شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
حرب الفتاوى في مصر...

حرب الفتاوى في مصر... "فقه المرأة" ساحة الصراع الرئيسية بين المتنازعين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 30 مايو 202201:16 م

شعلة الجدل الديني لا تنطفئ في مصر، وهي حالة خاصة تنفرد بها بين كل الدول الناطقة بالعربية والدول الإسلامية، حتى التي تحكمها أنظمة دينية، أو شبه دينية، مثل إيران والسعودية وتركيا، أو تلك التي فيها تيار إسلام سياسي قوي، يصعد إلى السلطة أحياناً ويتراجع صوب المعارضة أحياناً أخرى، مثل الأردن والمغرب... واشتعال هذه الحالة بهذا الشكل الكبير في مصر بالذات له عدة أسباب:

الأول: حالة "الاستعلاء" لدى المصريين التي تشعرهم بالتفوق عن الآخرين من العرب والمسلمين، والتي تجعلهم يبالغون في حجم تأثير الأزهر وشيوخه الذين –من وجهة نظر المصريين- علَّموا الآخرين أصول دينهم، حتى في السعودية مهبط الرسالة وبلد الحرمين الشريفين.

الثاني: أن أموالاً هائلة ضُخَّت في مصر، منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى الآن، لتقوية تيار السلفية الجهادية، على شكل تبرعات من أفراد ومؤسسات عربية، منها 72 جمعية أهلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى "الجمعية الشرعية" وجماعة "أنصار السنّة المحمدية" التابعة للتيار السلفي، التي جمّدت الحكومة المصرية أرصدتها في البنوك في كانون الأول/ ديسمبر 2013، وهناك تقارير ذكرت أرقام هذه المعونات التي تصل إلى مئات الملايين.

الثالث: أن نظم الحكم المتعاقبة في مصر منذ تموز/ يوليو 1952، تستخدم الإسلام السياسي ورقة في طريقها لتمكين حكمها، فتقربها أحياناً وتلاحقها وتقصيها وتسجن قادتها أحياناً أخرى، وهي في الحالتين مضطرة إلى "مداعبة" الشعور الديني لدى العامة تعويضاً عن الإخفاق في الملفات المهمة في السياسة والاقتصاد.

الرابع: أن نظم الحكم تلك تحتاج إلى الأزهر وشيوخه لإصدار فتاوى تحث الناس على تحمل أعباء التراجع الاقتصادي، وتذكّرهم بالحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان عن أن الرسول حرَّم الخروج على الحاكم وإنْ كان ظالماً، وقال: "تسمع وتطيع للأمير وإنْ ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع".

الزوجة الصالحة تخطب لزوجها!

الشيخ أحمد كريمة (مولود عام 1951) أستاذ الفقه المقارن والشريعة في جامعة الأزهر، كان ضيفاً على برنامج "التاسعة" الذي يقدّمه الإعلامي يوسف الحسيني على القناة الأولى المصرية الحكومية، يوم 24 أيار/ مايو، ودار الحديث عن أحقية الزوج المسافر في الزواج بأخرى، ومعروف أن الشيخ يعارض إخطار الزوجة الأولى بالزواج الثاني حسب نص المادة (11 مكرر) من القانون (100) التي تقول: "إذا كان متزوجاً فعليه أن يبيّن في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول"، ويكون من حق الزوجة طلب الطلاق للضرر في هذه الحالة.

بل إن النائبة نشوى الديب ذهبت إلى أبعد من ذلك باشتراط موافقة المرأة على الزواج الثاني لإتمامه، فقد تقدّمت بمشروع جديد لقانون الأحوال الشخصية، نصت المادة (14) منه على أنه "إذا رغب الزوج في التعدد يتقدّم بطلب لقاضي محكمة الأسرة بصفته قاضياً للأمور المستعجلة لإخطار الزوجة برغبته في الزواج بأخرى على أن تَمْثُل (الزوجة الأولى) لإبداء الرأي بالموافقة أو الرفض، كما تخطر المرأة المراد التزوج بها بأنه لديه زوجة أو زوجات أخريات".

ويبني الشيخ كريمة رفضه على أن استئذان الزوجة لم يرد به نص في الشرع، سواء في القرآن أو السنّة، وأن من شأن ذلك تقييد حق كفله الإسلام للرجل، بل إن عدم علمها فيه مصلحة للأسرة حتى لا يحدث "الصراع الأسري"... لكنه في هذا الحوار ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ قال إن على الزوجة أن تشجع زوجها على الزواج بأخرى تفادياً للعلاقات المحرمة، وتساءل: "لماذا نرفض الطهارة والناس تلجأ للأبواب الخلفية؟ هذا لا يجوز!".

"شعلة الجدل الديني لا تنطفئ في مصر... حالة ‘الاستعلاء’ لدى المصريين تشعرهم بالتفوق عن الآخرين من العرب والمسلمين، وتجعلهم يبالغون في حجم تأثير الأزهر وشيوخه..."

واتهم كريمة الزوجة الأولى في البيئة العربية باتباعها "الفلكلور" الذي يقول إنها قد تقبل أن زوجها يفعل الفاحشة ولا يتزوج في الحلال! وأن الأصح من وجهة نظره أن "تعينه على طاعة الله. لمَّا زوجها يريد العفاف والطهارة تعتبر هذا من باب القرب من الله، وتقدّر ظروف رجل مغترب".

شيخ الأزهر لا يدعو إلى تقييد حق شرعي

والحقيقة أن رأي كريمة ليس شاذّاً، فكثيرون من أساتذة كليات ومعاهد الأزهر يوافقونه الرأي، بل إن آخرين أكثر صراحة ومباشرة منه. فقد كتب الدكتور محمد علي الأزهري، عضو هيئة التدريس في قسم العقيدة والفلسفة، في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر، على صفحته على فيسبوك يوم 25 أيار/ مايو: "هل يشترط في الزواج بالثانية إذن الأولى؟ لا. وهذا اختراع جديد لا علاقة له بالشرع. ننتظر منكم أن توجهوا المرأة بحسن التبعل لزوجها. وأن لا تضيقوا على الرجال في الحلال. وأن تراعوا شرع الله فما ذنب الشرع إن لم يصلكم مقصوده".

شيخ الأزهر نفسه، الشيخ أحمد الطيب، قال في تصريح منشور على صفحة الأزهر على موقع تويتر: التعدد حق للزوج لكنه مقيَّد بشروط أبرزها العدل، وأضاف: "لا أتحدث عن تحريم تعدد الزوجات... ولا أدعو إلى تشريعات تمنع حقّاً شرعيّاً".

الفرق بين تصريحات شيخ الأزهر وتصريحات كريمة هو في طريقة التعبير وتطويع اللغة فقط، فالشيخ يركز على أن الأصل الزواج بواحدة، وأن التعدد للضرورة فقط، وهو ما يقوله كريمة أيضاً لكن دون التركيز الشديد على مسألة الضرورة هذه.

"نظم الحكم المتعاقبة في مصر منذ يوليو 1952، تستخدم الإسلام السياسي ورقة في طريقها لتمكين حكمها، فتقربها أحياناً وتلاحقها وتقصيها وتسجن قادتها أحياناً أخرى، وهي في الحالتين مضطرة إلى ‘مداعبة’ الشعور الديني لدى العامة"

ورغم أن الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة في جامعة الأزهر، بدت رافضة للفتوى، إلا أنها –في الحقيقة- عارضت أن يُطلب من الزوجة الأولى تشجيع زوجها على الزواج فقط، وأرجعتها إلى أن كريمة لا يفهم طبيعة المرأة، فقالت في مداخلة تلفونية مع أحد البرامج الحوارية: "مش عارفة أبلع الكلام ده، ليه الرجل المتزوج يرتكب الفاحشة؟ ومَن ترغب زواج زوجها بثانية، لمَ لا تقوم بواجباتها وتجعله لا يحتاج الزواج الثاني؟"، معتبرة أن الزوجة الثانية تُوجِد في المنزل فتنة وغيرة ولا تكون الأولى راضية في تربية أولادها أو أي شيء.

