شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"تعي نامي حدي وأعطيكِ"... حكايات التحرش بأطفال شوارع سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 8 يونيو 202004:20 م
انتشرت في شوارع سورية لعوامل اقتصادية ظاهرة أطفال الشوارع، نلحظ أعدادهم تتزايد في الحدائق، وإشارات المرور، والمقاهي. إضافة إلى المعاناة الاقتصادية، وحرمانهم من اللهو والعب في طفولتهم، باتوا عرضة للاعتداء، والتحرش. تجارب تحمل تأثيرا يصعب نسيانه، على مشاعرهم، ونظرتهم لأنفسهم.

رامي فيتالي ناشط اجتماعي من أبناء مدينة اللاذقية، يعرف معظم أطفال الشوارع في المدينة، ويعمل على مساعدتهم ودعمهم من خلال تقديم النصيحة والمشورة، وايجاد مأوى لهم.

تواصل رصيف22 مع الطفلة، ياسمين، والطفل محمود بالتعاون مع فيتال، وحضوره.

"زاد وزني وطولي"

"بدأت أشعر بانتفاخ في منطقة الثدي، لاحظت أن صدري أصبح بارزاً قليلاً، تغييرات كثيرة طرأت على جسدي، الشعر بدأ ينمو على يديّ، زاد وزني وغدوت أطول بعض الشيء".

عرفت ياسمين (14 عاماً) لاحقاً أنها ملامح نضجها كامرأة، ولابد لها من مغادرة الشارع، والتوقف عن بيع المناديل والبسكويت، وإلا ستكون فريسة سهلة للمتحرشين.

بدأت تتلقى ياسمين سيل من أشكال التحرش، بداية من الكلمات المسيئة إلى الاعتداء عليها بشكل مباشر، فهي منذ كانت بعمر الـ4 سنوات تجول شوارع مدينة اللاذقية الساحلية في سوريا، بحثاً عن بعض الليرات التي يمنحها لها المارة والعابرون، مقابل علبة بسكويت.

تقول ياسمين لرصيف22: "أبي مريض بسكر الدم لا يقوى على الحركة، أمي أيضاً تجلس بقربه، ولا تعمل، إنها نصف مشلولة، أنا وإخوتي الصغار كان علينا تأمين إيجار المنزل، كنا نخرج يومياً نجول الشوارع، بدءاً من حي الزراعة وحتى حي الصليبة، نطلب نقوداً، نحاول استجداء المارة ثم نعود بنقودنا إلى أمي التي تنتظرنا في المنزل".

"أمسكوا بكتفيّ وحاولوا إجباري على خلع سترتي، لم أكن أرتدي تحتها سوى حمّالة الصدر، وبينما كنت أحاول التخلّص منهم، كان أخي يشاهد ما يجري، وينادي باسمي باكياً"

وتضيف ياسمين، واصفة التغييرات النفسية التي زامنت بلوغها، أنها باتت تحب الجلوس وحيدة، وتستذكر الكلمات التي كانت تسمعها عند بيعها للمناديل والبسكويت، ومنها "تعي نامي حدي وأعطيكِ لي بدك ياه".

"التحرش مارد خارج المنزل"

عرفت ياسمين التحرش منذ أن كانت صغيرة، فهي عاشت في الشارع وبين الصبيان، وسمعت منهم الكثير من الكلمات التي لم تفهمها في البداية، لكنها عندما كبرت قليلاً عرفت أنها جميعها شتائم، ومحاولات للحصول على جسدها الذي لم تكن تعرف عنه شيئاً.

ولا تنسى ياسمين حادثة التحرش الأولى التي تعرضت لها في سن 10 أعوام، في حديقة عامة وسط مدينة اللاذقية، حاول شابان الاعتداء عليها، على مرأى من أخيها الصغير، الذي لم يستطع الدفاع عنها.

تقول ياسمين: "أمسكوا بكتفيّ، وحاولوا إجباري على خلع سترتي، لم أكن أرتدي تحتها سوى حمّالة الصدر، وبينما كنت أحاول التخلّص منهم، كان أخي يشاهد ما يجري، وينادي باسمي باكياً، استطعت الإفلات من قبضتهم، وركضت خارج الحديقة بينما بدأوا يرمونني بالحجارة".

ذكرى أخرى، لا تزال تراودها بين الحين والآخر، كانت في وسط مياه البحر المالحة، تعرّضت ياسمين لحادثة التحرش الثانية بعمر 12 عام، رغبت بتجريب السباحة، برودة المياه أغرتها لترمي بجسدها، وتستسلم لها، لكنها لم ترد أن تستسلم للشبان الذين التفوا حولها في الماء، وحاولوا النيل منها، ألصقوا أجسادهم بجسدها، وشعرت بحركة واحتكاك، كانت على وشك الغرق.

تقول ياسمين عن هذه الحادثة أنها كانت "أعنف" من سابقتها، لأنها لم تستطع التخلص منهم بسهولة، لولا رجل كان يسبح بالقرب منها، أسرع لمساعدتها، صحيح أنهم لم يتمكنوا منها، لكن بعد هذه الحادثة أصبح التحرش بمثابة "مارد" يظهر أمامها كلما غادرت المنزل.

لذلك قررت ياسمين التزام غرفتها، وعدم الخروج إلا يوم الجمعة، لتحصل على بعض الليرات من المصلّين الذين يخرجون من الجامع بعد صلاة الجمعة.

ياسمين ليست الطفلة الوحيدة التي تتعرض للتحرش في شوارع المدينة، هي أكدت أن جميع صديقاتها لديهن قصص مشابهة.

"أبيع الأزهار الحمراء"

يبدو اليوم مشهد الأطفال الذين يتسولون في مختلف مناطق سورياً، مشهداً اعتيادياً، يتوزّعون في الأحياء، وأمام إشارات المرور، والجوامع، بحثاً عن شخص ما يعطيهم النقود، لكن خلف هذا المشهد تختفي الكثير من المشاهد، وفي مقدمتها التحرش الذي تجاوز الفتيات ليطال الصبيان أيضاً.

ليس بعيداً عن قصة ياسمين، تعرض محمود، اسم مستعار (12 عاماً)، للتحرّش، فهو أيضاً أحد أطفال الشوارع الجائلين في شوارع مدينة اللاذقية، بحثا عمن يمنحه بعضا من المال، ويرى أنه "كلما كانت شخصية الطفل ضعيفة، كلما زادت حالات التحرش التي سيتعرض لها".

يشرح محمود قصته لرصيف22: "جئنا إلى اللاذقية، بعد أن دمّرت الحرب منزلنا في حلب، أبي مات خلال الحرب، هربت أمي بنا أنا وإخوتي إلى هنا في العام 2015، استقبلنا الشارع، لم يكن أمامنا سوى طلب المساعدة، أنام بالقرب من خزان الكهرباء، أبيع الأزهار الحمراء، وعند نفادها أمد يدي للمارة".

ويضيف محمود: "تعرضت للكثير من حالات التحرش من شبان أكبر مني سناً، يطلبون مني الذهاب معهم جانباً مقابل مبالغ مادية"، يقولون: "نشتري كل أزهارك فقط تعال معنا".

ويكمل محمود: "مرة ذهبت معهم، لم أكن أفهم ماذا يقصدون، حاولوا لمسي من الخلف، طلبوا أن أخلع سروالي، خفت كثيراً وتسارعت دقات قلبي، التصق جسد أحدهم بجسدي، عندها بدأت بالصراخ، ولأن الحديقة التي أخذوني إليها قريبة من القصر العدلي "المحكمة" في اللاذقية، تركوني أرحل، خوفاً من وصول صوتي إلى عناصر الشرطة التي تقف أمام باب المحكمة".

يرى محمود أنه اليوم يستطيع الدفاع عن نفسه، ومازال يرفض جميع العروض الجنسية التي تصله كل يوم، ولا يدري إن كان سيستمر برفضها في حال كان المبلغ المعروض مقابل ممارسته الجنس مع شبان مناسباً له.

يقول الناشط الاجتماعي، والمهتم بقضايا الأطفال، رامي فيتالي، لرصيف22: "من خلال متابعتي للأطفال "المتسولين"، ومعرفتي بمعظمهم، لاحظت أن الفتاة أكثر عرضة للتحرش من الصبي، كما أنها أكثر قبولاً للأمر، يعود ذلك لعدم معرفتها بالأمور الجنسية، ولعدم إدراكها خطورته على جسدها".

ويكمل: "أما الصبي، غالباً يرفض ممارسة الجنس، خاصة إذا كان مع صبي مثله، لذلك أرى أن تسوّل الفتاة مشكلة كبيرة تتجاوز خطورتها مشهد جلوسها في الشارع، أو طلبها للمساعدة من المارة، لتتجسد في تحوّل الجنس إلى مهنة للفتاة في حال قبلت بذلك أكثر من مرة، وأصبحت ممارسة الجنس أمراً عادياً بالنسبة لها، إضافة للأذية النفسية التي سترافقها طوال حياتها في حال رفضت وقاومت التحرش الذي يطالها في الشارع".

"كلما كانت شخصية الطفل ضعيفة، زادت محاولات التحرش به"

الحل بحسب فيتالي، مساعدة هؤلاء الأطفال وإخراجهم من الشارع، النظر إليهم كضحايا لظروفهم الاجتماعية الاقتصادية، ليس كمستغلين يطلبون النقود، وإيجاد مراكز متخصصة لإعادة تأهيلهم نفسياً واجتماعياً، وتوعيتهم بقضايا الجنس والحديث معهم والاستماع إلى مشكلاتهم.

ويبلغ العدد الكلّي للأطفال السوريين المعوّزين  أكثر من 7.5مليون طفل داخل سوريا، و2.5 مليون طفل في دول الجوار، بحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في نوفمبر 2019.

تسع سنوات من الحرب كانت كفيلة بتشريد مئات العائلات، وخروج آلاف الأطفال من منازلهم ومدارسهم إلى الشارع، يتسولون ويتراكضون أمام المارة، ويدهم ممدودة، يقفون أمام زجاج المطاعم، يحدقون في وجبات الطعام، التي لا يصلهم منها شيء سوى رائحتها، ينامون على الأرصفة وتحت الجسور، وفي الحدائق والزوايا المظلمة يتعرضون للتحرش والاستغلال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image