يندرج المقال في ملف "فصل الدين عن القبيلة" من إعداد وتحرير جمانة مصطفى
مايز ابن خلدون في مقدمته بين قبائل البدو وقبائل الحضر وتحديداَ سكان حوض الفرات والجزيرة السورية، من خلال تربية البدو الإبل بأعداد كبيرة، في حين تربي قبائل الحضر الشياه، لكن الإبل ورغم تقديمها على سواها من الحيوانات المستأنسة عند البدو، إلا أن الإبل ليست منفردة في ديوانهم الشعري، ولا تشابيههم البلاغية، ولا خصوصيتها ومكانتها في حساباتهم.
اللي ما يعرف الصقر.. يشويه
للصقور مكانة مرموقة لدى البدوي. فصاحب العين الثاقبة، والصياد الماهر، وذو الفطنة في الحكم على البشر، كل واحد من هؤلاء يوصف بالصقّار أو الـ"صگار"، كما يلفظها البدو.
إضافة إلى القوة فللصقر دلالة العفة فهو لا يأكل الجيف، وبحسب احدى المرويات الشعبية فإن مثل "اللي ما يعرف الصقر يشويه" يشار للتمييز بين العارف والجاهل في شؤون الحياة لكنه كثيراً ما يستخدم للإشارة إلى غير البدوي.
إضافة إلى القوة فالصقر دلالة على العفة فهو لا يأكل الجيف، ومثل "اللي ما يعرف الصقر يشويه" يشار للتمييز بين العارف والجاهل في شؤون الحياة لكنه كثيراً ما يستخدم للإشارة إلى غير البدوي
ويقال أن المثل جاء من حادثة ضياع أحد الصقور التي كانت مملوكة لبدوي ثري أو أحد المشايخ أثناء الصيد في يوم مغبر، وبعد طول بحث وجد راعٍ وقد أوقد ناراً لشي طائرين، فسأله إن كان قد رأى صقراً في المكان، فرد الراعي إنه لا يعرف ما شكل الصقر، وحين همّ صاحب الطير بمغادرة الراعي، لفته وجود طيرين مختلفين من حيث الحجم وقد وضعا فوق النار، فسأله "كيف صدت هذين الطيرين"، فرد الراعي: "لم أصدهما، وجدتهما وقد أمسك أحدهما بالآخر تحت شجيرة شوك، فأمسكتهما وذبحتهما كما ترى"، فما كان من صاحب الصقر إلا أن قال "صدگت.. اللي ما يعرف الصگر يشويه"، وراحت هذه الحادثة مضرب مثل بين البدو، فالذي يلا يجيد تقدير الناس وإكرام منازلهم، يقال به، كما يقال فيمن أذل كريماً عن جهالة به، أو استضعف شجاعاً، أو أخطأ في تقدير أي أمر آخر.
يعد موسم هجرة الطيور فرصة للبحث عن ثروة أو جائزة مالية سريعة في سوريا، وذلك من خلال صيد "طير حر" في إشارة إلى الصقور التي تباع لمقنييها في دول الخليج بمبالغ كبيرة، خلال رحلة الطير المُصطاد من قفص صياده إلى قفص مشتريه، يكون سعره قد تضاعف بعد مروره بمزاد بيع يجتمع فيه التجار، حيث يحدد الصياد، ومن ثم ينقل من تاجر لآخر يمتلك علاقات قوية مع تجار الطيور الجارحة في دول الخليج، ليتم عرضه في مزاد علني يحضره مربي الصفور سواء لغرض التفاخر أو الصيد، إذ سيدجن الطير الجارح ويدرب على أن يكون أداة صيد.
للصقر لوازم ترافقه من لحظة وقوعه في شرك اصطياده إلى لحظة موته، أولها يسمى "البرقع"، وهو قطعة من الجلد مصممة كغطاء للعينين، والهدف منها ألا يهاجم حامله قبل الترويض، وألا يهجم على فريسته قبل الأوان، كما يجعله هادئاً ومطيعاً، والقطعة الثانية تسمى "السبوق"، وهي الحبل الذي تربط به أرجل الصقر كي لا يطير، فيما يسمى المكان الذي يجلس عليه الصقر ويمضي أغلبية وقته بالـ"مجسم"، وهو نوعان، الأول من الجلد السميك ويكون كقفاز يقي من يحمل الصقر من انغراز المخالب في جلده، والثانية من الخشب والجلد وتركب في القفص الذي سيكون مستقر الصقر في وقت راحته.
الجمال.. علاقة أزلية
في عددها الصادر بتاريخ 16 أيار /مايو من العام 2016، نشرت صحيفة الرياض السعودية خلاصة دراسة أجراها فريق بحثي من جامعة الملك فيصل وجامعة نتونغهام البريطانية وجامعة الطب البيطري في فيينا، وبحسب الدراسة فإن مصدر استئناس الإبل هو الجزيرة العربية، وصرح رئيس الفريق البحثي فيصل المذن أنه وباستخدام البصمة الوراثية تبين أن مصدر استئناس الإبل ذو السنام الواحد هو الجزيرة العربية، إذ اعتمدت الدراسة على عينات من مواقع أثرية مختلفة من الإمارات تعود لما قبل 7000 سنة وعينات أثرية أخرى من الأردن وسورية وتركيا تعود لحقب زمنية مختلفة الدراسة اشتملت أيضاً على أكثر من 1000 عينة ممثلة للتوزيع الجغرافي الحالي للإبل العربي من 21 دولة.
يعد موسم هجرة الطيور فرصة للبحث عن ثروة أو جائزة مالية سريعة في سوريا، وذلك من خلال صيد "طير حر" في إشارة إلى الصقور التي تباع لمقنييها في دول الخليج بمبالغ كبيرة
تربية الجمال مازالت منتشرة في الشرق السوري بقطعان محدودة العدد، وبحسب توصيف محمد العلي الذي تحدث لرصيف22 بالقول: "الجمال طُردت من قطاع النقل لتصبح حيوانات تدجين وتسمين كغيرها من الحيوانات التي تربى للاتجار بلبنها أو لحومها ومواليدها، ولم يعد ثمة حاجة لاستخدام الجمال في النقل أو قوافل الحج منذ بدأ الاعتماد على الآليات من قطارات كخط حديد الحجاز أو السيارات والطائرات".
يضيف الرجل الذي تخلى عن شهادة الأدب العربي التي حازها قبل الحرب، ليعود للعمل في تربية الجمال والمواشي مع أهله في محافظة الرقة: "إكرام الضيف وإظهار مكانته مهمة لدى المضيف، كان ذبح جمل للضيف مضرب مثل، وقد اعتادت العرب على أن تذبح الجمال في المناسبات العظيمة بالنسبة لهم، مثلاً في حالة العزاء لمن يريد أن يظهر للناس أن الميت ذو مكانة مرموقة فيقوم بذبح جمل أو عدة جمال ليطبخها للمعزين ويوزع الباقي من لحمها على الفقراء، كذلك في حالات الأعراس إذا ما أراد الرجل إظهار فرحه بزواج ابنه وتقدير مصاهريه، في مثل هذه الحالة سيكون العرس أو العزاء الذي تذبح فيه الجمال مادة تروى في سهرات السمر أو مجالس الرجال حتى أجيال قادمة، فيقال "فلان ذبح كذا جمل يوم عرس ابنه، أو وفاة والده"، ما يعني أن الرجل مقتدر مادياً وأحد خلفاء حاتم الطائي.
تربية الجمال بأنها باتت مغامرة في ظل الحرب، فأي طرف مسلح قد يهاجم مربي الجمال ليقوم بسرقة قطعانهم ولو اضطره الأمر لتصفية عائلة أو اثنتين
يختم الرجل حديثه عن تربية الجمال بأنها باتت مغامرة في ظل الحرب، فأي طرف مسلح قد يهاجم مربي الجمال ليقوم بسرقة قطعانهم ولو اضطره الأمر لتصفية عائلة أو اثنتين، وقد بات عدد مربي الجمال في الشرق السوري محدوداً، مع أن سوق بيعها للذبح أو للتربية بات من الأسواق الراكدة منذ سنوات نظراً لضيق الحالة السورية اقتصادياً، فلحوم المواشي والأبقار الأملوفة نفسها صارت رفاهية نظراً لارتفاع الأسعار، فما بالك بالجمال التي كان تجار دمشق يدلفون للشرق السوري لشراء رؤوس من الإبل لذبحها وتقديم وجبة "كباب الجمل"، التي تستقطب السياح والسوريين في آن معاً.
كثيرة هي الأمثال والقصص التي تتحدث عن الإبل في موروث الأعراب، ليس أولها حرب البسوس التي بدأت بقتل كليب لناقة، وليس آخرها جملة ابن عباد، التي ذكرت في سيرة الزير سالم ليعلن اعتزاله حرب أبناء العمومة بقوله "هذه حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل".
الخيل واللّيل
يروي التاريخ العربي أن حرباً دامت أربعين عاماً بين فرعي قبيلة غطفان عبسٌ وذيبان كان سببها الخيل، داحس حصاناً والغبراء فرساً، ولم تنتهِ إلا بتدخل سادة العرب الحارث بن عوف وهرم بن سنان لدفع دية قتلى الحرب من الطرفين.
تربية الخيول العربية الأصيلة ليست مجرد تجارة أو مفاخرة للبدوي أو القبائل التي تقطن حوض الفرات في سوريا، وقد شهدت مناطق شرق الفرات في السنوات الماضية عدة مهرجانات ومسابقات للخيول، يحدد فيها مضمار ضمن إحدى القرى لتسابق الخيل بعضها.
اعتادت العرب على أن تذبح الجمال في المناسبات العظيمة، ليقال "فلان ذبح كذا جمل يوم عرس ابنه" وتنتقل السيرة من جيل إلى جيل
يقول عبد الصالح لرصيف22: "لا نمتلك ثياب الفرسان الذين يظهرون في سباقات الخيل العربية، نمتطي صهوات جيادنا بما نختاره من ثياب اعتيادية كالجلابية أو بنطال بيجامة رياضية، في نهاية الأمر السباقات التي تقام هي بمثابة تسويق للخيول، فغالباً ما يصبح الحصان الفائز محط أنظار التجار الذين يرغبون بنقله إلى دول الخليج، هناك البحبوحة المادية للمربين تسمح لهم بشراء الخيل العربية بأعداد كبيرة".
ويضيف: "الخيل العربية في تناقص، فقد تم بيع أو سرقة أعداد كبيرة منها بسبب فقر السكان، أو صعوبات التربية نتيجة لقلة الأعلاف وانعدام الأمان، من يمتلك خيولاً في مناطق شرق الفرات كمن حصل على إرث ثقيل".
الكلاب.. حراس وصيادون
هناك نوعان من الكلاب التي يربيها البدوي؛ الأول هو الكلب البلدي والذي يعرف باسم "الجعاري"، ةالمهمة الأساس لهذا الكلب هو النباح بصوت عالٍ على كل غريب بقصد الحماية، يقول عيسى الفاعور الذي عمل كراعٍ للأغنام مع أهله القاطنين شرق حمص: "نقوم بتربية الكلب منذ صغره، بعد فترة صغيرة وبعمر 5 إلى 7 أشهر يقوم البعض بقطع أذني الجرو وذنبه، ثم تسلق بالماء وتقدم له ليأكلها في اليوم التالي، ونعتقد أن هذه الخطوة رغم وحشيتها تساعد الكلب على تنفيذ مهامه في الحماية بشكل أكبر، فيصبح أكثر شراسة وقدرة على قتال الغرباء".
الخيل العربية في مناطق شرق الفرات في تناقص، فقد تم بيع أو سرقة أعداد كبيرة منها بسبب فقر السكان، أو صعوبات التربية نتيجة لقلة الأعلاف وانعدام الأمان
النوع الثاني من الكلاب التي يربيها البدو هي السلوقية أو "السلوگي"، وهي كلاب هزيلة ذات أرجل طويلة يمكنها العدو بسرعة كبيرة، وتربى للصيد ومطاردة الأرانب والغزلان بسرعة كبيرة. يربى الكلب على ألا يغرز أنيابه في الطريدة كيلا يُحرم أكلها للبدو، وهي كلاب يصفها عيسى الفاعور بأنها أكثر ذكاءً وسرعة من الكلاب الجعارية، وتنفذ مهامهما بدقة، وتخشى غضب صاحبها، بل وتأكل كل ما يقدم لها من بواقي الطعام والخبز اليابس وأحشاء الطرائد.
إلك ولا للذيب
الذئب... يرتبط بالقوة والجرأة عند البدو، وحين يرغب البدو بأن "يفزع" لآخر ويقدم الدعم غير المشروط يقول له "ذيبك"، أما من يتصف بالجبن أو المكر فيوصف "حصيني"، وهو من الثعالب الصغيرة الحجم التي تنسل ليلاً نحو حظائر الدجاج لتسرق البيض إن لم تقوَ على نهب دجاجة بكاملها.
أما الغزال... فمضرب المثل في جمال العيون والقوام، فالأنثى ممشوقة القد تشبه بالغزال عند البدوي، وذات العيون الجميلة تكنى بالريم أو المها"، ثمة أغنية بدوية تشبه عيون المحبوبة الجميلة بعيون "الخشف العطشان" والخشف هو صغير الغزال الذي تبرق عينيه حين العطش.
كذلك فالغزال هو التشبيه الأبلغ عند العرب لما أسموه بالنافرة، وهي الفتاة التي تهرب من حبيبها كلما دنا منها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع