شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
شارع الخيامية... حيث تجتمع الرسوم الإسلامية والفرعونية في متحف مفتوح

شارع الخيامية... حيث تجتمع الرسوم الإسلامية والفرعونية في متحف مفتوح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الاثنين 8 نوفمبر 202101:37 م

هنا في شارع الخيامية، مر الزمن بحوادثه الكثيرة، المثيرة للجدل، التي بعثت الفرح تارة وفرضت الأحزان على الجميع تارة أخرى، فيما بقي الشارع صامداً بفنونه، شاهداً أصيلاً على حرفة صناعة الخيم التي عرفتها مصر منذ العصر المملوكي.

يقع شارع الخيامية في قلب القاهرة القديمة، وقد عُرف منذ القدم بانتشار ورش الأعمال اليدوية والتراثية، مثل الأقمشة المطبوعة، وصناعة السجاد والكليم اليدوي، ورغم أن أصحاب تلك الورش يعانون من ضعف الإقبال بسبب التكنولوجيا الحديثة وانتشار فيروس كورونا، اللذين جعلا المهنة مهددة بالانقراض، إلا أنهم يصرون على فتح المحلات وعرض إبداعاتهم على الزوار يومياً.

يقول الحاج محمود حماد (55 عاماً)، صاحب ورشة: "الشارع موجود منذ أيام الفاطميين وكان يتكون من طابقين. أماكن الورش التي نتواجد فيها الآن كانت في الماضي إسطبلات للخيول، والطابق الذي يعلوه كان خاصاً بمبيت التجّار الذين يأتون من المغرب والشام. وقد كان لهؤلاء التجار خيام يستخدمونها في السفر والترحال من بلد إلى آخر، وكانوا يعملون على إصلاحها من فترة لأخرى في تلك المنطقة، كما كان يحرص كل منهم على أن تختلف خيمته عن الخيام الأخرى، وتتميز بالنقوش والرسومات المبهجة، ومن هنا بدأت مهنة الخيامية".

ويكمل: " إحنا في المهنة دي من جدود الجدود، وأسالوا على فراشة حماد في أي مكان هتلاقينا معروفين. مكناش بنبطل شغل قبل كده؛ أفراح، عزاء، مؤتمرات انتخابية، شوادر، معارض. تقريباً كل يومين كنا نشارك في حدث ما. دلوقتي مفيش. الناس بقت بتخاف تعمل أي فرح أو عزاء في الشارع خوفاً من التجمعات، وحتى لو عملوا، الناس بتخاف تروح تعزي أو تجامل في فرح حتى لا يكونوا عرضه للإصابة بالفيروس".

يواصل حماد: "طبعاً أمام تراجع حركة البيع في الفترة الماضية بسبب كورونا، اضطررت للاستغناء عن العمال لدي، بينما استعنت بأولادي لمساعدتي في الورشة، حيث يدرس ابنى أكرم في كلية التجارة، وباسم بمعهد حاسبات ومعلومات، وأخواتهم الكبار بالخليج منذ عشر سنوات وأكثر، ولذا اعتمادي كله حالياً على باسم وأكرم".

يضيف الحاج دياب عنتر (50 عاماً)، كبير العمال بأحد الورش: "أعتقد إن اللي جاي هيكون مختلف تماماً عن كل اللي راح؛ يعني أظن إن الناس بعد كده هتخاف تعمل أفراح أو سرادقات عزاء في الشوارع. وهذا أمر طبيعي؛ أنت ممكن دلوقتي تسلم على حد يجيبلك كورونا؟!".

أغلب التصميمات التي نعمل عليها متوارثة من جيل لجيل، وهي رسومات إسلامية وفرعونية إلى جانب الآيات القرآنية والمناظر الطبيعية

ويكمل ضاحكاً: "فاكر واحد هنا زميل لنا منذ بداية أزمة كورونا، كان بيخاف ينزل من البيت، وفضل قاعد في بيتهم، واليوم اللي نزل فيه نص ساعة بس اتصاب بالفيروس".

ويواصل: "هذه مهنتنا التي ورثناها عن الآباء والأجداد، ولا نعرف مهناً أو حرفاً أخرى غيرها. نحن نفتح المحلات ونجلس أمامها، ونعرف جيداً أنه لا أحد سيأتي للطلب في الوقت الحالي، أو قلما يأتي، لكنه أفضل من (قعدة البيت). وأتوقع خلال الفترة المقبلة أن تحظى تجارتنا ببعض الرواج، خصوصاً وأننا مقبلون على شهر رمضان الكريم، حيث الخيام الرمضانية التي تنشتر في كل مكان، إلى جانب موائد الرحمن، وكذلك عروض التنورة في الفرق المختلفة".

وعن الأسعار واصل: "الأسعار هنا في متناول الجميع، المهم القطعة نفسها؛ بمعنى أن المفرش الذي يُستخدم في أغراض الزينة بالبيوت، يختلف عن الفراشة التي يتم وضعها في الشوارع، وكل ما كان الشغل اليدوي أكثر زاد السعر؛ يعني مثلاً سعر الخيامية يبدأ من 10 إلى 20 جنيهاً لكل متر، بينما تصل أسعار عربات الفول والحمص إلى 250 جنيهاً. أما المفارش فتبدأ من 50 جنيهاً وتصل إلى 120 أو 150 للمفارش الكبيرة".

وأضاف عم طلعت عبدالحكيم (63 عاماً)، صاحب محل: "بسبب صناعة الخيامية تمت زخرفة كسوة الكعبة المشرفة، حتى أننا دشنا في مصر أول مؤسسة لغرض كهذا، وعُرفت وقتها بـ(إدارة الكسوة)، وهي موجودة في منطقة تحت الربع، وكانت الكسوه تُحمل على الجمال في احتفالية كبيرة تنطلق خلال موسم الحج من مصر، وتنتهي بالأراضي، وكانت تسمى بالمحمل".

وتابع عن ذكرياته مع المهنة: "ورثتها عن جدي وأبي وأعمامي، وأّذكر أن جدي كان يحكي لي دائماً أن هناك طقوساً خاصة كانت تتم لاعتماد أي حرفي خيامية جديد، حيث كان يُعقد اجتماع يقوده شيخ العاملين بالمهنة، مع الخبراء فيها، لرؤية وفحص أعمال الخيامي الجديد، وإذا كانت على المستوى المطلوب يقيم الحرفي مأدبة اعتماد لجميع العاملين بالمهنة، تعبيراً عن فرحه بالانضمام لهم، ويتم إعلانه على الملأ كحرفي جديد".

يواصل: "بخصوص الأعمال التي ننفذها في الورشة، فإنها تبدأ برسم التصميم على قماش التيل، والذي نشتريه من مدينة المحلة الكبرى، في محافظة الغربية شمال القاهرة. ثم نقوم بالتخريم والتطريز، وأغلب التصميمات التي نعمل عليها متوارثة من جيل لجيل، وهي رسومات إسلامية وفرعونية إلى جانب الآيات القرآنية والمناظر الطبيعية. المهنة مرهقة جداً وتحتاج إلى فنان بجد، كما تحتاج إلى (طولة بال) وصبر لأن القطعة الواحدة قد تحتاج إلى أيام وأسابيع وأحياناً شهور للانتهاء منها".

أما تامر الحسيني (31 عاماً)، وهو عامل بمحل، فيقول: "كان معي عامل شغال هنا، لكنه فضل حالياً العمل كمندوب لتوصيل الطلبات مع أصحاب الغروبات المنتشرة على السوشيال ميديا لبيع المنتجات، وبقيت أنا هنا لأنني أتولى إدارة المحل في الوقت الحالي، فصاحب الورشة رجل كبير في السن، وغير قادر على تولي إدارة الورشة، وقد أوصاني بأن أتولى مهمة الإدارة عنه، ولم أتردد لأنه هو من علمني ورباني، ولا يمكن في يوم من الأيام أن أتخلى عنه".

"هذه مهنتنا التي ورثناها عن الآباء والأجداد، ولا نعرف مهناً أو حرفاً أخرى غيرها. نحن نفتح المحلات ونجلس أمامها، ونعرف جيداً أنه لا أحد سيأتي للطلب في الوقت الحالي، أو قلما يأتي، لكنه أفضل من (قعدة البيت)" 

وإلى رضوان القاضي (48 عاماً)، الذي ورث الورشة عن والده، وقال لنا: "الحمد لله فإن الوضع بدأ يتحسن عن ذي قبل، خصوصاً مع حصول عدد كبير من أفراد الشعب على اللقاح، وهو الأمر الذي شجع الكثير من الزبائن على العودة للشراء والتعامل معنا من جديد".

ويكمل: "لدي ولدان وبنت، وهم يعملون معي في المهنة، وأقول لك إن البنت أشطر من الأولاد. صحيح أن هناك كثيراً من الناس يستغربون عندما يشاهدونها في الورشة على اعتبار أن هذه المهنة هي حكر على الرجال فقط، لكن عندما وجدتها موهوبة ولها رغبة حقيقية في العمل معي فلم أمنعها، وإن شاء الله سوف تلتحق بكلية الفنون الجميلة كما تخطط، حتى تصقل الموهبة بالدراسة".

واختتم: "الإقبال على منتجاتنا تراجع بشكل كبير، ولهذا أصبحنا نعمل أكثر على إنتاج فوانيس رمضان لأن الإقبال عليها لا ينقطع سواءً من المصريين أو من الأجانب الذين يزورن مصر. كذلك نعاني من قلة عدد الحرفيين لأن أغلب الشباب متعجلون ويبحثون عن المهنة التي تحقق لهم الثراء السريع، بينما هنا قد يجدون أنفسهم يعملون على متر واحد من الخيامية لأسابيع وأشهر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image