شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بأجسادهم ونقرات أصابعهم… جيل عربي رقمي من أجل فلسطين

بأجسادهم ونقرات أصابعهم… جيل عربي رقمي من أجل فلسطين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 2 يونيو 202102:05 م

راجح المعتز، شاب عراقي عمره 20 عاماً، كان برفقة مئات الشباب العراقيين الذين زحفوا قبل حوالي عشرة أيام إلى الحدود العراقية الأردنية، للمشاركة في "المليونية" التي كان شباب وشابات من الأردن قد دعوا إليها في معبر "الكرامة"، واستطاع معتز وغيره من الشباب والناشطين الوصول إلى الحدود العراقية الأردنية. وافترشوا الأرض تعباً وفرحاً كما يقول عندما أعلنت المقاومة الفلسطينية عن هدنتها مع الاحتلال.

انتقل معتز بجسده لكي يناصر القضية الفلسطينية بالبقاء قرب الحدود، وهو ما لم يكن متاحاً لملايين الشباب العرب الذين لا تتشارك دولهم حدودها مع فلسطين المحتلة أو يحول بينهم وبين الحدود تدابير أمنية، فكان الإنترنت ساحة لهم كي يخوضوا نضالاً من نوع آخر في سبيل القضية.

راجح واحد من ملايين الشباب العرب، الذين تفاعلوا مع ما شهدته الأراضي الفلسطينية المحتلة من اعتداءات ومواجهات منذ بدأت مضايقات سلطات الاحتلال في المسجد الأقصى، وصولاً إلى العدوان على قطاع غزة الذي خلّف شهداء وجرحى، منهم أطفال ونساء.

يقول المعتز لرصيف22: "هناك تعب وهناك تعب جميل". ويضيف: "أجسادنا نحن الزاحفين القادمين من العراق إلى الحدود التي تفصلنا عن الأردن كانت مهلكة، لكن هذا الهلاك قليل مقابل ما نطمح إليه وهو أن نقدم كل جهدنا للدفاع عن فلسطيننا، هذا هو التعب الجميل".

انتقل معتز بجسده لكي يناصر القضية الفلسطينية بالبقاء قرب الحدود، وهو ما لم يكن متاحاً لملايين الشباب العرب الذين لا تتشارك دولهم حدودها مع فلسطين المحتلة أو يحول بينهم وبين الحدود تدابير أمنية، فكان الإنترنت ساحة لهم كي يخوضوا نضالاً من نوع آخر في سبيل القضية.

أجيال "الديجيتال" التي كانت توصم في كثير من الأحيان بأنها غير مكترثة "جيل مش معزوم على الهموم الوطنية"، كانت هي الأنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في إعلان التضامن وخوض النقاشات وجمع الوثائق والفيديوهات للرد على الادعاءات الإسرائيلية وإعلاء صوت الحق التاريخي الفلسطيني في الأرض والعيش الكريم.

برغم ما تشهده بلاده من حرب وصراعات وتهديد بالانقسام، يظل سامح وغيره من الشباب اليمنيين منتبهين ومتفاعلين مع ما يجد على الأراضي الفلسطينية، يقول: "حروبنا في أوطاننا لن تشتتنا عن أن القضية الفلسطينية هي الأغلى".

هذا التضامن أثار اهتمام من ينتمون للأجيال الأكبر عمراً، وهم ينظرون كيف أن التفاعل العربي مع الأحداث في مناطق مختلفة من فلسطين قاده ونجح في لفت أنظار العالم الغربي إليه جيل "التيك توك و"الإنستغرام" من أصحاب البناطيل "المثقوبة" والشعر "المنفوش"، والاعتراف أخيراً لدى بعض "الكبار" بأن هناك ظلماً طويلاً وسوء تقدير وقعا على جيل كان يُتهم بأن جل همه حصد المتابعين على مواقع التواصل.

يعلق راجح: "جيلي على اطلاع على القضية الفلسطينية وتاريخ احتلالها بشكل كامل. نحن نعلم أن هناك أحكاماً مسبقة كانت تطلق علينا بأننا مشغولون بمحتويات سخيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن كنا نستغل المساحات غير المقيدة على الإنترنت للتعرف على القضية الفلسطينية، على عكس أجيال تكبرنا حرموا من ذلك، واقتصرت معلوماتهم ربما على ما يسمعونه من أهاليهم في ظل تغييب واسع للقضية في الكتب الدراسية في أغلب الدول العربية".

