شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لا صوت يعلو فوق صوت جروبات الماميز... صراع بين الأمهات والتعليم في مصر

لا صوت يعلو فوق صوت جروبات الماميز... صراع بين الأمهات والتعليم في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 22 مارس 202111:38 ص

مع التغيرات التي تشهدها العملية التعليمية في مصر خلال السنوات الماضية، من الاعتماد على التعليم الإلكتروني، والعمل على تطوير المناهج، برزت ظاهرة جديدة يُطلق عليها اسم "جروبات الماميز".

هي مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، مكونة من آلاف الأمهات، اللواتي يسعين لتحسين وتطوير الخدمات التعليمية المقدمة لأبنائهن، عن طريق إبداء آرائهن بهذه الخدمات وكل ما يتعلّق بها من تفاصيل، والحشد لإجراء التغييرات الضرورية بنظرهن، ونشر الوعي حول القضايا ذات الصلة.

فرضت "جروبات الماميز" نفسها على الساحة التعليمية وصناع القرار في مصر.

وتحوّلت هذه المجموعات إلى محل جدل وصراع كبيرين، فوزير التربية قال عنها إنها "غير ضرورية وتبث الشائعات"، وأشار في إحدى تصريحاته الصحفية بأنها أول من أطلقت "الإشاعات" حول ظهور إصابات بفيروس كورونا في المدارس، وآخرون ينظرون إليها على أنها ذات أهمية كبيرة كي يبدي الأهالي آراءهم بأهم الأمور التي تخصّ أبناءهم.

"هذه المجموعات فرضت نفسها على الساحة التعليمية وصناع القرار، وذلك تأكيداً على أن أولياء الأمور، خاصة الأمهات، هنّ شريك أساسي في تعليم أبنائهن، ولا صوت يعلو فوق صوتهن"، تقول عدد من القائمات عليها، واللواتي التقينا بهن أثناء إعداد هذا التقرير.


تسريب امتحانات ومعرفة الأخبار وتطوير التعليم

تقول منى أبو غالي، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 40 عاماً، ومسؤولة عن مجموعة تعليمية تضم أكثر من 35 ألف أم وأب، إنها بدأت بفكرة المجموعة عام 2015 وكانت من أوائل "جروبات الماميز"، وذلك على خلفية تسريب إجابات أسئلة عدد من المواد في امتحانات الثانوية العامة، وإعادة الامتحانات إثر ذلك.

"كان الطلاب حينها ينظمون وقفات احتجاجية، وكان ابني حينها في الثانوية العامة، ورغبت بتوصل صوت الطلاب فأنشأت المجموعة"، تشرح أبو غالي في حديثها لرصيف22.

رصيف22 التقى أيضاً عبير أحمد، التي يلقبها كثيرون باسم "أم الطلبة". عبير هي أم لثلاثة أبناء في المرحلة الإعدادية حالياً، وقد فضّلت تقديم الاستقالة من عملها كمحاسبة بإحدى الشركات، للتفرّغ لأبنائها ومتابعة تعليمهم ودروسهم والرياضات التي يمارسونها.

"جروبات الماميز" هي بمثابة منصة تتيح للأمهات سرد ما يعانين منه مع أولادهن بسبب المناهج التي تعتمد على الحشو بأغلبها، بالإضافة لمساعدة أولياء الأمور في معرفة كافة أخبار العملية التعليمية

تشير عبير إلى أنها أسست عام 2016 "اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم"، و"ائتلاف أولياء أمور المدارس الخاصة"، وذلك بشكل تطوّعي، بهدف متابعة الأخبار الخاصة بالتعليم وجميع القرارات المتعلقة به، ومعرفة آراء الأمهات ومقترحاتهن في التطوير، وتوصيل صوتهن وأي شكاوى تتعلق بأبنائهن في المدارس.

وبالنسبة لشيماء علي ماهر، وهي معلّمة في إحدى المدارس المصرية، فقد جاء تدشين مجموعة "نبني بلدنا بتعليم ولادنا" عام 2017، كمبادرة تهدف لتوضيح السلبيات والإيجابيات للعملية التعليمية في مصر، من خلال خلق منصة تتيح للأمهات سرد ما يعانين منه مع أولادهن بسبب المناهج التي تعتمد على الحشو بأغلبها، بالإضافة لمساعدة أولياء الأمور في معرفة كافة أخبار العملية التعليمية، عن طريق نشر الأخبار الرسمية الصادرة من وزارة التربية والتعليم. وتحولت المجموعة اليوم لواحدة من أشهر المجموعات التي تضم عدداً كبيراً من الأمهات "الماميز".


لقاءات وبرامج تلفزيونية وواتس آب

شهراً بعد آخر تطوّر عمل هذه المجموعات، كما تقول منى أبو غالي، وبدأت هي بالظهور في البرامج التلفزيونية للحديث عن التعليم، ومع استلام طارق شوقي حقيبة وزارة التعليم، عمل على مقابلة عدد من أولياء الأمور، كانت هي من بينهم، وقُدّم له ملف يحتوي على بعض المطالب، تم التفاعل معها والاستجابة لعدد منها، إضافة للحصول على ردود على العديد من التعليقات والأسئلة.

وقد لاقت هذه المجموعات تفاعلاً كبيراً من جانب الأمهات كما تقول عبير أحمد، خاصة بعد تقاعس مجالس الآباء داخل أغلب المدارس عن دورها في خدمة وحل مشاكل أولياء الأمور، وتحولت، وفق رأيها، لمجالس صورية تخدم أعضاءها فقط. ومجالس الآباء في المدارس المصرية تتكون من مجموعة آباء الطلاب، وذلك بقرار رسمي من وزارة التربية والتعليم، وتعمل على التصدي لمختلف المشكلات التي يواجهها الطلاب وإيجاد حلول لها.

وأكدت عبير –وهي عضوة بالمجلس القومي للمرأة- على أن "اتحاد أمهات مصر" و"ائتلاف أولياء الأمور" عمل على توصيل صوت الأمهات من أولياء الأمور للمسؤولين، وحلّ العديد من المشاكل المتعلقة بالأبناء، وتقديم مقترحات وآراء حول كافة القرارات التعليمية، مشيرة إلى أن النجاح الذي حققته، بمعاونة بعض الأمهات المنسقات، شجع وساعد على انتشار عدة مجموعات لأولياء الأمور بنفس السياسة والأسلوب.

ولفتت عبير إلى أنهم ليسوا ضد التطوير الذي تقوم به الوزارة، مستطردة: "في كثير من الأوقات كنا ندخل بجدال مع وزير التعليم بسبب توصيل صوت أولياء الأمور وشكاويهم. نحن لسنا ضد الوزير ونحترمه ونقدره، ولكن أي قرار يكون ضد ولي الأمر نعترض عليه بشكل حيادي".


عبير أحمد الملقبة بأم الطلبة ومؤسسة عدد من جروبات الماميز

عبير أحمد

وقالت عبير، التي تحضّر الآن لنيل درجة الماجستير بالتخطيط والتنمية المستدامة، إن اتحاد أمهات مصر وائتلاف أولياء الأمور نفّذ العديد من المبادرات مثل "أدعم تعليم مصر، والمستقبل لهن، وأنقذ طالب ثانوي، والرياضة حياة، وابنك يستطيع"، وغيرها من المبادرات التي تكون في صالح الدولة وولي الأمر، مؤكدة أنهم في النهاية أمهات يتمنون مصلحة أبناءهن ومستقبلهم ومستقبل ومصلحة العملية التعليمية ككل.

وأشارت إلى أنها خلال إدارتها للمجموعتين، تتبع سياسة للقضاء على الشائعات من ناحية والقيام بالدور التوعوي من ناحية أخرى، إذ لا تُنشر أي روابط لأخبار مجهولة المصدر، ويكتفى بنشر روابط المواقع الموثوق فيها والصفحة الرسمية للوزارة، ولا تُقبل أي منشورات دون التأكد من صحتها، منعاً لخلق البلبلة والشائعات، وتُحذف أي تعليقات تتضمن إساءة لأشخاص معينين، ويُحظر أي عضو لا يلتزم بالقواعد.

أما المجموعة التي أنشأتها شيماء علي ماهر، فقد كبرت شيئاً فشيئاً حتى تطوّع معلمون للانضمام والرد على أسئلة الطلاب قبل الامتحانات، وتوسع الأمر حتى بدأت وزارة التربية والتعليم بالاستجابة لبعض مطالب الطلاب التي تتحدث عنها المجموعة.


شيماء ماهر مؤسسة مجموعة "نبني بلدنا بتعليم ولادنا"

شيماء ماهر

وعن آلية التواصل بين جروبات الماميز ووزارة التربية والتعليم، تقول شيماء: "يتم التواصل مع وزير التربية والتعليم المصري من خلال المجموعات التي تضم معلمين وأولياء أمور عبر واتس آب، والوزير يتجاوب مع الأمهات في الرد على الأسئلة وتوضيح بعض القرارات، بالإضافة إلى أن الوزارة خصصت رابطاً لتلقى الشكاوى".


سلبيات ومصالح شخصية

تشير منى أبو غالي إلى ازدياد عدد جروبات الماميز بشكل مطرد، وعدد منها بات يستخدم للمصالح الشخصية وليس مصالح الطلاب. كما تهاجم وزارة التربية والتعليم هذه المجموعات بسبب اعتراضها الدائم على قرارات الوزارة، لكن ذلك لا ينفي استمرار التواصل والتجاوب بين الطرفين.

وتؤكد شيماء علي ماهر بأن هذه المجموعات تطوعية لا يوجد من ورائها أي ربح، لكنها تنوّه إلى أن البعض خلال الفترة الماضية بدأ باستخدامها كوسيلة ربحية لنشر إعلانات منتجات مختلفة، نظراً لأنها تضم عدداً كبيراً من المتابعين، كما انتشرت مجموعات كثيرة دون معرفة من يديرها أو يقف وراءها، وهو ما جعلها محل انتقاد من وزارة التربية والتعليم، لأن بعض المجموعات المغمورة تعمل على نشر شائعات تثير من خلالها البلبلة.


"الأفضل وجود مجموعات أساتذة التربية"

أبدت الدكتورة مايسة فاضل، الخبيرة التربوية والرئيسة السابقة لقطاع التعليم العام بوزارة التربية والتعليم المصرية، رأيها بـ"جروبات الماميز" في مصر، قائلة إنها تعيق العملية التعليمية، لأن الأم لا تستطيع أن تفتي في المناهج والقوانين وطرق التدريس.

الأم تريد تخفيف العبء عن ابنها، وبالتالي عنها أيضاً. وهناك فرق بين صناعة القرار واتخاذ القرار، ففي صناعة القرار لا بد من الاستماع إلى الجميع بمن فيهم 'الماميز'، ولكن عند محطة اتخاذ القرار فلا بد أن يكون الرأي الأول والأخير لأهل الخبرة

"نحن نتفهم تخوف أولياء الأمور، لكن هناك بعض الأمهات اللواتي يقفن بصف أبنائهن حتى وإن كانوا على خطأ. لا ألومهن على ذلك لأن المنظومة التعليمية في مصر جعلت الغش شطارة ومكسباً، بل إن بعض المعلمين يساعدون الطالب على تسهيل عملية الغش"، تضيف في حديثها لرصيف22.

وترى فاضل بأن من واجب وزير التربية والتعليم أن يستمع للرأي العام والأمهات، ولكن يجب الاستماع أيضاً إلى أساتذة التربية. "لذلك أقترح استبدال مجموعات الأمهات بمجموعات أساتذة التربية، فهم أهل الخبرة ويملكون آراء سديدة. الأم في النهاية تريد تخفيف العبء عن ابنها، وبالتالي عنها أيضاً. وهناك فرق بين صناعة القرار واتخاذ القرار، ففي صناعة القرار لا بد من الاستماع إلى الجميع بمن فيهم 'الماميز'، ولكن عند محطة اتخاذ القرار فلا بد أن يكون الرأي الأول والأخير لأهل الخبرة، وهم من يجب أن يتحمّلوا المسؤولية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image