شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أبنائي لا يمارسون الرياضة بسبب الحر"... معاناة الأطفال من تبعات تغيّر المناخ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 24 أغسطس 202201:52 م

"تحول درجات الحرارة المرتفعة جداً دون اختياري نظاماً غذائياً مناسباً لأطفالي، فهم يرفضون غالبية المأكولات المطبوخة، لأن شهيتهم تكون مغلقةً في أيام الحر الشديد، ويفضلون الوجبات الخفيفة، والفواكه والخضروات الورقية والخضراء كالخيار والخس، والمشروبات والعصائر المحلاة، ومنتجات الألبان، وهذه البدائل كلها ليست كفيلةً وحدها ببناء جسم صحي للطفل"؛ تقول نورهان راشد، لرصيف22، وهي سيدة مصرية ثلاثينية مقيمة في العاصمة العمانية مسقط.

نورهان، أم لطفلين، عانت كسيدة عاملة من الارتفاع المفرط في درجات الحرارة، وعدم تقبلها للعمل في أثنائها، إذ تصل أحياناً إلى أكثر من خمسين درجةً مئويةً، لذا فضّلت ترك العمل والمكوث في المنزل، خاصةً أن التنقل في هذا الحر لا بد أن يكون بسيارة خاصة لاستحالة السير على الأقدام.

بدأت في السنوات الأخيرة ألاحظ زيادةً في وزن طفليّ بشكل ملحوظ عن أقرانهما.

تضيف السيدة في حديثها إلى رصيف22، أن أطفالها يمتنعون عن ممارسة الأنشطة الرياضية بسبب هذه الحرارة المرتفعة، ولا تتوقف المشكلة عند هذا الحد، فمثلاً خلال أيام إعصار شاهين الذي حدث في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، كان الأمر مخيفاً ومفزعاً للكبار والصغار على حد سواء.

حساسية دائمة

مشكلة نورهان ليست فريدةً من نوعها، وقد تواصل رصيف22، مع عدد من الأمهات في بلدان عربية مختلفة، للحديث عن تأثير الظواهر المناخية المتطرفة على الصحة الجسدية والنفسية لأطفالهن.

تقول نسمة كمال، وهي سيدة مصرية كانت تقيم في الكويت مع زوجها وطفلتيها: "كنا نعيش في منطقة ميدان حولي، وكانت الحرارة مرتفعةً بشكل مفرط، وتصل في كثير من الأحيان إلى 60 درجةً مئويةً"، وتضيف أن ذلك يعني أنه لا توجد حياة، فالخروج والتنقل يكونان فقط بالسيارة، والمشي على الأقدام كما في مصر أمر مستحيل.

وتشير السيدة إلى أن أغلب أطفال الخليج يعانون من حساسية في الصدر والأنف مفرطة: "بخاخات الصدر والأنف تلازمنا طوال العام. كنت أشتريها من مصر، لأن كلفة الدواء في الكويت باهظة، فمثلاً سعر بخاخة الأوتريفين في مصر 100 جنيه، وفي الكويت 6 دينارات، أي ما يعادل 400 جنيه"، وتضيف أن هذا في حد ذاته يمثل أزمةً للأسر المصرية المغتربة.

ولا تعتقد السيدة بأن هذه الحساسية، بعد الرجوع إلى مصر، ستختفي، لأنها أصبحت ملازمةً للطفلتين طوال العام، إذ إنهما عاشتا أغلب طفولتهما في الخليج، وتأثرتا بظواهره الجوية وبالبيئة المحيطة بهما.

وبالنسبة إلى النظام الغذائي، تشير إلى أن تغذية طفلتيها كانت تعتمد بشكل أساسي على المعلبات مثل حبوب الذرة والخبز والجبن في أثناء إقامتها في الكويت، وقد امتنعتا عن تناول الخضروات والفاكهة لأن مذاقها كان غير محبب لهما، وحالياً في مصر تقبِلان على تناولها بشكل جيد، لكنهما ترفضان المأكولات المطبوخة، وتفضلان أطعمةً بسيطةً بسبب الحرارة الشديدة.

تحول درجات الحرارة المرتفعة جداً دون اختياري نظاماً غذائياً مناسباً لأطفالي، فهم يرفضون غالبية المأكولات المطبوخة، لأن شهيتهم تكون مغلقةً في أيام الحر الشديد، ويفضلون الوجبات الخفيفة

كما تنبّه إلى أن اللعب والخروج من المنزل، كانا محدودين جداً في الكويت، أما الآن في مصر فتحب الطفلتان الخروج وممارسة الأنشطة الرياضية لأن الجو بالنسبة إليهما أفضل. "كنا نفضّل الجلوس في المنزل، خاصةً في أوقات النهار، ولا نذهب إلى الأماكن المفتوحة إلا ليلاً، والوقت الأمثل لذلك كان في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر".

من جهتها، تقول مروة محمد، وهي أم لطفلين: "بدأت في السنوات الأخيرة ألاحظ زيادةً في وزن طفليّ بشكل ملحوظ عن أقرانهما، فمع الارتفاع المفرط في درجات الحرارة الشديدة، اضطررت بدايةً إلى تقليل عدد التمرينات الرياضية، من ثلاث مرات إلى مرة أسبوعياً، وأدى ذلك إلى زيادة في الوزن لديهما".

وتشير السيدة الثلاثينية المقيمة في مصر لرصيف22، إلى أن طفليها لا يرفضان ممارسة الرياضة شتاءً، بل علة العكس أصبحا يحبانها ويفضلانها بالرغم من البرودة.

سمنة وتقزّم واضطرابات جسدية

صرح الدكتور أحمد فتحي عامر، استشاري التغذية وطب الأطفال، لرصيف22، بأن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر جسمانياً على الطفل، ويوضح قائلاً: "الجزء المسؤول عن تنظيم درجة حرارة جسم الإنسان بصفة عامة، والطفل بصفة خاصة، هو غدة الهيبوثلاموس أو الغدة التي تحت المهاد، وهي تنظم درجة الحرارة وتتحكم في الإحساس بالجوع والشبع، وتنظم الإحساس بالعطش لدى الطفل، والرغبة في شرب الماء، وإدرار البول".

ولذلك، عند حدوث ارتفاع مفرط في درجة حرارة الجو، تحدث صدمة لجسم الطفل، لإحداث التوازن بين عمل هذه الغدة، ومقاومة الارتفاع المفرط في الحرارة، فيحاول جسده الصغير التكيّف معها عن طريق العرق الغزير أو البول المتكرر، وهذا في حد ذاته يشكل ضرراً على صحته.

إحنا زهقانين، إمتي ييجي الشتا؟ أحسن من الحر ده.

وينبّه إلى ضرورة الانتباه بشكل خاص للأطفال المصابين باضطرابات في الرئة أو القلب أو الدماغ، لأن ارتفاع الحرارة واحتمال حدوث حمى أو ضربة شمسية، يزيدان من متطلبات الجسم من خلال زيادة معدل ضربات القلب على سبيل المثال، ولذلك من الضروري تجنّب خروج هؤلاء الأطفال في أوقات الحر الشديد.

كما أن زيادة درجات الحرارة يعني مكوث الطفل في البيت لمدة طويلة، وعدم ممارسة أي نشاط بدني وتمرينات لياقة، وهذا بدوره يؤدي إلى السمنة وفق حديث الطبيب، ولها أضرار كثيرة منها التسبب بأمراض السكري، ومقاومة الأنسولين الذي يظهر بين الأطفال بشكل ملحوظ مؤخراً، كما أنها تؤثر على صحة العظام والعضلات والمفاصل. ويضيف: "ظهرت مؤخراً أيضاً أمراض حديثة كالتقزّم، نتيجة سوء تغذية الأطفال بسبب الحرارة المرتفعة، وهو أمر لم يكن معهوداً في الماضي، بالإضافة إلى حساسية الصدر والأنف طوال العام".

وقد توصلت دراسة نشرتها مجلة "Environmental Research Letters"، إلى أن "ارتفاع درجات الحرارة هو أحد المسببات الرئيسية لسوء تغذية الأطفال، بمعدلات تفوق العوامل التقليدية الأخرى، كالفقر وتدهور التعليم"، واعتمد فريق الدراسة علي قياس التنوع الغذائي بين أكثر من مئة ألف طفل دون سن الخامسة، في تسع عشرة دولةً موزعةً على ستة أقاليم جغرافية هي آسيا وشمال إفريقيا وغربها وأمريكا الوسطى والجنوبية.

وتوصلت النتائج إلى أن هناك علاقةً بين بيانات الطقس والتغذية، أي أنه كلما ارتفعت درجات الحرارة بشكل مفرط، كلما ساء النظام الغذائي للطفل، في حين أنه كلما ازداد هطول الأمطار أو كانت متوسطةً، كلما ازداد تنوع النظام الغذائي للأطفال، وتشير الدراسة إلى أن عدم تكيّف أطفالنا مع تغيّر المناخ، سيؤدي إلى مزيد من التدهور في نظمهم الغذائية.

تأثير على الصحة النفسية

في سياق متصل، تشير إيمان أحمد، وهي ربة منزل ثلاثينية، إلى أن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة يمنع أطفالها في كثير من الأحيان من حرية اللعب والانطلاق والذهاب إلى التمرينات الرياضية، وخصوصاً في شهر آب/ أغسطس، في مصر.

زيادة درجات الحرارة تعني مكوث الطفل في البيت لمدة طويلة، وعدم ممارسة أي نشاط بدني وتمرينات لياقة، وهذا يؤدي إلى السمنة، وقد ظهرت مؤخراً أيضاً أمراض حديثة كالتقزّم، نتيجة سوء تغذية الأطفال بسبب الحرارة المرتفعة، وهو أمر لم يكن معهوداً في الماضي

"يُشعرهم هذا بالملل والاكتئاب، ويطلبون مني دوماً الخروج، ويقولون: ‘إحنا زهقانين، إمتي ييجي الشتا؟ أحسن من الحر ده’"، تضيف لرصيف22، قائلةً إن كل ذلك يؤثر على نفسيتهم بشكل كبير.

وهنا، يصرّح الدكتور محمد عزت سليم، استشاري الأمراض النفسية والعصبية لرصيف22، بأن هذا الارتفاع المفرط في درجات الحرارة يتسبب في بقاء الطفل في البيت لمدة طويلة، وعدم تنفيسه عن طاقته باللعب والحركة، وتالياً يشعر بالكبت والقلق والاكتئاب، ما يؤثر على مزاجه.

كما أن جلوسه في المنزل لفترة طويلة، يدفعه إلى استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل مبالغ فيه، ما يؤثر على صحته العقلية، وتركيزه الدراسي، وينمّي لديه العنف تجاه الأشياء والأشخاص، وكل ذلك يلقي بظلاله السلبية على سلوكه المستقبلي والنفسي.

بدائل مفيدة

وتقول آية محسن، لرصيف22، وهي سيدة مصرية مقيمة في القاهرة، وأم عاملة لطفلتين الفارق بينهما 5 سنوات: "مع طفلتي الأولى، لم أحتَر في اختيار المأكولات والنظم الغذائية، فلم تكن الحرارة بهذا الارتفاع، لكنني مع طفلتي الصغرى، أتردد دائماً، فهي ترفض المأكولات المطبوخة".

يمكن ممارسة أنشطة تنمّي العقل وتريح نفسية الطفل كبديل من الخروج والتنزه خلال الأيام الحارة.

اتجهت آية إلى طبيب الأطفال، فنصحها بالمشروبات والعصائر المحلاة بالعسل في أوقات الحر الشديد، مثل الأفوكادو فهو مفيد للطفل ويحتوي على الكثير من الفيتامينات والمعادن، والفراولة، والموز باللبن.

ويشير الدكتور عامر إلى ضرورة إعطاء الطفل السوائل بكميات كبيرة ومنتظمة، بما لا يقل عن ثلاثة ليترات يومياً، لتعويض الجسم عن السوائل المفقودة، سواء عن طريق العرق الغزير أو البول، وإلى أهمية التغذية الصحيحة من خلال الخضروات والفاكهة التي تمد الطفل بالأملاح والفيتامينات الضرورية لجسده، ويطرح خيارات عدة منها تحضير وجبات خفيفة من الفاكهة مثل شوربة الأفوكادو أو خليط الدجاج والأفوكادو.

وفي حال تعرض جسد الطفل لحرارة مفرطة أو لضربة شمس، ينصح المتحدث بتعريضه للمياه الجارية مباشرةً بدلاً من الكمادات الباردة لأنه من الضروري تخفيض درجات الحرارة عنده تدريجياً، وبعدم خروجه من الجو الساخن الحار إلى الجو البارد بشكل مفاجئ، وإنما تدريجياً لتجنّب الإصابات التنفسية.

بدوره، يشير الدكتور سليم، إلى أهمية اللجوء إلى الأماكن المغطاة والمكيّفة حتى يتمكّن الطفل من اللعب بسلاسة وحرية وتلقائية بعيداً عن الحرارة، وعدم الخروج والتنزه في الأماكن المفتوحة المعرضة للشمس إلا ليلاً، خاصةً في شهرَي تموز/ يوليو، وآب/ أغسطس، المعروفين بحرارتهما الشديدة.

ويشير إلى مجموعة من الأنشطة، مثل الرسم والعزف، وهي تنمّي العقل وتريح نفسية الطفل كبديل من الخروج والتنزه خلال الأيام الحارة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image