"وُلدت ميتةً" لكنها قد تؤدّي إلى "انشطار السودان"... ماذا بعد تشكيل "الحكومة الموازية"؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 31 يوليو 202514 دقيقة للقراءة

في تطوّر يمسّ كيان الدولة السودانية، أعلن "تحالف السودان التأسيسي" تشكيل حكومة موازية في مدينة نيالا، جنوبي دارفور، برئاسة قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في خطوة أثارت ردود فعلٍ متباينةً، ومخاوف عميقةً من أن تشكّل تهديداً مباشراً لوحدة السودان وسيادته واستقراره.

وعلى وقع تكرار: "سودان جديد يتقدّم، سودان قديم يتحطّم"، نشر التحالف عبر حسابه في فيسبوك، كلمة ناظر عموم قبيلة الفلاتة، محمد الفاتح، خلال "المسيرة والاحتفالات" بـ"الدولة الجديدة".

ففي ظل حرب طاحنة تمزّق البلاد منذ أكثر من عامين، اختار التحالف -الذي تُشكّل قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة عبدالعزيز الحلو، القوّتين العسكريتين الرئيسيتين فيه- أن يضيف تحدّياً جديداً، محاولاً فرض واقع سياسي بقوة السلاح، وسط تحذيرات من أنّ هذا الإعلان يكرّس وجود سلطتين متنازعتين على أرض السودان، ويفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الفوضى والانقسام والانهيار الكامل للمؤسسات.

بين من يقول إنها "وُلدت ميتةً" ويعدّها "خطأ إستراتيجياً كبيراً" للدعم السريع، ومن يحذّر من أن تؤدّي إلى "انشطار الدولة السودانية"... قراءة في توقيت إعلان "حكومة السلام الانتقالية" الموازية في السوادن، وفرص تكرار السيناريو الليبي أو اليمني أو الصومالي في البلاد

من الجامعة العربية إلى الاتحاد الإفريقي، مروراً بقوى مدنية محلية، تباينت ردود الأفعال بين الرفض والتحذير من إعلان تشكيل حكومة موازية، وذهبت الغالبية إلى أنها محاولة قد تؤدّي إلى تعميق الانقسام وتعقيد فرص الحلّ السياسي.

ملامح الحكومة الموازية

مطلع هذا الأسبوع، أعلن تحالف "تأسيس"، تشكيل حكومة تتكون من "مجلس رئاسي" يضمّ 15 عضواً، يتولّى حميدتي رئاسته، ويشغل فيه عبد العزيز الحلو منصب نائب الرئيس. كما أُسندت رئاسة "الحكومة" الجديدة، التي سُمّيت بـ"حكومة السلام الانتقالية"، إلى عضو مجلس السيادة السابق، محمد الحسن التعايشي. ووفقاً لقرارات "المجلس الرئاسي"، ستتولّى هذه الحكومة إدارة شؤون البلاد، ولا سيّما في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وعلى وجه الخصوص ولايات دارفور. 

وبموجب "الخطة الجديدة"، قُسّم السودان إلى ثمانية أقاليم، تشمل: الإقليم الشمالي، والإقليم الشرقي، والإقليم الأوسط، وإقليم دارفور، وإقليم كردفان، وجنوب كردفان/ جبال النوبة، وإقليم الفونج، وإقليم الخرطوم.

"تمرير أجندة إقليمية"

وفي ردّ سريع على الإعلان، اعتبر المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني، نبيل عبد الله، أنّ تشكيل الحكومة الموازية "محاولة خداع" للمشروع الحقيقي لقادة الدعم السريع المتمثّل في "الاستيلاء على السلطة لتحقيق طموحهم الذاتي".

ووصف عبد الله، في بيان، مشروع قوات الدعم السريع بـ"العنصري"، مشدّداً على أنهم "يلعبون بكل الأوراق الممكنة بما فيها قبولهم أن يكونوا مجرد أداة لتمرير أجندة إقليمية أكبر من استيعابهم المحدود".

وعلى صعيد القوى السياسية المدنية، قال التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، إنه‎ لا شرعية لأي سلطة حالياً في السودان، وإنّ إيقاف الحرب وإغاثة الناس هما الأولوية القصوى.

وحذّر التحالف، في بيان له، من خطورة الحرب المستمرة في السودان منذ 15 نيسان/ أبريل 2023، ووصفها بأنها تهديد وجودي غير مسبوق يمزّق البلاد ويمهّد لتقسيمها. 

وذكّر بأنّ مشروع تفتيت السودان ليس جديداً، إنما "هو مشروع قديم لعب فيه نظام الحركة الإسلامية الإرهابي عبر مشروعه الفاشي الأحادي دوراً رئيسياً بإنكاره تعدد وتنوع البلاد مما قاد لتقسيمها إلى بلدين، وللإبادة الجماعية في دارفور، ووضع بذور مزيد من التفتيت نشهدها عبر الحرب الجارية الآن"، والتي برأيه "مزّقت نسيج البلاد الاجتماعي ونشرت خطابات الكراهية والعنصرية".

إلى ذلك، رحب "صمود" بإطلاق عملية سياسية تعالج جذور الأزمة دون مكافأة النظام السابق، مؤكداً أنّ استمرار الحرب يهدّد بتحويل السودان إلى بؤرة للفوضى والإرهاب، بما ينعكس سلباً على أمن المنطقة بأسرها.

جدل "الشرعية"

في غضون ذلك، يقول الأكاديمي والخبير في شؤون القرن الإفريقي، حسن مكي، إن إعلان تشكيل هذه الحكومة من الأخطاء الإستراتيجية القاتلة، وإنها ردّ فعل على صراع داخلي على المدى الطويل، وستظل عالقةً في الذاكرة الجماعية السودانية، بل سوف يتحوّل هذا الخطأ إلى خطيئة كبرى عليها إجماع حتى من "الصفّ العاقل" الموالي للدعم السريع.

ويضيف لرصيف22: "يدخل الدعم السريع عامه الثالث بخطأ إستراتيجي قاتل بتشكيل حكومة منفى على غرار ما حدث في الصومال واليمن وليبيا".

في المقابل، يرى المحامي والأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، أنّ الهدف الأساسي من تشكيل هذه الحكومة هو الضغط على حكومة الأمر الواقع في بورتسودان -التي يرأسها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان- لتستجيب لـ"نداء التفاوض".

كما يشير، في حديثه إلى رصيف22، إلى تأكيده السابق بأنّ المنتصر في الحرب الدائرة حالياً في السودان مهزوم، وأنّ هذه الحرب قد تستمر لسنوات لأنها ضمّت حواضن اجتماعيةً وأقاليم، وأنّ البلاد الآن تشهد اصطفافاً قبلياً وإثنياً يُطيل أمد هذه الحرب.

يشرح عمر: "هدف تشكيل الحكومة هو ممارسة الضغط وإخراج الكروت الحمراء في وجه الواقع السياسي. لا أعتقد أنّ ذلك في وجه البرهان أو حكومة الأمر الواقع، لأنّ هذا ليست له قيمة كبيرة. لكن هذه الحكومة أحدثت هزّةً في الضمير الوطني ولا يمكن لأي شخص تقبّل هذه المسألة ببرودة أعصاب إلا إذا كانت نواياه عنصريةً أو انفصاليةً".

ولا يستبعد عمر، أن تساهم هذه الخطوة في أن يخرج الخطاب السائد حالياً من كونه خطاباً عسكرياً إلى خطاب سياسي، بعد الوصول إلى هذه الحالة المزرية بسبب هذه الحرب، ويقصد بذلك تشكيل حكومة يمكن أن تؤدّي إلى حدوث انفصال أو انشطار للدولة السودانية.

"نحن بدورنا، كقوى سياسية، لا يمكن أن ننفعل بشكل غاضب لتمزيق البلاد، أو نذهب في اتجاه تأييد الحكومتين لأنهما تفتقدان الشرعية، ومهما كتبتا من دساتير، لا يمكن وضعهما في القالب الشرعي لأن قادتهما أشعلا الحرب. صحيح أنّ هناك عاملاً أساسياً -من تضرروا من الثورة- لكن الطرفين ارتكبا فظائع وجرائم في حق الشعب السودان".

مسار سياسي سلمي؟

بدوره، يذهب مستشار القائد العام لقوات الدعم السريع، إبراهيم مخيّر، في حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ تشكيل حكومة "تحالف تأسيس" جاء لملء الفراغ الإداري والسياسي الذي خلّفه "انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر"، وأنّ الخطوة تمثّل "محاولةً جدّيةً لتحويل الصراع المسلّح إلى مسار سياسي سلمي من خلال توسيع قاعدة المشاركة في صناعة القرار الوطني".

أما الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني والقيادي في تحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، شريف محمد عثمان، فيلخّص ما يحدث بأنه "صراع على الشرعية، وتسابق محموم -بين طرفَي الحرب- حول من يملكها".

"ملامح هذا الصراع بدت واضحةً منذ العام الأول للحرب؛ سلطة بورتسودان تسعى إلى تثبيت 'شرعيتها' عبر وثيقة دستورية ممزقة، وتحالف تأسيس دخل هذا السباق بالدافع نفسه"، يقول لرصيف22.

نماذج مشابهة

يثير إعلان تشكيل حكومة موازية عبر "تحالف تأسيس" في مدينة نيالا، بالتوازي مع الحكومة القائمة في بورتسودان بواسطة الجيش والقوى المساندة له، مخاوف متزايدةً من انزلاق السودان نحو سيناريوهات شبيهة بالنموذج الليبي أو الصومالي، حيث قادت الانقسامات السياسية والمناطقية إلى تعدّد مراكز السلطة وانهيار مؤسسات الدولة. 

ويستبعد المحامي والأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، عمر، تكرار النموذج الليبي في السودان، لأنّ السودانيين جميعاً بمن فيهم الموالين والخاضعين لسيطرة قوات الدعم السريع يرون مستقبلهم في وحدة البلاد، ولن يقبلوا بالانفصال.

كما يؤكد لرصيف22، أنّ الواقع السياسي في السودان لن يقبل النموذج الليبي، ولا سيّما أنّ السودانيين عرفوا الثورات السياسة وتشبّعوا بها. لكنه يستدرك بأن الأوضاع يمكن أن تتعقّد حال حدوث اعتراف بهذه الحكومة من قِبل بعض الدول، لأن البعد الدولي مهم وهناك حواضن اجتماعية وقبلية تعمل من أجل ذلك وتصنّف حكومة بورتسودان على أنها سيئة، بما قد يساهم في تعقيد المشهد.

يستبعد مكي تكرار النموذج الليبي أو اليمني وكذا السيناريو الصومالي في السودان، بسبب اختلاف البيئة والعوامل المساعدة وافتقار حكومة الدعم السريع الموازية إلى الشروط الموضوعية التي تقوم عليها حكومة متجانسة. لكن خبراء ومحللين آخرين يرون أن الاحتمالات "مفتوحة على كافة السيناريوهات" بعدما وصل إليه وضع البلاد

"هناك اختلاف بين البيئة التي تشكّلت فيها حكومة صومالي لاند -الإقليم الصومالي الانفصالي- التي كانت منذ البدء تريد دولةً في شمال الصومال عاصمتها هرجيسا"؛ هذا ما يراه الخبير في شؤون القرن الإفريقي، مكي.

ويشرح أنّ هناك عوامل مكّنت صومالي لاند من الاستمرارية كإقليم شبه مستقل مثل أنها تطلّ على البحر بالإضافة إلى وجود قاعدة عسكرية فيها وتمتّعها بمنطقة برية عامرة بالغابات، وإلى دعم إثيوبيا المجاورة لها، وفوق كل ذلك التجانس القبلي.

أما بالمقارنة مع النموذج اليمني، والحديث لا يزال لمكي، فإنّ حكومة الحوثي لها تاريخ طويل في حكم البلاد يمتد لقرابة 400 عام، والحوثيون خلال الحرب اليمنية الأولى (التي بدأت عام 2004)، وجدوا دعماً من الحكومة السعودية، وكثير من السلاح الذي لديهم الآن موروث من تلك الحقبة.

فضلاً عن استبعاده تكرار السيناريو الصومالي والسيناريو اليمني في السودان، يرى مكي أنّ ليبيا وضعها مختلف عن السودان لأنّ لكلّ من مجموعة بنغازي ومجموعة طرابلس حيثياتها، ولأنّ في بنغازي يوجد النفط وإرث الملك السنوسي والكثافة السكانية العالية في تلك المنطقة.

ويذهب مكي إلى أنّ هذه الحيثيات لا توجد في دارفور بولاياتها الخمس، وأنّ دارفور التاريخية كانت توجد فيها مجموعة "الفور"، وهي الآن غير موجودة في هذه المعادلة الجديدة، التي تقودها مجموعة "الرزيقات"، بينما مجموعة "المساليت" التي اختارت طوعاً أن تكون جزءاً من السودان تجد نفسها ضحيةً لهذه الحرب، ولذلك فإنّ الحكومة الموازية وفقاً لما ذكر تفتقر إلى الشروط الموضوعية التي تقوم عليها حكومة متجانسة.

بدوره، يُشير مستشار القائد العام لقوات الدعم السريع، مخيّر، إلى أنه وبرغم تشابه بعض الملامح مع السيناريو الليبي، إلا أنّ الظروف السودانية تختلف من حيث طبيعة الأطراف والسياقَين الإقليمي والدولي.

ويؤكد أنّ "تعنّت السلطة في بورتسودان ورفضها الحوار البنّاء فاقما من حالة الاستقطاب، وفي المقابل، تظلّ حكومة تحالف تأسيس ملتزمةً، وفقاً لميثاقها، بالسعي نحو تحقيق السلام والوحدة الوطنية".

لكن الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، عثمان، يذكّر بأنّ السودان بلد له تاريخ طويل مع النزاعات، وقد أدّى بعضها في السابق إلى انقسامه، وأنه مع استمرار الحرب، تبقى "كل السيناريوهات مطروحةً".

ويواصل: "ما جرى مؤخراً من خطوات سياسية لم يُقلّص فرص تقسيم البلاد، بل زادها، والسودان الآن، في عامه الثالث من الحرب، يشهد انقساماً حادّاً سياسياً وأمنياً واجتماعياً".

رفض دولي وإقليمي

قُوبل إعلان تشكيل حكومة موازية لـ"تحالف تأسيس"، برفض من مؤسسات إقليمية ودولية، حيث أدانت الجامعة العربية تشكيل حكومة موازية في مدينة نيالا، وعدّت الخطوة تحدّياً لإرادة الشعب ومحاولةً لفرض واقع بالقوة، ما يعقّد فرص الحل السياسي ويزيد من معاناة المدنيين. 

وأكدت الجامعة رفضها القاطع لأي حكومة تُشكَّل خارج الأطر الدستورية، محذرةً من مخاطر تفكيك الدولة وتحويل السودان إلى مناطق متناحرة.

وفي الاتجاه ذاته، ذهب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي الذي رفض بشدّة إعلان تشكيل حكومة موازية في السودان، ورفض أي محاولة لتقسيم البلاد. 

وجدّد المجلس اعترافه بمجلس السيادة الانتقالي والحكومة المدنية الانتقالية الجديدة كسلطتين شرعيتين في البلاد، مطالباً بوقفٍ فوري لإطلاق النار، واستئناف المفاوضات، وإطلاق حوار وطني شامل. 

كما سبق أن أعلنت الأمم المتحدة موقفاً مماثلاً، في آذار/ مارس الماضي، حيث أعرب أعضاء مجلس الأمن عن قلقهم البالغ إزاء توقيع ميثاق لإنشاء سلطة حاكمة موازية في السودان. وأكدوا أنّ مثل هذه الإجراءات قد تؤدّي إلى تفاقم الصراع الدائر في السودان، وتفتيت البلاد، وتفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلاً.

جدل الاعتراف الدولي

إلى ذلك، رحّب "تحالف تأسيس" بما قال إنها تصريحات لخبير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، بشأن اعتزامه زيارة مناطق سيطرة التحالف لبحث أوضاع حقوق الإنسان، وأعلن استعداده الكامل للتعاون والتنسيق مع المسؤولين الأمميين وتسهيل الزيارة.

وقال، في بيان للمتحدث باسمه، علاء الدين نقد، التزامه بـ"دستور السودان الانتقالي" لعام 2025 الذي ينصّ على احترام حقوق الإنسان، وجدّد دعمه لبعثة تقصّي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، معلناً اعتزامه بدء الترتيبات اللازمة لتحديد موعد الزيارة قريباً.

عدا عن ذلك، لم تصدر -حتى نشر هذه السطور- مواقف رسمية منفردة من الدول المعنية بالشأن السوداني، ما يعكس الحذر في التعامل مع هذا الوضع المستجد، وربما تعمّد تجاهله من بعض الدول.

برغم ذلك، أكد مستشار القائد العام لقوات الدعم السريع، مخيّر، دعمهم الكامل لتوجهات هذه الحكومة، مع إدراكهم أنّ "الاعتراف الدولي سيظلّ مرهوناً بمدى التزامها بمبادئ حقوق الإنسان، ومدنية الدولة، والشمول السياسي".

"القراءة السريعة للمتغيّرات الدولية، أحد الأخطاء الإستراتيجية لقوات الدعم السريع… لقد نسوا أنّ العالم الآن يتغير وأنّ مصر -على سبيل المثال- أصبحت لها الكلمة العليا في ما يخصّ السودان؛ مقابل تنازلها عن دورها في القضية الفلسطينية. كما أنّ الوضع في دارفور لا يشفع لهم بأن تكون الولايات الخمس خالصةً لهم"، وفق مكي

من ناحيته، يذهب شريف عثمان إلى أنّ التجارب تُظهر أنّ الكيانات التي لا تحظى باعتراف رسمي قد تُفرض كأمر واقع، ويستطرد: "لذلك، من الضروري أن يعلو صوت المصلحة الوطنية فوق كل ما سواه. فالسلام وحده هو القادر على تحصين هذه البلاد من شرور الحرب وتفادي مصير التقسيم".

أما كمال عمر، فيلفت إلى أنّ الاعتراف الدولي بهذه الحكومة لن يحدث، مبرراً هذا التوقّع بوجود ما وصفها بـ"حالة التردّي السياسي وعدم معرفة التعامل مع أمراء الحرب في بورتسودان، الذين يريدون أن تنفصل جميع أجزاء السودان مقابل أن يحكموا هم".

"القراءة السريعة للمتغيّرات الدولية، أحد الأخطاء الإستراتيجية لقوات الدعم السريع"، وفق حسن مكي، الذي يرى أنها ارتكزت على أنّ الدعم الخارجي الذي دفعها إلى هذه المحرقة قد ينقذها سياسياً لأنه لا يريد الإسلاميين في السودان، وأنّ مشروع الحكومة الموازية للحكومة العسكرية الانتقالية ذات الوجه المدني قد يكسب في مساومة تاريخية لقسمة سلطة في معادلة جديدة برعاية دولية.

ويضيف: "لكنهم (أي الدعم السريع) نسوا الاعتبارات الأخرى بأنّ العالم الآن يتغير وأن القراءات مختلفة، وأنّ مصر على سبيل المثال أصبحت لها الكلمة العليا في ما يخص السودان، مقابل تنازلها عن دورها في القضية الفلسطينية. كما أنّ الوضع في دارفور لا يشفع لهم بأن تكون الولايات الخمس خالصةً لهم، ولا سيّما أنّ المخزون البشري فيها متنافر".

وبحسب مكي، "حتى لو اعترف النظام الدولي بـ'حكومة دارفور'، فإنها لن تستطيع أن تحكم دارفور كإقليم فيه أربعة ملايين قطعة سلاح والحكومة نفسها منقسمة"، مؤكداً أنّ "الأسابيع المقبلة سوف تثبت فشل هذه الحكومة، وأنها قد وُلدت ميتةً وسوف تُدفن ويسعى أربابها إلى التخلّص منها محاولين الوصول إلى اسم جديد لمخاطبة المجتمع الدولي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image