شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"تسبح في مياه الصرف"... المزارع السمكية في مصر تتحول إلى أحواض قاتلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 6 يوليو 202203:33 م

في وقت تُعدّ فيه المزارع السمكية أحد أهم المنافذ لزيادة الثروة السمكية في مصر، وقد نجحت في ذلك بالفعل فعُدّت إحدى أدوات التنمية التي خطت البلاد فيها خطوات ملحوظةً، باتت تلك المزارع من جهة أخرى تهدد الثروة السمكية، وتمثل إنذاراً للنظام البيئي، بتسببها في نفوق آلاف أطنان الأسماك وتغييرها خواص البيئة البحرية، وإنتاجها أسماكاً غير صالحة على الدوام للاستهلاك البشري.

ويُقصد بالمزارع أو الأقفاص السمكية، حيّز مغلق من الجوانب كافة، مخصص لتربية الأسماك من جميع الأنواع والأحجام، ويسمح لها بحرية الحركة، وأيضاً للمياه بالتحرك من الأقفاص وإليها.

ولعل واحداً من أهم الشواهد على الأخطار التي باتت تحيق بأسماك المزارع أو الأقفاص، وقائع النفوق التي تتكرر في تلك المزارع كل عام، ومن أشهرها ما حدث في بحيرة المنزلة في محافظة الدقهلية شمال شرق القاهرة عام 2019، حين طفت عشرات الأطنان فوق سطح البحيرة وحدث ضياع كلي للمخزون السمكي في هذه الأقفاص، وتالياً خسر الصيادون ملايين الجنيهات (كلفة إنشاء المزارع بما تحويه من أسماك)، ناهيك عن تكاليف الإنتاج.

باتت المزارع أو الأقفاص السمكية في مصر تهدد الثروة السمكية، وتمثل إنذاراً للنظام البيئي.

مدينة رشيد شمال القاهرة هي الأخرى كانت شاهدةً على نفوق عشرات الأطنان من أسماك البوري داخل الأقفاص السمكية في العام نفسه، ما أدى إلى فزع الصيادين، وتبين أن السبب وراء ذلك تعرض الأسماك لتيار مياه مشبعة بالطمي مما أدى لاختناقها وموتها داخل الأقفاص.

وتمتلك مصر ما يقارب 300 ألف فدان من المزارع السمكية، تنتج أكثر من مليوني طن من الأسماك سنوياً. ومع وجود خطة حكومية لزيادة الإنتاج عام 2030، ليبلغ 3 ملايين من الأطنان، إلا أن إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تشير إلى تراجع الإنتاج في البلاد عام 2019 من أسماك المزارع السمكية بنسبة 0.2 في المئة عن عام 2018.

هرمونات للنمو ومخلفات ضارة كغذاء

"السبب في نفوق أسماك الأقفاص السمكية يرجع إلى الممارسات الخطأ للقائمين عليها، والتي أفرزت أضراراً بيئيةً كبيرةً"، وذلك وفق شرح المهندس حسام محرم، مستشار المكتب الفني في قطاع نوعية البيئة في وزارة البيئة، والمستشار الأسبق لوزير البيئة، في أثناء حديثه إلى رصيف22.

مزارع أو أقفاص سمكية - المصدر: الانترنت

ويوضح محرم أن تلك السلوكيات تشمل استخدام الصيادين القائمين على المزارع مُشتقات من المخلفات كعلف للأسماك، واستخدام الهرمونات للإسراع في نمو السمك، وأيضاً الأدوية ذات الآثار الضارة، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة الأكسجين والتلوث الكيميائي والبكتريولوجي للمياه، إلى جانب تداعيات أخرى كبيرة تؤثر سلبياً على البيئة والحياة المائية، وذلك في ظل غياب الرقابة المحكمة عليها.

بينما يرى الدكتور محمود عبد الباقي، الرئيس الأسبق لمجلس إدارة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، أن هناك خللاً في قانون إنشاء المزارع السمكية، يتمثل في أنه يسمح باستخدام مياه الصرف الزراعي فيها بما تحويه من ترسبات الكيماويات الناتجة عن المبيدات والأسمدة التي رُشّت بها الأراضي الزراعية، وهو ما يتسبب في زيادة نسب النيتروجين في المياه، وكذلك أملاح اليوريا، وتالياً يوقع الضرر بالأسماك ويجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري، كما يشرح في حديثه إلى رصيف22.

أغلب العاملين في تلك الأقفاص يستخدمون الهرمونات الضارة بشكل زائد للإسراع في نمو السمك داخلها، مما تنتج عنه زيادة نسبة الأمونيا، وتالياً يُعرض الأسماك للنفوق، كما يؤدي إلى تلوث بقية المياه المحيطة

وقد نص القانون رقم 124 لسنة 1983، في مادته 48، على أنه "يحظر إنشاء المزارع السمكية إلا في الأراضي البور غير الصالحة للزراعة، على أن يقتصر في تغذيتها بالمياه على مياه البحيرات أو المصارف المجاورة لموقعها، ويحظر استخدام المياه العذبة لهذا الغرض، وتُستثنى من ذلك المفرّخات السمكية التي تنشئها الدولة".

تكدّس للأسماك

وعلى الرغم من عدّ البعض الأقفاص السمكية مصدر دخل لكثير من الصيادين، إلا أن لبعضهم رأياً آخر، إذ ينظر أحمد محمد، وهو صياد في محافظة البحيرة، إلى انتشار ظاهرة الأقفاص السمكية في مياه نهر النيل، على أنها مأساة كبيرة تهدد الثروة السمكية، كما أنها تهدد مستقبل الصيادين، مُرجعاً السبب إلى الصيادين العاملين في تلك الأقفاص، أنفسهم.

ويتابع في حديثه إلى رصيف22، شارحاً أن هناك الكثير من الصيادين ممن لا يلتزمون بالشروط والمواصفات المحددة للأقفاص من حيث الحجم، إذ يستخدمون أقفاصاً ذوات مساحات أقل من المسموح بها، مما يؤدي إلى تكدس الأسماك داخلها، وتالياً قلة نسبة الأكسجين، مما ينتج عنه نفوق تلك الأسماك. وأشار إلى أن قفص السمك المثالي يجب ألا يزيد طوله عن 50 متراً، وعرضه عن 20 متراً، كما ينبغي ألا يزيد عدد الأقفاص في المزرعة الواحدة عن 10 أقفاص، أما الكثافة فتتراوح بين 100 و500 سمكة/ م3، حسب نوع السمك وجودة المياه.

هناك خلل في قانون إنشاء المزارع السمكية، إذ يسمح باستخدام مياه الصرف الزراعي فيها بما تحويه من ترسبات الكيماويات الناتجة عن المبيدات والأسمدة التي رُشّت بها الأراضي الزراعية، وهو ما يتسبب في زيادة نسب النيتروجين في المياه، وكذلك أملاح اليوريا

وأضاف أن أغلب العاملين في تلك الأقفاص يستخدمون الهرمونات الضارة بشكل زائد للإسراع في نمو السمك داخلها، مما تنتج عنه زيادة نسبة الأمونيا، وتالياً يُعرض الأسماك للنفوق، كما يؤدي إلى تلوث بقية المياه المحيطة، موضحاً أن البعض من معدومي الضمير يبيعون هذه الأسماك النافقة على أنها أسماك تم اصطيادها حديثاً، كما يُباع بعضها على أنها أسماك مملحة.

ومن ممارسات الصيادين الخطأ أيضاً، كما يقول المتحدث، صيد الزريعة أي الأسماك الصغيرة التي تمثل بذور التربية داخل المزرعة السميكة، وتُعدّ خير البحر، والعناية باختيارها تكفل موسم إنتاج ناجحاً، وصيدها يؤثر على الثورة السمكية بشكل عام.

مزارع أو أقفاص سمكية - المصدر: الانترنت

بينما يرى سمير عصام، وهو صياد في محافظة كفر الشيخ، أن وزارة الري مسؤولة بشكل أساسي عما يحدث داخل الأقفاص السمكية وما ينتج عنه من ضرر، موضحاً أنه في محافظته، تُفتح مياه البحر على الترع في منطقة كوبري القناطر، حين يزداد منسوب المياه العذبة، ما يتسبب في دخول مجموعة من الأملاح مع هذه المياه، الأمر الذي يجعل الأسماك لا تتحمل دخول تلك المواد عليها دفعةً واحدةً، فتتعرض للاختناق وتنفق في الحال، مشيراً إلى أن أقل مزرعة سمكية تحتوي على 15 طن من الأسماك، وفي حال فتح المجرى لسريان مياه البحر على المزارع، يخسر الصياد ما يقارب المليون جنيه، وهي تكلفة أقل مزرعة سمكية.

أسماك تسبب الأمراض للإنسان

لا تقتصر مشكلة المزارع السمكية على نفوق الأسماك أو الأضرار الكبيرة الواقعة عليها فحسب، لكن هناك مضارّ أخرى تقع على الإنسان وهو المستهلك الأساسي للأسماك.

وحسب الدكتورة نهلة عبد الوهاب، استشارية أمراض المناعة والتغذية في جامعة القاهرة، فإن المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والزنك، التي تتواجد في مياه الصرف الزراعي والصحي المستخدمة في تربية أسماك المزارع، لها تأثير شديد السّمية، وتوضح لرصيف22، أن هذه المكونات تُعدّ ملوثات عضويةً وكيميائيةً تتسبب في الإصابة بالأورام والفشل الكلوي والالتهاب الكبدي.

من حوادث تلوث ونفوق الأسماك في مصر - المصدر: الانترنت

وفي محاولة للبحث عن حلول لأزمة الأقفاص السمكية، يطرح خبراء نقاطاً عدة، منها ضرورة تحديد مواصفات المزارع من حيث التقنيات المستخدمة فيها ونوعية المغذيات وكميتها، وعدم استخدام الهرمونات أو المغذيات السامة أو الضارة بالبيئة والصحة، مع ضرورة فرض رقابة حكومية وأهلية صارمة على أصحاب المزارع للتأكد من التزامهم بكل تلك الشروط، ووضع قوانين صارمة للحد من المخالفات.

من الحلول المطروحة أيضاً، توفير مصادر آمنة لمياه الأقفاص السمكية، تكون نسبة الملوحة فيها ضمن الحد المسموح به، ولا تستهلك من مصادر المياه العذبة، بما يضمن سلامة تلك الأسماك وأمانها، وأيضاً عدم تعرضها لأي حوادث تؤدي إلى خسارتها وخسارة الصيادين لتعبهم ورأس مالهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image