شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
اخترت الصداقة مبدأً وهدفاً وغاية، فالحب مخصّص للجميلات

اخترت الصداقة مبدأً وهدفاً وغاية، فالحب مخصّص للجميلات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الاثنين 28 مارس 202211:53 ص

لم يحتمل الممثل والمخرج الأمريكي توم هانكس الوحدة على الجزيرة في فيلم "Cast Away"، ولم تستطع الصورة الوحيدة لحبيبته، التي بقيت بحوزته ملء فراغ وحدته، فاتخذ من الكرة التي رسم ملامحها بدمه صديقاً أسماه ويلسون، يتشاطر معه وحشة المكان وصعوبة الحياة البدائية. وفي أكثر المشاهد الدرامية تراجيديّة ويأساً، فقد هانكس صديقه في عرض المحيط، فتمدّد على أخشابه الطافية، واستسلم للموت الذي جابهه أياماً طوالاً.

ماذا لو لم يفقد هانكس كُرته وعادت معه إلى حياته المزدحمة؟ وماذا لو لم يمت التبريزي في البئر؟ هل كانت استمرت هذه الصداقات إلى الأبد؟

أما الشاعر الفارسي شمس التبريزي فقد قضى سنوات حياته يجوب بين البلاد والعباد بحثاً عن الصديق الذي يراوده في أحلامه، وكذلك الرومي.

ولكن، ماذا لو لم يفقد هانكس كُرته وعادت معه إلى حياته المزدحمة؟ وماذا لو لم يمت التبريزي في البئر؟ هل كانت استمرت هذه الصداقات إلى الأبد؟

غريقة تتعلّق بقشة

لم تمدح أمي شكلي يوماً في فترة المراهقة، ولم تكن لتسمح لواحدة من الجارات أو القريبات أن تفعل ذلك. كانت إيماءة واحدة من حاجبيها كافية لقطع سلسلة الحديث عن الجمال. هذا الحديث يجب أن لا يدور أمامي، كما تعتقد.

هكذا قضيت فترة صقل الشخصية وسبكها، بعيداً عن مظهري وشكلي، فافترضت القُبح، وعزز ذلك حديث البنات عن الشباب الذين "يلطشونهن" في السوق، وعن مديح أمهاتهن لأنوثتهن، و"العرسان" لا يطيقون صبر الانتظار حتى إتمامهن المرحلة الإعدادية ليخطبوهن! أما أنا فلم "يلطشني" الشباب في السوق، ولم يخطبني أحد.

ولأن المراهقة هي أكثر المراحل حساسية تجاه القيم، ولا تقبل الوسطية، اخترت الصداقة مبدأً وهدفاً وغاية، فالحب مخصّص للجميلات.

لم تمدح أمي شكلي يوماً في فترة المراهقة، ولم تكن لتسمح لواحدة من الجارات أو القريبات أن تفعل ذلك. كانت إيماءة واحدة من حاجبيها كافية لقطع سلسلة الحديث عن الجمال. هذا الحديث يجب أن لا يدور أمامي، كما تعتقد

حول الصداقة

"إذا أردت صديقاً رائعاً فكن هذا الصديق"، جملة كارثيّة حقاً إذا وقعت بين يدي متطرّف، لأن الأمور لن تكون أفضل حالاً من الغرق في الحب! فالحالتان تنطويان على علاقة سامّة، يضحي فيها طرف بكل شيء دون أن يُطلَب منه، ودون انتظار مقابل لذلك.

علماء النفس يعرّفون الصداقة بأنها "علاقة اختيارية بحتة"، فنحن نصادق الأشخاص طوعاً لأننا نجد في مجالستهم التفاهم أو الاحتواء أو التسلية أو تقدير الذات أو مشاركة الاهتمامات، ولكن هل يستطيع صديق واحد أن يقدّم كلّ هذا على الدوام؟

أتحدثُ لزوجي عن تعريفات الصداقة التي في جعبتي، فيقول لي: "ما في صداقة بين النسوان، بس بين الرجال في"، هل هذا صحيح؟

تأثير عصر السرعة

ممّا لا شكّ فيه أن تأثير عصر السرعة حوّلنا إلى نسخ مستعجلة عن أنفسنا، إذ يصعب علينا شرح مشاكل عملنا لصديق الطفولة. لذا نختار صديق العمل، ونخاف من مشاركة مشكلاتنا العائلية مع أصدقاء العمل فنتحدث عنها مع الأقارب، وهذا لا ينفي كون علاقة الصداقة التي تربطنا بهؤلاء صادقة، إنّما "لكلّ مقام مقال".

وهناك من نشأت بينه وبين أفراد من الوسط الجديد صداقات يظنّ أنها السر وراء وجوده. يبدأ الانبهار بتسارع مخيف وتبلغ الصداقة ذروتها في فترة قصيرة، ثم تخفت شيئاً فشيئاً حتى تموت. وهنا، تكون علاقة الصداقة مرحلية.

الصداقة في زمن "السوشال ميديا"

لا أحد يستطيع إنكار تأثير "السوشال ميديا" على حياتنا الشخصية، حتى أن الأخصائيين في هذه الأيام قد استبدلوا مثَل: "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت" بالمثَل: "قُل لي من تتابع أقل لك من أنت". وهم يلفتون إلى قدرة مواقع التواصل على التأثير، حتى صارت شخصية المتابع تميل نحو الشخص الافتراضي الذي يشاركه الاهتمام ذاته أكثر من صديق الحارة.

ومن الأدوار التي لعبتها وسائل التواصل هي صعود الأخصائيين النفسيين إلى المنابر، وتوعيتهم للأفراد بشأن حدودهم، واستقلاليتهم، وعلاقاتهم السامة، مما تسبب في قطع الكثير من العلاقات التي كانت تندرج تحت مسمّى "الصداقة".

إنّ الصداقة الحقيقية موجودة، وأنا لا أكتب لأنفي وجودها، إلا أن أسطورة الصداقة الأبدية التي شُبِّه لنا وجودها بفعل الدراما والروايات هي خرافة ووهم

الصداقة بين الرجال أصدق منها بين النساء

أتحدثُ لزوجي عن تعريفات الصداقة التي في جعبتي، فيقول لي: "ما في صداقة بين النسوان، بس بين الرجال في"، هل هذا صحيح؟

إنّ علاقة الصداقة كأي علاقة تحتاج إلى التزام، ولكنه اختياري، لذا فإن أضعف الإيمان هو أن يكون الالتزام عبر تخصيص وقت لمحادثة الأصدقاء، أو الخروج معهم. وبعض النساء، خاصة بعد الزواج، يغرقن في مسؤولياتهنّ المضاعفة بسبب منظومة المجتمعات الأبوية، فلا يتسنى لهن الوقت الكافي لأداء مناسك الصداقة، وتصبح زميلة العمل أو الجارة أقرب إلى أنفسهنّ من الصديقات اللاتي اخترنهنّ بناءً على التوافق فيما بينهن. أما بالنسبة للرجال، ففي ظل هذه المنظومات، فهم يمتلكون رفاهية زيارة الأصدقاء أو الدخول في حديث مطول معهم، وبخاصة أنّهم يتفرّغون للحياة الاجتماعية بعد العمل.

إنّ الصداقة الحقيقية موجودة، وأنا لا أكتب لأنفي وجودها، إلا أن أسطورة الصداقة الأبدية التي شُبِّه لنا وجودها بفعل الدراما والروايات هي خرافة ووهم. التوافق التام بين الأصدقاء أمرٌ مستحيل، ولو كان لعلاقة بشرية اختيارية أن تستمرّ إلى الأبد طواعية لكان الزواج أولى، فهو نسخة مطورة عن الصداقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard