شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الأشجار لم تعد تطرح"... مزارعو الجوافة والمانغو في مصر قلقون من تقلّبات المناخ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

السبت 7 مايو 202212:48 م

"ورثت مهنتي كمزارع، أباً عن جد، منذ أن كان عمري 15 عاماً. بالرغم من امتهاني عملاً آخر، وهو صناعة الأثاث التي أعمل فيها مساء كل يوم، إلا أنني لم أترك مهنتي الأساسية كمزارع"، يقول إسماعيل عبد الرازق (48 عاماً)، وهو مزارع في محافظة دمياط.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "طوال سنوات عمري أزرع محصول الجوافة التي لطالما اشتهرت بها محافظة دمياط، وكانت تصدّرها إلى الخارج. لكن قبل سنوات، بدأت بزراعة محاصيل بديلة مثل المانغو والليمون والبلح، إذ إن أشجار الجوافة لم تعد تطرح، وإن طرحت تأكلها الديدان، والمبيدات لا تؤتي ثمارها".

واختتم عبد الرازق حديثه قائلاً: "قديماً كانت تُلقَّب قرية السنانية في محافظة دمياط ببلد المليون نخلة، لتوسعها في زراعة أشجار الجوافة ونخيل البلح. أما الآن فقد فقدت البلدة شهرتها بعد تلف المحاصيل، من دون أن نعلم السبب وراء ذلك".

أشجار الجوافة لم تعد تطرح، وإن طرحت تأكلها الديدان، والمبيدات لا تؤتي ثمارها.

الحمادي الحصى، وهو مزارع جوافة في محافظة دمياط، يؤكد لرصيف22، هو الآخر، أن للتغيرات المناخية تأثيرها السلبي على محصول الجوافة، إذ تؤدي الرطوبة وارتفاع درجات الحرارة إلى تساقط الحبات الصغيرة من ثمار الجوافة، وتتسبب الرياح الشديدة بضعف الحبات على الشجر وتساقطها.

وتُعدّ مصر من البلدان الأكثر تأثراً بظواهر الطقس الناتجة عن التغيرات المناخية، مثل موجات الحرارة أو الصقيع غير المسبوقة، وقد تكررت في الأعوام الأخيرة. وتشير دراسات إلى أن قطاع الزراعة هو الأكثر تأثراً بهذه التغيرات، مع قدرته الضعيفة، خاصةً في المجتمعات الريفية، على تجاوز الضغوط التي تفرضها.

ديدان وذباب

يقول حامد شاهين، وهو رئيس جمعية الخضر والفاكهة في دمياط، في لقاء مع رصيف22: "بالفعل تراجعت المحافظة في زراعة محصول الجوافة مؤخراً، إذ أصيب المحصول بديدان النيماتودا التي تسببت في تلف المحصول وقضت عليه، بالإضافة إلى ذباب الفاكهة، ومع تراجع زراعتها توسع المزارعون في زراعة المانغو والبطيخ كبديل منها، بعد أن باتت زراعة الجوافة أمراً شبه نادر".

ويشير شاهين إلى توقفه هو الآخر عن زراعة الجوافة قبل 15 عاماً، بسبب الأمراض التي بدأت بإصابة المحصول. "كنت أزرع خمسة فدادين، واستبدلتها بالمانغو"، يضيف شارحاً.

الأرض التي يزرعها إسماعيل عبد الرازق - تصوير سهاد الخضري

ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، "وسعت بعض الآفات نطاق عائلها أو توزيعها، على الأقل جزئياً بسبب التغيرات في المناخ، ومن بين هذه الآفات ذباب الفاكهة".

ويتفق محمود بدر، رئيس جمعية السنانية الزراعية، مع شاهين، قائلاً لرصيف22: "هناك تأثير واضح للرياح والصقيع على ثمار الجوافة وصغار البراعم مما يؤدى إلى نقص الإنتاجية بنحو 40%، وقد تراجعت زراعة الجوافة في دمياط من نحو 12،000 فدان إلى 500. أنا شخصياً تقلصت المساحة التي أزرعها بالجوافة من ثلاثة فدادين قبل خمس سنوات إلى فدان واحد ينتج نحو عشرة أطنان".

