شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حكايتي مع المجني عليها (2)

حكايتي مع المجني عليها (2)

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الاثنين 8 أغسطس 202211:37 ص

طيب، كيف سأهرب من مصيبة كهذه ستهدد حياتي الزوجية الناشئة؟ ولماذا وقع الاختيار عليّ أنا منفرداً؟ يعني، لماذا لم تطلب النجمة الصاعدة من المخرج أن يأتي معي إلى بيتها بل إنها حتى لم تطلب منه زيارة منفردة هو الآخر؟ هل هذا هو جزاء الإمعان في الاحترام الذي عاملتها بها في المرتين السابقتين، وهو ما جعلها تشعر ربما أنني الحلقة الأضعف التي يمكن أن تنفذ منها إلى السيطرة على الفيلم؟

طيب، كيف سأهرب من مصيبة كهذه ستهدد حياتي الزوجية الناشئة؟ ولماذا وقع الاختيار عليّ أنا منفرداً؟

طيب، ما الذي أوحى لها بذلك وقد كنت في قمة الانضباط في تعاملي معها خوفاً من أي إشارة أو لمحة منفلتة يمكن أن تسبب لي صداعاً لا أرغب فيه؟ ومن قال لها أصلاً إنني يمكن أن أكون عوناً لها في الفيلم وأنا المؤلف الذي لم تثبُت أقدامه بعد في الصناعة ولا يمكن أن يساعد أحداً غير نفسه إن استطاع أصلاً مساعدتها؟ هل أنا بحاجة الآن إلى هذا الامتحان الطارئ لصلابة عزمي على مفارقة حياة الصرمحة والصياعة التي عشتها في ظل العزوبية؟ ولماذا لا تتوقف كل هذه الخيالات الرخيصة المتأثرة بسنوات من مشاهدة الأفلام الهابطة، التي ما انفكّت هابطة على دماغي منذ أن عرفت بضرورة زيارة شقة الصاعدة؟ ومن قال إنني لا أستطيع الاعتذار عن تلك الزيارة مهما حصل لأنني في داخلي أتطلع إلى تلك الزيارة التي ترضي غرور أوهامي عن نفسي؟

تبخرت كل تلك الأسئلة والخيالات فور أن دخلت شقة النجمة، فاستقبلتني بنفسها وهي بكامل حشمتها وعديم ماكياچها دون قبلات ولا أحضان، وحين دعتني للجلوس في غرفة المعيشة البسيطة لطيفة الألوان، جلستُ بالقرب من سيدة كبيرة كانت حين دخلت تصلي في ركن الغرفة، قالت لي النجمة إنها أمها التي كان لا بد أن "تلحق المغرب"، وحين سألتني النجمة عما سأشربه قبل أن نبدأ حديثنا، أضافت معتذرة بصوت خفيض إنها لن تستطيع دعوتي إلى أي مشروبات روحية في حضور أمها، وحين قلت إنني لا أشرب، ابتسمت ابتسامة تشجيع عريضة، ومدت يدها ثانية لتصافحني بحرارة زادت من حيرتي، ثم قالت إنها كانت على حق حين اختارت دعوتي أنا بالذات للجلوس معها، لأن إحساسها الذي لا يخيب في معادن الناس هداها إلى أنني أصدق وأنزه شخص يمكن أن يساعدها على حسم القرار المصيري الذي توشك على اتخاذه.

من قال لها أصلاً إنني يمكن أن أكون عوناً لها في الفيلم وأنا المؤلف الذي لم تثبُت أقدامه بعد في الصناعة ولا يمكن أن يساعد أحداً غير نفسه إن استطاع أصلاً مساعدتها؟

ما بين فرحتي العارمة للإفلات من فخ الغواية المتوهم، وحرجي الذكوري التافه من التسكين في خانة "الصادق النزيه"، جلست أستمع إلى الأم حاجّة بيت الله وهي تثنّي على ما سمعته من ثناء ابنتها الذي استقته من مصادر عديدة، وتنعي حظ ابنتها مع الرجال الطامعين في جسدها والذين يغرّهم كونها غنّوچة أو "دلّوعة متلما بتحكوا بالمصري"، وهو ما قلّلت من أثره النجمة التي جاءت بالشاي والقهوة والحلويات تحملها بنفسها إكراماً للضيف الصادق النزيه، قائلة إن أمها تقلق عليها أكثر من اللازم، وأنها تستطيع أن "تسِدّ" مع أي طامع أو متجاوز لحدوده، وأنها تعودت مع مرور الوقت والتجارب على عدم الانشغال بآراء الآخرين فيها، لأنها لن تستطيع التحكم فيها، وأن طرق تعامل الآخرين مع جمالها وأنوثتها تساعدها على معرفة شخصياتهم وتحديد الطريقة الأمثل للتعامل معهم، وكان ينقصها أن تقول بالمفتشر إنني نجحت في اختبار اللمسات والنظرات الذي قامت بعمله لي في المرتين السابقتين فقررت أن تشركني في حيرتها التي لا ينبغي أن يعرف بها المنتج الذي يتصور أنها "طايرة "من الفرح بمشاركتها في الفيلم، بينما هي في الحقيقة لم تحسم قرار المشاركة ولا زالت خائفة منه بشدة.

