يستغرب أصدقاؤنا العرب لماذا نشتم المنتخب السوري ولماذا لا نريد له الفوز. يستغربون وكأنّهم لا يعرفون. حديث مكرّر ومكرّر. كلّما همّ المنتخب السوري لكرة القدم بلعب مباراة مهمة أو بطولة قاريّة، مثلما يحدث الآن في بطولة كأس آسيا للأمم، يُعاد الحديث عن كرة القدم وعلاقتها بالسياسة ومشجعيها. نواجه أسئلة كثيرة وندخل في نقاشات لا نهاية لها عن كرة القدم السوريّة وسوريا والنظام والثورة والإرهابيين وداعش.
هذا منتخب سوريا الأسد وليس منتخب سوريالماذا لا نشجع منتخب سوريا؟ لأنّ هذا المنتخب لا يمثل سوريا التي نرنو إليها، بل يمثل بلادًا تشبه بشار الأسد والخراب الذي خلفه لنا: لاعبون يشكرون بشار الأسد بعد المباريات، مدرب سابق وهو فجر إبراهيم واللاعب أسامة أومري يخرجون علينا في مؤتمر صحفي بصور بشار الأسد على قمصانهم، ومدرب آخر وهو بيرند شتانغه كان يعمل مع جهاز مخابرات ألمانيا الشرقية سابقًا "الشتازي"، ملاعب مليئة بصور حافظ الأسد وبشار الأسد وباسل الأسد، وضابط من الجيش يرأس الاتحاد الرياضي العام، لاعبون يلعبون من أجل أن يوازي نصرهم نصر الجيش السوري في قتل الأبرياء. هذا المنتخب لا يمثل سوريا التي نحلم بها، بل يمثل سوريا بشار الأسد. لا نقبل أن يلعب اليوم لاعبون باسم سوريا في الوقت الذي قُتل فيه لاعبون ورياضيون آخرون تحت التعذيب في أفرع الأمن السوريّة. لا نقبل أن يقول لاعب في هذا المنتخب إنّ المنتخب يلعب باسم الجيش السوري القاتل. على كلّ حال كلّنا نعرف، نعم كلنا نعرف، ومن لا يعرف فهو إما مدّع عدم المعرفة أو ناكر للحقيقة، إنّ لا وجود في سوريا الأسد لنظام حكم سوى نظام مافيا عائلة الأسد؛ لا مؤسسات ولا نقابات ولا أحزاب. كلّ شيء يملكه بشار الأسد ومن حوله من رجال أعمال ورجال أمن وشبيحة. نحن أفراد في مزرعة سوريا الأسد، لا نملك شيئًا من أنفسنا، ولهذا ثرنا عليه وعلى نظامه. ثرنا لنملك أحلامًا بغد جميل. ثرنا لكي نغير سوريا الأسد، سوريا السيئة في كلّ شيء، حتى بفرقها الرياضيّة ومنتخبها الوطني. و"الدعابة" التي تقول بأنّ علينا فصل الرياضة عن السياسة هي مزحة سخيفة لا طعم لها ولا تستحق الوقوف عندها. ربما، لو كنّا قد ولدنا في مكان آخر غير سوريا الأسد كنّا سنفرح بفريق كرة قدم قادم من بلاد تعيش حربًا أهليّة مفتوحة، وربما لو ولدنا في زمان ما غير هذا الزمان لفرحنا بهذا الفريق. لكنّنا نعيش الآن، في الوقت الحالي، ونرى ما آلت إليه سوريا وكيف يصنع نظام الأسد من أي فوز، ولو كان في مباراة كرة قدم، نصرًا له، يساعده في طغيانه وجبروته، دون أن ننسى أنّ هذا النظام يقتل ويهجر ويعتقل ويعذب السوريين الذي يلعب من أجلهم منتخب كرة القدم هذا.
لماذا لا نشجع منتخب سوريا؟ لأنّ هذا المنتخب لا يمثل سوريا التي نرنو إليها، بل يمثل بلادًا تشبه بشار الأسد والخراب الذي خلفه لنا: لاعبون يشكرون بشار الأسد بعد المباريات.
لا نقبل أن يلعب اليوم لاعبون باسم سوريا في الوقت الذي قُتل فيه لاعبون ورياضيون آخرون تحت التعذيب في أفرع الأمن السوريّة.
ربما، لو كنّا قد ولدنا في مكان آخر غير سوريا الأسد كنّا سنفرح بفريق كرة قدم قادم من بلاد تعيش حربًا أهليّة مفتوحة، وربما لو ولدنا في زمان ما غير هذا الزمان لفرحنا بهذا الفريق.
وإن لم يوجد في هذا الوطن شيء يجمعنا، لا مواطنة ولا مؤسسات ولا حريات ولا دستور ولا قوانين ولا أخلاق ولا كرامة ولا حقوق إنسان، فلن تجمعنا كرة القدم ولن يجمعنا فريق يشكر بشار الأسد كلما سجل هدفًا.كان يمكننا أن نكون مثل المصريين مثلًا، نشجع لمنتخب المصري سواء كنّا من محبي السيسي أو معارضيه، لأنّ لاعبي هذا المنتخب لا يقولون إنّ السيسي هو بطل العالم وأنّ فوزهم هو مكرمة منه. كان من الممكن أن نكون مثل سكان ساحل العاج حين أوقف لاعبو منتخبهم حربًا أهليّة. لكن لاعبو المنتخب السوري لا يفعلون ذلك بل يقولون بعد كلّ مباراة إنّهم يلعبون من أجل نصر سوريا الأسد على سوريا التي نحلم بها، يقولون إنّهم يلعبون من أجل بشار الأسد، وها بعض أمثلة مما قاله أولئك اللاعبون في أوقات مختلفة: قال حارس المرمى إبراهيم عالمة في فيديو موجود على موقع يوتيوب: "تحياتي إلى أركان الإيمان، جيشنا العقائدي الأبي، الله محي سواعدكم وألف مبروك هذا النصر الكبير لسوريا كلها ولشعبها ولقائدنا الكبير والعظيم، اللي أنا دائمًا بقولها وبلقبه لإله زعيم العرب…". قال فراس الخطيب كابتن منتخب سوريا، الذي لم يشارك في كأس آسيا الجارية حاليًا لأسباب مختلفة، بعد لقاء بشار الأسد مع لاعبي المنتخب: "دعم سيادة الرئيس... مجرد إنه متابعك وشايفك ومراقبك هادا تكريم إلنا، وتكريم لجميع اللاعبين، والحمد لله حسينا بقيمة عملنا، أو بقيمة الشي اللي قدمناه اليوم بهاد التكريم". قال عمر السومة بعد أن سأله مذيع قناة سما الموالية لبشار الأسد عن ربط الهدف الذي سجله آنذاك بانتصار الجيش السوري في دير الزور: "...إن شاء الله نكون عند حسن ظن القيادة الرياضيّة وبالمناسبة أحب أشكر سيادة الرئيس بشار الأسد لدعمه للرياضة والرياضيين وهذا الشي مو غريب عليه…" والأمثلة عن ذلك كثيرة وكثيرة جدًا. هذا منتخب سوريا الأسد وليس منتخب سوريا. هذا المنتخب يلعب من أجل بشار الأسد ومن أجل الجيش والمؤيدين والشبيحة وليس من أجل اللاجئين الذين غرقوا في المخيمات ولا من أجل من غرقوا بالبحر ولا من أجل من ماتوا تحت أيدي عناصر الأمن في أقبية المخابرات والجيش ولا من أجل من ماتوا بفعل صواريخ وبراميل جيش بشار الأسد. هذا منتخب لا يجمعنا معه شيء ولا تربطنا به رابطة. وإن لم يوجد في هذا الوطن شيء يجمعنا، لا مواطنة ولا مؤسسات ولا حريات ولا دستور ولا قوانين ولا أخلاق ولا كرامة ولا حقوق إنسان، فلن تجمعنا كرة القدم ولن يجمعنا فريق يشكر بشار الأسد كلما سجل هدفًا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يوممقال أكثر من رائع. قمة الإبداع والرقي. شكرا.
Salim Abdali -
منذ يوميناتابع يومياتك الأليمة، وشكرا يا شاعر لنقلك هذه الصور التي رغم الالام التي تحملها، الا انها شهادات تفضح غياب الضمير الانساني!
مستخدم مجهول -
منذ يومينماذا لو أن النبي بداية منذ أواخر سنواته الشريفات وحتى اليوم كان محروماً من حقوقه في أمته مثلما أن المرأة قد حرمت حقوقها وأكثر؟ وأنه قد تم إيداعه "معنوياً" في غرفة مقفلة وأن كل من تصدر باسمه نشر فكره الخاص باسمه بداية من أول يوم مات فيه النبي محمد؟ إن سبب عدم وجود أجوبة هو انحصار الرؤية في تاريخ ومذهب أو بالأحرى "تدين" واحد. توسيع الرؤيا يقع بالعين على مظلومية محمد النبي والانسان الحقيقي ومشروعه الانساني. وجعل القرءان الدستور الذي يرد اليه كل شيء والاطلاع إلى سيرة أهل البيت بدون المزايدات ولا التنقصات والتحيزات يرتفع بالانسان من ضحالة القوقعة المذهبية إلى جعل الإنسان يضع الكون كاملاً والخليقة أمام عينيه ولا يجعله يعشق التحكم في الآخر.
إن وصف القرءان للنساء بأنهم نساء منذ طفولتهن بعكس الرجال الذين هم بنين ثم يصيرون رجالاً هو وصف بأن المرأة منذ الصغر تولد أقرب بكثير للتقوى الذي هو النضج وكف العدوان بينما للرجل رحلة طويلة في سبيل التقوى التي هي كف العدوان وليس فقط تدوير المسبحات في الأيدي.
مشروع محمد لم يكتمل لأن "رفاقه" نظروا له على أنه ملك ويجب وراثته والتعامل مع تراثه كملك. أما الذين فهموا مشروعه وكانوا أبواب المشروع الانساني فقد تم قتلهم وتشريدهم وفي أحسن الاحوال عزلهم السياسي والثقافي حتى قال الإمام علي أنه يرى تراثه نهباً أي منهوب.
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياماوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ 5 أياممبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ 6 أياملقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي