في مثل هذا التوقيت قبل 55 عاماً، كانت قيادات الجيش ومعها القيادة السياسية في مصر في حال من الاطمئنان رغم التحذيرات الواردة من جهات متعددة من أن ذاك اليوم، الذي يوافق الخامس من يونيو/ حزيران، سيمر بسلام. وإذ تدق طبول الحرب كان "البطيخ الصيفي" يملاً بطون تلك القيادات، ثقة في نصر حاسم على قوات الدولة المعادية إذا ما فكرت في الهجوم.
انبلج الصباح عن هزيمة قاسية، حاولت السلطات المصرية تزييف حقيقتها في واحدة من أهم حملات الدعاية الكاذبة، وأكبر الفضائح الإعلامية في العالم، وبينما كانت صفوف المركبات العسكرية المصرية تقعى مدمرة في الصحراء، كانت الإذاعة المصرية تزف لمستمعيها أن قواتها على وشك اقتحام تل أبيب.
وعقب انجلاء الحقيقة، كان لا بد من تحرك دعائي جديد يضمن بقاء رأس السلطة وتنزيهه عن المسؤولية، وتخفيف وقع الهزيمة عبر استخدام اللغة كأداة سائغة، فجاء بيان التنحي ليضفي بطولة جديدة على القائد الـ"مستعد لتحمل المسؤولية كاملة" عن "النكسة" التي انتهت باحتلال ما تبقى من أراضي فلسطين وسيناء المصرية وهضبة الجولان وقطاعات من غرب الأردن. هذا الخطاب لا يزال يمثل مرجعية مهمة تستحق التوقف عندها وعند ما دار في كواليسها.
انبلج الصباح عن هزيمة قاسية، حاولت السلطات المصرية تزييف حقيقتها في واحدة من أكبر الفضائح الإعلامية في العالم، وبينما كانت صفوف المركبات العسكرية المصرية تقعى مدمرة في الصحراء، كانت الإذاعة المصرية تزف لمستمعيها أن قواتها على وشك اقتحام تل أبيب
لا قائد إلا القائد
في مساء التاسع من يونيو/ حزيران 1967، وجّه جمال عبدالناصر خطابه إلى الأمة، معلناً تنحيه عن رئاسة الجمهورية، وتحمله مسؤولية الهزيمة، قبل أن يتراجع في اليوم التالي مباشرة "نزولاً على رغبة الجماهير" بعد مظاهرات شهدتها بعض شوارع العاصمة وميادينها.
بحسب المصادر التي سجلت وقائع تلك الفترة من صحف ومذكرات لساسة عايشوها، اندفع الناس إلى الشوارع مطالبين "عبد الناصر" بالبقاء في السلطة، بعد أن فقدها نظرياً بإعلان تنحيه في البيان. عن تلك الواقعة يقول الباحث شريف يونس في مؤلفه "الزحف المقدس – مظاهرات التنحي وتشكُّل عبادة عبدالناصر": "لم تتدخل أي سلطة قائمة في الدولة لإبقائه، وهكذا فإن بقاءه لا سند له سوى رد فعل عفوي، لا يمكن تفسيره إلا بأنه غريزة سياسية جماعية، اعتمدت على ثوابت جرى ترسيخها قبل هذه اللحظة بكثير".
شريف يونس: "الحقيقة الأساسية الأعمق بشأن البيان، والأهم من ذكاء صياغته، هي أنه القشة الوحيدة التي ألقيت للناس في موقف من الذهول الشامل والضياع، بصرف النظر عن أي مضمون أتى به"
ويؤكد يونس أن "مهارة بيان التنحي تكمن في استدعائه وتكثيفه للمقولات الإيديولوجية التي شكلت عماد النظام [منذ إرسائه عقب 1952]، و[كما شكلت] عماد مكانة عبد الناصر الخاصة للغاية، أي بصفته الشعب مُشخَّصاً، وقد حل محل شعب انتقل إلى مقاعد المتفرجين في الشؤون السياسية قبل 13 عاماً".
