شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"مش هنحلّي"... مصريون يعودون إلى كعك العيد البيتي بعد ارتفاع أسعار الدقيق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 30 أبريل 202203:51 م

يستعد المصريون للاحتفال بعيد الفطر قبل انتهاء شهر رمضان بفترة، ويكون هذا الاستعداد من خلال شراء الكعك والبسكويت وإعدادهما، والاستعداد لاستقبال الزوار. وكانت المفاجأة هذا العام الارتفاع الكبير في أسعار كعك العيد بعد ارتفاع سعر الدقيق الذي نتج عن الحرب الروسية الأوكرانية وتغيّر سعر صرف الجنيه.

ولاحظ المصريون مع بداية رمضان، ارتفاع أسعار الحلويات الجاهزة كالكنافة والقطائف، والتي يقبلون عليها بشكل كبير، مما أثر على حركة البيع بشكل واضح، ودفع كثيرين للعودة إلى صناعة الحلويات في المنزل.

أسعار مرتفعة

الخسارة لا تقع فقط على الجمهور الذي لم يعد يستمتع بأكل الحلويات بالكميات المعتادة، ولكن أيضاً على البائعين الذين ينتظرون هذا الشهر للتربح، وبسبب ارتفاع الأسعار ازداد الركود.

ارتفاع أسعار كعك العيد في مصر دفع كثيرين للعودة إلى صناعة الحلويات في المنزل.

شيماء عزت، تصنع الحلويات هي وزوجها، قالت في حديث إلى رصيف22: "الحال وقف مع بداية الشهر. كل يوم كنت متعودة أخبز صواني جلاش وكنافة وقطائف وبسبوسة وأبيعها، ولكن مع الأسف لم يعد هناك إقبال. مع ارتفاع أسعار الدقيق كان يجب أن نرفع الأسعار حتى يكون هناك مكسب، فالكنافة أصبحت بـ45 جنيهاً للكيلو بدلاً من 35 (2.4 دولار بدلاً من 1.8)، والجلاش المحشي بـ50 جنيهاً بدلاً من 40".

وتضيف السيدة الأربعينية: "في بعض الأوقات أبيع الصينية الواحدة خلال يومين وثلاثة، بعدما كنت أبيعها خلال ساعات في الأعوام الماضية".

بدوره، يشكو أحمد الشمسي، وهو صاحب فرن، من ارتفاع الأسعار وتوقف حركة البيع، ويقول لرصيف22: "عادةً، في هذا الوقت، يكون هناك زحام أمام الفرن لشراء الكعك والبسكويت، ولكن للأسف الأسعار ارتفعت هذا الموسم إلى درجة أنني لم أضع لافتةً بالأسعار على السلع كالعادة. ارتفع سعر كيلو الكعك السادة من 80 أو 90 جنيهاً إلى 120 أو 130، والكعك المحشو بالعجوة والمكسرات من 120 أو 130 إلى 160 أو 190، وذلك ليس بسبب ارتفاع أسعار الدقيق فقط، ولكن أيضاً ارتفاع أسعار السكر والسمن".

بدورها، طرحت وزارة التموين أنواعاً من الكعك والبسكويت في المجمعات الاستهلاكية والمنافذ الخاصة بها بأسعار مخفضة، تقل عن مثيلاتها في الأسواق بنسبة تصل حتى 30%، وأكد الدكتور أحمد العيسوي، الرئيس التنفيذي لشركة مطاحن ومخابز شمال القاهرة، في تصريحات صحافية، أنه سيتم إنتاج نحو 25 طناً من الكعك والبسكويت خلال عيد الفطر، بزيادة ثمانية أطنان عما تم إنتاجه خلال عيد الفطر العام الماضي.

وجدير بالذكر أن سعر صرف الجنيه المصري يعادل قرابة 18.5 جنيهاً لكل دولار أمريكي.

نصف الكمية

ومع ارتفاع الأسعار لم يجد المصريون بدّاً من استهلاك كميات أقل من المعتاد، فمن يريد شراء خمسة كيلوغرامات من الكعك والبسكويت يكتفي بثلاثة، ومن اعتاد شراء ثلاثة كيلوغرامات يشتري واحداً أو اثنين.

