"في المناسبات، يكون الكثير من الناس إلى جانبنا، وعندما تنتهي المناسبة لا نجد أحداً"، بهذه الكلمات عبّرت لاعبة رفع الأثقال فاطمة الحسن (44 عاماً)، وهي تعاني من إعاقةٍ في الأطراف السفلية، عن الواقع الحالي، والصعوبات التي تواجه رياضيي سوريا من ذوي الإعاقة.
قبل أيامٍ، كنت أتكلم مع لاعب كرة سلة في مدينة الفيحاء الرياضية في دمشق، في حديث شخصي حول معاناته مع الرياضة، وازدياد الصعوبات التي تواجهه. في أثناء ذلك، مرّ لاعب من ذوي الإعاقة، وفكّرت: ماذا ستكون صعوباته، قياساً إلى لاعب السلة، وهل ستكون هي نفسها؟ عند ذلك قررت الغوص في هذا العالم أكثر.
يصل عدد رياضيي سوريا من ذوي الإعاقة، إلى 1500 لاعب تقريباً، حسب تصريحات رئيس اتحاد الرياضات الخاصة لرصيف22، وانخفض العدد في السنوات الأخيرة، بعد ابتعاد العديد منهم عن اللعب، أو مغادرتهم البلاد، ويعانون من الكثير من المشكلات والصعوبات، التي لا تتوقف عند عدم توفّر المعدات والأجهزة، بل تصل إلى عدم المساواة، وقلة الاهتمام.
يعاني الرياضيون/ ات من ذوي/ ات الإعاقة في سوريا من مشكلات وصعوبات، لا تتوقف عند عدم توفّر المعدات والأجهزة، بل تصل إلى عدم المساواة، وقلة الاهتمام.
"لا أحد يتقبّل النقد"
في البداية، كان بعض اللاعبين/ ات الذين تحدثت معهم/ ن، متحفّظين، ولا يريدون الكلام سوى عن المشكلات العمومية الواضحة، كما أن البعض منهم طلب عدم الكشف عن اسمه، بعد أيامٍ من المقابلة، بسبب الخوف من الحرمان من الراتب، وعدم الترشيح للمشاركة في البطولات، في ظلّ الوضع المتوتر ضمن الاتحاد الرياضي العام، واتحاد الرياضات الخاصّة، وانزعاج المسؤولين فيهما من كثرة حديث اللاعبين عن مشكلاتهم عبر وسائل الإعلام.
وتوضح إحدى اللاعبات، وقد فضّلت الحديث إلى رصيف22، من دون ذكر اسمها، أنها تحدّثت أكثر من مرة عن المشكلات التي يعانون منها، لكن ذلك أثّر عليها سلباً: "لا أحد يتقبّل النقد، ونحن نريد تحسين الوضع ليس أكثر".
أما لاعب ألعاب القوى، علاء عبد السلام، فقد وجّه انتقادات إلى اتحاد الرياضات الخاصّة، بعد أن عُوقب بعدم المشاركة في أيّ بطولة، حتى يُقدّم اعتذاراً، كونه لم يحضر التجارب المتعلقة بالترشح إلى دورة الألعاب البارالمبية. "أنا بطل، ولديّ إنجازات، فلا داعي لحضور التجارب"، يقول في حديثه إلى رصيف22.
ويبيّن علاء (28 عاماً)، أن قدومه إلى دمشق لحضور التجارب، من مكان إقامته في مدينة صيدنايا في ريف دمشق، مكلف جداً، إذ يضطر إلى ركوب سيارة أجرة لعدم قدرته على ركوب وسائل النقل العامة غير المجهزة لمن يستخدمون الكراسي المتحركة، ودفع ما لا يقلّ عن 50 ألف ليرة سورية (نحو 15 دولاراً).
اللاعب علاء عبد السلام
النظرة الدونية
تقول لاعبة أخرى، أيضاً فضّلت الحديث من دون ذكر اسمها: "نشعر بأن هناك نظرة دونية من الجميع في التعامل معنا، بدءاً من المجتمع، وليس انتهاءً بالاتحاد الرياضي العام. هذه النظرة لا تليق بذوي الإعاقة، وبأشخاص يحاولون إثبات أنفسهم وسط تحدّيات هائلة، وهي تجرحنا من الداخل. باختصار، إن ثقافة احترام الرياضي/ ة المعوق/ ة غير موجودة".