يوضح بدر أن الرياح الشديدة تؤدي إلى تشوه الثمار، بالإضافة إلى تأثير ذبابة الفاكهة، مما يصيب الثمار بالديدان. ويوضح أن ذباب الفاكهة يكون في الأرض المزروعة بثمار المانغو تحديداً، ونظراً لاقتراب أشجار الجوافة والمانغو من بعضها البعض باتت تنتقل من الثانية إلى الأولى.

هناك تأثير واضح للرياح والصقيع على ثمار الجوافة وصغار البراعم مما يؤدى إلى نقص الإنتاجية بنحو 40%، وقد تراجعت زراعة الجوافة في دمياط من نحو 12،000 فدان إلى 500

تراجع إنتاجية الجوافة 10%

أما حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين في مصر، فأكد في تصريحاته لرصيف22، أن التغيرات المناخية لعبت دوراً بارزاً في التأثير على المحاصيل الزراعية، ويختلف التأثير من محصول إلى آخر حسب ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها، ودرجة الرطوبة وشدة الرياح، مشيراً إلى تأثير هذه التغيرات على محصول الجوافة، إذ أدت إلى انتشار الحشرات التي تبيض داخل الجوافة وتظهر في شكل ديدان داخل الثمرة، وهو ما يؤدي إلى تلف كميات كبيرة من المحصول ويقلل الإنتاجية، هذا إلى جانب الصقيع الذي يسبب حرق أوراق الجوافة وتقليل إنتاجيتها في بعض الأحيان.

يضيف أبو صدام: "إنتاجية الجوافة مؤخراً قليلة وأسعارها مرتفعة، إذ تراجعت الإنتاجية بنحو 10%، وذلك في عموم مصر".

ووفقاً للمعطيات التي أوردها، تزرع مصر حالياً ما يعادل 40 ألف فدان من الجوافة على مستوى الجمهورية، بإنتاجية تُقدَّر بنحو 340 ألف طن سنوياً، وتشتهر بها محافظات دمياط والإسكندرية والقليوبية ومنطقة النوبارية في محافظة البحيرة، إلى جانب الدقهلية والمنيا وبني سويف التي تنتجها بكميات أقل.

وينبّه أبو صدام إلى أن المساحة المزروعة بالجوافة قبل عشر سنوات، كانت تُقدَّر بمئة ألف فدان، بإنتاجية 600 ألف طن.

الأرض التي يزرعها إسماعيل عبد الرازق - تصوير سهاد الخضري

"روشتة" علاج الجوافة

ينوّه أبو صدام بعدد من الخدمات المقدمة من النقابة لعموم الفلاحين: "نعمل على تقديم التوعية والإرشاد، من خلال تنظيم المؤتمرات كل فترة وتوصيل شكواهم إلى الجهات المعنية".

وينصح المتحدث المزارعين بالعمل على تلافي تأثير التغيرات باتباع الخطوات التالية: الري المعتدل طوال العام، والانتباه إلى عدم الري في حال وجود رياح شديدة، ورش المبيدات اللازمة حال ظهور أي أمراض، والتسميد الجيد، واختيار الأصناف الجيدة المقاومة للأمراض، وفي حال هطول الأمطار لا بد من تطهير مجاري الصرف وتصفية المياه حتى لا تسبب عفناً في الجذور.

نقابة الفلاحين لا تقدم لنا كمزارعين في المحافظات البعيدة شيئاً.

فيما أوصى الدكتور أحمد فخري علي عبيد، مدير محطة البحوث الزراعية في قرية المراشدة في محافظة قنا، بتجنب الأضرار التي قد تسببها التغيرات المناخية، مشيراً إلى أهمية اتباع عدد من التوصيات الفنية، ومنها الاهتمام بزراعة مصدّات الرياح حول بساتين الموالح أو الحمضيات، قبل إنشاء المزرعة بعامين، والاهتمام بعمليات الري والتسميد والتقليم ومقاومة الآفات والأمراض.

