شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"المدرّس لم يكن يجيد القراءة"... عن فوضى دروس القرآن داخل المنازل في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 31 مايو 202202:39 م

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة تحفيظ القرآن الكريم داخل المنازل في مصر، إذ يحرص الأهل على تعليم أولادهم القرآن. وقد لجأوا، في ظل غياب "الكُتاب" والأماكن الموثوقة من قبل وزارة الأوقاف في بعض الأماكن، إلى محفظي القرآن الذين ازداد عددهم وتكاثرت إعلاناتهم عبر مواقع التواصل، من دون التأكد من أهليتهم وحصولهم على الدرجات العلمية وتوافر الشروط اللازمة لذلك.

البعض يرون أن تحفيظ القرآن مهمة سهلة، ويقبلون عليها من دون أن يكون لديهم مؤهل علمي مناسب، كونها "سبوبة" لكسب المال من دون أي مجهود. لذا نجد أن البعض تكون مؤهلاتهم الثانوية العامة أو الإعدادية فحسب، ولا يكونون حاصلين على "إجازة" لمزاولة المهنة. وخلال الأعوام الماضية انتشرت الظاهرة مع انتشار فيروس كورونا، وخوف الأهالي على أولادهم من الخروج من المنزل.

بلا مؤهلات

استعان بعض أولياء الأمور بإعلانات على فيسبوك لاختيار مدرس مناسب يدخل منزلهم لتحفيظ طفلهم القرآن، ولكن بعضهم تعرضوا لصدمة عندما اكتشفوا أن المدرّس أو المدرّسة غير مؤهل/ ة لذلك.

يلجأ بعض الأهالي إلى محفظي القرآن الذين ازداد عددهم وتكاثرت إعلاناتهم عبر مواقع التواصل، من دون التأكد من أهليتهم.

ماجدة عزت (44 سنةً)، من محافظة الجيزة، تقول لرصيف22: "هذه الظاهرة أصبحت منتشرةً بعد جائحة كورونا والخوف من اختلاط الأطفال في المساجد الخاصة بوزارة الأوقاف، وإغلاق هذه المساجد بعد ذلك. لم أحب أن يتأخر ابني في الحفظ، لذا استعنت بمدرّسة، واستمر الأمر ثلاثة شهور قبل أن أكتشف الحقيقة المُرة".

وأضافت ماجدة: "رأيت مرةً في كراسة ابني أن المُدرسة كتبت له حديثاً نبوياً كله أخطاء إملائية. شعرت بصدمة كبيرة. كيف يمكن لمدرسة قرآن أن تقوم بذلك؟ وعندما سألتها قالت إنها لم تنتبه، ولن تكرر الخطأ ثانيةً. قررت أن أسألها عن مؤهلاتها فتلعثمت وقالت إنها تحفّظ القرآن والأحاديث منذ سنوات طويلة، وعرفت بعد ذلك أنها لا تمتلك أي شهادات، ولكنها حفظت بعض أجزاء القرآن الكريم بالسمع والاجتهاد، واتخذت الموضوع مهنةً لها، وبالطبع كانت تحصل لقاء الحصة على أجر كبير".

بحث حامد عبد العظيم (38 سنةً)، من محافظة البحيرة، طويلاً عن مدرّس ليحفّظ ولديه التوأم القرآن في المنزل، ويحكي لرصيف22: "نصحني زميل في العمل بشاب وأشاد به، وعندما رأيته للمرة الأولى شعرت بأنه ما زال صغيراً في السن، وعلمت أن لديه 18 سنةً فقط، وأنه في السنة الأولى من كلية الدراسات الإسلامية قسم الشريعة، ولكنه يقوم بتحفيظ القرآن حتى يساعد والديه في الإنفاق".

وأضاف حامد: "لم أطمئن ولكني أحببت أن أمنحه فرصةً حتى لا أظلمه، ومع الوقت اكتشفت أنه لا يملك الخبرة، ويستخدم كلمة ‘حرام’ كثيراً، ويكررها على مسامع الأولاد، وهو أمر لم أحبه، فلا أريد أن يأخذ أولادي فكرة أن الدين متشدد، كما أنه لا يجيد القراءة بشكل صحيح".