تقول اللاعبة هذه الكلمات بحرقة، مطالبةً بتغيير هذه النظرة، وبأن تصبح هناك مساواة مع الرياضيين من غير ذوي الإعاقة، والتعامل مع ذوي الإعاقة، بعيداً عن إعاقتهم، أو الكرسي الذي يتنقّلون عليه، وإنما بشكلٍ إنساني، وحسب الإنجاز.
أما اللاعبة نورا بدور (38 عاماً)، فتشير إلى أن النظرة إلى الرياضي من ذوي الإعاقة، على أنه بطل، ولديه إنجازات، هي غائبة عن الاتحاد الرياضي العام.
تتوقف عن الكلام برهةً، وتضيف بحزن: "هناك احترام من المسؤولين الرياضيين، أما عدّك بطلاً، ولديك إنجازات كمعاق، فيجب أن تنسى هذا".
وهنا يوضح المدرب السابق لمنتخب سوريا لذوي الإعاقة، جمال عليوي، أن "التعامل مع المعاقين من قبل بعض المسؤولين عن القطاع الرياضي، يكون من باب التعاطف، وخاصةً أنهم يجهلون رياضات ذوي الإعاقة، وكيفية التعامل معها، مما يوصل رسالةً مفادها أنهم مجرد أشخاص يتمّ التعاطف معهم إنسانياً، مهما بلغت إنجازاتهم العلمية والعملية".
وأضاف أن "اتحاد الرياضات الخاصّة لا يوصل رسالةً صحيحةً إلى الاتحاد الرياضي والمجتمع، عن هؤلاء اللاعبين ورياضيتهم".
هناك نظرة دونية من الجميع في التعامل معنا، بدءاً من المجتمع، وليس انتهاءً بالاتحاد الرياضي العام. هذه النظرة لا تليق بذوي الإعاقة، وبأشخاص يحاولون إثبات أنفسهم وسط تحدّيات هائلة، وهي تجرحنا من الداخل. ثقافة احترام الرياضي/ ة المعوق/ ة غير موجودة
غياب المساواة
وهل يعامل الاتحاد الرياضي العام اللاعب من ذوي الإعاقة، مثل اللاعب من غير ذوي الإعاقة؟ "في أيّ أسرة، عندما يكون لديك معاق وسليم، سيكون الاهتمام بالسليم أكثر، مع وجود نظرة إلى المعاق على أنه لن يقدر على فعل شيء، وقد يكون هناك اهتمام به من باب الشفقة والإنسانية فحسب".
هكذا كان جواب نورا، وهي تعاني من إعاقة في الأطراف السفلية، وحاصلة على المركز الرابع في أولمبياد البرازيل 2016، وتضيف: "الدنيا ليست عادلة".
أما فاطمة، وهي صاحبة إنجازات رياضية عدّة كان آخرها تحقيق المركز السادس ضمن منافسات وزن 61 كغ، في دورة الألعاب البارالمبية في العاصمة اليابانية طوكيو، فقد أشارت إلى أن التغطيات الإعلامية لأي بطولة خاصّة بذوي الإعاقة ضعيفة، على عكس غير ذوي الإعاقة، إذ تكون أقوى، وتتضمن لقاءات وتعريفاً بالمشاركين/ ات.
عندما تحدّثت فاطمة عن هذه الجزئية، تذكرتُ مشاركة الرياضيين/ ات السوريين/ ات في الألعاب البارالمبية. عندها، حاولت كصحافي تغطية هذه المشاركة، وعانيت كثيراً للحصول على المعلومات والأخبار، فأغلب وسائل الإعلام لم تكن تولي اهتماماً بهذه البطولة، على عكس المشاركة في أولمبياد طوكيو، إذ كان الاهتمام أكبر بكثير.
اللاعبة فاطمة الحسن
وتبيّن فاطمة أن التكريم الخاص بالرياضيين/ ات ذوي الإعاقة، قليل، وكذلك التعويضات المالية التي يحصلون عليها، كما أن الاستقبال الخاص بهم بعد الألعاب البارالمبية، والتغطية الإعلامية، لم يكونا كتينك التي يحصل عليها الرياضيون من غير ذوي الإعاقة.
وتغيب المساواة بين ذوي الإعاقة وغير ذوي الإعاقة، من الناحية المالية والمردود الذي يحصل عليها اللاعبون، ويبيّن علاء عبد السلام أن الفرق في الراتب، الذي يحصل عليه اللاعبون المميّزون، قد يصل إلى 200 ألف ليرة سورية (57 دولاراً)، بين لاعبٍ من ذوي الإعاقة، وآخر من غير ذوي الإعاقة.
التغطيات الإعلامية لأي بطولة خاصّة بذوي الإعاقة ضعيفة، على عكس غير ذوي الإعاقة، إذ تكون أقوى، وتتضمن لقاءات وتعريفاً بالمشاركين/ ات.
ولا تنكر فاطمة أن جميع الرياضيين في سوريا لديهم الكثير من الصعوبات، ولكن "توجد تفرقة في التعامل، والاهتمام بذوي الإعاقة أقلّ".
قلة التحضّر والتجهيز
تفتقر الرياضة السورية إلى البنية التحتية الخاصّة بذوي الإعاقة، فهي غير مجهّزة لخدمة اللاعبين، وتدريبهم بالشكل الصحيح.
وتشير نورا إلى أن هناك قلّة في التجهيزات والصالات المطلوبة للتدريب، والتي تحتاج إلى وجود أماكن للدخول والخروج خاصّة بالمعاقين، كما أن الصالات تحتاج إلى صيانة، حتى تتناسب مع الطقس، كونها باردة شتاءً، وحارّة صيفاً.
وبدت الرياضية الحاصلة على ثلاث ميداليات ذهبية من بطولات الإمارات العربية المتحدة للأعوام بين 2017 و2019، متحفظةً في كلامها، وأرجعت قلّة المعدات والتجهيزات والصالات إلى الظروف التي تمرّ بها سوريا خلال السنوات الأخيرة.
وتتشارك نورا مع فاطمة وعلاء في المعاناة من صعوبة المواصلات، ودفع مبالغ كبيرة للوصول إلى أماكن التدريب، لعدم قدرتهم على ركوب وسائل النقل العامة، واضطرارهم إلى اللجوء إلى سيارات الأجرة التي تتقاضى مبالغ كبيرة، في ظلّ أزمة المواصلات في سوريا، وارتفاع أسعار المحروقات.
بدورها، ذكرت فاطمة أن هناك تقصيراً في تحضير الرياضيين للبطولات، إذ إن المعسكرات تقام قبل بدء البطولات فحسب. وتضيف: "المطلوب وجود خطّة سنوية مدروسة لتحضير اللاعبين، وإقامة معسكرات باستمرار. مثلاً، بعد مشاركتي في الألعاب البارالمبية، عدت إلى المنزل بدلاً من الانضمام إلى معسكر جديد".
اللاعبتان فاطمة الحسن ونورا بدور
ويتولى تدريب اللاعبين/ ات ذوي الإعاقة، مدرّبون متطوعون أكثر من كونهم محترفين، كما أن رواتبهم زهيدة.
ويوضح المدرب جمال عليوي، أن المدرّبين يفتقدون إلى الدورات التي تطوّر معلوماتهم ومهاراتهم، كما أن هناك قلة خبرة في موضوع الرياضات الخاصّة.
"عندما نعود من أيّ بطولة من دون تحقيق إنجاز، يكون هناك عتب، بسب أن بطولات ذوي الإعاقة بسيطة، مع نسيان أن اللاعبين لم يتمّ تحضيرهم بشكلٍ جيد"، هذا ما أكّده الرياضيون/ ات الذين التقيت بهم.