إلا أن الفلاحين يختلفون في آرائهم حول الخدمات المقدمة لهم من النقابة والجمعيات الزراعية، والتي يبلغ عددها في مصر أكثر من 800 جمعية، للمساعدة في مواجهة تقلبات الطقس وتأثيرها على محاصيلهم. في حين ينوه شاهين بدور النقابة في مساعدة الفلاحين لصرف المبيدات والأسمدة وتقديم إرشادات لتحسين التربة. يقول بدر: "للأسف نقابة الفلاحين لا تقدم لنا كمزارعين في المحافظات البعيدة شيئاً، كما أن الإرشاد الزراعي في مديرية الزراعة لا يبلغنا بكيفية التعامل مع الأمراض التي تصيب المحصول".

المزارع محمود بدر - خاص رصيف22

المانغو أيضاً

أشار أبو صدام إلى تأثر محصول المانغو هو الآخر بارتفاع درجات الحرارة مما يؤدي إلى إصابته بالعفن الهبابي، وهو نوع فطريات يسبب سقوط جنين المانغو في المراحل الأولى للنمو، ويقدّر نسبة تراجع الإنتاجية لهذا المحصول بقرابة 40 في المئة. ويضيف نقيب الفلاحين: "نزرع نحو 200 ألف فدان مانغو يُصدَّر منها قرابة 40 ألف طن من إجمالي 100 ألف طن إنتاج، وتحتل محافظتا الإسماعيلية والشرقية المراكز الأولى في زراعتها".

بدوره يؤكد الدكتور أحمد فخري، على التأثيرات الواضحة للتغيرات المناخية على محصول المانغو، الذي يتأثر بدرجات الحرارة المتطرفة أو الرياح الشديدة مما قد يتسبب في تساقط الأزهار والثمار الصغيرة بعد العقد، والثمار قبل النضج.

التغيرات المناخية لعبت دوراً بارزاً في التأثير على المحاصيل الزراعية، ويختلف التأثير من محصول إلى آخر حسب ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها، ودرجة الرطوبة وشدة الرياح

وفي حديث إلى رصيف22، يقارن الدكتور أحمد يسن محمد، رئيس البحوث في قسم الفاكهة الاستوائية في مركز البحوث الزراعية، حال محصول المانغو خلال العام الحالي وبحاله في العام الفائت: "في العام الماضي شهدت مصر تقلبات واضحةً في درجات الحرارة بين انخفاض وارتفاع في أثناء عملية التزهير، مما أدى إلى سقوط الأزهار والثمار الصغيرة، وهو ما عاد بالسلب على الإنتاجية التي تراجعت بنسبة تقترب من 50%".

لكن في العام الجاري، تشهد مصر طقساً معتدلاً إلى حد ما، وقد تأخرت عملية تزهير المانغو لشهر آذار/ مارس، على عكس العام الماضي الذي حدثت فيه عملية التزهير في منتصف كانون الثاني/ يناير، وتوقع يسن، أن يأتي إنتاج محصول المانغو مبشراً هذا العام، إذ تتراوح إنتاجية الفدان الواحد من 4.5 إلى 4.7 طن.

ويوجه يسن نصائحه إلى مزارعي المانغو هذا العام بالاهتمام بعملية الري من دون إسراف في أثناء عملية التزهير وعقد الثمار، وأن يتم ذلك إما في الصباح الباكر أو عند المغرب، حتى لا تحدث إصابات فطرية نتيجةً لارتفاع نسبة الرطوبة، مع ضرورة اتباع برنامج تسميد متوازن للحصول على محصول جيد، وعدم الإسراف في رش المبيدات، والحرص على ملاحظة المحصول خشية أن يصاب بفطر البياض الدقيق ولفحة الأزهار والري.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image