ويضيف: "في ظل احتكار الزعيم المطلق للسلطة، لا يصبح الشعب شعباً إلا حين يستمع إلى جمال عبد الناصر وهو يتكلم عنه وعن آماله وبرامجه ومواقفه، فيصبح له برنامج وموقف وأعداء وأصدقاء، ويفعل حين يطلب منه الرئيس أن يفعل، وحين يطلب تأييده لمواقف، وكان إذن رمز وجود البلاد السياسي، بل أداته الوحيدة، وأصبح القوة المقدسة التي تلد الشعب وتمنحه معناه وأهدافه، بل شعوره بالوجود".
الزعيم لا يُسأل
قبل بيان التنحي الذي أصدره جمال عبد الناصر لم تتحرك أي جهة لمساءلته عن الهزيمة، واتخاذ قرارات منفردة أدت إلى الحرب، ولم تعلن أي منشأة حكومية أو عسكرية أبعاد الهزيمة، أو عن تصورها للمستقبل في مصر بعد "نكسة 67"، بل كان هناك حالة تشبه "الشلل التام".
لم يتحرك سوى جمال عبد الناصر ذاته الذي كلف الصحافي محمد حسنين هيكل صياغة بيان التنحي يوم 8 حزيران/يونيو، وتولى الأخير تعديله، وهي الواقعة التي قال عنها: "كانت تجربة في الكتابة من أقسى ما عانيت في حياتي"، بحسب حازم عوض في مؤلفه "الأستاذ ينصرف... محمد حسنين هيكل".
وهنا يقول شريف يونس: "الحقيقة الأساسية الأعمق بشأن البيان، والأهم من ذكاء صياغته، هي أنه القشة الوحيدة التي ألقيت للناس في موقف من الذهول الشامل والضياع، بصرف النظر عن أي مضمون أتى به، بل كان البعض ينتظر من البطل أن يرد على الضربة في خطابه... كانوا ينتظرون الخطاب راجين رجاءً يائساً أن يتحفهم زعيمهم البطل بمعجزة من المعجزات التي عودهم عليها".
ويرى صاحب "الزحف المقدس" أن "البيان خاطب الموقف بطريقة لا تؤدي بالضرورة إلى المظاهرات التي تلته، لكنه صيغ بطريقة تشجع عليها بقوة، بأن خاطب بذكاء - يحسب لهيكل ولعبد الناصر- كل التراث الإيديولوجي المتراكم".
التنحي لاستعادة السلطة!
كان من المقرر أن يذاع في "بيان التنحي" أيضاً، خبر استقالة المشير عبد الحكيم عامر، وزير الحربية، لكن الأخير فوجئ بأن "عبد الناصر" يتجاهل ذلك، فاتصل بالسكرتير الخاص بالرئيس الأسبق، وطلب منه أن يدخل ورقة إلى "ناصر" وهو يذيع البيان، يبلغه فيها أن المشير سوف يذهب إلى الإذاعة لإعلان استقالته، واتصل كذلك بمحمد فائق، وزير الإعلام، مكرراً كلامه، لكن الأخير أخبره أنه يرفض ذلك بناء على أمر الرئيس، وفقاً لممدوح الليثي، في مؤلفه "الصديقان: ناصر وعامر 1967".
ويعلق شريف يونس على ذلك: "لم يسمح [ناصر] للمشير بإذاعة استقالته بنفسه، فأرسلها إلى وكالات الأنباء لتذاع، فكأن التنحي غنيمة [شخصية لناصر] أو المدخل الطبيعي لاستعادة السلطة".
ويشير الدكتور شريف يونس إلى أنه "أول ما يُلاحَظ أن البيان موجه للشعب، مستعيداً ومؤكداً بذلك على العلاقة الخاصة بين الزعيم وشعبه، في حين أن الاستقالة نقل للسلطة، ويجب دستورياً أن توجه لمجلس الأمة وفقاً للمادة 111 من دستور 1964 المعمول به آنذاك: (إذا قدم الرئيس استقالته من منصبه، وجه كتاب الاستقالة إلى مجلس الأمة)".
ويبيّن المؤلف أن "الرئيس تخطى للمرة الألف المؤسسات الدستورية التي شكلها بإرادته المنفردة أصلاً، ليقيم محلها تلك العلاقة الخاصة بينه وبين الشعب، المفتقر إلى أية مؤسسات مستقلة من أي نوع، واضعاً بذلك كل مؤسسات الدولة بين قوسين في حالة شلل كامل في انتظار (كلمة الشعب)". ويبدو أن عبدالناصر كان يضمن كلمة الشعب سلفاً.
تحليل بيان التنحي
بداية كان البيان طويلاً نسبياً، ولا يناسب شكلاً ولا مضموناً الهدف المعلن وهو الاستقالة؛ إذ إن الأخيرة ربما لا تحتاج إلى أكثر من شرح أبعاد الهزيمة وحدود المسؤولية عنها، بعبارات قليلة واضحة.
وبعد إعلان الاستقالة من المقرر أن يتولى المجلس (مجلس الشعب) مهمته في نقل السلطة دستورياً، غير أن البيان لم يصغ على هذا النحو، بل بدأ بإعلان الرغبة في المصارحة، لكنها كما يصفها شريف يونس: "مصارحة ناقصة... يقول ناصر: ‘لا نستطيع أن نخفي على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة’، فالمصارحة لم تحدد أبعاد النكسة المقصودة، سواء من حيث احتلال سيناء أو ضياع الجيش بالكامل، فضلاً عن باقي الهزائم العربية".
في البيان، كان جمال عبد الناصر الذي سيتنحى وينتقل بعد دقائق - فيما يفترض- إلى وضع المواطن العادي، يبادر برسم طريق المستقبل وكأنه يطمئن إلى بقائه فوق رؤوس الجميع
واصل عبد الناصر حديثه: "لكني واثق أننا جميعاً نستطيع، وفي مدة قصيرة، أن نجتاز موقفنا الصعب"، وهو ما علق عليه شريف يونس في تحليله للخطاب: "بعد النكسة المبهمة، يأتي فوراً وعد بتجاوزها، فقدم البيان فوراً الأمل الوحيد الذي أتيح للناس، وعلى لسان الشخصية السياسية الوحيدة التي عرفوها على مدى 13 عاماً، ومؤكداً سيطرته بإعلان نفسه - ضمناً- مصدراً للثقة بشأن المستقبل، وهكذا لم يكن مدخلاً يبشر بأي حال بـ(التنحي) اللاحق".
يلاحظ يونس أن البيان لم يتطرق لأية أخطاء عسكرية ارتكبت، فادحة أو غير ذلك، بل أكد خلافاً للواقع أن "قواتنا حاربت معارك رهيبة بالدبابات والطائرات على خط الدفاع الثاني"، كما أن جمال عبد الناصر الذي سيتنحى وينتقل بعد دقائق - فيما يفترض- إلى وضع المواطن العادي بادر برسم طريق المستقبل وكأنه يطمئن إلى بقائه فوق رؤوس الجميع، إذ قال: "أمامنا الآن عدة مهام عاجلة... المهمة الأولى أن نزيل آثار العدوان علينا"، أما الأخرى فتتعلق بالتضامن العربي.
"الزعيم" لا يتنازل
وفقاً ليونس، فإن صياغة البيان أشارت إلى أن الزعيم لن يتنازل عن السلطة إلى حد أن يدافع عنها ويعرض مبرراته أو عوامله، وإنما بكل الكبرياء يعفو نفسه من المناقشة، ويقدم ثمن إعفائه فوراً: "التنحي"؛ فالزعيم لا يضع نفسه محل محاسبة أصلاً، بل يطرح تنحيه بكل كبرياء، واستطاعت الصياغة أن تمرر النقطة الأساسية التي تبرر التنحي، وهي مسؤوليته السياسية، خلسة.
ويواصل يونس ملاحظاته مبيناً أن الزعيم لم يعلن مسؤوليته عن النكسة، وإنما عن "استعداده لتحمل المسؤولية" عنها، وهي صياغة تدخل في باب الشهامة، لا في باب تحديد المسؤوليات. ولأنها شهامة، ولأنه ربما يكون قد أخطأ فقط في حساب العوامل، وهو ما لم يقله صراحة، ولأن المطروح هو تحمل تبعات الهزيمة، لا المسؤولية عن وقوعها، فلا محاسبة ولا مساءلة.
من هنا لن يسلم عبد الناصر نفسه للسلطة الجديدة، أياً كانت، لترى رأيها في شأن مدى مسؤوليته عن الهزيمة الفادحة، وإنما هو "يتنازل" باختياره الهبوط إلى وضع "أي مواطن آخر"، وهو بالفعل وضع سيئ تماماً، فهو لا يتنحى بسبب ذنب ارتكبه، ولا لأنه يتحمل المسؤولية عما حدث.
ويشير شريف يونس إلى أن هذا "التنحي المترفع، والمحدود، ليس مطروحاً بروح التعالي والتجبر، وإنما شفعه (هيكل) في صياغته باستثارة العلاقة الأبوية الخاصة التي ربطت عبد الناصر بالشعب، وهكذا يطلب الزعيم من الشعب أن يساعده على تنفيذ قراره هذا"، متابعاً: "ولما كان الزعيم يعلن تنحيه، فلا يبقى مفهوماً من الصياغة سوى أنها تناشد الشعب ألا يتمسك بالرئيس، وأن يفسح له، أو أن يتنحى من طريق التنحي الذي رسمه لنفسه، وبعبارة أخرى فإنه يقول للشعب إنه يتوقع منه أن يتمسك به، لكنه يرفض ويريد من الشعب أن يقبل قراره، بل يرجوه أن يقبل، فالإيحاء قوي للغاية بشأن ما يتوقع أن يكون عليه موقف الشعب، ولم يكن الغرض من التنحي في صياغة البيان، إتاحة فرصة لقيادة أفضل، فالرئيس لم يعلن أصلاً فشله السياسي".
هكذا أعلن عبد الناصر في بيان تنحيه، وبشكل غير مباشر، أنه الأفضل، بل البديل الوحيد الذي يملك برنامجاً للمستقبل وشهامة، وأنه العنوان الصحيح للموقف البطولي من الاستعمار، فضلاً عن أنه غير مسؤول أصلاً.
ويروي هيكل في مؤلفه "لمصر لا لعبد الناصر" أن التعديل الوحيد الذي أدخله "عبد الناصر" على صياغة البيان كانت رفض القول إنه "على استعداد لتحمل نصيبي من المسؤولية"، مصراً على تعبير "المسؤولية كاملة"، قائلاً: "لا أرضى ذلك لنفسي... إنني تاريخياً أتحمل المسؤولية كلها، ويجب أن أقول ذلك للناس".
ويؤكد صاحب "الزحف المقدس" أن "عبد الناصر كان الأبعد نظراً، فتحملُ نصيب معين من المسؤولية لا يتسق أولاً مع توجيهه الخطاب منفرداً إلى الشعب، كما أن تقسيم الأنصبة ثانياً يعني أنه يتحمل بالفعل مسؤولية معينة، في حين أن صيغة (المسؤولية كلها) عامة، تتسق مع أسلوب الشهامة".
الفرعون مطمئناً
إلى جانب ذلك، منح عبد الناصر نفسه سلطة تعيين خلفه، ومن داخل النظام القائم، فخلع السلطة على زكريا محيي الدين، وبشأن ذلك يقول شريف يونس: "بالفعل كان تحديد المرشح حق، افترض عبد الناصر من البداية أنه يخصه وحده، وكان نتيجة مترتبة على تخطيه مجلس الأمة، المخول دستورياً باتخاذ الإجراءات بشأن استدعاء المستحق لتولي السلطة، وعلى توليه تحديد إستراتيجيات مرحلة ما بعد تنحيه".
ولسبب ما كان عبد الناصر ينوي أن يسمي في خطابه شمس بدران (مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر)، ثم انتهى إلى نائبه زكريا محيي الدين، وفقاً لمؤلف كتاب "الصديقان: ناصر وعامر 1967".
لكن جمال عبد الناصر لم يستشر زكريا محيي الدين، في نقل السلطة له لدرجة أن الرئيس لم يجد ضرورة لإخطاره بالمسؤوليات السياسية التي كلفه بها، بحسب فاروق جويدة في مؤلفه "من يكتب تاريخ ثورة يوليو". وفي هذا إشارة أخرى إلى اطمئنان ناصر إلى بقائه.
إنعاش ذاكرة الناس بالماضي
انتقل البيان بعد ذلك إلى استعراض ما حققه "جيل" عبد الناصر من استقلال وثورة اجتماعية وتأميم القناة والسد العالي، فأنعش ذاكرة الناس بالماضي المجيد، دون نواقصه وعيوبه، بل كوارثه، بعد ذلك كما يقول يونس: "أعلن الزعيم بإرادة ملكية إن جاز التعبير، بثقته بتحالف قوى الشعب العامل، طارحاً نفسه وهو يتنحى مصدراً أعلى للثقة بالشعب".
وأشار المؤلف إلى أنه "انثنى عقب ذلك مكرماً بكلماته التالية الجيش والشعب، مطلاً بنظرته الأبوية عليهما معاً، وختم بأن أعلن "أن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن"، وهي عبارة تتجنب التداعي الساخر لعبارة (دقت ساعة العمل الثوري) في تلك الظروف، وتستثير في نفس الوقت روائح عصر الأمجاد".
ثم ختم "ناصر" البيان متوحداً بالشعب في علاقة محبة متبادلة خالصة تحت المظلة الإلهية: "قلبي كله معكم، وأريد أن تكون قلوبكم كلها معي، وليكن الله معنا جميعا".
ويصف مؤلف "الزحف المقدس" الوضع آنذاك: "ولم يطرح البيان على الناس في النهاية أكثر من نقل السلطة من ناصر لزكريا، مجرد انقلاب قصر يعلنه الزعيم بذاته، يقطع الطريق على انقلاب يفرض عليه، وعلى انفجار الغضب في المستقبل، إذا أخذ الناس يستوعبون في أسابيع أو شهور حجم الهزيمة، من دون أن يكونوا قد أخرجوا طاقتهم الانفعالية المكبوتة في عمل كبير".
وفي ظل المظاهرات التي انطلقت مطالبة الرئيس بالتراجع عن قراره، انطلقت المدافع المضادة للطائرات في الهواء، فأوحت بهجوم جوي إسرائيلي على القاهرة، وألقت الرعب في القلوب، ويقول أحمد حمروش في كتابه "خريف عبد الناصر"، إن "الهدف من إطلاقها كان إشعار الناس بخطر ما يمكن أن يقدموا عليه من أعمال مرتجلة غير محسوبة".
بأمر الشعب؟
وهكذا حققت الجماهير هدفها الوحيد، ومن ثم انسحبت مرة أخرى إلى حياتها اليومية، ولم يعد لها شأن بالسلطة، وفوضت الأمر إلى "عبد الناصر"، كما جرت العادة، وعادت إلى قواعدها، وعليه هو أن يزيل آثار العدوان.
وأعاد مجلس الأمة السلطة لعبد الناصر، بناء على رغبة الشعب، مشفوعة بالولاء المطلق، ووقف محمد أنور السادات، رئيس المجلس آنذاك، يخطب: "باسمكم (أعضاء المجلس) وباسم الملايين من قوى الشعب العاملة، أتقدم إلى رئيس جمهوريتنا، الرئيس جمال عبد الناصر، بآيات الشكر والعرفان بالجميل، وباسمكم جميعاً أعلنها مدوية، سنسير يا جمال في طريق الحرية، في طريق الاشتراكية، وإلى الأمام ونحن وراءك، وإلى الأمام ونحن على ثقة من نصر الله وتأييده ما دمنا وراءك"، بحسب رشاد كامل في مؤلفه "لغز السادات".
في هذه الأثناء، كتب الصحافي إحسان عبد القدوس، رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم: "إن عبد الناصر سلاحنا وقوتنا وإرادتنا، وإذا تنازلنا عن سلاحنا وقوتنا وإرادتنا، فكأننا استسلمنا للعدو، كأننا حققنا إرادة العدو لا إرادتنا، أمل العدو لا أملنا، وهذا ما لا نستطيعه ولا يستطيعه عبد الناصر، ولن نجعل من النكسة نكستين!"، وفقا لما ذكر السيد الحراني في كتابه "مذكرات جمال البنا".
ونختم برؤية شريف يونس للأحداث: "كان الأثر المباشر للمظاهرات هو اكتساب النظام الذي لم يكن مهدداً بالسقوط على أية حال، شرعية جديدة جزئياً، اعتماداً فحسب على مكانة زعيمه، وفي ظل هذا الوضع تم تصوير العملية ككل كنصر، لا هزيمة، نصر تمثل في بقاء النظام".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...