يوم الجمعة في 16 أيلول/ سبتمبر الجاري، قُتلت الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عاماً)، على يد شرطة الآداب في إيران، إثر توقيفها قبل يومين بموجب "تطبيق قوانين الحجاب الإجباري"، ما أثار موجةً من الاحتجاجات في طهران، وفي أكثر من مدينة إيرانية، من إيرانيات خلعن الحجاب رفضاً لما حصل مع أميني، وانتشرت فيديوهات لبعضهن وهن يقمن بقص شعرهن كتعبير اعتراضي على القمع المُستمر ومنهنّ من حرقن الحجاب.
يوم السبت في 17 أيلول/ سبتمبر الجاري أيضاً، أي بعد يوم على مقتل أميني، انتشر فيديو في العراق، لأستاذ في إحدى المدارس وهو يضرب الطالبات اللواتي لا يضعن الحجاب، ويظهر في الفيديو أنهنّ صغيرات لم يتجاوزن سن العاشرة، ومنهنّ من لم تتجاوز السبع سنوات، ما أدى إلى موجة احتجاج كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "لا للتحجيب القسري"، ورفض هذه الممارسات التي وصفها البعض بأنها "تعيد العراق إلى العصور الحجرية".
يقول الناشط نذير العطار، مسؤول منظمة النساء للنساء المعنية بحماية النساء من العنف ومن التحجيب القسري، لرصيف22: "في العام الماضي في مدينة الكاظمية في بغداد حيث مكان سكننا، هددت مديرة المدرسة التي ترتادها شقيقتي (عمرها 10 سنوات)، بأنها لن تسمح لها بإكمال تعليمها وسيتم فصلها إذا لم تلتزم بارتداء الحجاب والعباءة"، يضيف: "تقدمت بدعوى قضائية ضد مديرة المدرسة، ولكن طبعاً لم أصل إلى أي نتيجة، لأن مديرات المدارس ومديريها أغلبهم من الأحزاب الإسلامية التي تحاول فرض عادات إيران الإسلامية في بغداد المدنية".
مديرون متنفذون
يروي العطار، وهو من مسؤولي حملة "لا للتحجيب القسري" وهي حملة قديمة تصاعدت بعد الفيديو الأخير، أن "الطالبة التي ترفض ارتداء الحجاب سيكون عقابها الفصل بالغياب أو تعنيفها واستخدام الكلمات البذيئة والجارحة بحقهن"، ويوضح أن الحملة انطلقت بعد مراسلة تلقيهم كناشطين وكفرق تدافع عن حقوق النساء شكاوى كثيرة من ذوي طالبات يتحدثن عن تعرض بناتهن لشتى أنواع التعنيف في المدرسة نتيجة لعدم ارتدائهنّ للحجاب".
لم تصدر وزارة التربية أي قرار رسمي يفرض الحجاب في المدارس، إلا أنها تمارس هذا الفعل من خلال موظفيها
تقول شيروان (اسم مستعار) من محافظة ديالى، منطقة المقدادية حي العصري، وهي من منظمات الحملة، إن "شقيقتي العام الماضي كانت ترفض أن ترتدي الحجاب وهي في المرحلة الثانية من الدراسة الثانوية، فما كان من مديرة المدرسة إلا أن هددتها إن لم تلتزم بالحجاب ستوقع على ورقة فصلها بسب الغياب، بل كانت تشطب حضورها رغم عدم غيابها، في كل مرة لا ترتدي الحجاب فضلاً عن تعنيفها"، مشيرة في حديثها لرصيف22 إلى أنه "كنا نرفع شكاوينا إلى وزارة التربية، لكن لم تكن آذانهم صاغية ومديرة المدرسة مدعومة من أحزاب سياسية نافذة ولا أحد يمسّ بها".
ولم تصدر وزارة التربية أي قرار رسمي يفرض الحجاب في المدارس، إلا أنها تمارس هذا الفعل من خلال موظفيها الذين لا يخضعون إلى أي قانون بحسب العطار، فيما تقول التربوية آلاء الياسري لرصيف22 إن "الكثير من مديرات المدارس، والمدرسات والمدرسين يفرضون هذه التعاليم اجتهاداً منهم من أجل المجتمع وعاداته ووزارة التربية لم تصدر أي قرار في هذا الشأن".
من جهتها، تؤكد المشرفة التربوية نادية الزبيدي، لرصيف22، أن "هذا التصرف هو تصرف غير ملزم من بعض مديرات المدارس كون الموضوع لم يتم في أي تعليمات رسمية، وإدارت المدارس لا يمكنها فرض أي شيء على طالبات من دون كتاب رسمي صادر عن الجهة المسؤولة، أي وزارة التربية".
الاحتشام أمام الرجال
وانضمت النائبة السابقة ريزان دلير، الداعمة لمنظمات حقوق المرأة، إلى الحملة الرافضة للتحجيب القسري، وتقول: "الديمقراطية التي كفلها الدستور موضوع شكلي، ففي السنوات السابقة كان العراق مدنياً، أما حالياً فهو مجتمع إسلامي ذكوري"، موضحةً أنه حتى في إقليم كردستان، تفوم كل سنة الأحزاب الإسلامية بحملة تحجيب للطفلات دون سن العاشرة".
برأيها، "أنا لست ضد المحجبات لكن شرط أن يكون الحجاب اختيارياً وليس فرضاً"، واستشهدت بحادثة خلال عملها كبرلمانية في عام 2015، فهي حين زارت وزارة الداخلية، قسم العنف الأسري، وجدت موظفات تعرفهن في أوقات الدوام محجبات لكن في حياتهن الطبيعية من دون حجاب. سألتهن عن السبب وراء ذلك، فكان الجواب أن "الحجاب يتم إجبارهن على ارتدائه بحكم أنهن مع الرجال، ولا بد من أن يكنّ محتشمات".
في مدينة الكاظمية في بغداد، هددت مديرة المدرسة التي ترتادها شقيقتي (عمرها 10 سنوات)، بأنها لن تسمح لها بإكمال تعليمها وسيتم فصلها إذا لم تلتزم بارتداء الحجاب والعباءة
وكانت وزارة التربية العراقية قد أعلنت، في 2 أيلول/ سبتمبر الجاري، عن عدم إصدار تعميم رسمي يشدد على ارتداء الطالبات للحجاب في المدارس، وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة حيدر فاروق السعدون، في تصريح صحافي، إن "الوزارة لم توجه أي تعميم أو كتاب رسمي إلى الإدارات المدرسية يتعلق بإجبار الطالبات على ارتداء الحجاب".
وأشار إلى أن "هذا الأمر يندرج ضمن الحرية الشخصية للطالبات وأهاليهن، وإدارات المدارس تأخذ على عاتقها تحديد الزي المدرسي فقط، بشرط أن يكون مناسباً لذوق الطلبة وليس فرضه بالإكراه"، عادّاً أن "فرض ارتداء الحجاب ليس من اختصاص وزارة التربية، ولا تملك الحق في إجبار الطالبات على ارتدائه أو خلعه"، مبيّناً أنه "في حال وجهت إحدى المدارس بذلك فهذا لا يعدو كونه توجيهاً داخلياً".
الحجاب يُفرض بالقوة
ما يحصل في مدارس العراق ليس جديداً، إذ في كل عام تظهر حالات تتحدث عن العنف الممارس عليها من قبل المدرسة بسبب عدم ارتداء الحجاب، كذلك، تعاني النساء العراقيات وليس فقط الطالبات، من ضغط المجتمع عليهن لفرض الحجاب بالقوّة عدا عن العنف الممارس في حقهن في المنزل، حتى قبل الوصول إلى المدرسة، بالإضافة إلى كون العراق تحوّل إلى دولة يرتفع فيها تزويج القاصرات بشكل غير مسبوق، وكان رصيف22، قد تناول هذه الظاهرة وتداعياتها، وكذلك العنف الممارس على النساء في المنزل، خاصةً من قبل الأزواج، وعرض لأكثر من حالة تمّ فيها قتل النساء من قبل أزواجهنّ وتسجيلهن منتحرات.
تقول ريهام (50 عاماً، اسم مستعار)، وهي من محافظة النجف، إنها غير مقتنعة بالكثير من تعاليم الإسلام، لكنها ولدت وتم فرض هذه التعاليم عليها من دون نقاش، و"هي إن ناقشت ستكون في نظر الجميع مومساً، وتستحق القتل".
طلبت من زوجي أن أستبدل العباءة الثقيلة برداء طويل، كون درجة الحرارة في العراق تتعدى الخمسين درجةً، فما كان منه إلا أن نادى أولادي الخمسة بصوت عالٍ وأخبرهن بطلبي، فهددوني جميعهم: إذا ذبيتي العباية نذبحج.
وتروي لرصيف22، أنها طلبت من زوجها أن تستبدل العباءة الثقيلة (وهو جلباب يغطّي جسم المرأة من الرأس حتى القدم ويكون أسود اللون)، برداء طويل، كون درجة الحرارة في العراق تتعدى الخمسين درجةً، وتقول: "ما كان منه إلا أن نادى أولادي الخمسة بصوت عالٍ وأخبرهن بطلبي، فهددوني جميعهم بالقول: إذا ذبيتي العباية نذبحج. وقد ربط زوجي ارتفاع درجات الحرارة والمصائب السياسية التي حلّت بالعراق، بأن بعض النساء في المحافظات الأخرى تخلّين عن الحجاب".
تضيف: "في شوارع المدن المقدسة (التي تحتوي على مراقد دينية)، لا أستغرب حين أشاهد طفلةً تبلغ من العمر خمس سنوات ترتدي العباءة والحجاب والجوراب الإسلامي الأسود، وهي تتعثر بالحجاب مع صعوبة ممارستها اللعب في الأماكن المخصصة للّعب وحين يُطرح سؤال على ذويها بأنها لم تبلغ سن التكليف بعد، سيكون الجواب: "إننا ننقش بها حجاب الإسلام وستر آل البيت وعترته"، من دون شرح أو قناعة، والدليل أن الكثير من النساء يتخلين عن الحجاب حين تتاح لهن الفرصة.
فروض الإسلام بالسوط
شذى علي أكرم (40 سنةً)، من محافظة الديوانية، تبدأ حديثها إلى رصيف22، بعبارة: "أني لو بالديوانية حتى اسمي ما أكدر اذكره لأن عيب يطلع اسم المرا"، وتقول: "كانت حياتي مجرد جحيم قبل أن أتزوج وأنتقل إلى أمريكا مع زوجي، فوالدتي كانت تفرض التعاليم الإسلامية بالإكراه ومارست أساليب تربية جدتي بحذافيرها، وكان السوط هو من يُوقضنا صباحاً للصلاة، وأخي الأكبر هو من يقرر مصيري ومصير شقيقاتي الخمس كونه رجلاً، وإن أخطأت واحدة منا يكون الضرب جماعياً بشرط ألا نصدر صوتاً لأن صوتنا في الإسلام عورة".
تضيف: "كانت والدتي في المجالس التي تجتمع فيها النساء، تشجع على ضرب البنات وتنشر تعاليم أن الزوج هو الآمر الناهي المتحكم المتسلط، وتذكر بعضاً من الأحاديث النبوية، وكانت تحظى بشعبية بين قريناتها، وتتابع: "حياتنا غريبة للغاية في المجتمعات العربية الإسلامية، فالنساء في هذه المجتمعات يُعاملن كالحيوان، حتى في ولائم الطعام تنتظر النساء انتهاء الرجال من المائدة ومن ثم يتناولن فضلاتهم بعد أن يعددن لهم الشاي والحلوى، أو ننتظر انتهاءهم من المائدة كي نحل محلّهم ونأكل ما تركوه".
الحجاب فرض ثبت وجوبه بنصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة لا تقبل الاجتهاد، وليس لأحدٍ أن يخالف الأحكام الثابتة
تروي أكرم، أنها كانت تقرف من هذه العادة، و"حين سألت والدتي لماذا ليست لدينا مائدة خاصة بنا نزينها لأنفسنا ولماذا لا نأكل بقاياهم؟ فكان ردّها: لولا الله لعبدت المرأة الرجل. ديننا الإسلامي يأمرنا بإطاعتهم وأن نكون خلفهم في كل شيء، في الصلاة وحتى في الطعام. لم أقتنع بهذا الجواب تماماً وحدّثت أختي الكبرى لتخبرني بأن أكفّ عن هذه الأفكار لنحمي أنفسنا من العنف لأن أفكاري في كل مرة ترسم على أجسادهن الكدمات".
"الإسلام لا يظلم"
يقول قيس العبيدي، وهو أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة الفلوجة، إن "الإسلام لن يظلم المرأة واعتراضهن غير مبرر، وما يرينه ظلم من أي ناحية، فهل هن يرغبن في المحرمات؟"، مشيراً إلى أن "القواعد والقوانين لا تعتمد على أهواء النساء، وقوانين الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وهي وحي إلهي لا يمكن تغييره على أهواء كل من يشاء".
ويوضح العبيدي لرصيف22، أنه قد انتشرت في الآونة الأخيرة بعض الأفكار والفتاوى التي تدَّعى عدم فرض الحجاب، "ولا شك أن مثل هذه الأفكار إنّما هي ادعاءات لا تمتّ إلى الإسلام بصلة، فالحجاب فرض ثبت وجوبه بنصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة لا تقبل الاجتهاد، وليس لأحدٍ أن يخالف الأحكام الثابتة، كما أنه لا يُقبل من العامة أو من غير المتخصصين -مهما كانت ثقافتهم- الخوض فيها".
برأي المفكر والأستاذ الجامعي: "من حق الزوج على زوجته أيضاً حق التأديب، وأساس هذا الحق التشريعي قول الله سبحانه وتعالى: (... وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا...)، "سورة النساء: الآية 34"، وهذا الحق فرع عن كون الرجال قوامين على النساء، وتتضمن هذه الطاعة حرصها على أمواله في حضوره وغيابه، بالإضافة إلى إحسانها إلى عائلته، كما يتوجب على الزوجة ألا تُدخِل إلى بيت زوجها أي شخص يكره دخوله، وألا تخرج من منزل الزوجية إلا بإذنه، إذ إن من حق الزوج أن يمنع زوجته من الخروج إذا كان خروجها لغير أمر ضروري أو واجب، ولا بد من التنبيه إلى أن طاعة الزوج واجبة، وتالياً لا يجوز ترك ما هو واجب بما ليس واجباً".
الخضوع أو الموت
تقول المستشارة النفسية إخلاص جبرين، لرصيف22، إن "أغلب النساء في المجتمع العراقي يعشن تحت ضغط ديني متشدد، فالحجاب بالإجبار، ولا تقوى أي فتاة في المجتمعات المنغلقة، سواء كانت في محافظات الجنوب والوسط أو المحافظات التي يطلَق عليها المقدسة مثل كربلاء والنجف، على خلع الحجاب أو ترك العباءة بل تُمارس في حق الطفلات ضغوط تسلب طفولتهن، أي يتم فرض الحجاب من عمر السادسة أو السابعة للفتيات وأحياناً في عمر أصغر، أما عمر التاسعة فهو فرض قائم، وتخلو شوارع المحافظات المقدسة من أي شابة من دون حجاب".
حين زارت وزارة الداخلية، وجدت موظفات محجبات أعرفهن من دون حجاب. سألتهن عن السبب، فكان الجواب أن "الحجاب يتم إجبارهن على ارتدائه بحكم أنهن مع الرجال، ولا بد من أن يكنّ محتشمات"
وتروي جبرين، أن غالبية النساء اللواتي يأتين إلى عيادتها النفسية التي تقع في النجف، يشتكين من تعدد الزوجات ومن الإرث، ومن التحيز ومن فرض القرارات، وتقول: "بفضل التطور، بدأت المرأة تنتفض وتحاول أن تغير من واقعها وهذا هو أحد أسباب العنف وازدياد حالات الطلاق، فالرجل المسلم غير معتاد على امرأة تطالب بحقها وبحريتها، فهو يرى أنه الآمر الناهي بل المسيطر على تفكيرها أيضاً".
أغلب الحالات التي تستمع إليها جبرين، تفيد بأن "النساء حين يفكرن بصوت عالٍ يتم قمعهن وتعنيفهن"، مشيرةً إلى أن "أغلب حالات الطلاق هي بسبب مطالبة المرأة بحقوقها"، ولا تنكر أن غالبية النساء مجبرات على تعاليم الإسلام وينفّذنها خوفاً من التصفية، خاصةً إن كن غير مقتنعات بها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نايف السيف الصقيل -
منذ 4 ساعاتلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 5 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف