شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أخاف من أن أترك ابنتي مع شقيقي"... عندما تتحول مخاوفنا إلى هوسٍ يخنق أطفالنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 8 ديسمبر 202112:41 م

"عندما أغمض عينيّ، أرى ابنتي باستمرار في هذا الوضع، حتى أن قراءة أي خبرٍ متعلقٍ بالتحرش بالأطفال، أو اغتصابهم، يحرمني من النوم". هذا ما قالته لي صديقتي المقرّبة، قبل فترة، ويبدو أن الأمر لم يعد مقتصراً عليها.

واقع الحياة يؤكد وجود حالات تحرش بالأطفال كثيرة، بل وحالات اغتصابٍ لهم، مما جعل الأهالي يتخوفون باستمرار عليهم من العالم المحيط بهم. ولكن ماذا لو تحوّل هذا الخوف إلى هوسٍ زائدٍ عن الحدّ، يهدد الأطفال أنفسهم، ويجعلهم يعيشون في بيئةٍ متشككةٍ، وغير صحّية؟

المنع من الخروج، ولا للرحلات، والحرمان من اللعب في منزل الجيران، والاستماع بشكلٍ متواصلٍ إلى أغاني التوعية ضد التحرش والاعتداء، مظاهر باتت منتشرةً بين الأهالي بكثرة، ما يطرح تساؤلاتٍ عن خطورة هذا الواقع، وهل ينبغي أن تكون هناك حدود لمخاوفنا؟

ماذا لو تحوّل الخوف من التحرش إلى هوسٍ زائدٍ عن الحدّ، يهدد الأطفال أنفسهم، ويجعلهم يعيشون في بيئةٍ متشككةٍ، وغير صحّية؟

خوف مستمر

تشعر جهاد محمود، وهي سيدة ثلاثينية، وأم لطفلين، بأن مخاوفها وصلت إلى حد تحتاج معه إلى العلاج، كما تقول لرصيف22: "أصبحت أشكك في كل من حولي، حتى أني لم أعد أحبّذ أن أترك ابنتي ذات الأعوام السبعة، لتنام مع والدها في فراشٍ واحدٍ، خوفاً عليها، وبسبب كل ما أسمعه من حوادث ومصائب تحيط بنا. صرت أفكر في أنه لم يعد هناك مستحيل، وكل أمرٍ من الممكن أن يحدث، ولذلك أخاف على ابنتي جداً، وأحذّرها باستمرار من الاقتراب من أحد".

أضافت جهاد، وهي من محافظة الجيزة في مصر: "لا أتعامل مع ابني بالطريقة نفسها، مع أن التحرش يحدث للجنسين، لكن خوفي على ابنتي أكبر. تطاردني الكوابيس باستمرار عن حوادث التحرش، وأتخيلها في هذه المواقف، وأشعر بالفزع، ولذلك أبعدها عن أي شخصٍ أشك في نيته، ولا أسمح بتواجدها في أي مكانٍ من دون علمي، أو من دون أن أكون معها".

بدوره، يرى سعد محمود، وهو أبٌ لطفلةٍ، ومقيم في القاهرة، أن اللوم يقع أولاً وأخيراً على الأهل، إن تعرّض أولادهم أو بناتهم للتحرش، أو الاعتداء. ويقول في لقاء مع رصيف22: "لا يكلّمني أحد عن حرية الطفل، وحياته الخاصة، فهذه العبارات لا تهمني، ولا تشغلني، ولن تساعدني عندما تتعرض ابنتي للتحرش من أي شخص. دخلت في جدالٍ مؤخراً مع والدتها، عندما منعتها من الذهاب في رحلة مدرسية، فلا أعتقد أنها في سن الثماني سنوات، يمكن أن تعتني بنفسها".

ويضيف الرجل ذو الأعوام الثمانية والثلاثين: "إن كنت أخنق طفلتي بخوفي، فهذا بسبب الوضع السيئ الذي نعيشه. لا أسمح لها بالمبيت خارج المنزل، ولو عند عمتها، أو خالتها، أو أحد أعمامها. الشك يحيط بي دائماً، فربما هناك نوايا داخلية لا أعرفها. في رأيي هذا ما يجب علينا جميعاً أن نفعله، من دون تردد".

"أصبحت أشكك في كل من حولي، حتى أني لم أعد أحبّذ أن أترك ابنتي ذات الأعوام السبعة، لتنام مع والدها في فراشٍ واحدٍ، خوفاً عليها، وبسبب كل ما أسمعه من حوادث ومصائب تحيط بنا. صرت أفكر في أنه لم يعد هناك مستحيل، ولذلك أخاف على ابنتي، وأحذّرها من الاقتراب من أحد"

كلّ شيءٍ جائز

"عندما كنت في سنّ صغيرة، تحرّش بي شقيقي، وكان هو حينها في الرابعة عشر من عمره، وكنت أنا أصغره بخمسة أعوام. وعلى الرغم من أنه اعتذر لي بعد ذلك، في جلسة مصارحة، واعترف بأنه كان صغيراً ومراهقاً، ولا يعي ما يفعله، لم أنسَ أبداً الأمر، ولا أثق في أن أتركه مع ابنتي وحدهما"، هذا ما قالته عفاف حسين، وهو اسم مستعار لسيدة أربعينية من محافظة الجيزة، لرصيف22.

وأضافت السيدة في حديثها: "ما الذي يجعلني متأكدةً من أن خالها مثلاً لن يتحرش بها، أو حتى جدّها، أو عمّها، أو أي رجل آخر؟ فكل شيء جائز. أعترف بأنني قد أكون مهووسةً، وأبالغ في مخاوفي، ولكني أظنّ أن هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذها من هذا العالم، حتى لو كانت هي الضحية".

وتهتم عفاف، بشكلٍ خاص، بالأغنيات التي تهدف إلى توعية الأطفال بالتحرش، وتراها مفيدةً ومهمة. "على الرغم من أن ابنتي لم تكن تفهمها في البداية، ولكني شرحت لها كل شيء، وحذّرتها من أن يضع أحد، أياً كان، يده على جسدها. سألت ابنتي عن السبب، وأشك في أنها فهمت ما قلته لها، ولكن المهم بالنسبة إليّ أن تطيعني".

أعترف بأنني قد أكون مهووسةً، وأبالغ في مخاوفي، ولكني أظنّ أن هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذها من هذا العالم.

وعن هذه المخاوف المستمرة، تحدثت المعالجة النفسية شيماء العيسوي، إلى رصيف22، قائلةً: "الحماية الزائدة للأطفال تخلق طفلاً غير سويّ، فيكون انطوائياً لا يستطيع التعامل مع الناس. وحين نتحدث عن التحرش، فإن ما يحكمنا هو الواقع الذي نعيشه. من المهم أن نحمي أطفالنا، ولكن أن نمنع عنهم الأنشطة الأساسية، مثل الذهاب إلى النادي، فهذا ليس حمايةً، إذ يمكن للتحرش أن يحصل حتى داخل المنزل، من الخال، أو العم، أو حتى الجد".

أما بالنسبة إلى الأغاني والكتب التي تعرّف الطفل/ ة على حدود جسده/ ها، فهي مهمة جداً، وصحّية برأي الأخصائية النفسية، التي أضافت شارحةً: "بعكس ما يتصور كثيرون، فإن حياة الطفل الجنسية تبدأ من سن أربع أو خمس سنوات. يظلّ طفلاً، ولكن ينبغي أن يعرف حدود جسده، وهذا صحّي، ويخلق منه عندما يكبر، شخصاً سوياً، يعرف حدوده، وحدود غيره، ويحميه ذلك من الأذى نفسياً، أو جسدياً".

العيسوي استكملت قائلةً: "عدم تعرّف الطفل على أساسيات الحياة الجنسية، أمر غير صحي، ويؤدي إلى عزله، فيصبح شخصاً لا يعرف حقيقة الحياة، ويتيه مع الوقت. هناك كتب تتناسب مع هذه السنّ، ولا يوجد منها أي خطر، وعلى الطفل أن يعرف كل شيء، ويحكي لأهله كل شيء بحرية".

كان زمان

"أصبحت لدينا أزمة أخلاق، ولم يعد المجتمع مثلما كان في الماضي، ولا نستطيع أن نضمن ما يحدث وراء الأبواب المغلقة، وهذا السبب الرئيسي لتغيّرنا، وتخلّينا عن العادات التي كنّا نقوم بها في الماضي، فلا أستطيع حالياً أن أترك ابنتي لتلعب في الشارع، مثلما كنّا نلعب نحن"، هكذا قال خلف سالم (48 سنةً)، من محافظة كفر الشيخ.

أضاف خلف لرصيف22: "ما الذي يجعلني متأكداً من أن ابنتي الصغيرة ذات الأعوام العشرة، ستكون بخيرٍ وهي تلعب مع أصحابها؟ وهل يمكن أن يكون من بينهم واحد متحرش؟ هل يتطفل أحد الجيران ليفعل بها شيئاً سيئاً؟ لم أعد أسمح لها أيضاً بالمبيت عند أيٍّ من جيرانها، ولا أصدقائها. كنا نفعل ذلك ونحن صغار، فكنا نلعب ونتحرك بحرية، ولكن لم يعد هناك أمان، حتى في الريف، مثل أيام زمان. واختفت الطيبة، ولذلك طبيعي أن نخاف ونغيّر من عاداتنا".

الأغاني مهمة، لو كانت هادفةً، وكذلك الثقافة الجنسية في هذه السن، ومن المهم أن يعرف الطفل أن له الحق في أن يقول لا، وأن يرفض تقبيل شخصٍ يلمسه بطريقة مهينة، أو الاقتراب منه. من المفضّل اللجوء إلى الأغنيات التي كلماتها هادئة، ولا تستخدم أسلوب التهويل والتخويف

بكلامٍ مشابهٍ، تحدثت سعيدة إبراهيم (65 سنةً)، من محافظة البحيرة، عن أحفادها: "زوجة ابني تعاني من الخوف الدائم، والهوس بأحفادي، ولا تسمح لابنتها بالخروج من المنزل، واللعب، على الرغم من أن عمرها خمس سنوات. كنت في البداية ألومها وأعاتبها، لأنها تخنق البنت، ولا تجعلها تعيش سنّها، حتى وقعت عندنا حادثة اعتداء على طفلة، وقتلها. من وقتها أخشى خروج أحفادي من البيت، لأي سبب".

أضافت الجدّة: "للأسف لم يعد الأطفال أطفالاً. كنا نصل إلى سن المراهقة، ولا نعرف شيئاً عن التحرش والجنس. الآن تتحدث زوجة ابني مع أولادها عن كل شيء، لتحذّرهم. وللأسف، فإن التكنولوجيا برأيي جعلت بعض الأطفال متحرّشين، لأنها أدخلتهم عالماً غريباً عليهم، في وقت مبكر. أشفق عليهم، وأخاف منهم أيضاً".

أغنيات للتوعية

منال محمود، وهي مدرّسة عشرينية، تحدثت إلى رصيف22، عن استخدام الأغنيات الهادفة لتوعية الأطفال بالتحرش، الذي أصبح وفق تعبيرها، بعبعاً يخيف أيّ أبٍ أو أم.

"في عملي، دائماً ما نشغّل أغنياتٍ تتحدث عن التحرش، لتوعية الأطفال، وأفعل الأمر ذاته مع ابنتي في المنزل، فأجعلها تسمع الأغنيات بشكلٍ مستمر، وأوضح لها المقصود منها، خاصةً أنها في سن الرابعة، ولا تعي كلماتها بشكلٍ جيد".

لكن مع الوقت، أصبح الأمر زائداً عن الحدّ، بالنسبة إلى منال، كما تقول، وملّت من تكرار هذه الأغنيات. "أعتقد أن ما يحدث حولنا من كوارث، هو السبب في ذلك، ولا أستطيع أن أؤكد أن أيّ أمٍّ، أو أب، يحرمون أطفالهم من الخروج في رحلةٍ، أو فسحة، خوفاً عليهم، على خطأ. فماذا لو سمحوا لهم، وحدث شيء خطير؟".

للتخويف أثر عكسي

خبيرة الإرشاد النفسي، الدكتورة سيهار صلاح، قالت لرصيف22: "التوعية مطلوبة، ولكن لا بد من أن تكون على أساسٍ علمي، من دون أن يكون فيها ترهيب، وبشكل هادئٍ حتى يتقبّله الطفل، وعدا عن ذلك، سيكون له أثر سلبي في المستقبل. الخوف الذي يشعر به الأهل، لا بد أن يكون بشكلٍ متّزنٍ وعلمي، وخنق الطفل، أو الحد من حركته، ليسا حلاً، فالاعتدال مطلوب في كل شيء".

دكتورة الصحة النفسية أضافت: "الأغاني مهمة، لو كانت هادفةً، وكذلك الثقافة الجنسية في هذه السن، ومن المهم أن يعرف الطفل أن له الحق في أن يقول لا، وأن يرفض تقبيل شخصٍ يلمسه بطريقة مهينة، أو الاقتراب منه. لا بد أن نوعّي الأطفال بألا يسمحوا لأي شخص بمعانقتهم من الخلف، أو رؤيتهم وهم يستحمّون، وغيرها من الأفكار التي على الأهل تقديمها بصورةٍ محترفةٍ وعلمية، من دون تخويف أولادهم. الأمر نفسه بالنسبة إلى الأغنيات، فمن المفضّل اللجوء إلى تلك الأغنيات التي كلماتها هادئة، والتي لا تستخدم أسلوب التهويل، والتخويف، فهذا مرفوض، وله أثر عكسي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image