابية في المناطق التي تشهد هشاشةً، وترفيع الجسور الواقية، وفتح مصارف الأمطار.
وكشف عن نشر 30 نقطة ارتكاز على طول الشريط النيلي، وتخصيص الرقمين 999 و998 لأغراض التدخل السريع.
يثير ضعف البنية التحتية قلقاً من نوع آخر، وهو تداعيات ركود مياه الفيضانات، وما تسببه من أوبئة موسمية، على رأسها الملاريا والكوليرا، وأمراض الجهاز الهضمي جراء تفشي النواقل (البعوض والذباب)
وشكوك شعبية
لكن في مقابل كل تلك التحركات الحكومية؛ تبرز مخاوف لدى السودانيين بشأن فاعلية خطط الدولة لمواجهة موسم السيول والأمطار.
يقول نجم الدين الرضي، وهو يقطن بضاحية الكدرو شماليّ العاصمة، لرصيف22 إن الخرطوم ما تزال تعاني تبعات هطول المطر لمرتين فقط خلال آخر أيام يوليو/ تموز الماضي.
وأضاف: "الأحاديث عن تولي حكومة الولاية درء السيول وتصريف مياه الأمطار أمر يجافي الواقع تماماً. إذ يواجه الأهالي وسائقو المركبات صعوبات كبيرة في الحركة جراء ركود المياه في معظم الشوارع، وفي ظل انتشار النفايات. هذا وضع ينذر بأن الخرطوم على حافة كارثة بيئية وصحية".
وتابع: "إن عجزت حكومة الولاية في التعامل مع أمطار يوليو، فستكون لا محالة أعجز عن التعامل مع فيضان النيل والأمطار المتوقع هطولها خلال أغسطس/آب الذي يعد ذورة موسم الفيضان بالبلاد".
ونادت وزارة الصحة ولاية الخرطوم، والمواطنين، بضرورة رفع مستويات الوعي الصحي لديهم بشأن أمراض الخريف، والمشاركة في الأنشطة الوقائية التي تشمل تنظيف المصارف، والإكثار من استخدام المبيدات الحشرية، والناموسيات الواقية، وتغطية الأكل ومياه الشرب.
المبادرات تستعد
خلال سنوات حكم البشير وبعد رحيله، ظلت المبادرات الشعبية - بعضها محسوب على أحزاب وكتل سياسية تنتمي إلى اليسار والوسط الإسلامي (الأنصار)- عماد مواجهة الكوارث البيئية التي يمر بها السودان.
يقول عثمان يوسف، عضو مبادرة "الأيدي البيضاء"، إن المبادرة شرعت في تنظيم حملات نظافة بالأحياء، والمشاركة في عمليات رش لنواقل الأمراض، وتجهيز خيم إيواء ومساعدات طبية تحسباً للفيضان.
خلال سنوات حكم البشير وبعد رحيله، ظلت المبادرات الشعبية عماد مواجهة الكوارث البيئية التي يمر بها السودان
ومما يزيد من أخطار موسم الفيضان الحالي مقارنة بالأعوام السابقة، شكوى السودان من إمساك إثيوبيا عن تزويده بالمعلومات بشأن الموقف المائي في النيل الأزرق.
ومما يزيد من أخطار موسم الفيضان الحالي مقارنة بالأعوام السابقة، شكوى السودان من إمساك إثيوبيا عن تزويده بالمعلومات بشأن الموقف المائي في النيل الأزرق.
وأعلنت السلطات في 23 يوليو/ تموز الماضي حالة الطوارئ بمنطقة سد مروي، شمال البلاد، بعد وصول كميات كبيرة تجاوزت التوقعات، بعد أيام من إعلان إثيوبيا تعبئة ثانية غير متفق عليها لبحيرة سد النهضة.
وأعلنت وزارة الري فتح بوابات سدود الروصيرص، وسنار، وستيت (على النيل الأزرق) ومروي (على النيل الرئيسي)، وتعبئة خزان جبل أولياء (على النيل الأبيض) تحسباً لإطلاق إثيوبيا كميات كبيرة من المياه، في اختباراتها لتوربينات توليد الكهرباء بسد النهضة.
ورغم إعلانها الفراغ من المرحلة الثانية من ملء الخزان، قدّر وزير الري السوداني، ياسر عباس في مؤتمر صحافي، بالخرطوم، ما حجزته إثيوبيا خلال المرحلة الثانية لملء سد النهضة بنحو أربعة مليارات متر مكعب من المياه، خلافاً لتصريحات قادتها المطالبة بحجز 13.5 مليار متر مكعب من المياه.
ويصر السودان ومصر على أهمية إلزام إثيوبيا باتفاق قانوني يضمن مشاركتهما في عملية إدارة وتشغيل سد النهضة الواقع على مقربة من الحدود السودانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 19 ساعةأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...