شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لطفاً... سيُعطّل القانون حتى ذبح الثور

لطفاً... سيُعطّل القانون حتى ذبح الثور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والخطاب الديني

الاثنين 17 أكتوبر 202211:41 ص

يندرج المقال في ملف "فصل الدين عن القبيلة" من إعداد وتحرير جمانة مصطفى

يراه البعض دولة موازية للدولة، ويقوض الحكم المدني بينما يرى مؤيدوه أن وجوده مهم في ظل غياب أو ضعف القضاء في اليمن، وهناك من يتفق معه من حيث المبدأ ويختلف في التفاصيل، لكن الأكيد أن القبائل اليمنية متمسكة به وتسن قوانينه وتلزم الجميع بأحكامه، وتتنظم الحياة داخل هذه الجماعات اليمنية وفقاً لآليات "قانون الهجر".
الهجر هو حكم عرفي متوارث تستخدمه القبائل لإبداء الاعتذار ورد الاعتبار للخصم، لم تتمكن الدولة من إلغائه، وإليه يلجأ الخصوم إلى اليوم خصوصاً مع انهيار النظام القضائي في اليمن.

أصل التهجير

يعرف المفكر اليمني مطهر الإيراني الهجر في كتابه "المعجم اليمني" بالقول "التَّهْجير: في الخصومات ضرب من الترضية، يحكم به على المبطل أو المخطئ إرضاءً لمن وقع عليه الباطل أو الخطأ، ورداً لاعتباره وكرامته، ويسمى ما يُحكم به على المبطل المخطئ (الهَجَر) وكثيراً ما يكون هذا الهَجَر ذبيحة فأكثر من الغنم، أو ذبيحة فأكثر من البقر والثيران خاصة".
الهجر هو حكم عرفي متوارث تستخدمه القبائل لإبداء الاعتذار ورد الاعتبار للخصم، لم تتمكن الدولة من إلغائه، وإليه يلجأ الخصوم إلى اليوم خصوصاً مع انهيار النظام القضائي في اليمن

موكب كبير من السيارات ووجهاء يتقدمه ثور وجزار شاهراً مقصلته يقصدون بيت المجني عليه، وعندما يصلون إلى غايتهم يقوم أحد أفراد القبيلة بقراءة أشعار تتضمن اعترافاً بالخطأ، وتعطى الإشارة للجزار بذبح الأضحية، حيث يوزع اللحم على جميع الأطراف، وكل من حضر.

دم الحيوان فداء لدم الإنسان

ذات مرة اعتدى مواطن يمني على جاره الصومالي فأتى اليمني برجال قبيلته يسوقون أمامهم ثوراً للاعتذار، عندما شرع الجزار بالذبح صرخ المظلوم الصومالي: "يذبح خصمي" متسائلاً ما شأن الثور وما ذنبه؟ تُذبح الأبقار عقاباً لذنب لم تقترفه، هذا ما يحدث عادةً عند تنفيذ ما يسمى بالهَجَر لدى القبائل اليمنية.
الباحث الاجتماعي أحمد العرامي تحدث لرصيف22 عما أسماه العنف البديل: "الهَجَر حكم تسبقه وتصاحبه في غالب الأحيان محاكمة، وطقوس تكاد تمثل في مجملها لعبة العنف الرمزي البديل، فإذا كان الهَجَر هو سفك دم بديل لسفك محتمل للدم الإنساني، أو محاكاة معوضة لهذا الفعل، فإن الإجراءات التي تسبقه وتصاحبه تمثل بديلاً لعملية الاقتتال والتي تكتمل بها دائرة تجسيد العنف أو محاكاته".
يُعد الهجر نظاماً قضائياً بعيداً عن الأطر الرسمية في اليمن، ويحصر السلطة القضائية ويقوضها في الأماكن البعيدة والريفية خاصة، بل يعتمد قضاء الاستئناف -في بعض الحالات- أحكام العرف حكماً مبدئياً.
هي لعبة العنف الرمزي البديل، فإذا كان الهَجَر هو سفك دم بديل لسفك محتمل للدم الإنساني، أو محاكاة لهذا الفعل، فإن الإجراءات التي تسبقه تمثل بديلاً لعملية الاقتتال

في هذا الصدد يرجع الصحافي اليمني المهتم بالعادات والتقاليد على الأشموري في تصريحه لرصيف22 انتشار مثل هذه الأعراف المتوارثة إلى "غياب الدولة وعدم وجود قضاء عادل يمكن الاحتكام إليه في حالة نشوب النزاعات أو الخلافات".

المرأة أشد تضرراً

إلا أن الضرر الأكبر من النظام القبلي يقع على المرأة، لا سيما في قضية الهجر حيث لا تستشار أو يؤخذ برأيها في مثل هذه العادات اليمنية المجحفة، وتساق كنعجة الهجر دون علمها بما اتفقت عليه الأطراف المتخاصمة .
لاحظت سمية (20 عاماً) وهو اسم مستعار لشابة يمنية منذ ليلة زفافها أن زوجها ليس طبيعياً ويتحدث بكلام لا يفهم، ثم تطورت الحالة لتهديدها بالسلاح، لتكتشف في ليلة الزفاف أن عريسها "مريض نفسي" ويعاني من حالة ذهنية متقدمة، فتركت عشها المفترض صبيحة زواجها، ولم يكن والد سمية كما قالت لرصيف22 يعلم أن العريس يعاني من مرض نفسي.
نجت سمية من القتل على يد زوجها لكن لم تنجُ من "الهجر"، العادة القبلية التي تجبر المرأة اليمنية على التنازل عن حقوقها ومواقفها، بعد شهر تفاجأت بوالد زوجها أمام منزل أبيها مصطحباً ثورين ليعتذر ويعود بها إلى بيت الطاعة كما يسميه اليمنيون. عادت سمية إلى زوجها مكرهة لتعيش الخوف والألم والتهديد، وبعد أسبوع واحد تركته مجدداً وطلبت الطلاق، لكن هذه المرة بعد أن حملت في أحشائها جنيناً ستتكبد تربيته بمفردها وتتذكر به يوم قدم والد زوجها مهجراً برأسين من الأبقار.
تقول القانونية أروى الشميري: "للمرأة الحق في القبول والرفض، فهي صاحبة الأهلية بأن تقبل بأي قرار يخص حياتها الاجتماعية، الهجر فيه إجحاف وظلم للمرأة لكن المجتمع القبلي تحكمه أعراف ترجح كفة الرجل على حساب المرأة".
نجت سمية من القتل على يد زوجها لكن لم تنجُ من "الهجر"، العادة القبلية التي تجبر المرأة اليمنية على التنازل عن حقوقها، بعد شهر تفاجأت بوالد زوجها أمام منزل أبيها مصطحباً ثورين ليعتذر ويعود بها إلى بيت الطاعة

وتضيف: "إن اعتماد الهجر كوسيلة وحيدة لحل الخلافات العائلية تفاقم المشكلات وتزيد الطين بلة بالنسبة للنساء، لأنه عبارة عن ترقيع لمشاكل النساء ولا يقدم حلولاً جذرية لها".

صلح بالإكراه وابتزاز بالجاهات

ظلّ والد جمال وهو اسم مستعار الذي قتله إبن أحد مشايخ من الحيمة الداخلية صنعاء يطالب لسنوات في المحاكم بـ"قصاص" ابنه.
لم تستطع السلطات القبض على القاتل نظراً لمكانته ومكانة والده الاجتماعية، كما رفض والد المقتول التهجير بثلاثين بندقية للقبول بالصلح القبلي، ومع الضغط المتواصل من قبل وجهاء المنطقة ونفاد كل الوساطات بدأ الشيخ بمضايقته والاستيلاء على أراضيه، ومن ثم مساومته بالأرض أو بالصلح، ليرضخ الأخير للصلح مرغماً.

غياب الحكومة عن المشهد وانتشار الفساد أديا إلى تغليظ الأحكام القبلية في الخصومات دون رادع، وكما حدث مع والد جمال، فقد يتحول المجني عليه أو ذووه إلى ضحية ابتزاز من قبل الجاهات خاصة إذا كانت عائلة الجاني ذات مكانة اجتماعية مرموقة.

في جريمة "الخطأ الأحمر" تكون عقوبة الجاني مضروبة في 4 ديات أو ما يسمى بالمربع، إذ يميز قانون الهجر في اليمن بين القبائل والسادة والأشراف حيث يطرح الهجر مضروباً بـ11 إذا كان المعتدي أو المجني عليه من السادة، كما ورد في قوانين العرف القبلي الصادرة عن مجلس العرف القبلي، وهي الجريمة السوداء وتسمى أيضاً "المحدعش" وتعني أنه إذا كانت العقوبة على القاتل في الظروف العادية هي دفع الدية، فسيكون عليه دفع 11 دية عند ارتكابه الجرم الأسود.

في العام 1994 شهدت اليمن أكبر قضية تهجير في قضية محاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء الأسبق حسن مكي على يد مسلحين تابعين لشيخ قبلي كبير، وقد أدت الجريمة لقتل سبعة من مرافقي مكي، ليتم التهجير بذبح 100 ثور

في العام 1994 شهدت اليمن أكبر قضية تهجير وأغلظ حكم قبلي في قضية محاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء الأسبق حسن مكي على يد مسلحين تابعين لشيخ قبلي كبير، وقد أدت الجريمة لقتل سبعة من مرافقي مكي، ليتم التهجير بذبح 100 ثور.
يشير المحامي عبد العزيز السقاف في تصريحه لرصيف22 أن الخلل في القضاء شجّع المواطنين إلى الجوء للهجر والتحكيم القبلي، ذلك لسرعة الفصل في الأحكام بين المتخاصمين .

ويرى السقاف أن الهجر يقدم العون للقضاء والقانون، وبحسب رأيه فإن: "القانون العرفي لما به من أحكام مغلظة يردع المعتدي في غالب الأحيان بعكس الحكم المدني المتساهل".
بعد 60 عاماً من ثورتها على النظام القبلي عادت اليمن لتطبيق عادة الهجر التي لا تقتصر على القبائل والبدو أو الفئات التي لم تحظ بالتعليم وتشرب مبادئ الدولة المدنية، فحتى المجتمعات الحضرية تلجأ له اليوم في خصومات القتل والاعتداء والسب والقذف والعنف.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image