شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الحبس بالكومنتات والشير...

الحبس بالكومنتات والشير... "هي الحكومة سايباه ليه لحد دلوقتي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الجمعة 29 نوفمبر 202411:13 ص

أن تُصبح تريند في مصر، ذلك يعني أنك سائر على حد سيف، أو كما يقال": أمرك على كف عفريت"، إما أن يسطع نجمك في السماء، أو العكس، يزُج بك في السجن، ليس لأن ما ارتكبته يرتقي لمصاف الجريمة، لكن لأن الناس هنا لا يكتفون بالقبول أو الاعتراض على فكرتك، لكنهم ينقسمون في معظم الأحيان إلى متغنين باسمك أو مطالبين بحبسك، وكأن مصر عبارة عن ساحة وسجن صغير نضع فيه المختلفين عنا، وهكذا نقضي أيامنا في الساحة، نتربص لبقيتنا، عسى أن نجد منهم من يجب أن ينتمي إلى السجن الصغير، قد يختلف عنا سياسياً أو فنياً أو حتى شكلاً، لذلك تجد أنه من الطبيعي في هذا البلد أنه في المرات النادرة التي يجب أن تختار فيها قائدها بحرية، يُصبح الخاسر مهدّداً بالسجن أيضاً، حسني مبارك وأيمن نور، محمد مرسي وأحمد شفيق، السيسي وأي مُرشح محتمل، الأمر متسق تماماً مع ما اعتاد أن يفعله المصريون بمعارضيهم، إما أن تكون معنا في الساحة أو تذهب إلى السجن حالاً.
صحيح أن ذلك يجعل من الساحة ذاتها سجناً أكبر، تُسجن فيه الآراء والأصوات خشية أن يُلاحظها الناس فيبدأ رهان الحبس، لكنها ساحة تُشعر بعضنا بالراحة النفسية عند التخلص من معارضينا، لأن هذا أسهل من النقاش أو حتى التجاهل.

من الطبيعي في هذا البلد أنه في المرّات النادرة التي يجب أن تختار فيها قائدها بحرية، يُصبح الخاسر مهدّداً بالسجن أيضاً

لنحرق ساحرات الإنترنت

شاهدنا في أعمال فنية عدة تحاكي القرون الوسطى، كيف يُمكن للعامة أن يصنعوا حدثاً دموياً، إذ نجدهم يدفعون سيدة ما ويُسقِطونها أرضاً أو يلقونها بالحجارة للفت انتباه الحراس بأن هناك من يستحق الحرق، وهنا يأتي دور كبير الحراس الذي يجدها فرصة لكسب ودّ العامة المتحمسين، فيأمر حراسه بإتمام الأمر وسط مشهد احتفالي، بدايته قد لا تعدو أن تكون رأياً غبياً قالته السيدة.
هذا المشهد مشابه كثيراً لما يحدث على السوشيال ميديا منذ سنوات، أحدهم يقول ما لا يُعجبنا، فتنطلق حملة ضخمة للهجوم عليه، وسط سؤال غاضب: "هي الحكومة سايباه ليه لحد دلوقتي"، وعندها تقرّر الحكومة تلبية مطالب عامة الكومنتات والشير والتضحية بصاحب التريند، قد يكون فتاة ترقص على تيك توك، أو مراهقين يصورون فيديوهات تافهة في نظرنا، أو حتى لاعب ينتمي للنادي الأبيض المصري أفصح بأنه لن يُشجع النادي الأحمر المصري في نهائي أفريقيا، فلم لا نوجه له تهمة "عدم الوطنية" ونُلقيه في الحبس؟ سيعجب ذلك كثيرون بلا شك.
الأمثلة التي ذكرتها حدث معظمها حرفياً، أي أنني لا أُبالغ في الأمر شيئاً، وهناك محام لإحدى الفتيات التي وقعت ضحية لغضب العامة، قال نصاً قبل دقائق من الحكم عليها بأنه يعلم تماماً أنها لن تنال البراءة، لأنه عندما يدخل الرأي العام في بلادنا قاعة المحكمة، يخرج منها القانون مباشرة.

أسباب أخرى لكبير الحراس

إذا أردت الولوج إلى عقل كبير الحرّاس الذي يرى مشهد مطاردة العامة لأحدهم عبر السوشيال ميديا، فسأقول بأنه سيرغب طبعاً في تهدئتهم وكسبهم، لكن هناك أيضاً مكسب آخر من تدخّله: أن يُصبح هو المرجع لكل شيء والعقاب أيضاً، لا الناس، فمثلاً، إذا قدّم أحد المطربين فناً هابطاً، وغضب الناس مما قُدّم، ثم قرّروا ألا يستمعوا إليه مجدّداً، ألن يشعر الناس بأن لهم قوة ما مؤثرة في الحدث؟ ومن يدري إلى أين تمتد تلك القوة، لكن لو قام كبير الحرّاس بعقاب المُغنّي بنفسه، فحينها تُصبح الرسالة بأنه هو المرجع الذي يجب أن ينتظروا أن يفعل شيئاً، لا هم ولا القانون، بل هو شخصياً، وأداة كبير الحراس في زمننا هي قيم الأسرة المصرية الفضفاضة التي تُساعده على القيام بما يُريد بدلاً من المقصلة القديمة.
لكن يجب ألا يقتصر الاتهام هنا على الحكومة، لأن من أساسيات فعلتها المتكرّرة هذه عدم رضا العامة عن العقوبات الاجتماعية البسيطة، فكثير منهم لن يكتفوا بعدم الاستماع إلى محتوى غير مرغوب فيه، أو بمقاطعة الذهاب إلى طبيبة سيئة الأسلوب، بل يجب أن يصل إيذاء من استفزّهم إلى حد أكبر من ذلك بكثير، كالحبس على الأقل.

ساحتنا سريعة الاشتعال، مكبوتة بكل أنواع الكبت، يهاجم ساكنيها أحدهم الآخر لإفراغ مشاعرهم، يغيب عنها القانون والمنطق ويحضر الغضب، ساحتنا خطيرة للعيش فيها، والأمان فيها هو التوافق مع الصوت الأعلى طالما لم يعلو على صوت كبير الحراس المراقب لها

أخلاق أهل الساحة

ساحتنا سريعة الاشتعال، مكبوتة بكل أنواع الكبت، يهاجم ساكنوها أحدهم الآخر لإفراغ مشاعرهم، يغيب عنها القانون والمنطق ويحضر الغضب. ساحتنا خطيرة للعيش فيها، والأمان فيها هو التوافق مع الصوت الأعلى، طالما لم يعلُ على صوت كبير الحراس المراقب لها.
تنتهي كل مشاكلها تقريباً إن اتفق الجميع على إعلاء القانون على الجميع أيضاً، بلا استثناءات أو رغبات خاصة أو سلطة للرأي العام، وعندما يفهم من فيها بأن الاختلاف والاستفزاز لا يجب أن يكونا سبباً للحبس والإقصاء.
وحتى يحدث ذلك، فالحياة وسط تلك الساحة مخاطرة كبرى، الكلام خطر عليك إن انتشر، وحتى الصمت أحياناً لن يشفع لك إذا اتفق أهل الساحة على أن الكلام فريضة، والمشكلة البارزة هي أنه لا يوجد لائحة محدّدة بأخلاق وقيم أهل الساحة، بل هي أخلاقيات تقديرية ينتج عن مخالفتها عقوبات تحدث لك عند زيادة المشاهدات فقط، أو عندما تلفت انتباه العامة إليك، حتى وإن تناقضت مع القانون ذاته، لا يهم، المهم هنا ما يطفئ نار مشاعر الناس ويثبت تسلط الحكومة، حتى تحيا الساحة وتعيش الحكومة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image