شأني شأن جيل بأكمله، لم يختبر في سنواته الدراسية الأولى حصة مادة الأحياء، التي تناقش الجهاز التناسلي للمرأة والرجل.
أجيال متعاقبة تم إهدار حقها في المعرفة لا لشيء غير "العيب"، وجهت إليها تُهم بمحاولة المعرفة غير الشرعية، عندما قام البعض بكسب معارفه عن طريق الانترنت، أو سماع المعلومات المغلوطة من المعارف والأصدقاء. مجتمعات تؤسس لثقافة جنسية حقيقية، وأخرى تكرس لجهل يفتك بالأطفال قبل الكبار. فأين نحن من التربية الجنسية لأطفال أصبحوا معرضين أكثر من أي وقتٍ مضى للتحرشات الجنسية؟
"هل يمكن فض غشاء البكارة بدون تلامس؟"
تعمل ماغي سليمان، مسؤولة ملف التربية الجنسية في مؤسسة "قضايا المرأة المصرية" على تدريب الأمهات على التعامل مع أطفالهن، والإجابة عن أسئلتهن الجنسية، تحديداً بعد حادثة "التوربيني"، الشهيرة لمغتصب الأطفال في مصر. ومع تزايد ملحوظ لمعدلات التحرش الجنسي في العديد من المدارس، حاولت المؤسسة بإلحاح إقناع وزارة التربية والتعليم بحقيقة وجود تلك المشكلة، أمام إنكار كامل، وخوف من ذكر أي جملة تحتوى على لفظ "جنس" داخل المدارس، إلى أن استطاعت مؤخراً الاتفاق مع الوزارة، على إجراء عدد من الندوات والورش التي تناقش الجنس في حياتنا منذ الطفولة، كما تناقش الانتهاكات الجنسية وآليات الحماية منها. تحكي ماغي عن صدمتها عندما اكتشفت مدى جهل أبنائنا بالجنس، حتى ممن هم في مراحل التعليم الثانوي، وخصوصاً البنات منهم، فكانت تتلقى أوراقاً بلا أسماء بعد كل لقاء تحمل أسئلة مثل "أحب أحدهم ويخبرني أن علي أن أدعه يلمس جسدي، طالما أبادله الحب، فهل هذا هو الحب؟"، "هل يمكن فض غشاء البكارة بدون تلامس؟" ، "طول قضيبي يبدو غير مكتمل، وأنا قلق فهل من حلول؟". وتضيف: "انهالت علينا التعليقات التي تؤكد وجود تحرشات بالمدارس، تحت زعم التعاطف والتشجيع من المدرسين، وأخرى من أقرب المقربين من الأهل، الذين يعتمدون على خوف الأطفال وشعورهم بالتهديد والضعف أمام المتحرش، ما دفعني لإنشاء صفحة على فيسبوك بعنوان "تعالوا نحمي ولادنا من تعرضهم للتحرش والانتهاك الجنسي". وأتلقى عليها الأسئلة والاستفسارات من جميع الأعمار، وأرحب بالتعاون مع أي جهة تريد إقامة ورش عمل وندوات فى التوعية الجنسية."أصبحنا جميعا نتفنن في إذلاله بما حدث له"
وتروي ماغي أنه في إحدى ندوات التوعية للأمهات، أقبلت إحداهن نحوها وانقضت على يدها تقبلها، ودموع تنهمر من عينيها، مرددة بصوت يختنق: "مش عارفه أشكرك إزاي.. من غيرك كنت هفضل ظالماه وابقى أنا وأبوه والزمن عليه". هدأت من روعها واستمعت إليها، فقالت السيدة: "في يوم ذهب ابني ذو الخمس سنوات لشراء الحلوى، وغاب أكثر من ثلاث ساعات، كنا قد تيقنا من خطفه أو ضياعه، وبحثنا عنه في كل مكان فلم نجده، إلى أن عاد وحده، كان وجهه متورماً وعيناه متورمتين من البكاء. حكى لنا أن رجلاً عرض عليه مالاً ليشترى حلوى أكثر، رفض الولد، فرفع عليه الرجل سكين وأمره أن يمشي معه وإلا قتله، فخاف وسار معه. أخذه لبيت مهجور وأمره أن يخلع بنطاله، قام بضربه بلطمات متتالية واغتصابه، ولما شعر بأن أحدهم أحس بوجوده قام بصرف الطفل وحذره من إخبار أحد". وتضيف الأم: "عندما سمعنا روايته طار عقل والده فقام بضربه ضرباً مبرحاً حتى نزف دماً، وأصبحنا جميعاً نعايره ونتفنن في إذلاله بما حدث له، ربما من جهلنا بكيفية التصرف الصحيح، وربما لاعتقادنا الخاطئ أنه سبب في ما حدث له".فتاة صغيرة لم تتلقَ أي تربية جنسية، تتساءل "أحب أحدهم ويخبرني أن علي أن أدعه يلمس جسدي، فهل هذا هو الحب؟"
أجيال متعاقبة يهدر حقها في المعرفة الجنسية السليمة لا لشيء غير "العيب"تشير سليمان إلى أنه عقب التقائها بالطفل صاحب الحادثة، اطمأن لها في الحديث، وحكى ما حدث، ورسم صورة الرجل "الوحش" كما رآه.
في صعيد مصر الوضع كارثي
تؤكد الدكتورة دعاء عزت مؤسسة "حملة حماية"، أن الوضع في صعيد مصر كارثي بكل معنى الكلمة. فالمأساة هناك تتضاعف بسبب انغلاق القرى. فتكثر الاعتداءات الجنسية على الأطفال خصوصاً البنات، ويتم التعتيم الكامل عليها بدعوى الخوف من إلحاق العار بأهل الفتاة، خصوصاً أن المعتدي، بنسبة 80%، يكون من الأهل الذين يقيمون معها في المنزل نفسه. إذ تنتشر البنايات السكنية التي تجمع كل أطراف العائلة الواحدة. وتقول عزت: "من الصعب التوعية في مدارس الصعيد بشكل مباشر، فنعتمد على الطرق الفنية، مثل الحكي والرسم والموسيقى والدراما. ونعلمهم كيفية الهروب والمقاومة فمعظمهم لا يعرفون أن لأجسادهم خصوصية جنسية من الأساس، وتقول الإحصائيات إن فتاة من كل ثلاث فتيات يتم الاعتداء عليها بينما يحدث هذا مع صبي من كل ستة ذكور".خطوات صغيرة ولكن واثقة في السعودية
أوصت دراسة أجراها فريق من طالبات قسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود بالرياض وأشرفت عليه الدكتورة هنية ميرزا المتخصصة في التربية الخاصة للأطفال، إلى حاجة المجتمع لتعليم مادة الثقافة الجنسية للأطفال. وأظهر استبيان لجمع معلومات حول اتجاهات عينة الدراسة من آباء وأمهات نحو موضوع تدريس التربية الجنسية للأطفال ضمن المقررات الدراسية، تأييد 80% من أولياء الأمور. هؤلاء المختصون يرون ظاهرة من الانحراف السلوكي بين الأطفال، متمثلة في الاعتداءات الجنسية بينهم وعليهم، ويرصدون سبباً رئيسياً لها، هو تعرضهم غير المحكوم للانترنت. ويعرضون الحل لهذه الظاهرة في التثقيف الجنسي للأطفال، بدعوى أن لا حياء فى الدين."انتهت علاقة صديقتين لأن طفليهما حاولا استكشاف أحدهما للآخر"
تقول هند خليفة المتخصصة بالتربية الجنسية والمحاضرة بكلية التربية قسم علم النفس في السعودية: "بعد حادثة تحرش واغتصاب طفلة الدمام، وبعد تعرض إحدى صديقاتي لقطع علاقتها بإحدى أعز صديقاتها نتيجة محاولة طفليهما استكشاف أحدهما الآخر، قررت عمل دليل وضعته بين يدي كل أم، بعد 10 سنوات من العمل مع الأمهات والبحث المستمر، واهتمامي بموضوع التربية الجنسية وقراءاتي للكتب العلمية للتوعية بالتحرّش". وتضيف: "المكتبة العربية تفتقر حتى الآن إلى كتاب يوضح الفرق بين الصبي والبنت، أو كتاب للمراهقة يبيّن لها المراحل التي تمر بها، والأمور الجنسية الأخرى كالعادة السرية وغيرها. ففكرت في كتاب مصور يوعّي الطفل ضد التحرّش وأصدرته تحت عنوان لا تلمسني، وعرضته على المتخصّصين في الدول العربية المختلفة، كعمل توعوي يتناسب مع بيئتنا". وأشارت إلى أنها أضافت فكرة نشيد للفت نظر الطفل واهتمامه بالموضوع. وأضافت العديد من الكتب والدلائل التوعوية على موقعها الخاص بموضوع التربية الجنسية.المؤسسات الفلسطينية تستعد لإدراج منهج للتربية الجنسية
قام الباحث الفلسطيني صلاح الدين حسن مصطفى صلاح بإجراء دراسة بحثية هدفت إلى معرفة اتجاهات معلمي ومعلمات المدارس الحكومية في محافظات شمال فلسطين نحو تدريس التربية الجنسية في المدارس الحكومية. وفي ضوء ما توصلت إليه الدراسة من نتائج، خلص الباحث إلى مجموعة من التوصيات كان أهمها: ضرورة عقد دورات تدريبية للمعلمين، وتفعيل دور وسائل الإعلام، وإجراء دراسة للقيم المتضمنة في محتويات كتب المناهج التربوية للمفاهيم الجنسية، وضرورة عقد لقاءات بين المعلمين وأولياء الأمور لتوضيح مفهوم التربية الجنسية، وإجراء دراسات مسحية تتضمن فئات اجتماعية مختلفة، للتعرف على اتجاهات كل منهما نحو التربية الجنسية. وهو ما أولت إليه المؤسسات الفلسطينية الحكومية والخاصة اهتماماً بالفعل، وإدراج منهج عن التربية الجنسية للمدارس الفلسطينية بمختلف فئاتها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...