مساجلات على السوشال ميديا

تصريحات أحمد كريمة شهدت مشاركة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، وقوبلت بموجة عارمة من السخرية، خصوصاً من النساء والرجال المؤيدين للمساواة بين الرجل والمرأة والرافضين لمبدأ تعدد الزوجات، وكان السؤال الغالب على النقاش هو: إذا كان من حق الرجل المسافر أن يتزوج بأخرى ليعصم نفسه من الوقوع في الخطأ، فماذا عن المرأة التي تركها وسافر؟ أليس من حقها أيضاً أن يكون معها رجل يعصمها من الخطيئة؟

لكن هذه الموجة قوبلت بموجة أكبر وأشد منها، يرى أصحابها، وغالبيتهم بالطبع من الرجال، أن التعدد حق منصوص عليه في القرآن الكريم، وأن على المرأة أن تصبر وتنتظر، واستشهدوا بالحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول: "تطاول هذا الليل واسود جانبه... وأرقني أن لا خليل ألاعبه/ فوالله لولا الله أني أراقبه... لحرك من هذا السرير جوانبه"، فسأل ابنته حفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر، أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك. وقال كثيرون من المحدثين، مثل ابن عثيمين، إنه يجوز للرجل أن يغيب عن زوجته أكثر من ذلك بالاتفاق معها، خاصة إذا كانت في مكان آمن بين أهلها.

وذهب آخرون إلى أن وسائل المواصلات الحديثة والسريعة التي تربط العالم الآن تلزم الرجل الغائب أن يعود لزوجته كلما أمكنه ذلك، وقد ذكر أحمد كريمة في البرنامج نفسه أنه كان يقطع مدة غيابه بزيارات قصيرة، نصف سنوية، لأهله أثناء عمله في السعودية وسلطنة عمان.

نساء مع تعدد الزوجات

اللافت في هذه السجالات الكثيرة وشبه اليومية في مصر، والتي تغذيها مواقع التواصل الاجتماعي، أن الغالبية العظمى من المصريين تتمسك بالنصوص الدينية بحرفيتها، سواء في القرآن أو السنّة التي نسبت للنبي، وترفض رفضاً قاطعاً أي تأويل حداثي، أو حتى التأويلات القديمة المهملة، التي تنحاز لفكرة المساواة بين المرأة والرجل، وترفض التعدد باعتبار أن الآية الوحيدة التي نصت عليه تخص معاملة اليتامى "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ" (النساء: 3).

وبالطبع، فإن غالبية هذا الفريق الذي يتمسك بظاهر النصوص من الرجال الذين يميزهم الشرع، سواء بالحصول على ثلثي الميراث، أو بهجر الزوجة وضربها وإخفائها وراء حجاب، إلخ، لكن اللافت أن جماعة لا يستهان بعددها من النساء تقف في نفس الجانب، وترضى بدور التابع.

فهناك حركات نسائية معروفة تنادي بتعدد الزوجات للقضاء على العنوسة، تحت شعار أن نصف رجل أفضل من الحرمان، كما أن ثمة نساء يظهرن على قنوات على موقع يوتيوب يروّجن للتعدد ويعددن محاسنه من وجهات نظرهن.

غير أن الواقع الفعلي في مصر وحدها يشير إلى أنه في عام 2019، كان هناك 44،870 عقد زواج لرجل يجمع بين أكثر من زوجة، حسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هذا بالطبع غير حالات الزواج الكثيرة غير المسجلة قانونيّاً لظروف اجتماعية تمنع التسجيل، مثل نزع حضانة الأطفال من الأم في حال زواجها، أو قطع معاش المرأة من أبيها وأمها... وغالبية هذه الحالات غير المسجلة تكون بعلم أسر الزوجين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard