"يُعاقَب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب على التراب التونسي". وفق معنى الفصل 72 هذا من المجلة الجزائية التونسية، تمت متابعة بعض الصحافيين ونواب البرلمان التونسي المنحل قضائياً بتهمة "التآمر على أمن الدولة".
البداية من قضية الإعلامي عامر عياد، في قناة الزيتونة الخاصة الذي أصدر حاكم التحقيق الثاني في المحكمة العسكرية الدائمة، يوم الثلاثاء 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بطاقة إيداع بالسجن ضده على خلفية إلقاء عياد خلال برنامجه التلفزيوني قصيدة الشاعر العراقي أحمد مطر "جرأة" بتهمة "التآمر لتبديل الدولة".
وكان عياد قد وجه رسالةً شديدة اللهجة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مفادها: "ليس لك سوى نهايات ثلاث؛ نهاية أخيك هتلر الذي اختار الانتحار على العار، أو نهاية مشرفة تستقيل فيها احتراماً وإنقاذاً لدولتك، أو سترى قريباً عاصفةً لا تبقي ولا تذر تجتاح قصرك ولك الاختيار"، وفق تعبيره.
"أمر موحش ضد رئيس الدولة"
ويوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ختم حاكم التحقيق الثاني في المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة، التحقيق في القضية، ووجه إليه تهماً تتعلق "بالمس بمعنويات الجيش ونسب أمور غير صحيحة إلى موظف عمومي وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة والدعوة إلى العصيان"، وتم إطلاق سراحه.
ويوم 8 نيسان/ أبريل 2022، قضت المحكمة العسكرية بسجن الإعلامي عامر عياد، أربعة أشهر وهو حكم أولي قابل للطعن أمام المحكمة الاستئنافية العسكرية.
وحوكم في القضية ذاتها عضو البرلمان المنحل عبد اللطيف العلوي، الذي كان ضيف برنامج الإعلامي عامر عياد، وبعد إيقافه يوم 3 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بالتهم ذاتها، تم إطلاق سراحه ثم صدر حكم بسجنه، يوم 8 نيسان/ أبريل 2022، لمدة ثلاثة أشهر، وهو حكم قابل للطعن والاستئناف كذلك.
"ذو شبهة إرهابية"
في قضية أخرى، تم الاستماع يوم 18 آذار/ مارس 2022، إلى الصحافي في الإذاعة الخاصة "موزاييك"، خليفة قاسمي، لدى الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب (فرقة أمنية)، بوصفه "ذا شبهة إرهابية" استناداً إلى الفقرة الرابعة من الفصل 34 من القانون عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال.
واستُحدثت هذه الوحدة بقرار من وزارة الداخلية مؤرخ في 3 أيلول/ سبتمبر 2013، يتعلق بإحداث وحدة وطنية للبحث في جرائم الإرهاب التابعة للحرس الوطني، وتنظيمها.
يعيش التونسيون اليوم "مرحلة اللا فكرة واللا منطق واللا وجود واللا دولة، وفيها يعاقب الفرد وحده ويقاضي وهو الحكم والعدل"
وتنص هذه الفقرة على أنه "يُعدّ مرتكباً لجريمة إرهابية كل من يتعمد إفشاء معلومات أو نشرها أو توفيرها، مباشرةً أو بالواسطة، بأي وسيلة كانت، لفائدة تنظيم أو وفاق إرهابي أو لفائدة أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية المنصوص عليها في هذا القانون بقصد المساعدة على ارتكابها، أو التستر عليها، أو الاستفادة منها، أو عدم عقاب مرتكبيها".
وتم إيقاف القاسمي على خلفية نشره خبراً حول تفكيك خلية إرهابية في محافظة القيروان (وسط غرب)، ورفضه الكشف عن مصادره وتمسكه بما ينص عليه مرسوم الصحافة والطباعة والنشر عدد 115 لسنة 2011، والذي يمنحه حق إخفاء مصادره وحمايتها.
وقد تقرر يوم الجمعة 25 آذار/ مارس 2022، الإبقاء على الصحافي خليفة القاسمي، في حالة سراح والإفراج عنه من مركز إيقافه.
