شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"عشرة من النحالين تعرضوا للقصف"... معاناة ومأساة إنتاج وبيع العسل في اليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 15 ديسمبر 202005:18 م

(من يبا العسل يصبر على قبصة النوبه)، يتداول اليمنيون فيما بينهم هذا المثل الشعبي، ويعني الذي يرغب في العسل يصبر على لدغات النحل، ولكن يبدو أن واقع النحالين في البلاد تجاوز هذا المعنى، وبات أكثر ألماً من لسعة النحل.

تربية النحل وإنتاج العسل مهنة احترفها عبد الله يريم ذو الخمسة والثلاثين عاماً، منذ نعومة أظافره، وما زال يمارسها بشغف رغم الصعوبات التي أنتجتها الحرب، ويملك نحو خمسة آلاف خلية نحل، لكن الاشتباكات المشتعلة منعته من التنقل في رحلاته المعتادة لرعيها في مختلف المناطق اليمنية لإنتاج أنواع عدة من العسل.

العسل عند اليمنيين

يستخدم عبدالله يريم، وهو رئيس المؤسسة اليمنية لتطوير قطاع النحل والإنتاج الزراعي، العسل في العلاج الطبيعي للعديد من الأمراض، ومع بدء فصل الشتاء يزداد الإقبال على محالّ العسل، باعتباره مادة غذائية تساعد على الحفاظ على حرارة الجسم، ناهيك بكونه علاجاً لنزلات البرد والحمى، كما يستخدمها الراغبون في الهجرة إلى السعودية لعلاج فيروس الكبد.

ويدخل العسل في الوجبات اليمنية، مع أطباق فتة الموز، وفاة التمر، وبنت الصحن، والعصيد، وعدد من الوجبات الاخرى.

هيثم أحمد قاسم عوض (28 عاماً) من مديرية الوصاب العالي في محافظة ذمار، يحكي أنه منذ عام 2016، وهو متأثر سلباً بالأوضاع في اليمن، من حيث التنقل، إذ لا يستطيع أن يسافر إلى المناطق الساحلية حيث المرعى، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السكر والعلاجات الخاصة بالنحل.

كان هيثم معتاداً السفر في فصل الشتاء إلى المناطق التهامية، حيث المناخ المناسب والمرعى، وفي الخريف إلى المناطق الجبلية، ولم يعد ذلك ممكناً الآن، وكان في شهر تموز/يوليو ينتج عسلاً وفيراً من الدرجة الأولى، بسبب زهور شجرة السدر، ومن خلال ذلك يستطيع توفير حياة مناسبة لعائلته.

التنقل بين المحافظات

تنقل عبد الله هو الآخر بين محافظات إب، وتعز، وعمران، وحضرموت بحثاً عن الغذاء والظروف الملائمة لحياة النحل. لكن خلال السنوات الأخيرة توقف عن التنقل بشكل شبه كلي، ووضع نحله في مزرعة بمنطقة همدان جنوب محافظة صنعاء، بالإضافة الى أنه يضع عدداً كبيراً من خلايا النحل في سطح منزله بالعاصمة صنعاء.

"قصف الطيران السعودي الإماراتي نحو عشرة نحالين خلال السنوات الماضية" عبد الله يريم رئيس المؤسسة اليمنية لتطوير قطاع النحل لرصيف22

يقول عبد الله: "كنت قبل الحرب أتنقل من مكان الى آخر، نجلس في صنعاء شهرين، وفي عمران المدة نفسها، وأيضاً في المحافظات الأخرى حسب موسم الزراعة وظروف المناخ، لكن الآن أصبحنا مقيدين بسبب الحرب، فهناك خطورة كبيرة أثناء التنقل، وخصوصاً في الليل، إذ قصف الطيران السعودي الإماراتي نحو عشرة نحالين خلال السنوات الماضية".

ولفت إلى تضاؤل مساحة الغطاء النباتي، حيث هنالك تصحّر، وأيضاً اعتداء على شجرة السدر التي تعد الغذاء الرئيس لإنتاج العسل، بالإضافة الى رش الأراضي الزراعية بالمبيدات الحشرية، فلا يمكن الاستفادة منها في رعي النحل، بالإضافة إلى قضاء عدد كبير من النحل بسبب المبيدات.

"تراجع إنتاج العسل بنسبة خمسية في المائة".

ويشدد عبد الله في حديث لموقع رصيف22 على أن ظروف الحرب التي تشهدها البلاد منذ ست سنوات، والحصار المفروض عليها، أديا إلى تراجع إنتاج العسل بنسبة خمسين في المائة، إذ لم يعد قادراً على تصديره إلى الخارج فيضطر إلى بيعه في السوق المحلية بسعر منخفض بما يتلاءم مع الوضع الاقتصادي للسكان.

تربية النحل باتت إذاً مهمة شاقة بعد تراجع كمية إنتاج العسل بنسبة كبيرة، ناهيك بسيطرة الحرب على المراعي، حيث تحولت الكثير من مناطق البلاد ساحات للمعارك، بالإضافة إلى خسارة العشرات من النحالين مناحلهم بسبب المبيدات الحشرية التي ترش بها الحقول الزراعية مما يجعل الحفاظ على استمرار هذه المهنة تحدياً كبيراً للآلاف من النحالين اليمنيين.


الدوعني... العسل الأشهر والأغلى

تتميز اليمن بإنتاج أجود أنواع العسل التي تنافس في الأسواق العالمية، مثل السدر والملكي والمراعي والدوعني، بالإضافة إلى عدد من الأنواع الأخرى، لكن العسل الدوعني يعتبر أشهرها وأغلاها ثمناً، وما يميزه عن غيره هو أن النحل يتغذى على أشجار السدر فقط.

لا يختلف حال السبعيني عبدالله بامرضاح (يعمل في منطقة رحاب بوادي دوعن غرب محافظة حضرموت جنوب اليمن) كثيراً، إذ يرى أن هناك نقصاً كبيراً في الغذاء للنحل بسبب التصحّر وقطع أشجار السدر.

يربي بامرضاح النحل منذ نحو ثلاثين عاماً، وينتج العسل الدوعني، ويعمل بشكل يومي على رعاية خلايا النحل والاهتمام بها، فباتت جزءاً لا يتجزأ من حياته.

سنوات طويلة من العمل في النحالة، أكسبت بامرضاح خبرة كبيرة، جعلته قريباً من مملكة النحل، عارفاً بتفاصيلها الدقيقة وحجم إنتاجها.

يقول: "قبل سنوات كانت الخلية الواحدة من النحل تنتج نحو ثمانية كيلوغرامات من العسل، لكن الآن مع كثرة النحل في الوادي، الذي كان سابقاً يغطي السدر جزءاً كبيراً منه، وقلة الغذاء، لا تنتج الخلية الواحدة أكثر من كيلوغرام ونصف من العسل".

ويدعو عبد الله الجهات الحكومية إلى الاهتمام بأشجار السدر، وزراعتها، وتجريم عملية قطعها، حتى يستمر إنتاج عسل السدر الحضرمي الأصيل.


العسل قبل وبعد الحرب

تصدير العسل وتسويقه خارجياً قابلهما عزوف ملحوظ في الأسواق المحلية نتيجة ارتفاع أسعاره، وانهيار أسعار الريال مقابل العملات الأجنبية، وهو ما أدى إلى تقليص قدرات المواطن الشرائية.

كان تاجر العسل فارس الكبودي يبيع العسل بكميات كبيرة قبل الحرب، إذ كان هناك إقبال كبير من قبل السياح والزوار الأجانب، بالإضافة الى تصدير العسل إلى خارج البلاد، لكن مع إغلاق المطارات والمنافذ البرية والبحرية تراجع الإقبال بشكل كبير على محله.

يؤكد الكبودي، وهو صاحب مناحل السدر للعسل اليمني بالعاصمة صنعاء، أنه كان يصدّر جل ما ينتجه من مناحله الخاصة، وما يجمعه من المزارعين أيضاً، وخاصة العسل ذي الجودة العالية إلى خارج اليمن، لكنه الآن يبيع نسبة كبيرة لزبائنه داخل البلاد.

(من يبا العسل يصبر على قبصة النوبه) مثل شعبي متداول في اليمن، ويعني الذي يرغب في العسل يصبر على لدغات النحل، ولكن يبدو أن حال النحّالين تجاوز معناه

وأوضح الكبودي في حديث لـرصيف22 أن مستوى الدخل تراجع على ما كان عليه قبل الحرب بنسبة 40%.

ولفت إلى أن أسعار العسل ارتفعت أيضاً نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وانهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وانعدام المشتقات النفطية، لأن عملية نقل عدد بسيط من المناحل لمسافة قليلة كانت تكلف مئة دولار، أما الآن فتبلغ التكلفة 500 دولار.

ويضيف أن سعر الكيلوغرام من العسل السدر يتجاوز المئة دولار، وقد يزيد المبلغ أو ينقص بحسب جودة العسل.

ويعلق الخبير الاقتصادي رشيد الحداد: "إنتاج اليمن للعسل قبل الحرب كان يصل إلى نحو خمسة آلاف طن. كان اليمن يملك أكثر من مليون ومئة وخمسين خلية نحل محصورة رسمياً، بالإضافة إلى نحو مليون خلية غير مسجلة، وكلها في الأرياف والبوادي والمناطق الزراعية، لكن مع اندلاع الحرب تراجع إنتاج العسل بشكل كبير جداً".

وأضاف الحداد في حديث لـرصيف22 أن "آثار الحرب كبيرة جداً على النحالين، نتيجة الانقسام السياسي والاقتصادي وانقطاع الخطوط في بعض المناطق، حيث لم يعودوا قادرين على التنقل، إذ كان هناك نحالون يفدون من الجنوب الى الشمال في رحلة الشتاء والصيف، لكنهم توقفوا عن التنقل المعتاد خلال السنوات الأخيرة".

وأكد الحداد أنه كانت هناك جدوى اقتصادية كبيرة من إنتاج العسل وتصديره إلى الخارج، إذ كانت عملية التصدير تصل إلى نحو 2500 طن، بالإضافة لما يتم استهلاكه داخل اليمن، وهو يبلغ نحو 2000 طن، لكن ما يحدث حالياً هو أن عملية التسويق في الأسواق الخارجية شبه منعدمة، وهذا ما تسبب بخسائر كبيرة للنحالين، فضلاً عن وجود عدد من الأمراض الفتاكة التي أدت الى هلاك الكثير من خلايا النحل.

يوجز الحداد وجهة نظره، قائلاً: "الجدوى الاقتصادية لإنتاج العسل تراجعت بنسبة كبيرة لعدم نفاد هذه المنتجات في الأسواق الدولية".

وختم: "هناك أكثر من 100 ألف نحال كانوا يعملون بشكل رسمي، ونحو 200 ألف بطريقة غير رسمية، بعيداً عن وزارة الزراعة اليمنية، لكن بسبب الحرب فقد الكثير منهم أعمالهم لعدة أسباب، أهمها انعدام المراعي وتقلص هامش التنقل، وانتشار عدد من الأمراض التي أضرت بخلايا النحل في جميع المحافظات".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image