شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"ثلث الطلاب يتغيّبون بسبب الطقس"... مطالب لتكييف الدراسة في مصر مع تقلّبات المناخ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 8 سبتمبر 202212:19 م

"ما يخلّوا الدراسة في الصيف والإجازة في الشتاء!"؛ فكرةٌ طُرحت على مواقع التواصل الاجتماعي من بعض أولياء أمور الطلاب المصريين مؤخراً، عندما توقفت الدراسة لأكثر من مرة العام الماضي في محافظات عدة، مثل الإسكندرية ودمياط وبورسعيد والبحيرة وكفر الشيخ والسلوم، بسبب سوء الأحوال الجوية.

بالرغم من أن تلك الفكرة تجد صعوبةً كبيرةً في تنفيذها، إلا أنها أرجعتني في الذاكرة إلى أعوام ماضية، عندما كنت طالبةً في المرحلة الابتدائية، ولا بد أن أستيقظ في السابعة صباحاً في فصل الشتاء والبرد القارس لكي أرتدي ملابسي وأذهب إلى المدرسة التي لا تبعد أكثر من 100 متر عن منزلي. وبالرغم من قرب المسافة بين منزلي والمدرسة، كان كل ما يدور في مخيلتي حينها: لماذا أصحو في هذا البرد من تحت الغطاء الدافئ، وأذهب إلى المدرسة؟ ولماذا تأتي غالبية أيام الدراسة في فصل الشتاء ولا تأتي في الصيف؟

"ما يخلّوا الدراسة في الصيف والإجازة في الشتاء!"

وبالطبع فإن تغيير البرنامج الدراسي ليس بالأمر السهل، طبقاً لما أكده الدكتور أحمد الجيوشي، نائب وزير التربية والتعليم الأسبق، لرصيف22، مشيراً إلى أن تثبيت الخطط الدراسية يساعد جداً على انتظام الدراسة، وهي ثابتة في معظم دول العالم لا تتغير إلا في حدود أيام قليلة، وفق بداية الأسبوع الذي تنطلق فيه الأعوام الدراسية. لكن الأمر بدأ يأخذ حيزاً في نقاشات المعلمين وأولياء الأمور بسبب التقلبات التي بات طقس مصر يشهدها في السنوات الأخيرة.

ويتحدث تقرير صادر عن منظمة اليونيسف العام الفائت، عن أن التغير المناخي سيعرقل عملية التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الفترة الحالية، إذ تحول فترات الحر الشديد دون ذهاب الأطفال بالفعل إلى المدارس، كما تفعل العواصف الرملية الشديدة كالتي تشهدها دول الخليج، كما أشارت إلى أن عدم انتظام الطلاب في الحضور يؤثر سلباً على نتائج التعلم.

العواصف في الإسكندرية تغلق المدارس

خلال السنوات الأخيرة، تحكمت حالة الطقس بصورة كبيرة في مسيرة العملية التعليمية في الكثير من محافظات مصر، وخاصةً البحيرة والإسكندرية.

وأكد محمود ماهر، معلم اللغة العربية في إدارة المنتزه في الإسكندرية، لرصيف22، أن المحافظ خلال الشتاء الماضي أصدر أوامره بعدّ أكثر من يوم للإجازة الدراسية بسبب سوء الأحوال الجوية في المحافظة.

كما أضاف أنه في موسم الشتاء، سواء كانت الأمطار خفيفةً أو متوسطةً، تشهد المدارس نسبة غياب كبيرةً بين الطلاب، وأشار إلى أن محافظة الإسكندرية تضم قرابة 2،700 مدرسة مع أكثر من مليون وثلاثمئة ألف طالب في جميع المراحل المختلفة، وهذا العدد الكبير من الطلاب لا يواظب إلا ثلثه فقط على الحضور عندما تكون الأحوال الجوية سيئةً.

وفي السياق نفسه، كشفت رشا ماهر، وهي موظفة وأم لثلاثة طلاب في مراحل تعليمية مختلفة، أن حالة الطقس المتقلبة زادت من معاناة الطلاب، حتى في الأيام الدراسية التي كانوا يحضرونها، وأشارت إلى أن طابور الصباح وحصص الألعاب أصبحت "حلماً بعيد المنال" بالنسبة إلى الطلاب في مدارس الإسكندرية، بسبب التغيّر الكبير في حالة الطقس، فبعد أن كانت درجات الحرارة في شهري أيلول/ سبتمبر، وتشرين الأول/ أكتوبر، في حدود 30 درجةً مئويةً، باتت تصل إلى 40 درجةً، وهذا الأمر أثر بصورة خطيرة على الأنشطة الطلابية، ودفع المدارس إلى إلغاء الطابور والرياضة خوفاً على الطلاب.

حالة الطقس المتقلبة زادت من معاناة الطلاب، حتى في الأيام الدراسية التي كانوا يحضرونها، وطابور الصباح وحصص الألعاب أصبحت "حلماً بعيد المنال" بالنسبة إلى الطلاب في مدارس الإسكندرية، بسبب التغيّر الكبير في حالة الطقس

وأضافت أن الأمر لا يختلف كثيراً في فصل الشتاء، فالإسكندرية خلال العامين الماضيين تعرضت لأكثر من عاصفة قوية، جعلت المحافظ يصدر قراراً بغلق المدارس لأكثر من 6 أو 7 مرات العام الفائت، وخمس مرات في العام الذي سبقه.

معاناة معلّمي الفيوم

لا يختلف الأمر كثيراً في محافظة الفيوم، حيث أوضحت رضا عبد الواحد، وهي معلّمة في مدرسة ابتدائية هناك، لرصيف22، أنها تعمل في مجال التدريس منذ أكثر من 20 عاماً، ولكنها وجدت خلال الأعوام الأخيرة اختلافاً ملحوظاً في التعامل مع الطلاب وخاصةً ضمن المرحلة الابتدائية، إذ تغيّر سلوك الأطفال مع ارتفاع درجات الحرارة، وانتشرت حالة من العدوانية وممارسة العنف بينهم في محاولة لتفريغ طاقتهم داخل الفصل، نظراً لأنهم لا يخرجون إلى فناء المدرسة بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، ما قد يعرّضهم لضربة شمس وحالة من الإعياء.

وأضافت أنها تواجه صعوبةً في تعليم الطلاب، من حيث تركيزهم على الشرح أو قدرتها على توصيل المعلومة إليهم، بسبب درجات الحرارة العالية وكثافة الفصول، خاصةً أن وسيلة التهوية، وهي مروحة السقف، قد تكون غير متاحة أو معطلةً أحياناً، وبسبب وصول الحرارة إلى أكثر من 40 درجةً، لا تساهم المراوح في خفض سخونة الجو.

وأشارت عبد الواحد، إلى أن محافظة الفيوم فيها 245 مدرسةً فقط، تخدم قرابة 346 ألف طالب وطالبة، ما يجعل كثافة الفصول عاليةً جداً ويزيد الأمر سوءاً.

تغيير في الجدول الزمني ومراوح جانبية

بالرغم من أن العامين الماضيين قد شهدا إجراءات احترازية داخل المدارس في ظل انتشار وباء كورونا، مما حوّل جزءاً من الدراسة إلى الشكل الافتراضي، إلا أن حالة الطقس والتغير المناخي كان لهما شديد الأثر على سير العملية التعليمية في مصر، إذ ظهرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي من خبراء تعليم ومعلمين وأولياء أمور، لتعديل الخريطة الزمنية للدراسة.

يمكن دهن الفصول بمادة البلاستيك بدلاً من الجير، أو الزيت، مما يخفّض درجات الحرارة داخلها.

وفي هذا السياق كشف محمود جاد، موجه أول جغرافيا في محافظة البحر الأحمر، لرصيف22، أن فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كانت أفضل الفترات بالنسبة إلى العملية التعليمية، وعلّل ذلك بأن "تحديد بداية العام الدراسي ونهايته بالنسبة إلى مرحلة التعليم الأساسي كانت تتم عن طريق المحليات والمحافظ، فكنا نجد محافظات الوجه القبلي كأسوان وأسيوط والمنيا، تبكر في بدء العام الدراسي أسبوعاً أو أسبوعين عن المحافظات الأخرى في الدلتا"، وأضاف أن تلك الطريقة قد تُعدّ "طوق نجاة"، لما يعانيه الطلاب في مختلف محافظات مصر خلال هذه الفترة، وهي الآن أصبحت ضرورةً بسبب التغير المناخي، والارتفاع الكبير في درجات الحرارة.

بدوره، تحدث الدكتور تامر عبد الحافظ، من مديرية التعليم في محافظة الشرقية، لرصيف22، قائلاً إن الخريطة الدراسية، أي بداية العام الدراسي ونهايته وأيام العطل ومدة الامتحانات ليست مجرد تواريخ صماء، ولكنها انعكاس لعوامل عدة، منها طول المنهج الدراسي وحداثته، والمناخ الاجتماعي والاقتصادي والمناسبات الوطنية والدينية، والطقس والأحوال المناخية، وصلاحية المدارس لتوفير بيئة صحية تتوافق مع برودة الطقس وسخونته في أثناء فترتي الدراسة والامتحانات.

تغيّر سلوك الأطفال مع ارتفاع درجات الحرارة، وانتشرت حالة من العدوانية وممارسة العنف بينهم في محاولة لتفريغ طاقتهم داخل الفصل، نظراً لأنهم لا يخرجون إلى فناء المدرسة بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، ما قد يعرّضهم لضربة شمس وحالة من الإعياء

وأشار إلى أن طقس مصر الذي كنا نعرف جيداً خلال السنوات الماضية أنه "حار جاف صيفاً، ودافئ ممطر شتاءً"، تغيّر بشكل ملحوظ، ولذلك يطالب المسؤولين في وزارة التربية والتعليم بوضع خريطة دراسية ديناميكية، تختلف بداية الدراسة فيها كل عام عن الأعوام السابقة، حسب الطقس، ويمكن تغيير البداية مثلاً كل خمس سنوات بالزيادة أو النقصان وفق المتغيرات.

ومن الحلول المطروحة للأمر، تحدث الدكتور أحمد الجيوشي، مستشار وزير التربية والتعليم الأسبق، لرصيف22، مشيراً إلى أنه يمكن التغلب على تأثير تقلبات الطقس والتغير المناخي على الموسم الدراسي برفع كفاءة المدارس من حيث التجهيزات، لضمان توفير بيئة مناسبة للدراسة.

ويقول شارحاً: "مثلاً، يمكن دهن الفصول بمادة البلاستيك بدلاً من الجير، أو الزيت، مما يخفّض درجات الحرارة داخلها، وهذا الأمر لن يكلّف كثيراً، فدهن مدرسة فيها 10 غرف لن تتجاوز كلفته 4،500 جنيه (260 دولاراً تقريباً)، ولا بد من وضع مروحتين للحائط على الأقل في الفصل الواحد لتوزيع الحرارة، والتخلص من مروحة السقف إن وُجدت، لأن الحوادث الناتجة عنها كثيرة، وهذا الأمر ستكون تكلفته ضئيلةً أيضاً، ولن تتجاوز 8،000 جنيه، كما أن للنوافذ أهميةً كبيرةً في حماية الطلاب من برد الشتاء وحرّ الصيف، لذا يجب أن تكون مهيأةً وقابلةً للإغلاق بإحكام".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard