شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"التبوريدة" المغربية و"الفجري" البحريني و"الناعور" العراقي… إسهامات عربية في التراث الإنساني للبشرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 16 ديسمبر 202101:14 م

تُثري الحضارة العربية التراث الثقافي والإنساني للبشرية بأعداد لا تحصى من الفنون والعادات والحرف التي يضفي تسجيل البعض منها ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والفنون (اليونسكو) طابعاً واهتماماً عالميين ويمنحها حماية إضافية ضد الاندثار أو السطو الثقافي.

بالتزامن مع انعقاد الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي، بين 13 و18 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عبر الإنترنت، أدرجت اليونسكو مجموعة من الفنون والحرف التراثية العربية ضمن قائمتها للتراث الإنساني الثقافي غير المادي.

الخط العربي

أُدرج "الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات" ضمن قائمة التراث غير المادي للبشرية في 2021 لصالح 16 دولة عربية هي: السعودية والجزائر والبحرين ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان وموريتانيا والمغرب وسلطنة عمان وفلسطين والسودان وتونس والإمارات واليمن.

تحدد اليونسكو الخط العربي على أنه "الممارسة الفنية لكتابة الخط العربي بطريقة سلسة تجمع بين الانسجام والزخرفة والجمال".

وبينما كان الغرض من الكتابة بالخط العربي في الأساس جعل الكتابة واضحة ومقروءة، استحال تدريجياً فناً عربياً إسلامياً في الأعمال الكتابية التقليدية والحديثة على السواء. وتتعدد أشكال الخط العربي موفرةً إمكانات غير محدودة للمبدعين، حتى الكلمة الواحدة يمكن رسمها بأكثر من طريقة.

وينتشر الخط العربي في الدول العربية وغير العربية - وفق اليونسكو - ويمارسه الرجال والنساء من جميع الأعمار.

الخط العربي والتبوريدة المغربية وفن الفجري البحريني والقدود الحلبية السورية والتطريز الفلسطيني والناعور العراقي… اليونسكو تدرج مجموعة من الفنون والحرف العربية ضمن قائمتها للتراث الإنساني الثقافي #اعرف_تراثك

"الناعور" العراقي

في ظل المخاوف من اندثارها، ضمّت اليونسكو "المهارات والفنون الحرفية التقليدية لصناعة الناعور" إلى قائمة التراث غير المادي للبشرية، كتراث عراقي أصيل.

و"الناعور" - كما يعرف في سوريا والعراق، أو الساقية كما يُعرف في مصر - هي عجلة خشبية تدور حول محورها وتستخدم لتوصيل المياه من النهر إلي اليابسة، غالباً لري الأراضي الزراعية.

وتُقام النواعير على ضفاف نهر الفرات لتوصيل المياه إلى الحقول المجاورة وهو معروف بانخفاض منسوب مياهه عن الأراضي المحيطة. تتكون عجلة الناعور من 24 عموداً من العصي الخشبية و24 إبريقاً من الفخار تربطها بالمحيط الخارجي للعجلة حبال من سعف النخيل.

قديماً، ارتبط تشغيل الناعور، كما يعرف في العراق وسوريا، أو الساقية كما يعرف في مصر، بعروض احتفالية، بينها الرقص والغناء. وبرغم اعتماد أساليب الري الحديثة، يصر العراقيون على بقاء النواعير جزءاً من تراثهم وذكرياتهم.

ويراوح قطر الناعور بين ثمانية و 12 متراً، وتُثبّت العجلة عمودياً بين قاعدتين حجريتين على مجاري النهر. وحين يدفع التيار العجلة إلى الدوران، تمتلىء الأباريق بالماء من النهر، ثم تصبها في الممرات المائية المؤدية إلى الحقول. في بعض المناطق، يصاحب تشغيل الناعور احتفالات، بينها الرقص والغناء.

وتعد نواعير هيت (غرب العراق) جزءاً مهماً من هوية المدينة، وإن كانت خارج الخدمة بسبب اعتماد طرق الري الحديثة. وساهمت زيادة انخفاض نهر الفرات وإقامة السدود عليه في اندثار الكثير من النواعير التي تبقى بإرادة سكانية فقط لارتباط الأهالي بها. ويرجح باحثون أن النواعير ظهرت أولاً في عهدي الحضارتين السومرية والبابلية.

في الآونة الأخيرة، استخدمت الطاقة الناتجة عن دوران الناعور لتوليد الكهرباء وتشغيل طواحين المياه المستخدمة لطحن الحبوب للحصول على الدقيق. وأصبح الناعور مصدر رزق للكثيرين، بمن فيهم النجارون والحرفيون وصناع الفخار والبناؤون المشاركون في بنائه، وأيضاً المزارعون وأصحاب البساتين.

فن الفجري البحريني

"الفجري" هو أحد ألوان الفنون الرائجة في الخليج العربي، وهو عرض غنائي يُحيي ذكرى الغوص لاستخراج اللؤلؤ في البحرين. يعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر إذ كان يؤديه تقليدياً الغواصون الباحثون عن اللؤلؤ للتعبير عن الصعاب التي يواجهونها في البحر.

خلال "لفجري" أو "الفجيري"، كما يشتهر أيضاً، يجلس فنانو الأداء في دائرة يغنون ويقرعون الطبول وأواني الفخار، بينما يشغل مركز الدائرة المغني الرئيسي الذي يصدح صوته متناغماً مع قرع الطبول. علماً أن الفجري يؤديه الرجال فقط.

يمارسه الرجال فقط وينتشر في دول الخليج… فن الفجري الذي يُحيي ذكرى رحلات الغوص لاستخراج اللؤلؤ أواخر القرن التاسع عشر يُدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث الإنساني الثقافي للبشرية.

وفق اليونسكو التي سجّلت اللون الغنائي في قائمة التراث غير المادي للبشرية، تعود نشأة الفجيري إلى جزيرة المحرق البحرينية (أقصى شمال المملكة)، حيث شكّل معظم السكان حتى منتصف القرن العشرين جزءاً من مجتمع صيد اللؤلؤ.

إلى ذلك، احتفظ لفجري بقدرته على البقاء إلى اليوم بل وصل إلى جمهور أوسع من خلال العروض في المهرجانات في جميع مناطق البحرين. وبات فناً رائجاً في جميع أنحاء البحرين للتعبير عن العلاقة بين الشعب البحريني والبحر.

التطريز الفلسطيني

الثوب التقليدي الفلسطيني المزركش والمطرّز هو في عداد علامات الثقافة الفلسطينية التي دأبت إسرائيل على محاولة سرقتها ونسبتها إليها بانتظام. 

في خطوة من شأنها حماية هذا التراث الفلسطيني الأصيل، أدرجت اليونسكو "فن التطريز في فلسطين: الممارسات والمهارات والعادات" في قائمة التراث غير المادي للبشرية.

وبينما كان فن التطريز مقتصراً في البداية على المناطق الريفية، أصبح رائجاً بقوة الآن في جميع أنحاء فلسطين وبين الفلسطينيين في الشتات. ويطرّز الثوب الفلسطيني النسائي عادةً على الصدر والكمّين، وتتنوع التطريزات بمجموعة كبيرة من الرموز بما في ذلك الطيور والأشجار والزهور.

خطوة من شأنها إجهاض محاولات إسرائيل السطو عليه… فن التطريز الفلسطيني، إرث الجدات للحفيدات، يُسجّل رسمياً في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي للبشرية 

وتعكس ألوان التطريز وتصميمه غالباً هوية المرأة وحالتها الاجتماعية ووضعها الاقتصادي. وعادةً لا يكون التطريز حرفة وإنما هواية وممارسة اجتماعية تتوارثها الأجيال إذ تجتمع نساء العائلة في منزل إحداهن لممارسة التطريز والخياطة، مع بناتهن أو حفيداتهن. أحياناً، يتم تسويق هذه المنتجات.

القدود الحلبية السورية

عقب أقل من شهر على رحيل "ملك القدود الحلبية"، الفنان السوري المخضرم صباح فخري، سجّلت اليونسكو القدود الحلبية ضمن قائمة التراث الإنساني الثقافي للبشرية، وهي التي تعد جزءاً مهماً من ثقافة حلب ويُنظر إليها على أنها رمز للصمود، لا سيما أثناء الحرب.

والقدود الحلبية هي شكل من أشكال الموسيقى التقليدية التي تعتمد على نظم كلمات مختلفة على لحن أغنية شائعة. وقد نشأ هذا اللون الغنائي في حلب قبل قرون. وتُغنى القدود لأغراض دينية وترفيهية، وتختلف الكلمات حسب طبيعة الحدث. وأحياناً، يرتجل المطربون المتمرسون كلماتها، وفق ما يدور حولهم. 

يرافق أداء القدود حالة من النشوة المجتمعية إذ في ذروة التفاعل بين المطرب وجمهوره قد يصل الأمر إلى مرحلة "سكر دون شرب". ويلعب الجمهور وتفاعله دوراً رئيسياً في إلهام المؤدي، من خلال الرقص بالجزء العلوي من الجسم والصراخ. بالرغم من تأثر القدود بالتغيرات الاجتماعية، احتفظت بعناصرها التقليدية وانتقلت من حلب إلى بقية المدن السورية وأصبحت كلماتها أكثر تنوعاً وتعبيراً عن القضايا المجتمعية التي تهم المواطنين.

نشأ في حلب قبل قرون، ويؤدى لأغراض ترفيهية ودينية، ويلعب فيه الجمهور دور الملهم للمغني… القدود الحلبية إلى قائمة اليونسكو للتراث غير المادي للبشرية بعد نحو شهر على رحيل ملكها صباح فخري

واعتبرت وزارة الثقافة السورية، في بيان، أن الحدث "خطوة إضافية لحماية الهوية الوطنية" السورية وصونها، مشددةً على أن "القدود الحلبية مرآة لعمق وأصالة الهوية الفنية السورية".

التبوريدة المغربية

التبوريدة أو الفانتازيا هي عرض مغربي للفروسية يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، وتُحاكى فيه العروض العسكرية بطريقة خيالية. وهو من الطقوس العربية الأمازيغية التي تؤديها النساء والرجال على السواء.

كل عرض تبوريدة تؤديه فرقة من الفرسان والخيول (بين 15 و25). يصطف خلالها الفرسان جنباً إلى جنب، بينما قائد الفرقة في المنتصف. لإعطاء أهمية روحية للحدث، يقوم المشاركون بالوضوء والصلاة الجماعية قبل العرض. 

وتحت إشراف القائد، ينقسم عرض الفرسان والخيول إلى جزئين رئيسيين: الأول هو التحية، ويدخل خلاله الخيّالة إلى المضمار ويؤدون عرضاً بهلوانياً بالأسلحة، ثم يعيدون إلى نقطة البداية. والثاني وهو الانطلاق إلى حيث ينطلق الفرسان مرة أخرى ويطلقون طلقات من بنادقهم.

عروض خيالية تحاكي حروب زمان… التبوريدة تنضم إلى 12 عنصراً تراثياً ثقافياً مغربياً مسجلاً في قائمة اليونسكو للتراث الإنساني الثقافي للبشرية.

ويرتدي الفرسان أزياء تراثية خلال العرض، كالعمامة والملابس المغطاة بالرايات والنعال الشرقية. ويحمل كل فارس نسخة صغيرة من القرآن وسيفاً عربياً تقليدياً. حتى الخيول مجهزة بالطريقة التقليدية. وتمثل عادات وأزياء الفرسان قبيلتهم أو منطقتهم، وهم يتوارثون فن التبوريدة عبر التعلم بالتقليد والملاحظة.

أدرجت اليونسكو التبوريدة المغربية في قائمتها للتراث الإنساني الثقافي لتنضم إلى 12 عنصراً تراثياً ثقافياً مغربياً مسجلاً. في بيان، عقّبت وزارة الشباب والثقافة المغربية بأن ضم التبوريدة للقائمة من شأنه "إبراز الممارسات الثقافية والمهارات والمعارف المرتبطة بالعنصر وتتبع وظائفه الاجتماعية وملامسة أبعاده الرمزية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard