شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"تؤدي إلى إتلاف النباتات"... استخدام عشوائي ومبيدات زراعية منتهية الصلاحية في اليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 17 يوليو 202201:40 م

للمبيدات الزراعية أهميتها البالغة في اليمن، في ظل ندرة المياه، وازدياد الطلب على الغذاء، والعودة إلى الزراعة كمصدر دخل من ضمن تداعيات الحرب. لكن تقابل هذه الأهمية هشاشة الرقابة، والرغبة في الكسب السريع من دون أي رادع، والجهل بخطورة المبيدات، إذ تُستخدم بعشوائية ومن دون مراعاة المحاذير والتعليمات المدوّنة على عبوة المبيد، أو الالتفات إلى الإرشادات الزراعية، أو إدراك فكرة أن المبيدات النباتية مادة كيميائية سامّة، وُجدت لمكافحة الآفات لا لتهديد حياة الإنسان والحيوان وحرق الغطاء النباتي وإغراق الطبيعة بالملوثات، من خلال الخلط العشوائي للمبيدات والإفراط في رش النباتات بالسموم.

وتكمن خطورة المبيدات في كونها مادةً مسرطنةً، ما قد يهدد حياة الأطفال في اليمن، إذ يأكلون خضروات وفواكه قد تكون مُشبَعةً بالمبيدات، وفي ظل ثقافة تناول الثمرة من دون غسلها جيداً، وقبل أوان قطافها، وربما في غير موسم زراعتها. كما تؤدي المبيدات إلى نفوق المواشي، ويمتد خطرها إذ تُعدّ القاتل الرئيسي للنحل الذي يعمل على ديمومة النباتات بنقله حبوب اللقاح، واستمرار تكاثرها، كما أن المبيدات تلوث المياه وتقضي على كائنات التربة المفيدة، وفقاً لحديث عدنان الصنوي، أستاذ الاقتصاد الزراعي في كلية الزراعة في جامعة صنعاء، إلى رصيف22.

بات المزارعون اليمنيون يفرطون في استخدام المبيدات لتعويض العجز في المياه.

ولا تقف المشكلة عند حد استخدام مبيد لا يكافح الآفة، أو الإفراط في استعمال المبيدات، أو خلط المبيدات بعشوائية، بل تصل إلى حد رش النباتات بمبيدات منتهية الصلاحية ومهربة، أو ممنوعة، فضلاً عن الطرق البدائية في التخلص من عبوات المبيدات بدفنها أو حرقها أو إلقائها في براميل النفايات، وما يعنيه ذلك من خطورة بيئية من خلال تلوث الهواء والتربة وتسرب السموم السائلة التي قد تمتد إلى المياه الجوفية.

مبيدات ممنوعة

بات المزارعون اليمنيون يفرطون في استخدام المبيدات لتعويض العجز في المياه، في ظل شحّها وارتفاع ثمن المشتقات النفطية اللازمة لاستخراجها.

ومن جهة أخرى، تزيد المياه العادمة غير المعالَجة وفقاً للمواصفات والاشتراطات الصحية، والتي قد تستخدَم في سقاية المزروعات، الطين بلّةً، وضمن هذا السياق يوضح محمد الصلول، وهو مدير مشروع مراقبة سلامة المياه في هيئة الموارد المائية اليمنية، أن المياه العادمة غير المعالَجة لا تخلو من الملوثات الكيميائية الناتجة عن مخلفات المصانع والمنشآت الصحية والعسكرية التي لا تعالَج مبدئياً قبل وصولها إلى محطة المعالجة المركزية، وقد تحدث تفاعلات بين مياه الصرف الصحي غير المعالجة بكفاءة وخليط المبيدات.

لا إحصائية عن كمية المبيدات الفطرية والحشرية المستهلكة في البلد أو المستوردة خلال سنوات الحرب الأخيرة، ولكن بحسب تجار مبيداتٍ تواصل معهم رصيف22، توجد مبيدات ممنوعة منذ سنوات ما قبل الحرب وتجزئة البلد وضعف الرقابة على المنافذ، وتتعرض للمصادرة بين الحين والآخر في أثناء حملات الضبط والتفتيش.