وتقول سالي شريف (34 سنةً)، لرصيف22: "لا نستطيع أن نستغني عن شراء الكعك في عيد الفطر، ولكن الأسعار تفرض علينا أن نشتري كميةً أقل. أنا وزوجي كنا نشتري لشقيقته، ولكن لن نشتري هذا العام أو سنكتفي بكيلوغرام واحد لها بسبب الغلاء".

الحاج محمد كريم (65 سنةً)، قال إنه اعتاد كل عام أن يشتري لابنتيه الكعك والبسكوت، وهذا العام عليه أن يختار بين الشراء لهما أو لمنزله، فميزانيته لن تتحمل كل هذه المصروفات التي تحتاج إلى نصف معاشه.

ويشير حسين، وهو صاحب أحد المحال الشهيرة لبيع الكعك في الجيزة، في حديثه إلى رصيف22: "كانت هناك عائلات تأتي لشراء 5 و10 كيلوغرامات من الكعك كل عام، ولكن هذا العام انخفضت الكمية إلى النصف، والحقيقة كل الحق معهم، فالكيلو ارتفع سعره من 30 إلى 50 جنيهاً حسب نوع الكعك وحشوته، وهذا أبطأ من حركة البيع، وللأسف نحن ليس في يدنا أي حلول غير رفع الأسعار بعد ارتفاع سعر الدقيق".

الحال وقف مع بداية الشهر. كل يوم كنت متعودة أخبز صواني جلاش وكنافة وقطائف وبسبوسة وأبيعها، ولكن مع الأسف لم يعد هناك إقبال. مع ارتفاع أسعار الدقيق كان يجب أن نرفع الأسعار حتى يكون هناك مكسب

العودة إلى الكعك البيتي

ومع الزيادة الكبيرة في أسعار الكعك، قرر عدد كبير من العائلات المصرية العودة إلى الكعك البيتي وتحضيره في المنزل بإمكانات أقل وتكلفة أوفر، بصرف النظر عن الإرهاق والتعب.

سهير (55 سنةً)، من محافظة كفر الشيخ، قالت لرصيف22: "قررت أنا وجارتي أن نشتري الدقيق معاً، والسكر والسمن وكل ما نحتاجه، واتفقنا على صنع كرتونة من الكعك لنقتسمها، وهذا لن يكلفنا الكثير، وفي الوقت نفسه نعود إلى عادات زمان ولمّتنا الحلوة".

ويضيف زوجها عبد العال، أنه كان يحمل همّاً كبيراً، خاصةً أن ابنته عروس جديدة، ويريد أن يرسل إليها كعك العيد، ولكن زوجته وجدت الحل مع جارتها. "بدلاً من أن أشتري بألف جنيه خمسة كيلوغرامات من الكعك، نخبز في البيت الكمية نفسها وأكثر بسعر أقل". ويسخر من أسعار الكعك وحلوى العيد ويقول: "دي الناس مش هتاكل كعك بالشكل كده، وهنبطل نحلّي".

مصريون ينصعون الكعك في المنزل - خاص رصيف22

الدكتورة هبة أحمد (41 سنةً)، من محافظة البحيرة، قالت لرصيف22: "عرفت أن كيلو الكعك الذي أريد شراءه بـ240 جنيهاً، وقررت أن أخبز في المنزل نصف كيلو فقط، وفعلاً قمت بذلك بتكلفة أقل، وكانت تجربةً لذيذةً، وأتمنى أن أفعل ذلك ثانيةً بالرغم من أن انشغالي في العمل لا يسمح لي بذلك".

19% من راتب الفرد

قال الدكتور حمدي عرفة، وهو أستاذ الإدارة المحلية والحكومية في كلية الإدارة في الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا وخبير شؤون البلديات الدولية، لرصيف22: "أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع الدقيق المستخدم في الكعك بنسبة 47% دولياً، فمثلاً كان سعر الكيلوغرام الواحد في مصر ثمانية جنيهات ووصل إلى 12.5 جنيهاً. أدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة صناعة الكعك والمعمول والبسكويت بنسبة 20% عربياً. في الأعياد يهتم الناس كثيراً بشراء الكعك من المصانع والأفران التي تتنافس في بيعه بأطعمة مختلفة مع الاحتفاظ بالشكل التقليدي له، ويمثل شراء المعمول والبسكويت والكعك أو استهلاكها في عيد الفطر 19% من متوسط راتب كل فرد من العاملين في الجهاز الإداري للدولة في 13 دولةً عربيةً".

شراء الكعك الجاهز قد يجبر بعض الأسر على عدم شراء ملابس العيد لأطفالها.

وبحسب عرفة، فإن متوسط دخل الفرد في مصر بالنسبة إلى العاملين في الجهاز الإداري، يتراوح بين 1،800 إلى 2،200 جنيه (100-120 دولاراً)، وبالنسبة إلى القطاع الخاص فهو بين 1،500-2،500 جنيه (80-135 دولاراً).

ترشيد الاستهلاك

ومن ناحية أخرى، تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، لرصيف22، عن الوضع الحالي بقوله: "هذا العام يختلف عن سابقه. كانت لدينا أزمة كورونا، لكن الاقتصاد لم يتأثر كثيراً، وكان لدينا مخزون كبير من القمح فهو مسألة أمن قومي، ولكن عام 2022 مختلف، فالحرب الروسية الأوكرانية لها تداعيات سلبية على الاقتصاد، وخاصةً بالنسبة إلى مصر التي تستورد قرابة 70% من حاجتها من القمح من روسيا وأوكرانيا".

الخبير الاقتصادي أضاف: "حالياً هناك ارتفاع في الأسعار كافة وليس في أسعار الدقيق فقط، فهي حلقة متواصلة، إذ عندما يرتفع سعر النفط ترتفع كل الأسعار. ولأننا في مصر معتادون على صناعة الكعك في العيد، وهو يستهلك الكثير من مخزون الدقيق، فقد أدى ذلك إلى حدوث ركود، فكل أسرة تسعى، بعكس السنوات السابقة، إلى تخفيض الاستهلاك وترشيده، ولا توجد أسرة قادرة على شراء 10 كيلو من الكعك كما في السابق، ويمكن أن تشتري نصف الكمية، وذلك أدى إلى خسائر كبيرة في الأسواق".

يرى خضر، أن "الترشيد هو الحل، فهو يساعد في حدوث توازن في الأسعار، خاصةً أن عدداً لا بأس به من التجار يستغلون الأزمات بهدف التربح".

وأوضح الخبير أن من أهم عوامل الترشيد، توجّه الكثير من الأسر المصرية نحو صنع الكعك في المنزل بهدف التوفير، وهذا واضح من متابعة الأفران التي يقبل عليها الأهالي لخبز الكعك.

قررت أنا وجارتي أن نشتري الدقيق معاً، والسكر والسمن وكل ما نحتاجه، واتفقنا على صنع كرتونة من الكعك لنقتسمها، وهذا لن يكلفنا الكثير، وفي الوقت نفسه نعود إلى عادات زمان ولمّتنا الحلوة

المنزل مقابل السوق

يؤكد الباحث في التراث المصري خطاب معوض، في حديثه إلى رصيف22، تغير عادات الكعك والحلويات مؤخراً، وفسر ذلك بقوله: "عادت الكثير من الأسر المصرية هذه الأيام إلى عاداتها القديمة لصناعة الكعك والبسكوت في المنازل، حين كانت تتجمع الأسرة لصناعة الحلويات يدوياً، وخبزها داخل الأفران البلدية أو أفران المخابز".

ويشير معوض إلى أن شراء الكعك الجاهز قد يجبر بعض الأسر على عدم شراء ملابس العيد لأطفالها، لكن الأولوية بالطبع للملابس، وهو ما يدفعها للتوفير في ما يخص الكعك.

إرسال الكعك من المنازل للأفران - مصدر الصورة: الباحث خطاب معوض

وأضاف الباحث أن المصريين عموماً كانوا يتكاسلون في صنع الكعك في البيوت، بسبب ارتفاع سعر الغاز، وأيضاً لأن أسعاره في المحال كانت معقولةً. "كادت هذه العادة تختفي حتى في الريف المصري، لكننا اليوم نرى عودتها بقوة، لأنها توفر كثيراً، فتكلفة صناعة كيلو الكعك في المنزل لن تزيد عن 70 جنيهاً، وفي الوقت نفسه نجد أن أصحاب المحال التجارية ينظرون إلى فترة الأعياد على أنها موسم لا يعوَّض، لكنهم اضطروا إلى رفع الأسعار، وتالياً قلّ الإقبال على الشراء من جانب المواطنين المحدودي الدخل، والذين أصبحوا يمرون أمام المحال ولا يدخلونها، بل يتأملونها بصمت فحسب، بسبب أسعارها التي تتعدى حدود إمكاناتهم".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard