على الرغم من انقضاء أكثر من شهرين على بداية العام الدراسي في مصر، إلا أن مناهج الصفّ الرابع الابتدائي، التي شهدت هذه السنة تغييراتٍ كبيرةً، لا تزال مثار حديث الأهالي والمعلّمين، لما تحتويه من قضايا تشغل المجتمع المصري، مثل التنمّر والتحرش وغيرها، ولا زالت بعض الدروس التي تتضمنها مواد عدة، تثير ضجةً في الشارع المصري، خاصةً مع دخول التلاميذ مرحلة الامتحانات.
يتكوّن المنهج الجديد للصف الرابع الابتدائي، من مواد عدة هي اللغة العربية، والعلوم، والدراسات الاجتماعية، والقيم واحترام الآخر، واللغة الإنكليزية، والرياضيات، والتربية الدينية، والتربية الفنية، والتربية الموسيقية، وتكنولوجيا المعلومات، وأنشطة "التوكاتسو" التي تركّز على التفاعل مع الحياة اليومية والتنمية الذاتية.
السمة الأبرز والغالبة على كتاب القيم والأخلاق، هى دروس الحب: كيف يحبّ الطفل أصدقاءه، وعمله، وكيف يتقرّب من أسرته، وكيف لا يجرح شخصاً بكلمة، بالإضافة إلى الحديث عن الإنسانية، وتأتي الدروس فى هذا المنهج تحت اسم "دوائر الحب".
لا تزال مناهج الصفّ الرابع الابتدائي الجديدة في مصر مثار حديث الأهالي والمعلّمين، لما تحتويه من قضايا تشغل المجتمع، مثل التنمّر والتحرش.
أما منهج تكنولوجيا المعلومات، فهو الأحدث على الإطلاق، ويناقش بكل وضوحٍ قضايا مثل التنمّر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. مثلاً، نقرأ في الدرس التعريفي عن التنمّر: "هو تصرّف أحد الأشخاص بطريقةٍ سيئةٍ تجاه شخص آخر، وبشكلٍ متكرر. ويمكن للتنمّر عبر شبكة الإنترنت أن يتضمن منشوراتٍ، أو رسائل مؤذيةً لك وحدك، أو للآخرين، ومن الصعب الهروب من هذا النوع من التنمّر، وهو يبعث لديك شعوراً بأنك محاصَر".
وينصح النهج الطلاب/ الطالبات بعدم التواصل مع أشخاصٍ مجهولين عبر مواقع التواصل، وفي حال وصول رسالةٍ مؤذيةٍ، أو سيئة، عليهم/ ن الرجوع إلى أحد أولياء الأمور على الفور.
ولم يغفل المنهج عن ذكر قضية التحرش، وتوعية الطلاب بها، فهى من ضمن القضايا الشائكة في مصر، ومطروحة دائماً أمام البرلمان المصري، لذلك قرّر واضعو المنهج تقديم توعيةٍ إلى كل طالبٍ وطالبةٍ، بخصوصية الجسد. مثلاً، نقرأ في أحد الدروس: "جسد كلٍّ منكم مميز، وله خصوصية. أنتم تشعرون بالأمان عندما نحضنكم، ونرفعكم عالياً في الهواء، فتضحكون من قلوبكم. هذه لمسات طيّبة تُشعر أجسادكم بالارتياح، وعدم الخوف. أما اللمسة التي تجعلكم تشعرون بعدم الارتياح، أو بوجود شيءٍ خطأ، فعليكم أن تخبروا بها أولياء أموركم".
وكان لهذا الدرس الذي قدّم توعيةً بسيطةً وواضحةً للطلاب، تأثير كبير، وعلّقت حينها عضوة اللجنة التنفيذية لوحدة مناهضة العنف ضد المرأة، ومؤسسة حملة حماية لتوعية الطفل بخطر التحرش، إيمان عزت، مؤكدةً أن "الحلم تحقق للمرة الأولى في تاريخ وزارة التربية والتعليم، بدمج قضية التحرش، والتوعية بها في مناهج الأطفال، بعد المطالبة بها من العديد من المؤسسات الخاصة بحقوق الأطفال".
بالإضافة إلى ذلك، يتناول المنهج مجموعةً من المبادرات والحملات الحكومية، مثل حملة "100 مليون صحة"، التي تستهدف الكشف المبكر عن بعض الأمراض، كالالتهاب الكبدي الوبائي، وحملة "حياة كريمة" التي تهدف إلى توفير المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والأنشطة الرياضية والثقافية في المجتمعات المصرية الأكثر حاجة. ويهدف ذلك كله إلى تعريف الطلاب بهذه الحملات، وأهدافها، وفوائدها المرجوّة.
"تخلق أطفالاً أسوياء"
اتّفق معلمون، وأولياء أمورٍ، وخبراء عديدون في مصر، مع هذا المنهج الجديد. تقول خبيرة المناهج، والمشاركة في وضع كتب الدراسات الاجتماعية المذكورة، إيلاريا عاطف، إن مناهج الصف الرابع الابتدائي خرجت بمعايير عالمية، لما تناقشه من معلوماتٍ حياتيةٍ يجب على الطفل معرفتها.
وأضافت في حديثها إلى رصيف22: "مناهج الصف الرابع هي حلقة من حلقات التطوير التي بدأتها مصر منذ عام 2018، بمناهج مرحلة رياض الأطفال، واستمرّ التطوير حتى وصلنا إلى الصف الرابع. تشجّع هذه المناهج التلميذ على البحث، وتساعده على اكتشاف موهبته، وتنميتها. قد تبدو للوهلة الأولى كبيرةً ومعقدة، وهذا طبيعي لأننا نقارنها بمناهج وُضعت عام 2008، لكن لا مجال للمقارنة، فطفل اليوم ليس طفل الأمس".
وأشارت إيلاريا إلى أن الكتاب المدرسي أصبح الآن، وللمرة الأولى، يغني المعلّم وولي الأمر عن الكتاب الخارجي: "هذا الكتاب اليوم هو عبارة عن مجلة علمية تحتوي على المعارف والمهارات والقيم الحياتية المطلوبة لطفل هذه المرحلة. هي مناهج خرجت بالطفل من حيّز الحفظ والاستذكار، إلى الفهم والتفسير والتحليل والتطبيق، فهي لم توضع لقياس المعارف فحسب، بل أيضاً لاكتشاف ميول الطفل المصري، واهتماماته، وتنميتها".
كثيرات من الأمهات، كنوعٍ من الاستحياء، يرفضون الحديث عن التحرش مع أولادهم، لذلك كان المنهج أجرأ منهن في تقديم التوعية للطفل، حتى يستوعب ما هو التحرش، وما هي أخطاره وأضراره، وكيف يحمي نفسه
وختمت حديثها بالإشارة إلى أن مثل هذه المناهج تخلق أطفالاً أسوياء، بمحاولة التقليل من ظاهرتي التنمّر والتحرش في المجتمع المصري، والسعي إلى أن يصبح مجتمعاً قائماً على المودّة والإنسانية.
تتفق معها مؤسِسة "اتحاد أمهات مصر"، عبير أحمد، وتقول في حديثها إلى رصيف22: "على أولياء الأمور ترك أبنائهم يتعايشون مع المنهج الجديد، ونحن اليوم في حاجةٍ حقيقيةٍ إلى الحديث عن التنمّر والتحرش، فكل يومٍ نسمع عن قضية تنمّر جديدة فى مدرسة ما، ولعلّ هذا المنهج يقلّل منها، إذ إن كثيرات من الأمهات، كنوعٍ من الاستحياء، يرفضون الحديث عن التحرش مع أولادهم، لذلك كان المنهج أجرأ منهن في تقديم التوعية للطفل، حتى يستوعب ما هو التحرش، وما هي أخطاره وأضراره، وكيف يحمي نفسه".
وتشدد المتحدثة على أهمية نشر فيديوهات توضيحية تبسّط المناهج، حتى يستطيع أولياء أمور الطلاب استيعابها بسهولةٍ، وكذلك تدريب جميع المعلمين على طرق شرحها بشكلٍ مبسّط للطلاب داخل الفصول، وهو بالفعل ما بدأته وزارة التربية من خلال منصّتها الإلكترونية التي تقدّم شرحاً للدروس يساعد الطلاب على الفهم، ويغنيهم عن الدروس الخصوصية.
"يحتاج إلى وقت"
لكن، لم تكن الأمور كلها على ما يرام، فهذه المناهج جديدة على المجتمع المصري، وهو ما تؤكده معلمة في الصف الرابع الابتدائي تدرّس مادة الدراسات الاجتماعية، إذ أشارت إلى أهمية المنهج، الذي من عقباته الأساسية عدم تدريب المعلمين عليه.
ما فائدة أن يكون المنهج رائعاً، وعن القضايا الحياتية، لكن التنفيذ على أرض الواقع دون المطلوب؟
تقول جيهان نعيم (35 عاماً)، وهي تعمل في مجال التدريس في مدرسةٍ خاصة منذ أكثر من سبع سنوات: "التطوير ممتاز ومطلوب، والمنهج فيه معلومات كثيرة حياتية يحتاج إليها الطلاب، لكن من سلبياته أن المحتوى أكبر من الوقت المحدد له، ويحتاج إلى وقتٍ طويلٍ في تدريسه ومراجعته، كما أن الكتب تفتقد التدريبات، لذلك يلجأ أولياء الأمور إلى الكتب الخارجية، لأنها غنية بالامتحانات والمراجعات، في ظل تأخّر وصول الكتب المدرسية إلى المدارس، وأيضاً لم يكن التدريب للمعلّمين على المنهج كافياً. نحن اعتدنا، لأعوامٍ طويلة، على المناهج القديمة، لذلك يحتاج المعلم إلى تدريبٍ، قبل الطالب، حتى يقدر على إيصال المعلومة بطريقةٍ صحيحة".
وتشير إلى أن أبرز المشكلات التى واجهتها، هي أن الكثير من الطلاب لا يجيدون القراءة والكتابة، نتيجة مكوثهم في المنزل، خلال العام الماضي، بسبب جائحة كورونا. "الطلاب يتجاوبون شفهياً مع المنهج، ولكنهم غير قادرين على التطبيق".
تذهب أستاذة المناهج والعلوم التربوية في جامعة عين شمس، محبات أبو عميرة، أبعد من ذلك، إذ ترى أن هذا المنهج ليس لعمر طالبٍ في الرابع الابتدائي، واصفةً إياه بأنه "ثقيل" على الطلاب في هذه المرحلة العمرية، فكتاب الرياضيات مثلاً يصل حجمه إلى 300 صفحة.
"الأزمة الكبرى أيضاً أن الطالب المصري يظلّ ثلاث سنوات من دون أي امتحانات، أو تقييم، من الصف الأول حتى الثالث الابتدائي، ليتفاجأ بعد ذلك بامتحانات صعبة في الرابع الابتدائي"، تضيف في حديثها إلى رصيف22.
وتتفق مع جيهان في مشكلة عدم تدريب المعلمين، وهي برأيها جزء أساسي من أزمة المنهج الجديد، فالمعلمون غير مدرّبين عليه، وإن وُجد معلمون مدرَّبون، فعددهم قليل نسبةً إلى عدد الطلاب، وهذا يدفع بعض المعلّمين للهروب من تقديم الشرح المطلوب، ما يجبر الطلاب وأولياء أمورهم على الاتجاه نحو الدروس الخصوصية. "ما فائدة أن يكون المنهج رائعاً، وعن القضايا الحياتية، لكن التنفيذ على أرض الواقع دون المطلوب؟".
"استفدت منه أنا أيضاً"
ترى رفاء محمد (33 عاماً)، وهي أمٌّ لطفلٍ في الرابع الابتدائي، أن محتوى المنهج مفيد جداً، وفيه معلومات تفيد الطلاب، وأولياء الأمور أيضاً، إذ يستفيدون حين يذاكرون لأولادهم.
من سلبيات المنهج الجديد أن المحتوى أكبر من الوقت المحدد له، ويحتاج إلى وقتٍ طويلٍ في تدريسه ومراجعته، كما أن الكتب تفتقد التدريبات، لذلك يلجأ أولياء الأمور إلى الكتب الخارجية، لأنها غنية بالامتحانات والمراجعات، في ظل تأخّر وصول الكتب المدرسية إلى المدارس
وتضيف أن كثيرات من الأمهات المصريات يخجلن من الحديث مع أولادهن عن التحرش، وفقاً لما تربّى عليه المجتمع المصري، "فالكلام في الحاجات ده عيب"، لذلك ترى أنه آن الأوان لأن يعرف الطلاب، والصغار تحديداً، خطورة التحرش، وكيف يتصرفون في هذه المواقف، للتقليل من الحوادث البشعة التي يتعرّض لها الأطفال، من تحرشٍ واغتصاب.
وتشير إلى أن سلبيات المنهج الجديد تكمن في الكم الكبير، لذلك ينسى الطلاب المعلومات التي يتلقّونها، بسبب الكم، "إذا كان هذا المحتوى موجوداً، ولكن بكمية قليلة، فأعتقد بأنه سيكون أفضل بكثير".
بدورها، تقول سهام محمود، وهي أيضاً والدة طالبٍ في الصف الرابع الابتدائي، إن المناهج المصرية ظلّت سنواتٍ عديدةً، قائمةً على الحشو والحفظ، ومن الصعب التأقلم مع الفهم مرةً واحدة، لذلك جاء هذا المنهج بمثابة صدمة لعدد من أولياء الأمور.
أضافت السيدة، في حديثها إلى رصيف22، أن الموضوعات الحياتية فى المنهج، مثل التنمّر والتحرش، وكيف يحب الطالب نفسه، هي موضوعات هادفة، وكان الطلاب المصريون في حاجة إليها، بل إن المجتمع المصري بأكمله في حاجة إلى التوعية بهذه القضايا. "صحيح أننا نُرهق الآن في أثناء التحضير للامتحانات، ويستغرق الأمر وقتاً طويلاً، لكن في النهاية المحتوى يستحق".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...