وعن المبيدات الممنوعة يقول ع. م.، وهو أحد تجار المبيدات، لرصيف22: "اليمني مزارع منذ الأزل، وأرضه زراعية، والمبيدات أساسية في كل دول العالم، لكن المزارع بحاجة إلى التوجيه لا مجرد المجيء لشرائها كأي سلعة"، كما يؤكد وجود مبيدات منتهية الصلاحية في الأسواق.

لا تقف المشكلة عند حد استخدام مبيد لا يكافح الآفة، أو الإفراط في استعمال المبيدات، أو خلط المبيدات بعشوائية، بل تصل إلى حد رش النباتات بمبيدات منتهية الصلاحية ومهربة، أو ممنوعة، فضلاً عن الطرق البدائية في التخلص من عبوات المبيدات

في حين يرى حمدي عبد القدوس، وهو مزارع في العقد الرابع من العمر، ويملك مزرعة عنب وخوخ وطماطم في منطقة بني حشيش، ويسكن في منطقة دارس في صنعاء، أن التعليمات والمحاذير مبالغة في تقدير المخاطر، وأن أي مبيد فعال، ويقول لرصيف22: "بائع المبيدات لا يدري كيف يزرع مختلف أنواع المحاصيل، ليفهم المشكلات التي نواجهها والتي تحتاج إلى اللجوء إلى مختلف أنواع المبيدات، كما كان يفعل آباؤنا، ولكل أرض ثمرتها وميعاد حصادها وطريقة تعامل".

خلط واستخدام عشوائيان

للمبيدات بأنواعها، وهي الفطرية، والنحاسية، والحشرية، والأسمدة الورقية، والزيوت المعدنية، آفات محددة لمكافحتها، ويراعى عدم خلط المبيدات الفطرية ببعضها، وبالزيوت المعدنية وبالمبيدات الحشرية وبالأسمدة الورقية، وعدم خلط الأخيرة بالمبيدات النحاسية.

هذا ما نصح به بائع المبيدات الأربعيني محمد جابر، الذي يملك محلاً في منطقة شعوب في العاصمة، ويقول: "المزارعون لا يهتمون بمحاذير المختصين الزراعيين وإرشاداتهم، ولا بالتعليمات المدونة على عبوة المبيد. إنهم يطلبون الخلطة الشيطانية للمبيدات بدلاً من طلب مبيد محدد".

وعن أسباب خلط المبيدات وعدم الالتزام بالإرشادات، يقول الخبير عدنان الصنوي: "يعطي خلط المبيدات تركيبةً قوية المفعول تنهي العرض المرضي أو الحشري بأسرع ما يمكن، إلا أن هذه العملية تحتاج إلى خبرة ومعرفة بأنواع المبيدات وأصنافها ومدى ملاءمتها للخلط والآثار المترتبة على ذلك الخلط".

بالرغم من ذلك، يلجأ الكثير من المزارعين إلى هذه العملية من دون أي معرفة مسبقة، ويجرون التجارب الذاتية التي قد تكون مجديةً أحياناً ولكن من دون مراعاة أي قواعد بسبب عدم المعرفة. أما عدم الالتزام بالإرشادات، كما يقول الصنوي، فيعود إلى تدرج استخدام المزارع للمبيدات التي قد لا تكون هي المطلوبة في عملية المكافحة، مما يعطي المرض أو الحشرة القدرة على المقاومة، ما يضطره في النهاية إلى عدم الالتزام بالإرشادات.

ويؤكد الخبير الزراعي أن الاستخدام العشوائي للمبيدات يؤدي إلى إتلاف النباتات، وفي حالة عدم الإتلاف فالنبات يختزن الكثير من السموم، وقد يستخدَم هذا النبات بعد فترة كغذاء للحيوانات أو الإنسان، خاصةً في ظل عدم معرفة فترة الأمان للمبيد، ويمكن تتبّع الآثار المحتملة للمبيدات ذوات الأثر الطويل المدى من خلال الظاهرة المسماة بالتركيز البيولوجي، والتي توضح احتمال تراكم رواسب كيميائية على النباتات.

المزارع بحاجة إلى التوجيه لا مجرد المجيء لشراء المبيدات كأي سلعة.

إدارة المبيدات

يمكن أن يبدأ التخلص من المبيدات، وفق توصيات الصنوي، بقوننة الاستيراد ومنع التهريب، وفرض الرقابة واستدعاء مختصين بكيمياء المبيدات للتخلص من المبيدات المتكدسة المنتهية الصلاحية، أو تلك المدفونة تحت التربة، والتشديد على أهمية المحافظة على مكونات التنوع الحيوي والتوازن البيئي، وتبنّي الزراعة العضوية، وتفعيل الرقابة وتنشيط مهام الهيئة العامة لحماية البيئة وتكثيف الجهود التوعوية.

من جهة أخرى، تورد إدارة وقاية النباتات، إرشاداتٍ للمزارعين، كما يشير المهندس علي محرز، وهو مختص بالزراعة في وزارة الزراعة، خلال حديثه إلى رصيف22، ومن بين هذه الإرشادات: مراعاة عدم استخدام المبيدات النحاسية في أثناء الإزهار، وعدم الرش عند ارتفاع درجات الحرارة، وعدم استخدام مياه الصرف لصنع محلول رش، ورشّ كل من النحاس والكالسيوم والكبريت بشكل منفرد، واستخدام المبيدات العلاجية والوقائية بالمعدلات المنصوص عليها، وعدم تكرار رش المبيد لأكثر من مرتين خلال الموسم، تجنباً لظاهرة المقاومة، وعدم استخدام محلول الرش الذي مضى عليه أكثر من ساعتين من الخلط، وتجنب خلط المبيدات السائلة مع المبيدات "البودرة"، وضبط الجرعة كما وردت في ملصق عبوة المبيد، مع التشديد على خطورة الخلط العشوائي للمبيدات.

ويؤكد المختص بإدارة وقاية النبات، أن الخلط العشوائي للمبيدات يتسبب في الحد من فاعلية المبيد، وتساقط أوراق الشجر أو احتراقها أو تدمير المادة الخضراء فيها، كما تفصل المواد الناتجة عن التفاعلات بين خليط المبيد والشجرة من زيوت وجيل ورقائق وبلورات معدات الرش، وتصبح المبيدات خليطاً ساماً للنباتات وتضر بالمحصول وتستنزف المياه وتهدد حياة الإنسان والحيوان.

الاستخدام العشوائي للمبيدات يؤدي إلى إتلاف النباتات، وفي حالة عدم الإتلاف فالنبات يختزن الكثير من السموم، وقد يستخدَم هذا النبات بعد فترة كغذاء للحيوانات أو الإنسان، خاصةً في ظل عدم معرفة فترة الأمان للمبيد

ويضيف محرز: "قد تكون عملية خلط المبيدات غير مجهدة وغير مكلفة، لكنها طريق غير مضمون النتائج، وقد يكون نتاج الخلط محلولاً مفيداً وقد يكون ساماً للنبات، وقد ينتج عن الخلط محلول لا يضرّ ولا ينفع، ففي نهاية الأمر لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتاج الخلط العشوائي للمبيدات، ولكن على المزارع ألا يغامر بصحته ونقوده ومحصوله، والمثل اليمني يقول ‘مسار الأمان ولو ثمان’، وفي المبيدات الطريق المضمون للأمان هو الرش منفرداً من دون خلط".

بالإضافة إلى ذلك، تنصح وزارة الزراعة المزارعين بالعودة إلى الوسائل التقليدية لحماية المحاصيل واستخدام الدورات الزراعية، وتحسين المحاصيل للحصول على أصناف مقاومة؛ إذ إن المبيدات وسيلة من وسائل المكافحة المتكاملة للآفات، ما يستوجب عدم الاعتماد عليها كلياً، إذ في إمكان المزارع تقليم الفروع والتخلص من النباتات المصابة وإزالة الأعشاب والحشائش الضارة وقلب التربة، والتخلص من بقايا المحصول السابق، واستخدام المصائد الضوئية واللاصقة، وتجنب المغالاة في الري والتسميد، واللجوء إلى طرق أخرى مثل مستخلصات النباتات، كالثوم والفلفل والبصل، لطرد الحشرات، إذ يوجد ما يزيد عن 50 نبتةً استُخدمت بنجاح في مكافحة الآفات قبل ظهور المبيدات حول العالم، إما بصورة رش مستخلصات أو على هيئة تدخين أو كمواد طاردة أو في صورة مطحون ناعم يُخلَط مع الحبوب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard