"مجلة ثقافية فصيحة محتواها حياتك"؛ هكذا يكتب صانع المحتوى الأردني عبد الرحمن الحتو، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام، ليُعرّف مُتابعيه بما يمكن أن يشاهدوه في هذه الصفحة. يقول: "موضوعاتي متنوعة، أتناول فيها كل ما يمس حياتنا اليومية، لكن بقالب خاص بي، يُمكن عدّه محتوى متنوعاً، ولكن تحدّه قيمي وأخلاقي، ولا بد أيضاً أن تكون له قيمة".
المحتوى الذي يقدمه عبد الرحمن، يدور حول الثقافة واللغة العربية بشكل عام. وفي حوار مع رصيف22، تحدّثنا عن صناعة المحتوى العربي وتحدياته، خاصةً المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، والتأثير الإيجابي الذي يمكن أن تحققه مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من الموضوعات.
يعمل عبد الرحمن (31 عاماً)، مهندساً معمارياً ومعلقاً صوتياً. بدأ بصناعة المحتوى عام 2018 على موقع يوتيوب، فقدّم فيديوهاتٍ تتعلق بالصوت، تحدث فيها عن كيفية تعاملنا مع الصوت في حياتنا اليومية، وكيف نطوره، وكيف تتأثر نفسيتنا به. وبعد فترة توقف عن نشر الفيديوهات بسبب انتقاله إلى فنلندا لدراسة الماجستير، ولكن عندما عاش تجربة التعليم الملهمة هناك، قرر تصوير فيديو توثيقي عنها ونشره، واكتشف أنه لاقى قبولاً كبيراً، فبدأ رحلته مع صناعة المحتوى، ناقلاً التجربة إلى إنستغرام، واستمر على المنصة حتى اليوم.
العربية الفصحى... ثراء لغوي وفخر للمتابعين
يقول عبد الرحمن: "أحب تقديم اللغة العربية الفصحى بشكلها الخفيف، لأننا تعودنا على الفصحى في الأخبار وغيرها، بشكلها الصعب، ولذلك فإن تقديمها بشكل بسيط فكاهي وفي الوقت نفسه يحمل معلومةً مفيدةً، هو ما أسعى إلى تحقيقه. وبشكل شخصي أحب أن أتابع مثل هذا المحتوى، لذا أقدّمه بدوري".
موضوعاتي متنوعة، أتناول فيها كل ما يمس حياتنا اليومية، لكن بقالب خاص بي.
يلاقي المحتوى المتعلق باللغة العربية، قبولاً كبيراً، ومن خلال تجربة عبد الرحمن وملاحظاته، فإن المتابعين ينجذبون إلى الموضوعات الخاصة بالصحة والطعام والثقافة، بالإضافة إلى الفيديوهات المتعلقة باللغة العربية والمحتوى الذي يحكي عن فلسطين.
ومن أبرز الأفكار التي يتفاعل معها المتابعون، يؤكد الحتو أنها الفيديوهات التي تتناول درجات الشيء، مثل درجات النوم، ودرجات الحب، ودرجات النهار وهكذا، فتلك الموضوعات توضح مدى ثراء اللغة العربية، وتجعل المتابعين يشعرون بالفخر لأنهم ينتمون إلى هذه اللغة، ويشاركونها مع أصدقائهم ومعارفهم. أيضاً هذه المعلومات البسيطة تُضيف إلى المتابع مصطلحاتٍ جديدةً ربما لم يكن يعرفها من قبل، فيكتسبها ويستخدمها في حياته، فتضيف إلى لغته شيئاً من البلاغة.
وعلى الرغم من طبيعة المحتوى الثقافي "الثقيل" نوعاً ما الذي يقدّمه عبد الرحمن، إلا أنه استطاع توصيله، كما يقول شارحاً: "أعتقد أن من أهم أسباب نجاح المحتوى، خاصةً إذا كان يتناول موضوعاتٍ صعبةً، هو اختيار شكل الكتابة الممتع، والتحدث إلى المتابعين وكأنك قريب منهم، وتتدرج معهم في ما تقدّمه، من الأبسط إلى الأصعب حتى يستطيعوا إدراكه بسهولة".
ويتابع حديثه: "لم أكن أتخيل أن هذه الفيديوهات ستلاقي إعجاباً، ولكني نشرتها على أية حال حتى يستفيد منها الناس، وتفاجأت بعد فيديو نشرته على منصة التيك توك، بأن عدد المتابعين ازداد مئة ألف متابع، وحقق مشاهداتٍ عاليةً على إنستغرام، واكتشفت حينها أن الناس يحبون اللغة، لكنها لا تجد طريقةً جيدةً للعرض، وعندما تجد هذا المحتوى تدعمه".
أحب تقديم اللغة العربية الفصحى بشكلها الخفيف، لأننا تعودنا على الفصحى في الأخبار وغيرها، بشكلها الصعب، ولذلك فإن تقديمها بشكل بسيط فكاهي وفي الوقت نفسه يحمل معلومةً مفيدةً، هو ما أسعى إلى تحقيقه
صانعو المحتوى الجيّد كثر... عليك أن تبحث فحسب
وعند سؤاله عن السوشال ميديا وتأثيراتها، أجاب عبد الرحمن: "مواقع التواصل لها تأثير سلبي بالتأكيد، وهناك الكثير من الوثائقيات التي تتناول هذا الموضوع، ولكن بلا شك نستطيع نحن أن نجعل تجربتنا إيجابيةً، وذلك باختيار المحتوى الذي نتابعه، والبحث عن كل ما يقدّم لنا قيمةً ما. هناك الكثير من العرب الذين يصنعون محتوى مفيداً وجيداً وقوياً، وعلى المتابع أن يبحث عنهم فحسب.
ويُطلق عبد الرحمن عبر صفحته الكثير من المبادرات المفيدة التي يمكنها أن تؤثر على الفرد وتجعله أفضل، ومن ضمنها "نخب بنفسجية"، التي أطلقها قبل نحو سنتين، ويطلب من متابعيه، أو كما يسميهم "شعب الحتاحيت"، كل أسبوع أو اثنين، أن يقترحوا صانع محتوى جيد يتابعونه، وبعد أن يشاهد الاقتراحات كلها، يرشّح لهم من يقدّم محتوى مهماً ومفيداً، ويطلب منهم متابعته والتعليق على منشوراته، وفي رسائله قلوب بنفسجية لدعمه.
يقول: "يوجد نحو 50 شخصاً في ‘الهايلايت’ في صفحتي، يزدادون مع الوقت، وكلهم ‘ناس فخمين، فلو تابعت كل هدول الأشخاص ستكون تجربتك خرافيةً على إنستغرام’".
تحديات القضية الفلسطينية
يواجه مستخدمو منصة إنستغرام تحدياتٍ كثيرةً، خاصةً إذا كانوا ينشرون محتوى متعلقاً بالقضية الفلسطينية، وهذا ما يؤكد عليه عبد الرحمن، قائلاً: "بالأدلة والبراهين تواجه الحسابات التي تُنشر عن فلسطين مشكلات كثيرةً، وينخفض معدل الوصول إلى ما تنشره بشكل كبير، فعلى سبيل المثال توجد على حسابي مخالفتان لقوانين المنصة، وتأتي لي إشعارات كل فترة بتوقيف حسابي ليومين، أو أنني لن أستطيع استخدام الروابط لفترة من الوقت، أو أن الحساب معرّض لأن يُغلق تماماً، والسبب كان إعادة مشاركة خبر لحادث حصل هناك، بعدها قلّ وصول محتواي إلى الناس بنسبة 70% تقريباً، فبعد أن كان يشاهد الستوريات نحو 20 ألفاً، أصبح يشاهدها 1،500 فقط، واستغرق الأمر فترةً طويلةً حتى عادت الأمور إلى طبيعتها، وعلى الرغم من كل ذلك إلا أنني مستمر في ما أقدّمه، ويوجد عندي في الصفحة هايلايت بعنوان ‘أ ب ج فلسطين’، أحرص على النشر فيه دائماً".
الناس ‘جدعان’، ويدعمون القضية الفلسطينية بشكل عفوي، فعندما يُنشر فيديو يشاركونه مع أصدقائهم ليصل إلى عدد كبير.
ويستكمل عبد الرحمن: "الناس ‘جدعان’، ويدعمون القضية الفلسطينية بشكل عفوي، فعندما يُنشر فيديو يشاركونه مع أصدقائهم عبر تويتر وواتساب، ليصل إلى عدد كبير، فتتوازن الأمور. وبشكل عام صرنا أذكى عندما ننشر، فلا نضع كلماتٍ معيّنةً مثل ‘مقاومة’، ونكتب نجوماً بين الحروف وهكذا. ولأن الاحتلال يحاول مسح الهوية الفلسطينية، لزاماً علينا أن نتحدث عنها وعن تاريخها وثقافتها".
"القضية الفلسطينية هي قضية كل الأمة، أنا صحيح أردني، لكني فلسطيني الأصل من مدينة يافا، وعندي شعور داخلي بأنها قضيتي، كما أن الأخوة العرب يتضامنون معنا، مثلنا وأكثر".
تطبيع ناعم... مرفوض
لعبد الرحمن الحتو مواقف ومبادرات مؤثرة عدة، أولها حدث قبل عام، عندما اشترك في أكاديمية ناس، في دورة لتدريب صنّاع المحتوى، كي يصبحوا مدربين متخصصين في كل ما هو متعلق بالمحتوى. يقول: "حينها، دار جدل كبير حول هذه الأكاديمية، وأنها تتبنى فكرة التطبيع الناعم. لم أكن أعرف هذا الأمر، ولكن بعدما تأكدت من صحة هذه المعلومات أعلنت انسحابي، لأن فكرة التقبل وكأن شيئاً لم يكن، والعائلات لم تُهجّر، والاعتداءات اليومية لم تحدث، شيء مرفوض تماماً".
مبادرة أخرى كان لها وقع مختلف وإيجابي، يحكي عنها عبد الرحمن: "أردت في أحد الأيام إرسال رسالة نصية لصديق فلسطيني، ولأنني أعيش في ألمانيا سألت ‘سيري’ في الآيفون عن التوقيت في المدينة التي يعيش فيها ذلك الصديق، وكانت المفاجأة؛ لم تتعرف سيري على الوقت، سألتها عن أكثر من مدينة ولكنها لم تتعرف عليها أيضاً، فقررت نشر فيديو قصير حول هذا الموضوع، ووجهت رسالةً إلى الشركة لتوضح لنا الأمر، وطلبت من المتابعين أن يغردوا جميعاً على تويتر، وكانت الاستجابة كبيرةً.
"مر شهران، ولم يصل أي رد من الشركة، ولكن بعدها بوقت قليل فوجئنا بأن سيري صارت تعرّف المدن الفلسطينية وتتعرف على التوقيت فيها. حينها تأكدت من أننا قادرون على الوصول إلى أصحاب القرار، ونستطيع تغيير قوانين شركات، وهنا يكمن دورنا".
النصيحة الأهم وسرّ النجاح هي الاستمرار وعدم التوقف، فالقليل الدائم خير من كثير متقطع، وإذا كان الشخص يمتلك فكرةً ما، فعليه أن ينفذها من دون أن يسمح للأدوات بأن تعيقه
مساحة لكل الآراء والاتجاهات
أحياناً نكون بحاجة إلى من يستمع إلينا ويسمع آراءنا، ويرى المتابعون صانع المحتوى المفضّل لديهم جزءاً من يومهم، يتفاعلون معه ويدخلون في نقاش جاد وعميق. يقول عبد الرحمن: "الشخص الذي يتابعك، يتابعك لأنه رأى عندك شيئاً جيداً، على الرغم من اختلاف البلدان أو الأديان أو الأفكار. حسابي فيه متابعون كثر يختلفون عني، وهذه ميزة المحتوى المتنوع. أي موضوع أناقشه لا أعبّر عن رأيي فيه، إنما أفسح لكل شخص المجال لأن يعبّر عن آرائه، أقدّم المعلومات وأفتح المجال للآخرين بأن يتناقشوا حول أفكارهم في التعليقات، ويتثقفوا من بعضهم البعض، أيضاً لا أمنع رأي أحد، فالكل حر. استقبل الجميع باختلاف قيمهم واتجاهاتهم وخلفياتهم".
ويضيف: "في مرات قليلة فقط أعبّر عن رأيي، عندما تكون قضايا إنسانية واضحة لا مجال فيها للمحايدة، مثل العنف ضد الطفل، والمرأة، وقضية فلسطين، والزواج المبكر، وغيرها".
أما عن النصائح التي يقدّمها الحتو إلى من يسعى في طريق صناعة المحتوى، فيقول: "النصيحة الأهم وسرّ النجاح هي الاستمرار وعدم التوقف، فالقليل الدائم خير من كثير متقطع، وإذا كان الشخص يمتلك فكرةً ما، فعليه أن ينفذها من دون أن يسمح للأدوات بأن تعيقه، فمع الوقت سيتطور، أيضاً يجب تقديم موضوعات يحبها ويميل إليها، ولا يخوض في مواضيع عامة أو متنوعة لأن الطريق سيكون أطول مما لو ركّز في موضوع واحد، وفي البداية يمكن أن يجرب حتى يصل إلى التخصص الذي يريد صناعة المحتوى فيه، وأخيراً، عندما يكون موضوعه واحداً، سوف يعثر على فئته المستهدفة بسهولة، وستفهمه المنصة وتقترحه لمن يفضّل متابعة هذا النوع من المحتوى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...