شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"هذه المهنة تملّكت روحي"... ناهد نصر الله تروي لرصيف22 تجربتها في تصميم أزياء الأفلام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 4 يناير 202204:01 م

في كثير من اللقاءات التي أجراها الفنان أحمد زكي، وغيره من الفنانين المصريين المعروفين في عالم السينما، كان هناك دائماً سؤال حول القدرة على التقمص، وتكون الإجابة عليه غالباً بأنه ما إن ارتدى الملابس المخصصة للدور، حتى تحول من شخصيته التي هو عليها، إلى شخصية الدور الذي يؤديه، بكل ما فيه من مشاعر، وحب وكره، أو قوة وضعف.

"الأزياء هي الشخصية". هكذا لخّص مارتن سكورسيزي، المخرج العالمي، الدور الكبير الذي تلعبه الملابس في صبغ الشخصية المكتوبة على الورق بصبغة الحياة، ومنحها الروح التي تجعل الجمهور يصدّقها، ويتفاعل معها، ويفرح لفرحها، ويبكي معها.

ناهد نصر الله، واحدة من أبرز مصممي أزياء الملابس للسينما في مصر، تعمل في هذا المجال منذ أكثر من أربعين سنة. قادتها الصدفة إليه، ثم شعرت بأنه "ليس في الإمكان أبدع مما كان"، ليصبح هذا الفن جزءاً أصيلاً من روحها، منحها الكثير من النجاح، ومنحته الكثير من الوقت والجهد والتضحيات.

اليوم السادس، بحب السيما، باب الشمس، الجزيرة، الفيل الأزرق، عمارة يعقوبيان، حظر تجول، والمهاجر؛ كل هذه الأعمال وغيرها كانت وراءها ناهد نصر الله.

مصممة الأزياء المصرية ناهد نصر الله

تقول في حوار خاص مع رصيف22، إن التصميم جزء من روحها. تبدأ علاقتها به منذ أن يقع بين أيديها سيناريو الفيلم أو المسلسل، لتشرع في خلق الشخصيات من خلال الملابس، "فالملابس هي أول شيء تقع عليه عين المتفرج، قبل أن يتحدث، وفي كل مرة أبذل مجهوداً كبيراً، سواء في تصميم الملابس، أو حتى اختيارها من دولاب الممثل".

ناهد نصر الله، من أبرز مصممي أزياء الملابس للسينما، تعمل في هذا المجال منذ أكثر من أربعين سنة، وتقول إن التصميم حزء من روحها.

مثلاً، في فيلم "المصير"، لم ترغب نصر الله، في تصميم ملابس تشبه هذه المرحلة وحسب، وإنما قسّمت الشخصيات إلى طبقات: طبقة الحاكم، والعامة، وابن رشد. واختارت لابن رشد وأتباعه ملابس مغزولة يدوياً، أما طبقة الحاكم فكانت بحاجة إلى الوصول إلى نوع معيّن من الأقمشة، "إن صح وجودها فلن يكون إلا في سوريا"، كما تقول.

سافرت برفقة طاقم العمل إلى سوريا ولبنان، ونزلت إلى الأسواق هناك، ووجدت أماكن تقدم أقمشةً يعود تاريخها إلى زمنٍ يتراوح بين مئة ومئة وخمسين عاماً، بعضها من ستائر، وبعضها من أقمشة تنجيد وملابس، وعلى الفور اشترت مجموعةً كبيرة من هذه القطع، وصممتها وفق الصورة التي رسمتها في خيالها، ليخرج إلينا المصير بهذا الشكل المحكم.

في حوارنا الشيّق معها، طرحنا عليها أسئلةً في محاولةٍ لمعرفة بعض أسرار عملها وحكاياته.

في البداية، حدّثينا عن الفرق بين تصميم الأزياء بشكل عام، وتصميمها للأفلام؟

هناك فرق كبير بين عالم الأزياء العادي، والأزياء المصنوعة خصيصاً للسينما. فإذا تشابها في استخدام أدوات واحدة هي الرسم والخياطة، إلا أن الغاية هنا مختلفة، فهدف الأول إرضاء الجمهور المستهلك، والقدرة على التسويق لهذه المنتجات.

لكن في تصميم الأزياء للسينما، نحن لا ندرس القوة الشرائية للمجتمع، وإنما أبعاد الشخصية التي رسمها المؤلف، ونتحدث مع المخرج عن الكيفية التي يريد بها أن تخرج في العمل الفني، وننسج بعدها الملابس وفق طبيعة الشخصية والطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها، وأين هي من القصة التي نحن بصدد إنتاجها.

مصممة الأزياء المصرية ناهد نصر الله

بمن تأثرتِ في عالم تصميم الأزياء للأفلام؟ وهل درستِ صناعة الأزياء الخاصة بالسينما؟

تأثرت كثيراً بالفنان المبدع المخرج شادي عبد السلام، فهو من أقرب المصممين إلى قلبي، ربما لأنه أبدع في تقديم اللون الخاص بالملابس التاريخية، وهو النوع الذي أفضّله كثيراً، فالتاريخ جزء أصيل من حياتي، ومن يومي، فإن لم أكن أعمل على فيلمٍ تاريخي، فأنا بالضرورة أقرأ عن التاريخ، وهذه القراءات تشكّل مخزوناً قوياً يكون جاهزاً عندما تأتي الحاجة إليه، في عملٍ فني جديد، فاستحضر هذه القراءات للتعرف على الفترة التي تدور فيها الأحداث، ومن ثم أصل إلى أفضل نتائج ممكنة في تصميم الملابس.

أما بالنسبة إلى الدراسة، فلم يتم قبولي لدخول معهد السينما، لكن يوسف شاهين حينها أخبرني بأن "الموهبة أهم من الدراسة"، وبأنه يمكنني ممارسة المهنة طالما أنني أمتلك الموهبة، وبذلك التحقت بكلية الفنون الجميلة، ودرست في فرنسا فن الرسم والتصميم، واكتسبت بقية العناصر من اختيار الألوان والأفكار بنفسي، من خلال القراءة والخبرة.

في تصميم الأزياء للسينما، ندرس  أبعاد الشخصية، ونتحدث مع المخرج عن الكيفية التي يريد بها أن تخرج في العمل الفني، وننسج بعدها الملابس وفق طبيعة الشخصية والطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها، وأين هي من القصة التي نحن بصدد إنتاجها

إذاً حدثينا عن كيفية دخولك إلى هذا المجال من الأساس؟

هي صدفة بحتة قادتني إلى السينما، وبالتحديد عالم الأزياء. هذه التجربة التي جعلتني أؤمن بأنه ليس ضرورياً أن تظهر موهبة الإنسان في السنوات الأولى من حياته بشكل واضح، حتى يقرر العمل بها، ولكن التجربة يمكن أن تجعل الإنسان يكتشف ذاته، ويتعرف على جوانب لم يكن يعلم أنها في داخله.

درست الاقتصاد والعلوم السياسية من غير نية للعمل في مجال السينما، الذي سبقني إليه أخي الأكبر يسري نصر الله، وتنقلت في عدد من الأعمال الروتينية، حتى جاءتني فرصة مشاركة المخرج السوري، عمر أميرالاي، في فيلم تسجيلي عن المرأة، قمت فيه بدور المترجم من الفرنسية إلى العربية، وجاءتني بعدها فرصة للعمل كمساعد مخرج مع يوسف شاهين.

صدفة أخرى جعلتني أنتقل من عالم الإخراج إلى الأزياء. لم أحبّها في البداية، وبكيت عندما أخبرتني ماريان خوري بأن إيفون ساس ينو، مصممة الأزياء الفرنسية، ترغب في أن أكون مساعدتها في مصر، وتضع ذلك شرطاً لقبول عملها في فيلم اليوم السادس. هكذا وجدت ذاتي، على الرغم من رفضي الأمر في البداية، وتركت كل شيء لأتفرّغ للفن الذي عشقته.

مصممة الأزياء المصرية ناهد نصر الله

يمكن أن تكتفي بالتعرف على الشخصية من خلال الورق، أم هناك ضرورة لمعرفة الفنان الذي يلعب الدور؟

التعرف إلى الشخصية التي من الممكن أن تلعب الدور، يساعد في الوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة، لذلك يفضَّل ألا نبدأ في تصميم الملابس إلا بعد اكتمال طاقم العمل، وفي الحالات التي نبدأ فيها قبل ذلك، يكون لي لقاء مع المخرج حول الأسماء التي يتخيلها في هذا الدور، كي أتمكن من رسم صورة بملابس الشخصية في خيالي.

يوسف شاهين، كان من أكثر المخرجين الذين منحوني القدرة على إظهار ما لدي من أفكار من دون خوف، فقد كان صاحب قناعة بأن الفنان يجب أن يعمل في جوٍّ من الهدوء، لكي ينتج أفضل ما لديه، وكان يطبّق هذا على كل من يعمل معه، قبل أن يطبّقه على نفسه، وكان يقف معي لنتخيل الأشخاص الذين يمكن أن يلعبوا الدور، فتسنّى لنا إنتاج أعمال ممزوجة بالحب والإبداع.

هل يمكن أن تخبرينا أيّ الأعمال أقرب إلى قلبك؟

بابتسامة، أجابت نصر الله: "كلهم أبنائي".

وتابعت: "لا يمكن أن أقبل العمل في فيلم لم يمسّني، لذلك أنا أحب كل الأفلام التي صممت الملابس لها، لكني بشكل عام أفضّل الفترة التي عملت فيها مع يوسف شاهين، سواء في الإخراج أو الأزياء، بالإضافة إلى الفترة التي عملت فيها مع المخرج يسري نصر الله. في تلك الأوقات، كان الإنتاج يتيح لنا متّسعاً من الوقت والدعم كي نظهر أفضل ما عندنا".

لا يمكن أن أقبل العمل في فيلم لم يمسّني، لذلك أنا أحب كل الأفلام التي صممت الملابس لها.

وما هي أكثر الأعمال التي قدّمتها وكان تحضيرها مرهقاً بالنسبة إليك؟

"كيرة والجن"، العمل الذي أعمل فيه هذه الأيام، فهو ينتمي إلى اللونين التاريخي و"الأكشن"، ونجهّز عدداً كبيراً من قطع الملابس، ما يشكّل إرهاقاً لكل طاقم العمل.

وفي "باب الشمس" كانت هناك تحديات كبيرة أيضاً، تحديداً في ما يخص ملابس الجنود الإسرائيليين، وفي سبيل ذلك نزلت إلى الأزقة والمحال التجارية في شوارع سوريا، في محاولة للوصول إلى من عاصروا الحرب، ليخبروني بالتفاصيل الدقيقة في ملابس الجنود، إلى أن خلصنا في النهاية إلى الاكتفاء باللون المعروف، وعدم ظهورهم بشكل كامل، من أجل تعزيز الفكرة الدرامية للفيلم.

مصممة الأزياء المصرية ناهد نصر الله

هل شكّل ظهور مهنة "الستايلست" خطراً على مصممي الأزياء؟

على العكس تماماً، فهذه المهنة عززت دور مصممي الأزياء، فهناك عدد كبير من الأعمال لا تحتاج إلى تصميم، بقدر ما تحتاج إلى تجهيز ملابس ملائمة للشخصية يمكن الحصول عليها من أي مكان، حتى إن كان من دولاب الفنان أو الفنانة نفسه/ ها.

نودّ الانتقال للحديث عن فكرة أخرى، وهي دور المرأة في صناعة السينما في مصر. كيف ترين هذا الدور؟

المرأة مؤثرة في السينما منذ بدايتها، سواء في الكتابة، أو الإخراج، أو التمثيل، وبدأت في التمكّن أكثر خلال السنوات الماضية، وأصبح الاحتفاء بها واضحاً جداً من خلال المهرجانات المخصصة لها، كمهرجان أسوان لسينما المرأة، بالإضافة إلى إسناد أعمال صعبة إليها، كسجن النسا، للمخرجة كاملة أبو ذكري.

هل يمكن القول إن مهنة تصميم الملابس كانت صعبةً عليكِ كونك إمرأة؟

هي صعبة للغاية، ولكنها ممتعة، أشعر بمتعة شديدة عندما أنتهي من عمل ليصبح ضمن "أبنائي"، والصعوبة هنا هي على الرجل والمرأة على حد سواء، فلن يشكل الجنس عقبةً، أو تمييزاً لطرف على الآخر.

الاختلاف الوحيد هو ما ألاحظه مؤخراً نتيجة تقدّمي في السنّ، وليس لنوعي، فقد أصبحت في الثامنة والستين، ولم أعد أقوى على مواصلة العمل حتى الصباح، فعندما تدقّ الساعة الثانية عشرة، لا بد أن أكون في المنزل، ويتابع المساعدون العمل بدلاً مني.

المهنة صعبة للغاية، ولكنها ممتعة، أشعر بمتعة شديدة عندما أنتهي من عمل ليصبح ضمن "أبنائي"، والصعوبة هنا هي على الرجل والمرأة على حد سواء، فلن يشكل الجنس عقبةً، أو تمييزاً لطرف على الآخر

برأيك، ما هي التحديات التي تواجه مصممي الملابس في مصر بشكل عام؟

أكثر ما كان يؤلمني هو تهميش المصممين، وعدم الاعتراف بكيان خاص بهم، وذلك قبل أن تهتم نقابة المهن التمثيلية بإنشاء شعبة لنا، والتي أصبحت موجودةً منذ سنوات قليلة فقط، بعد محاولات عدد من المخرجين الكبار.

والمهنة في حد ذاتها شاقة للغاية، فلا يمكن أن تكون مصمماً للأزياء السينمائية، وفي الوقت ذاته لديك عمل آخر، كما أنها تؤثر بالطبع على العلاقات الأسرية والمنزل، وتحتاج إلى الكثير من التضحيات، فلا أنكر أن السينما التي تملّكت روحي، أخذت مني الكثير، وقدمت ذلك راضية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الأجور التي يحصل عليها المصممون ليست كبيرةً، أو بالأحرى هي ضمن الأجور الأقل في عالم صناعة السينما، ويبقى المصمم حائراً بين الاستمرار في مهنة يحبها، وبالكاد يكفيه دخلها، أو يتركها إلى مهنة أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image