أما علا، وهي سيدة ثلاثينية من محافظة كفر الشيخ، فأشارت في حديثها إلى رصيف22، إلى أنها شعرت بصدمة كبيرة عندما سمعت مدرّسة القرآن تحدث ابنتها عن النصارى، وتُدخل في عقلها مفاهيم متشددةً نحوهم، وشرحت قائلةً: "عندما سألتها عما تقوله، قالت إن كلامها عادي وهذا هو الدين الصحيح. التشدد أصبح منتشراً جداً، وبالطبع لا نحب أن يؤثر ذلك على أولادنا، ويجب أن تكون هناك رقابة على من يقومون بتدريسهم".

وأضافت علا: "الغريب أن الكثير من أصدقائي أشادوا بتلك المدرسة كثيراً، ولذلك تحمست لها. طلبت لقاء الحصة الواحدة 70 جنيهاً (3.7 دولارات)، وبالرغم من أنه سعر مرتفع جداً في محافظتنا، لم أمانع أملاً بأن تكون مناسبةً".

رأيت مرةً في كراسة ابني أن المُدرسة كتبت له حديثاً نبوياً كله أخطاء إملائية. شعرت بصدمة كبيرة. كيف يمكن لمدرسة قرآن أن تقوم بذلك؟ وعندما سألتها قالت إنها لم تنتبه، ولن تكرر الخطأ ثانيةً

فرصة لسيطرة المتشددين

الشيخ عبد الناصر بليح، وهو مدير عام سابق في وزارة الأوقاف، تحدث عن هذه الظاهرة لرصيف22 بالقول: "انتشرت في السنوات الأخيرة مكاتب تحفيظ القرآن الكريم ‘تحت بير السلم’، وربما عن طريق الجمعيات والحضانات الخاصة وبعيداً عن مؤسسة الأزهر الشريف والأوقاف ومن دون إشراف عليها، وأيضاً الدروس الخصوصية في المنزل، وهو أمر بالغ الخطورة".

يشير الشيخ إلى ضرورة أن يكون تحفيظ القرآن للأطفال بإشراف كامل، وأن يتم ضمن المساجد وبمعرفة الأئمة المستنيرين الوسطيين، وأن يحصل الإمام والواعظ على مقابل من الأوقاف من دون أن يكلف ولي الأمر شيئاً، وذلك منعاً لسيطرة الجماعات المتشددة على النشء، وبث السموم في عقولهم.

ويشبّه هذه التأثيرات بما حدث مع بداية الألفية الثالثة، وظهور شخصيات دينية متشددة عبر التلفاز وعلى القنوات الفضائية: "بدأت ببث سموم الطاعة العمياء للشيخ المحفّظ وعدم طاعة أحد حتى الوالدين".

كما طالب بليح بقيام مؤسسات الدولة المعنية بدورها في مواجهة فوضى الدروس الخصوصية من قبل غير المتخصصين، من خلال الضبطية القضائية ومساعدة الشرطة في ضبط المخالفين، وإيجاد بديل كفء معتدل متخصص معلوم للجميع يعمل من خلال المؤسسات الدينية المتخصصة.

هناك كثيرات من غير المتعلمات أو ممن يحملن دبلوماً فنياً مثلاً، ويحفّظن القرآن الكريم.

وراثة ووسيلة للرزق

يختلف سعر حصة تحفيظ القرآن من مكان إلى آخر، فتبدأ من 30 جنيهاً (1.6 دولاراً)، وتصل إلى مئة جنيه (5.3 دولارات)، في بعض الأماكن.

واحدة من هؤلاء المدرسات تعمل على تحفيظ القرآن وهي حاصلة على الشهادة الإعدادية فقط. تستمع إلى القرآن الكريم بشكل مستمر، وترى أن ذلك كافٍ ليؤهلها للتدريس، وعندما سألها رصيف22، عن ذلك قالت: "ليس شرطاً أن أكون حاصلةً على شهادة عالية، ولم يشكُ أحد مني إلى الآن، وأنا أحفّظ القرآن الكريم فقط ولا أحصل على أجر مرتفع، بل على ما يتناسب مع ظروف الناس البسيطة".