كان صمتي المكتفي بإظهار ملامح التعاطف الصادقة قد ساعد النجمة وأمها على بعض الفضفضة التي لم أكن بحاجة إلى قطعها بأسئلة أو آراء، فقد كنت أفكر في طريقة ذكية للعودة إلى الهدف الأصلي الذي حمدت الله أنه أصبح أقرب مما كنت أظن، وهو إبعاد الصاعدة الحائرة عن فيلمي القادم الذي يتوقف عليه مستقبلي السينمائي

بدا لي أن النجمة تبالغ في ثقتها في قدرات أنوثتها، أو لكي نكون موضوعيين أكبر بكثير من ذوقي ورأيي في قدراتها، ومع أنها لم تبُح بالكثير لكيلا نخرج عن صُلب هدف الزيارة، إلا أن أهم ما قالته إنها فوجئت خلال الأشهر القليلة التي قضتها في مصر بالطرق الغريبة التي عاملها بها أناس كبار ومشاهير كانت تكنّ لهم كل احترام وتقدير، فلا هم احترموها ولا احترموا أنفسهم، ولم يروا منها إلا خيالاتهم عنها ورغبتهم فيها، وحين قامت الأم بعمل مداخلة قصيرة عبرت فيها عن سخطها على ابنتها التي ساعدت هؤلاء على سوء الظن فيها، حين تعاملت معهم بلطف مبالغ فيه طمّعهم فيها، صدّتها النجمة وقالت إنها ليست على استعداد أن ترث من أمها نظرتها السلبية الكارهة لكل الرجال، بعد ما رأته من أبيها الذي فهمت بالمختصر المفيد أنه عيّش الأم في سواد لا مثيل له نجت منه هي وابنتها بصعوبة، لكنها لا تزال تعاني من آثاره وتبعاته.

كان صمتي المكتفي بإظهار ملامح التعاطف الصادقة قد ساعد النجمة وأمها على بعض الفضفضة التي لم أكن بحاجة إلى قطعها بأسئلة أو آراء، فقد كنت أفكر في طريقة ذكية للعودة إلى الهدف الأصلي الذي حمدت الله أنه أصبح أقرب مما كنت أظن، وهو إبعاد الصاعدة الحائرة عن فيلمي القادم الذي يتوقف عليه مستقبلي السينمائي، لكيلا تجني عليه بفقر أدائها وانعدام حضورها، مع احترامي لكل ما حكته من قصص معاناتها مع الرجال بدءاً من أبيها وانت نازل، وكان لا بد من أن أفكر في طريقة ذكية لدعم تشككها في قرار قبول البطولة، دون أن يظهر عليّ حماس تفهم منه نفوري منها، فتقرر الأنثى القوية بداخلها معاندتي لإظهار أنها قدّ البطولة وقدود، وهو ما أصبحت شبه متأكد من استحالته، لأنها كانت كلما تحدثت زاد تأكدي من أنها لا تصلح على الإطلاق للتمثيل، وأنها لو قضت على الفيلم بانعدام حضورها، سينجيها احترافها للغناء وقدرتها على توظيف قدراتها الأنثوية في التعامل مع الرجال الغارقين في الريالة، أما أنا فإن غرق الفيلم فمن ينجيني؟

زادت ورطتي حين بدأت في توجيه أسئلة متلاحقة عن رأيي في المنتج والمخرج والبطل، وكان ذلك مدخلاً سهلاً يمكن أن أسلكه لتوجيه إشارات سلبية ولو حتى مشفّرة تزيد من قلقها ورغبتها في عدم الاشتراك في الفيلم

زادت ورطتي حين بدأت في توجيه أسئلة متلاحقة عن رأيي في المنتج والمخرج والبطل، وكان ذلك مدخلاً سهلاً يمكن أن أسلكه لتوجيه إشارات سلبية ولو حتى مشفّرة تزيد من قلقها ورغبتها في عدم الاشتراك في الفيلم، على أن أعتذر لأصدقائي بعد ذلك عما قلته في حقهم وأبرره لهم بأنني فعلته فقط لكي أنقذ الجنين الذي ننتظره جميعاً بشغف، لكنني فرملت نفسي من الانزلاق في تلك السكة الخطرة، فمن يضمن لي أنها لا تخفي خلف قناع الأنثى الحائرة شخصية سيكوباتية، ربما تكون قد شعرت بالإهانة لأنها لم تر "الريالة" مندلقة مني أمامها، فقررت أن توقع بيني وبين شركاء الفيلم، وهو احتمال لم أكن مغالياً في افتراضه، بعد كل من قابلت في حياتي من شخصيات سيكوباتية متعفّنة تعشق الأذى المجاني.

لذلك ولذلك كله، قررت أن أتبع تقنية شديدة الحذر وعالية الأمان، هي تقنية الإجابة على السؤال بسؤال، والتي يسهل أن تخفي خلفها تهربك من الإجابة، لأنك كما ستقول لها وبالتأكيد لن تجد صعوبة في تصديقك: ترغب في التعرف أكثر على هذه الشخصية اللطيفة التي جمعتك بها الظروف والتي أصبح بينك وبينها شاي وقهوة وبعض من حلويات (البُحصلي) الشهيرة، هذه الشخصية المثيرة للاهتمام التي لا تنجرف وراء أضواء السينما البراقة التي تغوي الجميع، بل تقرر التفكير ملياً قبل اتخاذ هذه الخطوة، ولأنك احترمت ذلك فيها فلن يكون من المهم أن تنشغل هذه الشخصية بالإجابة على سؤال "هو أنا هاستفيد لو مثلت الفيلم ده؟"، بل سيكون الأهم والأجدى أن تجيب هي على سؤالك الأهم: "في الأول هو انتي شايفة نفسك أكتر: ممثلة ولا مغنية؟".

قبل أن تجيب الصاعدة على سؤالي المفخّخ، حرصت على أن ألحقه بفقرة شارحة تؤكد على أهمية السينما للمطربين والمطربات لأنها تحفظ أغانيهم من الاندثار، بدليل أننا نشاهد على القنوات الفضائية أفلاماً لمطربين ومطربات لم يكن ممكناً أن نسمع بهم من قبل، وبعد أن نفيت بما قلته شبهة الرغبة في تطفيشها من الفيلم، كنت أنوي الدخول بحذر في سكة التحذير من خطورة الفشل في السينما لأنه يختلف عن فشل الأغاني في كونه فشلاً خالداً بجلاجل وشخاليل، لكنها أعفتني مشكورة من عناء الاسترسال وقالت إن إدراكها لأهمية الوجود على شريط سينمائي، وهي التي لم تنضج بعد فنياً، هو الذي أطار النوم من عيونها ودفعها لكي تسألني السؤال المصيري الذي حاولت أن أتهرب من الإجابة عليه: "هل تنصحني بدخول السينما الآن؟".

لم تعد الإجابة على السؤال بسؤال مجدية، ولذلك كان لا بد من التهرب الصريح من الإجابة بالقول إن هذا السؤال شخصي ولا يمكن لأحد أن يجيب عليه غيرها، وفي حين قالت ست الحاجّة إنها نصحتها بأن تحسم الجدل بينها وبين نفسها بصلاة استخارة، قلت إنني لا يمكن أن أشكر في السيناريو الذي كتبته لأنه لا يشكر في نفسه إلا إبليس، وأن عليها أن تجلس مع نفسها جلسة هادئة لتقرر بعدها ما إذا كان هذا هو السيناريو الأنسب لكي تبدأ به مشوارها السينمائي أم لا.

 قلت إنني لا يمكن أن أشكر في السيناريو الذي كتبته لأنه لا يشكر في نفسه إلا إبليس، وأن عليها أن تجلس مع نفسها جلسة هادئة لتقرر بعدها ما إذا كان هذا هو السيناريو الأنسب لكي تبدأ به مشوارها السينمائي أم لا

كنت أظن أن عباراتي تلك تصلح ختاماً لجلسة كادت أن تطول وتبوّخ، فإذا بالصاعدة المتذبذبة تقول إنها جلست مع نفسها تلك الجلسة الهادئة بالأمس وقررت أن دور البطولة لن يكون مناسباً لها، لأنه ليس من الحكمة أن تكون بطاقة تعارفها مع المصريين القيام بدور فتاة لاهية عابثة، وأنها تخشى من أن ينفر منها الجمهور بسبب مشاهد الحفلات الراقصة التي تشرب فيها البطلة الخمور والمخدرات، وعندها لن يلتفت الكثيرون إلى أن الشخصية تغيرت بعد أن خاضت قصة حب حقيقية، قائلة إن مشاهد التفكك الأسري التي تعيشها البطلة كانت أكثر ما جعلها تحب البطلة وتتعاطف معها خاصة وقد جربت الحرمان من أمها لسنوات طويلة بعد أن أصر والدها بعد الطلاق على أن تعيش معه واضطرت بعد فترة إلى الهرب منه لتتزوج زميلها في الجامعة، لكن خوفها من عواقب ذلك الدور الصاخب عليها في بداية مشوارها السينمائي يجعلها تفضل أداء دور صغير في الفيلم يجسد شخصية فتاة فقيرة بالتأكيد سيحبها الجمهور من أول لحظة.

...

نكمل الأسبوع القادم بإذن الله


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard