حققت إسرائيل بعض المكاسب ذات الأهمية القصوى بالنسبة لها، على إثر هزيمة يونيو/ حزيران عام 1967، أبرزها السيطرة الكاملة على العديد من الأماكن الحيوية والإستراتيجية في سيناء المصرية، مثل مطار المليز الجوي، الذي أتاحت سيطرتها عليه التحكم الكامل في عمق سيناء.
وكان لا بد من أجل الاقتحام في حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، أن تكون البداية باستعادة السيطرة على تلك المواقع أو تدميرها، وهو ما نجحت فيه القوات الجوية المصرية، بفضل بعض رجالها، أشهرهم الطيار العسكري عاطف السادات، شقيق الرئيس الأسبق أنور السادات.
عقب العدوان الثلاثي، انتبهت السلطات إلى مطامع إسرائيل في سيناء، وضرورة تأمين الأراضي المصرية التي كانت تمتد وقتها لتضم قطاع غزة ومناطق مهمة، منها ميناء أم الرشراش "إيلات حالياً"، فأنشأت مطار المليز العسكري، وأصبحت وظيفته الأساسية توفير الغطاء الجوي والدعم الملاصق لوحدات الجيش المصري في سيناء
أهمية مطار المليز
يؤكد محمد الطويل، في كتابه "لعبة الأمم وعبد الناصر"، أن مطار المليز يعدّ قاعدة الطيران المصري الرئيسية في المواجهة المباشرة مع إسرائيل؛ إذ يقع في منطقة المضايق بسيناء، ذلك الموقع الاستراتيجي الهام.
عقب العدوان الثلاثي على مصر، انتبهت السلطات إلى مطامع إسرائيل في سيناء، وضرورة تأمين الاراضي المصرية التي كانت تمتد وقتها لتضم قطاع غزة ومناطق مهمة، منها ميناء أم الرشراش "إيلات حالياً"، فأنشأت القوات الجوية المصرية مطار المليز، وأخذ رمز القاعدة رقم 244، وأصبحت وظيفته الأساسية توفير الغطاء الجوي والدعم الملاصق لوحدات الجيش المصري في سيناء.
ونُسب اسم المطار إلى القرية التي يقع فيها وهي "المليز"، إحدى القرى التابعة لمركز الحسنة في محافظة شمال سيناء. وجاءت أهمية موقعه الإستراتيجي كونه يقع على بعد حوالي 95 كيلومتراً من الشاطئ الشرقي لقناة السويس.
خطأ أم مؤامرة؟
إلا أن استعدادات السلطات المصرية لم تحل دون نجاح إسرائيل في السيطرة على سيناء خلال الهزيمة العسكرية القاصمة في 5 يونيو/ حزيران 1967، ولأهمية طبيعة المطار كقاعدة جوية حربية مجهزة، وكذلك لموقعه الذي تعني السيطرة عليه السيطرة على المجال الجوي لميناء وقناة السويس ومنطقة جنوب سيناء بالكامل. كان احتلال المطار من أهم الأهداف بالنسبة للعدو الإسرائيلي، وتزامن ذلك مع دعوات من قِبَل القيادة المصرية إلى منع ضرب أي أهداف طائرة، ما مهد الطريق إلى أن تُحكِم إسرائيل قبضتها عليه.
يروي محمد الطويل في كتابه كواليس ما حدث آنذاك، بقوله: "صدرت أوامر للدفاع الجوي في الساعة الخامسة فجر يوم 5 يونيو/ حزيران 1967، أي قبل الهجوم بأربع ساعات، بمنع الضرب على أي هدف طائر على مستوى الجمهورية، تحت ذريعة تحليق طائرة المشير عبد الحكيم عامر (وزير الحربية آنذاك)، بالطيران فوق الجبهة. وعلى ذلك فقد توقفت بطاريات الصواريخ التي كانت في حالة تأهب كامل وساخنة لملاقاة والتصدي لهجوم الطيران الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن نصف قوة رجال الدفاع الجوي مارسوا الطوابير العادية والرياضية في صباح اليوم المذكور، وقبل الهجوم بساعتين".
"صدرت أوامر للدفاع الجوي في الساعة الخامسة فجر يوم 5 يونيو/ حزيران 1967، أي قبل الهجوم بأربع ساعات، بمنع الضرب على أي هدف طائر على مستوى الجمهورية، تحت ذريعة تحليق طائرة المشير عبد الحكيم عامر (وزير الحربية آنذاك)، بالطيران فوق الجبهة"
بالفعل استقل المشير عبد الحكيم عامر طائرته رفقة حسين الشافعي (نائب رئيس الجمهورية آنذاك)، وكذلك طائرتين تحملان طاقم القيادة العسكرية العليا، متجهين جميعاً نحو مطار المليز عند الممرات في سيناء، وكان ذلك في الساعة السابعة والنصف صباحاً.
واستقبل الضباط والطيارون المشير ومرافقيه على أرض القاعدة، وبعد انتهاء زيارته وصعوده مرة أخرى للطائرة، علم بخروج الطائرات الإسرائيلية من قواعدها في إسرائيل لضرب مصر، وعلى إثر ذلك، وإزاء تقيُّد نيران وصواريخ الدفاع الجوي بتعليمات سابقة، أصدر عامر تعليماته الفورية لطائرته ومرافقيه بالاتجاه فوراً إلى مطار ألماظة الحربي، لكن طيران العدو كان يطارده، واستطاع تدمير الطائرة الثالثة المرافقة وهي على ممر الهبوط، وقد أفلت المشير وطائرة أخرى".
لكن خالد إسماعيل في كتابه المعنون بـ"أفندم... أنا موجود"، يروي أنه مع وصول المشير عبد الحكيم عامر لقاعدة المليز لحضور اجتماع مع القوات، صباح يوم 5 يونيو/ حزيران 1967، كانت القوات الجوية الإسرائيلية توجه ضرباتها إلى جميع المطارات المصرية بأنحاء مصر في وقت واحد.
وبحسب الطويل في كتابه "لعبة الأمم وعبدالناصر"، كان ضرب مطار المليز في الساعة 8:55 دقيقة صباحاً (توقيت القاهرة)، وحينها كانت الطائرات المصرية تستعد بعد إقلاع عبد الحكيم عامر لأداء استطلاع جوي فوق إسرائيل، "إلا أن الطائرات الإسرائيلية أجهزت عليها، وانتهى تدمير المطار في ربع ساعة، وتحطم بالكامل".
وبهذا أصبح مطار المليز أول مطار حربي تحتله إسرائيل خلال "النكسة"، وحولته بعد ذلك إلى قاعدة عسكرية تحت اسم "رفيديم"، وأصبح الموقع ومحيطه مركزًا لجميع عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
تحت السيطرة الإسرائيلية
سيطرت إسرائيل على مطار المليز، وحولته إلى قاعدة عسكرية، وأصبح منطقة شؤون إدارية كبيرة، ومكاناً حيوياً يتحكم في عمق سيناء.
ويصفه اللواء أسامة المندوه في مؤلفه "خلف خطوط العدو": "يقع مطار المليز (قاعدة المليز الجوية) في وسط سيناء، بالقرب من وادي المليز، وبالقرب من مركز القيادة الإسرائيلي في منطقة أم مرجم (أم رجام)، وهو المطار الأول الذي تعتمد عليه إسرائيل في سيناء خلال مواجهاتها مع قواتنا".
يضم المطار ممراً واحداً رئيسياً طوله 3000 متر، وعرضه 40 متراً، وممراً فرعياً بالطول ذاته، وبه 13 دشمة لحماية الطائرات، وهنجر كبير لإصلاحها وصيانتها، ويوجد مطار آخر هيكلي له نفس مواصفات مطار المليز، على مسافة سبعة كيلومترات إلى جنوبه، يسمى "مطار شعير".
ومما يشير إلى أهمية موقع المطار، وما وصل إليه الأمر بعد احتلال إسرائيل له، ما ذكره المندوه: "تضم هذه المنطقة أيضاً واحداً من أهم مراكز القيادة والسيطرة المعادية التي تم التخطيط لقذفها (يعني قصفها) ومراقبتها، وهو مركز القيادة والسيطرة الرئيسي في منطقة أم مرجم، ويقع بالقرب من مطار المليز في وسط سيناء على الطريق الأوسط، ويحده من الشمال جبل قديرة، ومن الجنوب جبل سحابة، ولهذا المركز مركز قيادة تبادلي في منطقة أم مخسة".
نظراً لأن إسرائيل كانت تعلم جيدًا أهمية مطار المليز بالنسبة للقوات المصرية، وأنه سيكون أول أهدافها في حال قيام حرب جديدة، أخلته تماماً في صباح يوم السادس من تشرين الأول/أكتوبر من الطائرات، ما يؤشر إلى أن إسرائيل لم تُفاجأ بلحظة العبور كما تصر السرديات المصرية
ونظراً لأن إسرائيل كانت تعلم جيدًا أهمية مطار المليز بالنسبة للقوات المصرية، وأنه سيكون أول أهدافها في حال قيام حرب جديدة، أخلته تماماً في صباح يوم السادس من تشرين الأول/أكتوبر من الطائرات، ما يؤشر إلى أن إسرائيل لم تفاجأ بلحظة العبور كما تصر السرديات المصرية، وإلى صحة محتملة لادعاءات إسرائيل أن عميلها أشرف مروان أبلغها بقرار العبور قبل ساعات من وقوعه، إذ جرى إخلاء المطار قبل نحو ثماني ساعات من بدء لحظة العبور.
إخلاء إسرائيل للمطار لم يؤثر بشكل كبير في أهمية استيلاء مصر عليه، إذ كان يوجد إلى شماله مركز قيادة القوات الجوية الإسرائيلية في سيناء، وهو هدف حيوي جداً ومؤثر لعملياتها، وفقاً للمجموعة 73 مؤرخين.
ويعلق على ذلك الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل، في مؤلفه "مصر إلى أين: ما بعد مبارك وزمانه": "من الطبيعي لأي عقل أن إسرائيل وقد اختارت أن تترك الضربة الأولى للقوات المصرية، وسارعت إلى تقليل خسائرها بإجراءات وقائية، أولها سحب سرب الطائرات الذي كان يتمركز في مطار المليز المستهدف مصرياً".
خطة ما قبل العبور
وفقا للمعطيات السابقة، كان لا بد من التخطيط الجيد لشل حركة مطار المليز وهو تحت السيطرة الإسرائيلية، لكي تتمكن الطائرات المصرية من العبور من دون أن تتعرض لصواريخ دفاع العدو، خاصة المعروفة بنوع "هوك".
ويوضح جمال صلاح الدين في مؤلفه "حرب أكتوبر... القصة الكاملة للصراع"، أن المليز كان ضمن عدة مطارات استخدمتها القوات الجوية "ذراع إسرائيلي الطولى". وهو من أقرب الأماكن إلى مناطق تمركز القوات الجوية المصرية غرب القناة. وانضم إلى المطارات الواقعة داخل إسرائيل (فلسطين المحتلة)، التي يمكن استخدامها وقت الحاجة للأغراض الحربية.
وحددت القيادة المصرية خمسة مطارات رئيسية معادية في سيناء للهجوم عليها، هي: "رأس نصراني، المليز، بير تمادا، العريش، رأس النقب"، وجاء الاختيار بناء على دراسة نشاط هذه المطارات، وأهميتها القصوى للعدو، كما أنها في مدى طيران المقاتلات المصرية القاذفة، وكان لا بد من شلها مؤقتاً، حتى يحرم العدو من استخدامها ضد القوات التي ستعبر القناة.
وبحسب ما ذكر في المجموعة 73 مؤرخين، وُضع في الحسبان أن هذه المطارات مُدافع عنها بوحدات الدفاع الجوي الصاروخية، من طراز "هوك"، وأعداد كبيرة من المدافع المضادة للطائرات، وجرى تخصيص جزء من القوة المهاجمة لتحييد بطاريات الهوك.
ويذكر أنور محمد، في مؤلفه المعنون "اسمي حسني مبارك"، على لسان الرئيس الراحل، الذي كان قائد القوات الجوية في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، أنه كانت من الأهداف الرئيسية في الضربة الأولى، ضرب المطارات الثلاثة الرئيسية في عمق سيناء، إذا كان الإسرائيليون يستخدمونها في الطلعات الجوية على القنال، مؤكداً: "وصل عنف الضربة إلى حد أن طائراتنا ألقت على مطار المليز وحده أكثر من 60 طناً من القنابل والصواريخ، بالإضافة إلى تدمير قواعد الصواريخ هوك حتى تصبح السماء مفتوحة أمام طائراتنا لحماية العبور".
استشهاد شقيق الرئيس
عند التجهيز لضرب المطارات، وضع اسم الضابط عاطف السادات، شقيق الرئيس المصري الأسبق، مواليد 13 مارس/آذار عام 1948، في قائمة الطلعة الثانية، ليكون ضمن تشكيلات الموجة الثانية التي كان عليها أن تضرب أهدافاً جديدة في عمق سيناء.
لكن يؤكد محمد فوزي في كتابه المعنون بـ"مبارك والضربة الجوية في أكتوبر"، أن عاطف السادات أصر على أن يضع القائد اسمه ضمن طياري الطلعة الأولى التي تبدأ الحرب، والتي نفذت "الضربة المفاجئة" لضرب ثلاثة مطارات هي: المليز، وتمادا، ورأس نصراني، إلى جانب مركز قيادة أم مرجم.
وبحسب رواية فوزي: "أُسند إليه قيادة تشكيل فرعي، ضمن أول تشكيل يضم عدداً من الطائرات المختلفة، وحين جاءت لحظة المعركة قفز داخل طائرته، وعندما صدرت الأوامر بالإقلاع اندفع بطائرته على الممر، وهو يردد: الله أكبر... الله أكبر".
وكانت التعليمات - وفقاً لفوزي- تقضي بأن يكون جهاز اللاسلكي داخل طائرة عاطف السادات صامتاً طوال الرحلة إلى الهدف، حتى يتحقق معنى المفاجأة والمباغتة بالقصف الجوي، "وفي تمام الساعة الثانية وخمس دقائق كان يطير على ارتفاع منخفض وهو يعبر قناة السويس بسرعة مذهلة متجها نحو مطار المليز حتى يتفادى شبكات الرادار ووسائل الإنذار".
يستكمل فوزي الرواية: "في هذه الأثناء، ارتفع عاطف السادات فجأة بطائرته، وأصبح فوق الهدف تماما، ثم أطلق صواريخه (جو – أرض) فوق مواقع بطاريات صواريخ "هوك" المحيطة بمطار المليز، بعد حركة انقباض بارعة، ودار دورتين حول المطار كمن يبحث عن هدف آخر يقصفه".
ويدعم هذا الطرح ما ذكره جمال صلاح الدين، في مؤلفه "حرب أكتوبر... القصة الكاملة للصراع": "أطلق عاطف صواريخ طائرته مفجراً راداراً ومركز قيادة صواريخ الهوك الإسرائيلية للدفاع الجوي المحيطة بالمطار، وضرب باقي التشكيل مطار المليز، ودمره وأغلقه". مضيفاً: "دار عاطف دورتين كاملتين للتأكد من تدمير الهدف المنوط به تماماً، وفي الدورة الثالثة أصيبت طائرة الرائد صاحب الـ29 عاماً بصاروخ دفاع جوي إسرائيلي، فتحطمت طائرته واستشهد"، وكان ذلك في تمام الساعة الثانية واثنتي عشرة دقيقة.
إعادة بناء
قبل انسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة، وعقب اتفاقية السلام "كامب ديفيد" الموقعة بين الجانبين في 17 أيلول/سبتمبر عام 1978، طمس العدو معالم القاعدة، لكن أعيد بناؤها مرة أخرى، إلى جانب مطار دولي على أطرافها يسمى "البردويل"، افتتحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 31 تشرين الأول/أكتوبر عام 2020، لخدمة المناطق الصناعية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...