ويختم: "أنا لست من جيل الديجيتال فقط، أنا من جيل نشأ على جراح بلدي العراق وما يزال يتألم من الويلات التي طالت وطني، وإلى جانب ذلك تجرعت حب القضية الفلسطينية ومنحها أولوية في الدفاع عنها لا تقل عن دفاعي عن وطني، لأن ذلك يسري في دماء العراقيين باختلاف أجيالهم".

مواقع التواصل همزة وصل

في اليمن، طوال أسابيع الاعتداءات الإسرائيلية، كان الناشط اليمني سامح بني عفيف، (27) عاماً، يتابع شاشة هاتفه على مدار الساعة للتعرف على ما يجد في فلسطين، يكتب المنشورات المؤيدة التي يلتقطها أصدقاؤه ويعلقون عليها. سألناه من أين حصل كغيره من الشباب والشابات اليمنيين على الوعي بالقضية الفلسطينية، فقال: "أنا وكثير ممن هم من جيلي في اليمن استقينا حب القضية الفلسطينية وكبرنا وكبرت معنا. فمنذ الطفولة عشنا مع أحداث حفرت في أذهاننا بشاعة الاحتلال من جهة، وصمود المقاومة في فلسطين من جهة أخرى. نحن جيل نشأ على لقطة الشهيد الفلسطيني الطفل محمد الدرة الذي ما تزال صورته حاضرة في عقولنا".

وتلعب المدارس اليمينة دوراً في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية لدى الصغار، ويذكر سامح: "لا أنسى الأنشطة الصيفية في مدارسنا، وكيف كنا نقوم بتمثيليات ومسرحيات تطرح معاناة فلسطين، وتعزز تعظيم الشهادة لأجلها".

سألنا سامح كيف أثر خطاب مواقع التواصل الاجتماعي في إعادة إحياء القضية الفلسطينية والدفاع عنها بقوة. أجاب بأن تلك المواقع عملت، ولا تزال، بشكل إيجابي لتوحيد الكلمة ووصولها لشريحة أكبر من الشابات والشباب العرب، عن طريق الهاشتاغات التي تتصدر حتى اليوم تويتر وإنستغرام وفيسبوك، رغم القيود التي تفرضها تلك المنصات على المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية.

ويجد الناشط اليمني في الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي مساحة "توحد الفكر الشبابي العربي" وتقارب بين المسافات، وتخلق طريقة عمل مشترك على أرض الواقع، مستشهداً بالمثال الآتي: "نظمنا في مدينة عدن جنوب اليمن، بجهود شبابية ذاتية، وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في أكثر من مكان، حتى أننا خلال أيام العيد خصصنا مصليات رفعنا فيها أعلام فلسطين. كل تلك الوقفات جاءت امتداداً لخطاب مواقع التواصل المدافع عن فلسطين، فهي بمثابة همزة وصل تستقطب الآراء التي تطرح فيها إلى الأرض".

وبرغم ما تشهده بلاده من حرب وصراعات وتهديد بالانقسام، يظل سامح وغيره من الشباب اليمنيين منتبهين ومتفاعلين مع ما يجد على الأراضي الفلسطينية، يقول بن عفيف: "حروبنا في أوطاننا العربية لن تشتتنا عن أن القضية الفلسطينية هي الأغلى، والتي تعرفنا على هويتنا العربية وتحمينا من فقدان الإيمان بعروبتنا".

من سوريا لأجل فلسطين

وفي سوريا تحدثنا مع الشابة التي فضلت وصفها بـ"الناشطة في القضية الفلسطينية" هالة يونس، وحاولنا العثور على إجابة حول حجم التفاعل الرقمي السوري مع الأحداث الأخيرة في فلسطين، رغم أن هذا الجيل نما مع أحداث الحراك والحرب العنيفة في بلده سوريا.

وقبل أن تضيء على وعي الجيل السوري الحالي للقضية الفلسطينية، عادت بنا هالة إلى جيلها الذي ولد قبل حوالي ثلاثين عاماً، وتشرَّب التعلق بفلسطين وقضيتها، فقالت: "أغلب المبادئ الوطنية تعلّمها أبناء جيلي من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق، فخلال زياراتنا المتكررة للمخيم؛ تعرفنا على شباب وشابات تركوا أثراً كبيراً فينا على جميع الأصعدة، أهمها القضايا الوطنية وفلسطين".

أما عن الجيل الحالي فعزت هالة الوعي السوري للقضية الفلسطينية، إلى الخطاب الذي ينشره لاجئون سوريون في الخارج على مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضحت: "شكّل جيل اللاجئين السوريين حراكاً إلكترونياً عالمياً متعلقاً بسوريا ومرتبطاً بشكل وثيق بفلسطين، وها هم اليوم لا يشاركون فقط، بل يتصدرون حملات مدافعة عن الأحداث التي تجري في فلسطين على مواقع التواصل".

حرب الوعي

"مش بس احنا، حتى أهالينا صاروا أوعى سياسياً وفكرياً من السوشال ميديا"، أجاب رامي العودات (21 عاماً) من الأردن على سؤالنا حول كيفية نجاح جيل الديجيتال في بث خطاب وطني مدافع عن فلسطين عبر مواقع التواصل، وأضاف: "نحن الجيل الذي استطاع تولى قيادة تعليم الأجيال الأكبر كيفية خلق أدوات عبر مواقع التواصل للدفاع عن القضايا الوطنية، الأمر الذي برز بقوة مع الأحداث الأخيرة في فلسطين".

مثل كثيرين ممن ينتمون إلى جيله، عمل رامي منذ بدء الأحداث في القدس وغزة وغيرها من المناطق الفلسطينية، على لفت انتباه الأجيال الأكبر حول المقاومة الإلكترونية، قال: "أصبحوا يتبعون إرشاداتنا، حتى أهالينا وهم من تربوا على القضية الفلسطينية أكثر منا، باتوا يقلدوننا في ثوراتنا الإلكترونية".

مثل راجح العراقي، كان رامي حاضراً بجسده من أجل فلسطين، "يكفي أنني شممت رائحة فلسطين"، يقول رامي الذي شارك مع آلاف الزاحفين إلى معبر الكرامة على الحدود الأردنية الفلسطينية، مضيفاً: "كانت دعوتنا للزحف عفوية، لكنها لفتت أنظار العالم إلينا. هدفنا كان أوسع من المساحة التي قيدنا في البقاء فيها عند الحدود. كنا فعلاً نطمح لتجاوز الخط الحدودي والالتحاق بالفلسطينيين الذين يواجهون دبابة المحتل بحجارتهم".

وختم ساخراً: "نعم، فشلنا في تجاوز الحدود، لكن لا شيء بعيداً على جيل الديجيتال. نحن سنكون جيل التحرير".

الصغار لن ينسوا

"أنا مبسوط جداً من جيل التك توك الي راهنت عليه من زمان"، هكذا علق الخبير الرقمي الأردني خالد الأحمد لرصيف22، حول ما يقوم به الشباب العرب اليوم من قلب معايير الطرق التقليدية في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

ويرى الأحمد أن الخطاب الرقمي المدافع عن حقوق فلسطين أثناء الأحداث الأخيرة أنه "خطاب ذكي، ويتماشى مع متطلبات العالم الرقمي. فخبرة هذا الجيل في استخدام أدوات إلكترونية لتفعيل قضية معينة تفوق كل خبرة الأجيال الأخرى"، مستشهداً بالتكتيكات التي استخدمها الناشطون الشباب العرب من خلال الهاشتاغات التي تتحدث عما يجري في فلسطين، أو ابتكار لغة رقمية خالية من النقاط وغنية بالرسائل القصيرة السريعة التي كشفت وحشية الاحتلال.

"اليوم لدينا أسلحة مقاومة بكبسة زر بفضل هذا الجيل الذي لديه وعي كبير بما يجري في فلسطين"، يقول الأحمد، مشيراً إلى أن ما يحدث اليوم قد يكون مشابهاً لما عاشته فلسطين في عقود سابقة، ويضيف: "لكننا اليوم أقوى بفضل الأجيال الجديدة الشابة، وهو ما يثبت بأن مقولة غولدا مائير ‘الأهل سيموتون والصغار سينسون’ عارية عن الصحة، والقادم أقوى بفضلهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image