تحفظت نجوى (33 عاماً)، في الكلام، وكأن الأمر سيهدد رزقها الذي تعتمد عليه منذ سنوات، ثم أضافت: "لست وحدي، فهناك كثيرات من غير المتعلمات أو ممن يحملن دبلوماً فنياً مثلاً، ويحفّظن القرآن الكريم. نحن نسهّل على الناس ونحصل على رزق معتدل، ولا أظن أن في ذلك شيء خطأ أو حرام".

حدث الأمر مع جمال الريس (45 سنةً)، من محافظة البحيرة، صدفةً، ويقول لرصيف22: "منذ سنوات طويلة كان والدي شيخاً ويحفّظ القرآن، وكان الأطفال يأتون إلى منزلنا، وبعد أن مات والدي تخرجت أنا من إحدى كليات الشريعة، ولم أكن أنوي ممارسة هذه المهنة، وذات مرة قصدتني والدة طفل لتحفيظ ابنها ثم استمر الأمر معي، وأصبحت أذهب إلى بعض المنازل للتدريس، والأهل في القرية يثقون بي. أعدّ ذلك لوجه الله، وخاصةً أن الأجر الذي أحصل عليه قليل جداً مقارنةً بما يحصل عليه غيري".

بدوره، يتحدث محمد عصمت (41 سنةً)، ويحمل إجازةً في الدراسات الإسلامية وإجازةً لتحفيظ القرآن، عن هذه الظاهرة لرصيف22: "يضيّق هذا الأمر علينا الخناق كثيراً، وقد زاد من التشدد في مجتمعنا، لأن من يدرسون الأطفال هم في الغالب أشخاص غير مؤهلين، كما أنهم يطلبون مبالغ كبيرةً لقاء التعليم، وللأسف يظن الأهل أن ذلك دليل على أهليتهم، في حين أن الأمر بالنسبة لهم مجرد باب للرزق".

ويطالب عصمت وزارة الأوقاف بتشديد الرقابة على كل من يحاول أن يدخل هذه المهنة من باب التربح، وينصح الأهالي بالتروي في اختيار من هو مناسب لتعليم أولادهم.

يضيّق هذا الأمر علينا الخناق كثيراً، وقد زاد من التشدد في مجتمعنا، لأن من يدرسون الأطفال هم في الغالب أشخاص غير مؤهلين، كما أنهم يطلبون مبالغ كبيرةً لقاء التعليم، وللأسف يظن الأهل أن ذلك دليل على أهليتهم في حين أن الأمر بالنسبة لهم مجرد باب للرزق

الإجازة شرط

يؤكد دكتور الدعوة الإسلامية ومسؤول المتابعة والتقييم في ديوان وزارة الأوقاف، محمد عبد اللطيف الخولاني، أن الأوقاف لا سلطة لها من الناحية القانونية أو الإدارية على أي تصرف يحدث خارج المساجد أو الأماكن التابعة لها، ويضيف: "لا يمكن التحكم في تلك الأمور، ولكن من المؤكد أن الشخص الذي يقوم بتحفيظ القرآن لا بد أن يكون مؤهلاً حافظاً متقناً عالماً بالأحكام، ويتوجب عليه أخذ أجر معتدل عرفاً".

ويرى الخولاني في حديثه إلى رصيف22، أن من الأفضل عدم دخول هؤلاء المدرسين إلى المنازل، وأن يتوجه الأهالي إلى مراكز التحفيظ المعتمدة من الأوقاف ضمن المساجد، ويختم بقوله: "لو اضطر الأهالي إلى ذلك، فيجب أن يتم التأكد من أن المدرّسين حاصلون على إجازة من شيخ، وهي ورقة يشهد بها شيخ حافظ متقن بأن فلاناً قرأ على يديه القرآن وكان متقناً لأحكامه، وأنه أجازه للقراءة والإقراء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image