تتشارك نورا مع فاطمة وعلاء في المعاناة من صعوبة المواصلات، ودفع مبالغ كبيرة للوصول إلى أماكن التدريب، لعدم قدرتهم على ركوب وسائل النقل العامة، واضطرارهم إلى اللجوء إلى سيارات الأجرة التي تتقاضى مبالغ كبيرة، في ظلّ أزمة المواصلات وارتفاع أسعار المحروقات
وحسب بدور، فإن البعض يرى أن رياضة ذوي الإعاقة سهلة، ولا تتطلب جهداً وتعباً، كما يجب تحقيق إنجاز، بغضّ النظر عن مستوى البطولة.
ويحمّل علاء اتحاد الرياضات الخاصّة مسؤولية ذلك، كونه لا يشرح بطولات ذوي الإعاقة للاتحاد الرياضي العام بالشكل المطلوب.
اللاعب علاء عبد السلام
الحلول واضحة وبسيطة
"لا يحتاج تطوير واقع رياضات ذوي الإعاقة إلى الكثير من التفكير والمعادلات، فالأمور واضحة، والحلول بسيطة"؛ بهذا الكلام عبّر اللاعبون عن المطلوب لتغيير الواقع الحالي.
تطالب فاطمة بتأمين احتياجات اللاعبين، وأن تكون الأندية مجهّزة بشكلٍ كامل، مع معسكرات دائمة لتحضير اللاعبين على مستوى البطولات العالمية.
أما نورا، فقد ركّزت على ضرورة تسليط الضوء على ذوي الإعاقة، وإقامة بطولات مشتركة مع غير ذوي الإعاقة، حتى يعلم الجميع أن رياضة المعاقين ليست سهلةً، وفيها الكثير من التحديات.
بدوره، دعا المدرّب عليوي إلى تولّي أشخاص مناسبين مسؤولية الرياضات الخاصّة، يتمتّعون بمعرفةٍ وثقافةٍ كافيتين حول رياضات ذوي الإعاقة، ولديهم خطة مدروسة، وأفكار للعمل والتطوير.
الصالات الرياضية في سوريا بُنيت منذ عقود، ولم يُراعَ في أثناء ذلك أن تكون ملائمةً لذوي الإعاقة.
ولكن هل سيكون لهذه الدعوات أو الطلبات أيّ صدى؟ يتذكّر اللاعبون/ ات الذين قابلتهم، أنهم تحدّثوا كثيراً، ولكن "فالج لا تعالج"، أيّ لا فائدة من الحديث.
ويُرجِع رئيس اتحاد الرياضات الخاصّة في سوريا، هنائي الوز، معظم المشكلات إلى "الإمكانات المالية المحدودة، والحرب التي تعيشها سوريا، فلا تصحّ مقارنتها مع بلدان أخرى".
وبالنسبة إلى التجهيزات، بيّن الوز في حديثه إلى رصيف22، أنها غير متوافرة في سوريا بشكلٍ كافٍ، فبعضها يُصنع محلياً، والآخر يُستورَد، موضحاً أن الصالات بُنيت منذ عقود، ولم يُراعَ في أثناء ذلك أن تكون ملائمةً لذوي الإعاقة. وأضاف: "طلبنا من الاتحاد الرياضي العام مراعاة موضوع ذوي الإعاقة، وممرات الدخول والخروج عند الصيانة".
وعاد الوز ليذكّر بالوضع المالي، وظروف البلد، عند سؤاله عن الأموال التي يتقاضاها اللاعبون، مبيّناً أنهم "يتقاضون حسب القوانين والأنظمة، ولكن لا يوجد موازنة كافية حسب الاتحاد الرياضي العام".
من خلال الحديث مع اللاعبين، لم يكن تركيزهم على الصعوبات المتعلقة بالتجهيزات والأموال، بقدر المطالبة بالتعامل معهم كأفرادٍ لهم كيان مستقل، بعيداً عن الإعاقة والشفقة، وترجمة الكلام على المنابر الإعلامية إلى دعمٍ حقيقي، وليس كما قالت إحدى اللاعبات: "في يوم المعاق العالمي يقيمون فعاليات، وأنا من ذوي الإعاقة أرفضها، فهي مجرّد شعارات واحتفالات وهمية، من دون تقديم شيءٍ حقيقي لنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...