وفي تحدٍ للتدابير الاستثنائية ولقرار تجميده، عقد البرلمان التونسي "المجمّد" يوم 31 آذار/ مارس 2022، جلسةً افتراضيةً بقيادة رئيسه راشد الغنوشي، وصوّت خلالها 116 نائباً على مشروع قانون يلغي التدابير الاستثنائية التي أعلنها سعيّد، بما فيها قرار تجميد البرلمان وتعليق العمل بالدستور.
"تآمر على أمن الدولة"
في المقابل، سارع الرئيس قيس سعيّد، إلى الرد الحازم وأعلن عن حل البرلمان واصفاً جلسته الافتراضية بأنها "محاولة فاشلة للانقلاب وتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وسيتم ملاحقة النواب جزائياً".
ووفق بلاغ صادر عن مكتب الاتصال في المحكمة الابتدائية في تونس، يوم الجمعة 15 نيسان/ أبريل 2022، فقد تولت النيابة العمومية في المحكمة فتح بحث تحقيقي ضد كافة المشمولين بالتتبع في قضية التآمر على أمن الدولة المنسوبة إلى عدد من النواب وتعهّد البحث في القضية إلى عميد قضاة التحقيق.
وأوضح البلاغ ذاته أنه تم فتح هذه الأبحاث في القضية المذكورة من أجل "التكوين والانخراط والمشاركة في وفاق بقصد الاعتداء على الأشخاص والأملاك والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وإثارة الهرج"، والتي كانت وزيرة العدل قد أذنت بفتحها وتمّ توجيهها إلى الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب للبحث فيها.
أصبحت تهمة "التآمر على الدولة" تستعمل في كل القضايا التي يعارض فيها سياسيون أو مدنيون قرارات الرئيس قيس سعيد وتواجههم عقوبات شديدة
يأتي ذلك بعد أن كانت الوحدة المركزيّة لمكافحة الإرهاب في ثكنة بوشوشة في العاصمة تونس، قد استمعت يوم 1 نيسان/ أبريل 2022، في قضية "التآمر على أمن الدولة"، إلى ستة نواب من بينهم رئيس البرلمان المنحلّ راشد الغنّوشي، بتهمة "محاولة الانقلاب".
وبين من يرى أن الحالة الاستثنائية التي تشهدها تونس تبيح تتبع جميع الأطراف المخالفين لقوانين هذه الحالة، وعدّهم "متآمرين على أمن الدولة"، ومن يرى في ذلك تصفيةً لحسابات سياسية ضيقة وخطراً يهدد الحريات، المكسب الثوري الوحيد في البلاد، انقسم الرأي العام التونسي في تقييمه لهذه المحاكمات.
فهل تهمة التآمر على أمن الدولة قرار قانوني أم سياسي؟
"حالة استثنائية دستورية"
سياسياً، يرى الدكتور في علوم الإعلام والاتصال، منجي الخضراوي، أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ومنذ تاريخ 25 تموز/ يوليو 2021، استند إلى الدستور ليدخل في حالة الاستثناء، وهي حالة "ليست فوق الدستور ولا أقل منه بل دستورية بمعنى أن الرئيس استعمل الدستور لإعلان الاستثناء"، يقول لرصيف22.
ويصبح سعيّد ما بعد حالة الاستثناء "مصدر شرعية المشهد السياسي في البلاد، لأنه في ظل غياب المحكمة الدستورية يكون لرئيس البلاد دون سواه الحق في تأويل النص القانوني وتأويل الدستور"، حسب تقديره.
ويشير الخضراوي إلى وجود أمرين اثنين مهمين بخصوص قضية تتبّع النواب، الأول له علاقة بالمعركة مع البرلمان المنحل إذ ذهب سعيّد كخطوة أولى إلى تجميده ثم حله، "وهو إجراء سياسي له تبعات قانونية، فلو كان أعضاء البرلمان المنحل هم الغالبون لكان سعيّد محل تتبّع وهذه هي المعركة السياسية".
ويؤكد، أن "السياسة هي علم موازين القوى البشرية، فالأقوى هو من يفرض شروطه، وسعيّد يفرض الآن شروطه القانونية انطلاقاً من القاعدة السياسية".
في المقابل، توضح الإعلامية والناشطة السياسية المستقلة، فادية ضيف، أن الفصل 80 الذي اعتمده رئيس الجمهورية في إقرار إجراءاته الاستثنائية، ينص على أن البرلمان يبقى في حالة انعقاد دائم، غير أن سعيّد "يصدر مراسيم ما أنزل الله بها من سلطان، ويحلّ البرلمان والأخطر والأدهى أنه يحاكم برلمانيين وهو ما يتعارض مع فلسفة هذا الفصل".
وتؤكد لرصيف22: "لقد وجدنا أنفسنا في حالة فوضى وفي مرحلة محاولة بناء نظام دكتاتوري وما يُعرف بالنظام الشمولي والحكم الفردي وآخر مظاهره تفرّد الرئيس في تعيين أعضاء هيئة الانتخابات بمنطق أنا وحدي من أحكمكم وأقرر لكم وعنكم وأسنّ لكم القوانين والمراسيم".
"إرث شخصي"
وبحسب فادية ضيف، يعيش التونسيون اليوم "مرحلة اللا فكرة واللا منطق واللا وجود واللا دولة، وفيها يعاقب الفرد وحده ويقاضي وهو الحكم والعدل".
وتتساءل: "فماذا تعني تهمة التآمر على أمن الدولة؟ هؤلاء البرلمانيون أشخاص منتخبون وفق دستور 2014، ووفق نتائج انتخابات أشرفت عليها هيئات دستورية قام سعيّد بإلغائها وإلغاء الدستور، فكل من يقول له لا، أو كيف؟ ولماذا؟ يدخل معه في صراع، فهو لا يقبل من هم ضد منظومة 25 تموز/ يوليو، ولا حتى من هم ضد ما قبل هذه المنظومة، فهو يرفض الجميع ويريد أن يكون وحده في الصورة ويتعامل مع تونس على أنها إرث شخصي".
انتقد منجي الخضراوي، استنطاق القاسمي أمام فرقة الإرهاب، عادّاً في ذلك مساساً بحرية الصحافيين، "وأعتقد أن هناك هيئة مجلس الصحافة وتتم مقاضاة جرائم الصحافة أمامها، وإذا عجزت عن تقديم الحل فعندها نتوجه إلى القضاء"
أما في قضية محاكمة صحافيين بتهمة التآمر على أمن الدولة، فيرى الدكتور في علوم الإعلام والاتصال، أن تتبّع الصحافي خليفة قاسمي والإعلامي عامر عياد، "بذلك الشكل، فيه خرق للقانون وهو قرار سياسي علماً أنه في الجرائم الجزائية لا يمكن استعمال السياسي في مقاضاة الأشخاص".
ويرى أن تتبع خليفة القاسمي شهد تجاوزاً للسلطة "لأنه صحافي ووجب تتبعه وفقاً لمقتضيات المرسوم 115، ولأنه لم تتم مراعاة الإجراءات القانونية المنصوص عليها في هذا المرسوم التي تنص على أن رئيس المحكمة هو من يطلب من باحث البداية إن كان ما كتبه القاسمي يدخل في باب الأمن القومي، أم لا، وليست النيابة العمومية من يطلب ذلك".
كما انتقد منجي الخضراوي، استنطاق القاسمي أمام فرقة الإرهاب، عادّاً في ذلك مساساً بحرية الصحافيين، "وأعتقد أن هناك هيئة مجلس الصحافة وتتم مقاضاة جرائم الصحافة أمامها، وإذا عجزت عن تقديم الحل فعندها نتوجه إلى القضاء"، يؤكد.
المعايير المهنية
من جهة ثانية، دعا الخضراوي الصحافيين إلى ضرورة الالتزام بالمعايير المهنية وبأخلاقيات المهنة، وتجنّب السقوط في الإشكاليات التي تعرّضهم لمواضيع تتبّع قضائي.
ودعا من يمتلك منهم "معلومةً خطيرةً متعلقةً بأمن الدولة على معنى أحكام الفصل 49 من الدستور التي تتضمن خمسة ضوابط للحرية، وهي حماية حقوق الغير والدفاع الوطني والأمن العام والصحة العامة والآداب العامة، إلى أن "يفقهوا ويتدربوا على أن هنالك حدوداً للحرية وأن مبدأ ‘شق الخلاء واعمل ما يظهر لك’، غير لائق"، وهي مسؤولية تضطلع بها نقابة الصحافيين والمركز الإفريقي لتدريب الصحافيين.
كما أكد على ضرورة تدريب عناصر النيابة العمومية والسادة القضاة على قضايا حرية الرأي والتعبير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع