شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"لم ولن أختن ابني"... آباء وأمهات يقودون ثورةً مجتمعيةً ضد ختان الذكور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 3 فبراير 202204:21 م

لم أكن أتخيل عند كتابة هذا المقال، أنني سأتفاجأ بهذا الكم من الآباء والأمهات الرافضين لختان أبنائهم. ظننت في بادئ الأمر أنني سأتلقى عاصفةً من السخرية والرفض والتكفير لأسئلتي، فأنا أكتب عن عادة اجتماعية متأصلة وعن سنّة حسب ما يقال عنها. كان ذلك قبل أن أكون عضوةً في مجموعة "فيسبوكية" رافضة لختان الذكور، وتقول إنه افتراء على الإسلام أن ينسب إليه.

إذا تحدثنا عن ختان الإناث، فهو على الرغم من القبول المجتمعي له، مُجرّم بنص قانوني وتصريحات رسمية من المؤسسات الدينية في مصر، لكن لا يزال ختان الذكور يحظى بقبول مجتمعي وديني على الرغم من كونه يتنافى مع حقوق الطفل.

حسب منظمة الصحة العالمية، فإن عملية الطهارة أو الخِتان، هي إزالة "قلفة" العضو الذكري، أي أنسجة تغطي قضيب الذكر، فور ولادة الطفل، وأن نحو 30% من الذكور مختونون على مستوى العالم، ثلثاهم من المسلمين، وأنه شائع في معظم بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وغرب إفريقيا.

اعتداء على حق الطفل

من حق الطفل أن يمتلك جسده، ويقرر أي جزء سيقطع، وبأي جزء سيحتفظ، قبل الحديث عن أنه حرام أو حلال.

لا يزال ختان الذكور يحظى بقبول مجتمعي وديني في مصر على الرغم من كونه يتنافى مع حقوق الطفل.

من هذا المبدأ، انطلق العديد من الآباء والأمهات لرفض ختان أبنائهم الذكور، وهي العملية المعروفة شعبياً باسم "الطهارة"، وتُقام لها احتفالات في مصر حين تُجرى للطفل، الذي يُفضّل أن يكون حديث الولادة عندما يتلقى أول صدمة من أبويه، وهي اقتطاع جزء من جسده.

"أنا ابني عمره عشر سنوات. لم ولن أختنه حتى لو طبقت السماء والأرض"، يقول أسعد صفوان، معللاً ذلك بأنه "ضرر نفسي وجسدي كبير بحق طفل بريء. إذا كانت عنده الرغبة، يستأصل جزءاً من جسده بعد سن الـ18. ممكن يمشي للمستشفى ويعملها".

لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة في المجتمع المحيط به، كما يقول لرصيف22: "زوجتي متفقة معي تماماً. وإخواني وأصدقائي حاولوا أن يضغطوا علي، لكني أخبرتهم بأن هذا خط أحمر، وبأنني مستعد لأن أخسرهم كلهم مقابل المحافظة على صحة ابني من ضرر خرافاتهم".

أما م. ج.، وهي أم لطفل عمره عامان، فتقول إن ابنها حدثت له مضاعفات حينما أجرت له عملية الختان. "حصل له نزيف شديد وكاد يفقد حياته". وحسب قولها، جعلها ذلك تتراجع عن تنفيذ الفكرة مع شقيقه الأصغر. "ما حصل مع ابني دفعني للبحث في الموضوع، وتفاجأت عندما علمت بأنه فعلاً مسيء وضار".

حين أجرينا بحثاً عن مضاعفات حدثت لأطفال ذكور عند إجراء عملية الختان، وجدنا أنه في السنوات الثلاث الماضية، تعرض أطفال لفقدان عضوهم الذكري نتيجة خطأ حدث في أثناء العملية، مثلما حدث مع طفل في محافظة المنوفية، وآخر في محافظة بني سويف. كما حدثت وفيات لأطفال مثلما حدث مع طفل من بورسعيد وفي الدقهلية والفيوم وشمال القاهرة، ولا يزال المجال مفتوحاً لضحايا جدد.

يقول محمود جوهر إن لديه ولدين لم ولن يختنهما أبداً، مبرراً ذلك بقوله: "السبب أنني مؤمن بكلام الله، وأنه خلق الإنسان على أحسن وأجمل صورة، ولا يحتاج الإنسان إلى أي تعديل بعد شغل الله، والعائلة موافقة طبعاً".

أما فرناس جمال، فرفض هو الآخر ختان ابنه الذكر، ويقول لرصيف22: "لن أفعل ذلك لأي سبب كان. الختان جريمة وافتراء على الإسلام، ويجب أن تضع الحكومة حداً له".

فخورة بأني لم أختن ابني

ينقل لنا سعيد عبد العاطي تجربته، ليس في حماية أبنائه من الختان فحسب، وإنما كذلك أبناء العائلة والمقربين منه.

يقول: "نشأت في مجتمع يقدّس ختان الجنسين. وعندما درست الموضوع بعناية، وجدت أن المجتمع مخطئ في حق الأطفال. ولما تزوجت وأنجبت بناتاً، لم أختن أياً منهن، وحين أنجبت ذكراً، دعتني أمي لختانه فقلت لها: عندما يكبر ولا تعجبه خلقته، يبتر ما يشاء من جسمه ويرميه".

نادية (اسم مستعار)، أنقذت طفلها الأخير من الختان، بعدما قرأت عن أضراره. تحكي لرصيف22: "ختنت ولديّ الكبيرين إذ كنت مقتنعةً بالفكرة، ثم قرأت أن الختان يقلل الإحساس عند الذكور، وتفهمت أن هذا جسم ابني، وليس من حقي اختيار ماذا أفعل به، وسأترك الأمر له حين يكبر. عمره الآن ست سنوات، وأنا فخورة بما فعلته".

نشأت في مجتمع يقدّس ختان الجنسين. وعندما درست الموضوع بعناية، وجدت أن المجتمع مخطئ في حق الأطفال. ولما تزوجت وأنجبت بناتاً، لم أختن أياً منهن، وحين أنجبت ذكراً، دعتني أمي لختانه فقلت لها: عندما يكبر ولا تعجبه خلقته، يبتر ما يشاء من جسمه ويرميه

وترى سارة كحلة أن الختان تشويه للجسم، وجاء ذلك نتيجةً لعملها في مجال حقوق الإنسان ولإيمانها بحرية الجسد، ومن ضمن هذه الحرية ألا تكون لنا سلطة على أطفالنا في إقرار هذه العملية، حتى لو كانت لها علاقة بتراثنا الديني.

لا تهتم سارة، وهي المديرة التنفيذية لمبادرة "أنثى"، كثيراً بما يقال عن أن الختان "سنّة"، فلن تجريه لطفلها، فهي لا ترى من المنطقي أن يولد كل الذكور بغلاف للقضيب، فيعمد الأهل إلى إزالته لأن الأديان تقول ذلك، أو خوفاً من إصابته بالبكتيريا والفطريات، فهناك مياه وصابون وينبغي أن يتعلم الطفل كيفية تنظيف نفسه باستمرار.

وأنقذت صدفة طبية، زياد، نجل الناشطة النسوية لمياء لطفي، عضوة مؤسسة "المرأة الجديدة"، من الختان، إذ تأخر الأمر نتيجة مرضه والخوف من إصابته بمضاعفات. "حين أتمّ الطفل 40 يوماً، خفنا من إجراء العملية، ومن أن تكون لها أضرار"، تقول.

خلال سنوات، قرأت لمياء وزوجها كثيراً عن الأمر، وسألا أطباء عديدين، ووجدا أن العملية لن تفيد، وإذا لم يتم إجراؤها، فلن يتضرر الطفل بشيء، وترى أن المجتمع لا بد أن يتغير ويتقبل الأطفال المختلفين والأشخاص الذين لم يُختنوا.

أكاذيب حول الختان

يقال إن الختان يمنع نقل الإيدز، ويمنع سرطان القضيب، وغيرهما من الأمراض، ويقال إن النساء يفضّلن العضو الذكري المختون، لكن أميرة (اسم مستعار)، وهي شابة مصرية متزوجة من رجل فرنسي، تقول: "زوجي ليس مختوناً، في بداية زواجنا، اتفقنا على أن نختن أطفالنا الذكور حين ننجبهم، لكن مع البحث والاطّلاع اكتشفت أنه ليس أمراً صائباً، وإذا تحدث أحد عن أن مستقبلهم في ممارسة الجنس قد يتأثر، سأقول إن زوجي غير مختون، وليست لديه أي مشكلات جنسية".

من ضمن حرية الجسد ألا تكون لنا سلطة على أطفالنا في إقرار عملية الختان، حتى لو كانت لها علاقة بتراثنا الديني.

وكشفت دراسة دانماركية، أنّ نسبة الرجال الذين يواجهون مشكلات في الوصول إلى ذروة الجماع، هي أكثر بثلاثة أضعاف في صفوف من خضعوا لعمليّة الختان.

د. سهام عبد السلام، الطبيبة والباحثة الأنثروبولوجية، من الطبيبات القليلات اللواتي تحدّثن عن ختان الذكور، حين كان الحديث عنه نادراً. كان ذلك عام 1994، وألّفت كتاب "ختان الذكور بين الدين والطب والثقافة والتاريخ"، وتعرضت لمضايقات بسببه.

وقالت عبد السلام، إن الختان دخل الطب في العصر الفيكتوري في منتصف القرن الـ19، ولم يكن هناك وعي وقتها، وكان يقال إنه يعالج أمراضاً وحالاتٍ كثيرةً، مثل الاستمناء، لكن مع تطور العلوم الطبية، عُرف أنه ليس مرضاً، وأنه جزء من نمو الإنسان النفسي والجسدي، واستمرت العادة في إنكلترا حتى توقفت مع تنامي التفكير العلمي، لكنها بقيت تمارَس في مستعمراتها.

الحديث عن فوائد الختان ادّعاء باطل، حسب عبد السلام، التي قالت إن تحفّظ منظمة الصحة العالمية عن الحديث عن أضرار الختان، هو تسييس ممنهج، وذكرت موقفاً تعرضت له حين تحدثت عن أضرار ختان الذكور، وقيل لها صراحةً من أحد ممثلي اليونيسيف: "نحن مؤيدون لختان الذكور، ولن نسمح بأي دعاية ضده".

أما عن خطورة الختان فتقول: "يسبب صدمة نفسية للطفل، الغلفة هي جزء غني بالأوعية الدموية والأعصاب، وعبارة عن طبقتين خارجية وداخلية، مثل الغشاء المخاطي، وبينهما طبقة فيها مستقبلات خاصة باللمس الخفيف، تفرز مادةً رطبةً، ولها وظيفة في أثناء الجنس، إذ تساعد في الانزلاق من دون احتكاك مؤلم يضايق الطرفين، وعندما تُقطع يختفي الإفراز، فتتم العملية الجنسية في وسط جاف، فيكون الأمر مؤلماً للطرفين".

الأمر يستحق البحث والتفكير

ومن جانبه، قال نضال الغطيس، أحد مديري مجموعة "ختان الذكور جريمة وافتراء على الإسلام"، إنه ومجموعة أصدقاء يتشاركون الاهتمام نفسه بختان الذكور، قرروا إنشاء المجموعة قبل سنوات، بعدما عرفوا أضرار هذه العادة، وإن هناك متضررين منها، بعضهم أولادهم أو أقاربهم، وهو شخصياً يعاني منها، فكل واحد له قصته المتعلقة بالختان الذي لا يكاد يفلت منه طفل.

وأضاف في حديثه إلى رصيف22: "منذ سنوات ونحن نحارب ممارسة الختان الروتيني وحماية الأطفال منه، وتعرضنا لإقصاء وعنف وتمييز وقمع واغتيال معنوي ولا أخلاقي. كنا نقول للناس إن الأمر يستحق البحث والتفكير، لأنك ستبتر جزءاً من جسم طفلك، لكن العقل الجمعي يسير من دون تفكير، فهم يختنون دون أن يفكّروا".

المجموعة لها مدراء من دول مثل مصر والمغرب وعمان، يتشاركون الدراسات العلمية التي تؤكد على أضرار الختان، وشهادات الناس وتجارب من رفضوا إجراءه، ونقاشات نفسية ودينية واجتماعية حول الختان، وتضم عدداً من الأطباء الرافضين للختان، للإجابة على أسئلة الناس، منهم الدكتور محمد فهمي الذي ألّف العديد من الكتب حول الموضوع، والدكتورة سهام عبد السلام.

منذ سنوات ونحن نحارب ممارسة الختان الروتيني وحماية الأطفال منه، وتعرضنا لإقصاء وعنف وتمييز وقمع واغتيال معنوي ولا أخلاقي. كنا نقول للناس إن الأمر يستحق البحث والتفكير، لأنك ستبتر جزءاً من جسم طفلك، لكن العقل الجمعي يسير من دون تفكير

وأضاف نضال: "ثماني سنوات ونحن نجاهد، وهناك أمل، فكثيرون من الناس باتوا يتبنّون طروحاتنا، لكن القضية كبيرة ومتعلقة تعلقاً أعمى بالدين والثقافة واضطهاد اليهود، فهي قضية سياسية أكثر منها طبية أو دينية".

وتابع مدير المجموعة: "نستقي معلوماتنا من دراسات وأبحاث علمية منشورة في المجلات العلمية، وتمت مراجعتها من أساتذة، أما المعلومات المتضاربة فنحن نبحث عنها كثيراً، وننقد الدراسات التي تقول بفائدة الختان".

أما عن اختيار اسم المجموعة، فقال إن له كتاباً بالاسم نفسه، والغرض منه التأكيد على أن هذه الممارسة جريمة بحق الطفل، والشق الثاني للتأكيد على أن الأمر مبني على ثقافة دينية مغلوطة، وهو افتراء على الإسلام. "كل الأحاديث التي تذكر الختان فيها إشكالات إما في المتن أو السند، ولا يوجد شيء في القرآن يدعم هذه الممارسة، بل العكس، فالآيات تمنع تغيير خلق الله، وليس صحيحاً أن ختان الذكور أو الإناث مذكور في الإسلام".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image