شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الأحزاب الإسلامية تغطّي صناعة المخدرات وترويجها" في العراق... وهؤلاء هم الضحايا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 26 أكتوبر 202203:49 م
Read in English:

Islamic parties cover up drug trade in Iraq with no regard for victims

بعد سنوات قضاها خلف قضبان السجن، خرج قبل أسبوعين، ولكنه لم يجد أمّاً ترعاه، ولا أخاً يحميه، ولا أحد يستقبله بالأحضان. خرج من السجن إلى شوارع بغداد العتيقة، ونام على الأرصفة وفي الحدائق العامة، واقتات مما تيسّر من خبز يكفيه لكي يسدّ ولو جزءاً بسيطاً من حاجته إلى الغذاء. كان يجلس ويُفكر في ما فعله، ولا شعور يصاحبه سوى الندم، والأسى، والخوف من المستقبل الذي ينتظره.

بدأت حكاية محمد كامل (33 عاماً)، من بغداد، عندما كان طالباً في المرحلة الجامعية، وأراد أن يُجرّب القليل من المواد المخدرة. بعد أشهر قليلة أصبح مدمناً عليها، ولم يستطع الخروج منها أو التخلّص من شعور الحاجة الدائمة إليها. تراكمت عليه الدراسة، ولم يعد يمتلك القدرة الجسدية ولا المال الكافي للذهاب إلى الجامعة.

حينها، لجأ كامل إلى الشخص الذي كان يبيعه المواد المخدرة، فطلب منه أن يجد له فرصة عمل، فعرض عليه الأخير أن يروّج مادة الكريستال داخل الجامعة، مقابل مواد مخدّرة مجانية ومبلغ صغير من المال. لم يتردد، فكل ما يريده هو أن يتعاطى القليل منها، لذا بدأ يبيع المخدرات في الجامعة لعدد من الطلاب والطالبات، لكن سرعان ما اكتُشف أمره عندما أراد أن يبيع أحد الطلاب الذي تبين لاحقاً أنه منتسب إلى القوات الأمنية.

يقول كامل لرصيف22: "ما فعلته سأندم عليه طوال حياتي. خسرت أهلي ومدينتي ودراستي، وبعد خروجي من السجن، أصبحت بلا مأوى، بلا شيء"، ويضيف: "طموحي الحالي هو إيجاد فرصة عمل تؤمّن لي احتياجاتي من مسكن ومأكل بعد تلك الآثام التي ارتكبتها".

تنتشر مادة الكريستال والحشيشة في المحافظات الوسطى والجنوبية، فيما تنتشر مادة الكبتاغون في شمال العراق وغربه

ترويج وإقناع

تنتشر مادة الكريستال والحشيشة في المحافظات الوسطى والجنوبية، فيما تنتشر مادة الكبتاغون في شمال العراق وغربه، وتُستخدم أحدث الأساليب في نقلها ودخولها إلى البلاد. في بعض الأحيان يلجأ التجار الدوليون إلى استخدام الطائرات المسيرة لمراقبة الشريط الحدودي، وهي تدخل إلى العراق من مختلف الدول المجاورة له. بعد عام 2003، ارتفع عدد المتعاطين بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والفقر والجهل والبطالة وقلة الرقابة على المنافذ الحدودية.

وتختلف أسعار المخدرات في العاصمة بغداد بحسب مناطقها، ففي الرصافة تكون أسعارها أرخص مما هي عليه في الكرخ كونها تُعدّ الأكثر تجارةً وتعاطياً. ويرى سائق الأجرة أمجد علي (44 عاماً)، الذي يسكن في مدينة الصدر (وهي أكثر منطقة في محافظة بغداد تنتشر فيها المواد المخدرة)، أن "أعداد مروّجي المخدرات ارتفع بشكل كبير، خاصةً في المناطق الشعبية، وبات الزوج وزوجته يعملان معاً في بيع المخدرات وبشكل علني".

ويقول: "دور الرجل يكمن في استقطاب الشباب وتوزيع المخدرات في المقاهي الشعبية والشوارع، أما المرأة فيجعلها زوجها تطرق أبواب المنازل لإقناع النساء بالحبوب المخدرة".

وتُقسم شبكة المخدرات إلى تاجر كبير، وهو المحرك الرئيسي لها ويمتلك مروّجين يروّجون لتلك المواد المخدرة من خلال إقناع الشباب واستقطابهم لشرائها، وفي الغالب يصبح المتعاطي مروّجاً للمخدرات بعد مدة من إدمانه عليها بسبب عدم امتلاكه المال الكافي لشراء احتياجاته منها، فضلاً عن سوء حالته الاقتصادية، فيضطر إلى الترويج لها مقابل كسب المال والمخدرات معاً.

صناعة المخدرات

يكشف محمد الخزاعي، وهو رئيس كتلة نيابية في البرلمان العراقي، لرصيف22، عن وجود معامل لصناعة المخدرات تابعة لجهات حكومية متنفذة تعمل على تعزيز مصالح الأحزاب الإسلامية، كونها تسيطر على المنافذ الحدودية وهي البوابة الرئيسية لدخول المخدرات وخروجها، بحيث تقوم هذه الأحزاب بصناعة المخدرات وتهريبها، واستقبال أنواع متعددة من دول الجوار.

ويضيف: "كان يقتصر دخول المخدرات في بداياتها على دول الجوار بسبب خفتها وغلاء ثمنها، ولكن بعد 2003 تمكنت الأحزاب السياسية التي تعمل بغطاء الدين، من السيطرة على مفاصل الحكومة العراقية لبناء شبكات تعمل على تجارة المخدرات وتهريبها".

تتبع معامل صناعة المخدرات لجهات حكومية متنفذة تعمل على تعزيز مصالح الأحزاب الإسلامية، كونها تسيطر على المنافذ الحدودية وهي البوابة الرئيسية لدخول المخدرات وخروجها

ويشير إلى أن "تلك الأحزاب تمتلك معامل ومصانع لصناعة المخدرات تابعة لجهات حكومية، معروفة ومشخصة لدى الكثير من الأجهزة الأمنية، لكنها لا تستطيع أن تقترب منها لأن هذه الأحزاب لديها ميليشيات مسلحة وجيوش تسيطر على مجموعة من الوزارات ولا تستطيع الحكومة محاسبتها كونها تمتلك مناصب عليا في مفاصلها".

وبحسب الخزاعي، فإن معامل صناعة المخدرات، وخاصةً مادة الكريستال، ليست في صحراء ولا قريبة من الحدود، بل هي داخل معسكراتهم الحزبية في محافظتي البصرة والديوانية، وتُعدّ هذه المعسكرات جزءاً من مجمعات اقتصادية محصنة لا يمكن لأي شخص الدخول إليها أو الخروج منها إلا بموافقة خاصة منهم.

دليفري الممنوعات

يتجول الشاب ح.ن (19 عاماً)، كل يوم، على دراجته النارية خلال أوقات مختلفة، وهو يرتدي ملابس حمراء اللون، حاملاً معه صندوقاً فيه وجبات سريعة مخفياً المواد المخدرة في دراجته، ومن يراه يظنه يعمل في خدمة التوصيل لأحد مطاعم بغداد. وتمكن ح.ن، من توصيل المواد المخدرة إلى المتعاطين، فضلاً عن نقل الأدوية الممنوعة من أصحاب الصيدليات إلى تجار المخدرات (وهي أدوية لا تباع إلا بوصفة طبية)، وتروي بيداء كامل، والدته، لرصيف22: "كان ابني يخرج في أوقات تثير الشك، وعندما أسأله يجيبني بأنه يذهب إلى أحد بيوت أصدقائه، ولا أدري منذ متى وهو يعمل في نقل المخدرات إلى مناطق متفرقة في بغداد".

وتقول: "في أحد الأيام، وجدته نائماً إلى وقت متأخر من النهار، وذهبت لتنظيف المنزل ومن ثم دراجته من دون علمه، لأجد فيها كميات كبيرةً من الحبوب، الأمر الذي دفعني إلى مواجهته وتهديده، لكن من دون جدوى، فقد استمر في عالمه القذر حتى نال جزاءه ودخل السجن".

تنص المادة 27 من قانون مكافحة المخدرات على عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لكل من استورد أو صدّر أو جلب مواد مخدرةً

100 ألف دولار

وتنص المادة 27 من قانون مكافحة المخدرات رقم 50 لسنة 2017، على عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لكل من استورد أو صدّر أو جلب مواد مخدرةً أو مؤثرات عقليةً بقصد المتاجرة بها. أما جريمة التعاطي والاستعمال الشخصي فقد عاقبت عليها المادة 32 بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد عن ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين (3،395 دولاراً أمريكياً)، ولا تزيد عن عشرة ملايين دينار (6،790 دولاراً أمريكياً).

وتمكنت القوات الأمنية من إلقاء القبض على 6،050 شخصاً، بتهمة تجارة المخدرات وحيازتها، فضلاً عن ضبط 4 ملايين حبة وأكثر من 250 كيلوغراماً من الكبتاغون، خلال النصف الأول من عام 2022، بحسب ما أفاد به مدير إعلام مكافحة المخدرات بلال صبحي، خلال حديثه إلى رصيف22.

من جهته، يتهم الخزاعي، "بعض قيادات الأجهزة الأمنية بالتواطؤ مع تجار المخدرات الذين يعملون لصالح الأحزاب الإسلامية كونها تجارةً تدرّ ملايين الدولارات. والمناصب العليا في مديرية مكافحة المخدرات، أغلبها يتم بيعها للأحزاب الإسلامية، ويصل سعر المنصب الواحد إلى 100 ألف دولار، لأنها أصبحت أداة ابتزاز متواطئةً تعمل لصالح تلك الجهات".

كابوس أسود

وصلت المخدرات إلى المدارس والجامعات، وبدأت تهدد الشباب من خلال السيطرة على عقولهم. "أريد دواء 1" (ويقصد به 1 غرام من المخدرات)؛ جملة تعني الكثير لحسن جمال (17 عاماً)، الذي رقد في أحد مستشفيات بغداد بعد إصابته بالإدمان نتيجة تعاطيه المخدرات. جملة قلبت حياته رأساً على عقب، وكان يقولها لأحد مروّجي المخدرات عبر الهاتف لشراء قدر صغير من الحشيشة (وتُعدّ من أكثر أنواع المخدرات تداولاً في العراق).

ويشير جمال في حديثه إلى رصيف22، إلى أن "المخدرات لا ترحم متعاطيها، وتجعل الفرد يدمن عليها بعد فترة قصيرة لا تتعدى الشهر، بحسب النوع الذي يتم تعاطيه"، ويستذكر أيامه الأولى في تعاطي المخدرات قائلاً: "تمكّن مني صديقي وجعلني اتعاطى المخدرات بعد إقناعي بتجربة ذلك الشيء الذي خسّرني صحتي وجسدي".

تعمل بعض قيادات الأجهزة الأمنية بالتواطؤ مع تجار المخدرات الذين يعملون لصالح الأحزاب الإسلامية كونها تجارةً تدرّ ملايين الدولارات. وأغلب مناصب مديرية مكافحة المخدرات، يتم بيعها لهذه الأحزاب 

ويضيف: "بعد تناول المخدرات لأكثر من مرة، عن طريق زميلي في المدرسة، طلبت منه رقم الهاتف الذي كان يجلب لنا المواد المخدرة، وأصبحت اتصل به كل يوم، وأقول له ‘أريد دواء 1’ (وهي كلمة مشفرة بين المتعاطي والموزع)"، مستدركاً أن "تلك الكلمة ليست دواءً بل داء يجعل الفرد يفقد عقله، ليصبح كائناً غر موجود عقلياً ولا يعلم بشيء".

استدراج النساء

ويكشف الإعلام الرسمي العراقي، قصة أحد تجار المخدرات الذي تمكّن من استدراج العديد من الفتيات من خلال ترويج مادة الكريستال، وعندما يعتدن عليها يصبحن أداةً في يديه، ومن ثم يقوم ببيعهن لبيوت الدعارة أو لأصحاب الملاهي الليلية.

وفي هذا السياق، تقول الطالبة الجامعية آية عباس (22 عاماً)، لرصيف22، إن "زميلتي حاولت إقناعي قبل عامين بتعاطي حبوب مخدرة بشكل مجاني لكنني رفضت ذلك"، مشيرةً إلى أن "تلك الفتاة أصبحت في قبضة القانون، لكنها جعلت الكثير من الفتيات يتناولن الحبوب المخدرة لكي يتم استغلالهن جنسياً ومادياً من قبل أحد تجار المخدرات".

وقبل عامين، تم إلقاء القبض على ابن أحد المسؤولين، وهو يمتلك في حوزته مواد مخدرةً، فيما أصدرت رئاسة الجمهورية العراقية قراراً بالعفو عنه في شباط/ فبراير من العام الحالي، قبل أن تتراجع عنه مع ترجيح أن يكون ابن المسؤول قد خرج من العراق، كما ذكر أكثر من مصدر حينها، الأمر الذي دفع الحكومة العراقية إلى مزيد من الشكوك.

فمن يحاسب تجار المخدرات في العراق؟ ومن يستطيع ملاحقة الجهات المتنفذة التي تقف وراءها، ومحاسبتها؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard