ممارسة الأطفال للرياضة باتت شيئاً يحرص عليه العدد الأكبر من الأهالي، لإمتاع أطفالهم، أو بهدف الحصول على البطولات. ومع الوقت، يتحول الموضوع إلى هوس، فالبعض يهتم بالوصول إلى البطولة فحسب، ولو على حساب نفسية الطفل، كما يقوم بعض المدرّبين بإهانة الأطفال، والضغط عليهم، من أجل ميدالية.
ووصلت ممارسات المدرّبين، في بعض الحالات، إلى الضرب، والتعامل مع الأطفال بطريقة لا تتناسب مع سنهم، مما سبّب لبعضهم إصاباتٍ بالغة، منعتهم من ممارسة الرياضة مجدداً، وتحولت الرياضة إلى عقابٍ، ووقت عصيب يقضيه الطفل باكياً.
الأهم هو النتائج
آمال عادل، من محافظة القاهرة، تحدثت لرصيف22، عن ابنتها التي تركت السباحة، في سن العاشرة، بسبب سلوك المدرّب، وضغطه، اللذين تسببا لها بإصابة مزمنة.
تحولت الرياضة إلى عقابٍ، ووقت عصيب يقضيه الطفل باكياً، بسبب ممارسات بعض المدربين.
"أهم شيء بالنسبة إلى المدرّبين هو النتائج، وعدد الميداليات، وترتيب النادي. نفسية الأولاد، وسلامتهم، ليستا في الحسبان. كانت ابنتي تستعد لبطولة في السباحة، وكان المدرّب عنيفاً جداً. وبعد أن تمرّنت لثلاث ساعات متواصلة، طلب منها أن تسبح مسافة كيلومتر، على طريقة الفراشة، وعندما توقفت بسبب ألم في كتفها، كان يصرخ فيها لتواصل. طلبت منه أن تتوقف، ولكنه لم يستجِب، واتهمها بالدلع، وعندما أنهت التمرين، لم تستطع ارتداء ملابسها، أو الاستحمام".
آمال أكملت قائلةً: "ذهبنا إلى طبيب إصابات الملاعب، وكان التشخيص التهاباً حاداً في وتر الكتف، وحذّرها من ممارسة أي مجهود. تركت ابنتي السباحة، وحاولت أن تمارس التنس، ولكنها لم تستطع، بسبب كتفها المصاب. تقدّمت بشكوى إلى النادي، لكن من دون طائل. شعرت بحزنٍ شديد، إذ لم أستطِع أن أردّ لابنتي حقها، وهي كرهت الرياضة، بسبب هذا المدرب الذي كان يمسك البورد، ليضرب الأطفال".
حكاية مشابهة حدثت مع علية عز الدين (44 سنة)، من محافظة دمياط، قالت لرصيف22: "أخطأتُ عندما تصوّرت أن التدريب لا بد أن يمارَس بقسوة، وأن المدرّبين معهم الحق في ما يفعلونه. كانت ابنتي تبكي، وتخبرني أن المدرّب يجلس على ساقيها، ولكنني لم أستمع إليها، حتى تحصل على بطولة، وأفخر بها. كنت أرى بنفسي المدرّب وهو يصرخ في وجهها، كي تقوم بحركة فتح الحوض، وهي في سن الخامسة".
واصلت علية حديثها: "الأمور ساءت، ولم أتوقع أبداً أن تُصاب بسبب المدرّب الذي بمنتهى القسوة جلس على ساقها، فكسرها. ندمت على ما فعلته، لأنها حُرمت من ممارسة الجمباز".
عصام شكري (38 سنة)، من محافظة البحيرة، تحدث عن تجربة ابنه مع "الكونغ فو"، لرصيف22، وقال: "مشكلة بعض المدرّبين، أنهم لا يعرفون إمكانات الطفل أمامهم، ويظنّون أن القسوة تولّد أفضل النتائج. ابني في عمر الثامنة، كان يتمرن على ‘الكونغ فو’، ولكنه للأسف أصيب بسبب المدرّب الذي لكمه بشدة، وجاءت الضربة على أنفه. أسرعنا إلى المستشفى، وتبيّن أنه أصيب بكسرٍ في عظمة الأنف، ولم يعد ابني إلى هذه اللعبة مرةً ثانية، على الرغم من أن المدرّب اعتذر، وأخبرنا أن هذه الأشياء تحدث أحياناً".
"أهم شيء بالنسبة إلى المدرّبين هو النتائج، وعدد الميداليات، وترتيب النادي. نفسية الأولاد، وسلامتهم، ليستا في الحسبان. كانت ابنتي تستعد لبطولة في السباحة، وكان المدرّب عنيفاً جداً. طلبت منه أن تتوقف عن التمرين بسبب ألم في كتفها، لكنه لم يستجِب واتهمها بالدلع"
حرمة جسد الطفل
"جسد الطفل له حرمة، وقدسية، وعلى الجميع احترامهما، بل ينبغي أن يعتاد الأهل الاستئذان من أطفالهم، قبل احتضانهم. وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يكون غير مستساغٍ لدى البعض، ولكنه مهم جداً حتى ينشأ الطفل على احترام جسده"، تقول الطبيبة والمعالجة النفسية الدكتورة سارة النجار، لرصيف22.
المتحدثة أشارت إلى ما أسمته "الممارسات غير الآدمية"، من المدرّبين، تجاه الأطفال في عددٍ من الأندية، والتي يتجاهلها بعض الأهالي، بهدف الحصول على البطولة، ناسين أن الهدف الأول من الرياضة، إسعاد الطفل، ومتعته، "فكيف يمكن للمدرّب أن يحقق نتيجةً إيجابية بالعصبية والإهانة؟"، وهو ما تحدثت عنه أيضاً، على صفحتها على فيسبوك، مطالبةً بوجود أخصائيين نفسيين في صالات التدريب الرياضية، لإرشاد المدرّبين إلى طرق التعامل مع الأطفال.
أخلاقيات المدرّب
وفي لقاء مع حسن محمد، وهو مدرّب محترف في رياضة الجمباز، أشار إلى أن العمل مع الأطفال، لتحويلهم من حب الرياضة فحسب، إلى اكتساب اللياقة والمرونة بسرعة، ليس سهلاً. "هناك أطفال لا يحبون ذلك، ونضطر أحياناً إلى رفع صوتنا، لكن من المهم جداً أن يكون المدرّبون محترفين، ومتخرجين من الكليات والمعاهد ذات الصلة، وليسوا مجرد عاملين في المهنة، بعد الحصول على تدريب سريع غير كافٍ لإتقانها، كما لا بد أن يتحلّوا بأخلاقيات المهنة والتدريب".
ويضيف المدرب أن حصول إصابات في أثناء التدريب، واردٌ أحياناً، خاصةً مع تمارين صعبة، مثل حركة فتح الحوض التي تضطر المدربين إلى الجلوس على ساق الطفل. "يجب أن أساعد الطفل حتى يتجرأ، وتكون لديه مرونة، ولكن من المهم ألا نقوم بأي حركات خطأ ومؤذية".
وأكد المدرّب على أن البطولات مهمة للمدربين، بلا شك، لأنها تضاف إلى سيرتهم الذاتية. لكن المهم في نهاية المطاف، عدم التسبب بأذى للأطفال، وأن يكون الأهل واعين، ويعترضوا على تصرفات المدرّبين إن تجاوزوا الحد المقبول.
جسد الطفل له حرمة، وقدسية، وعلى الجميع احترامهما، بل ينبغي أن يعتاد الأهل الاستئذان من أطفالهم، قبل احتضانهم.
غياب التقييم البدني
وبتفصيل أكبر، يشرح رئيس قسم الطب الرياضي في مستشفى الشرطة، الدكتور كريم زهران، التمارين الرياضية للأطفال، قائلاً: "الموضوع له أكثر من عامل، منها أن المدرّب يتعامل مع مجموعة، وليس مع أفراد، وبعض المدربين يتحاملون على الأطفال. ومع تكرار الشكاوى من بعضهم، قد ينصتون لهم، أو يتهمونهم بالدلع. وعموماً، يكون المدربون مستعجلين للبطولات، كما أن فترات الإحماء، قبل التمرين، كثيراً ما تكون غير كافية، ما يولّد مشكلات عديدة".
النقطة الأهم، في رأي الأخصائي، هي أن تدريب الطفل يعتمد على فترات الراحة، وطبيعة الطعام والنوم، وتدريبات اللياقة البدنية، "لكن للأسف، لا توجد تقييمات منفردة للأطفال، لمعرفة تاريخهم الصحي، وإمكاناتهم، أو أي إصابات أو أمراض لديهم، مثل لين العظام، أو التشوّهات القوامية، واعوجاج العمود الفقري المنتشرة مؤخراً بسبب التكنولوجيا، وهذه مسؤولية المدرّبين، والأهالي أيضاً، كما يجب أن يكون هناك تقرير موسمي لكل لاعب، لتحديد مستواه في كل مرحلة".
أما الإصابات التي يعاينها الطبيب، فأغلبها يأتي بسبب التحميل الزائد، ومنها في السباحة مثلاً، التهابات أوتار الكتف، أو تمزق العضلات، وقد تؤدي إلى إصابة مزمنة، خاصةً مع عدم الالتزام ببروتوكول علاج، وعدم الراحة عند الشعور بالإرهاق.
"دلع مبالغ فيه"
بشكل مغاير، ترى قمر سالم، وهي من محافظة كفر الشيخ، أن دلع الأمهات أحياناً، يكون مبالغاً فيه، وأن من حق المدرّب أن يقسو على الطفل، حتى يحقق معه نتائج جيدة.
قمر أضافت: "ابني حصل على بطولتين في السباحة، والمدرّب أحياناً يشتم، وأرى أن هذا طبيعي في أثناء ممارسة اللعبة، فالدلع لن ينفع ابني، ولن يكون في مصلحته. ذات مرة، ضرب المدرّب ابني، لأنه لم يرد استكمال التمرين، وكنّا قبل البطولة مباشرةً. غضبت بيني وبين نفسي، ولكن النتيجة كانت ميدالية ذهبية".
"رأيت المدرّب يصفع فتاةً على وجهها، ورفضت أن تستكمل ابنتي تمارين الباليه"، هكذا قالت اعتماد مرتضى (44 سنة)، من محافظة الجيزة، وأضافت شارحةً: "لا يجوز للمدرّب، أياً كان مبرره، أن يسب الطفل، أو يهينه، فالرياضة يُفترض أن ترفع من ذوق الأطفال، وأخلاقهم، وليس العكس".
"ابني حصل على بطولتين في السباحة، والمدرّب أحياناً يشتم، وأرى أن هذا طبيعي، فالدلع لن ينفع ابني، ولن يكون في مصلحته. ذات مرة، ضرب المدرّب ابني، لأنه لم يرد استكمال التمرين، وكنّا قبل البطولة مباشرةً. غضبت بيني وبين نفسي، ولكن النتيجة كانت ميدالية ذهبية"
وبشكل مشابه، لم يكمل ابن ناريمان، عبد المقصود، تمرين كرة القدم في أحد النوادي في محافظة البحيرة، إذ إن المدرّب كان يمسك بعصا طويلة، وعندما يتخاذل أي طفلٍ عن الجري، كان يضربه بشدة. "تركنا النادي فوراً، وأعتقد بأن المدرّب غير متخصص في هذه اللعبة، لكن للأسف التخصص هنا لا قيمة له".
وقبل أن تترك السيدة الأربعينية النادي، تقدّمت بشكوى بحق المدرّب، لكن بلا جدوى، ونصحت عدداً من الأمهات بترك النادي، "لكن للأسف بعض الأهالي يظنون أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتدريب أبنائهم، والوصول بهم إلى نتائج جيدة، ويتباهون بعد ذلك بالميداليات التي حصلوا عليها".
مصدر للاستعراض
"الضغط على الأطفال، للحصول على البطولة، أو التدريب، أو حتى الدراسة، شكل من أشكال العنف النفسي، والعاطفي ضدهم، لكن الأهل يمارسونه كوسيلة من وسائل الرضا عن أنفسهم، إذ يتمنّون أن يصبح أولادهم أفضل، وأصبحنا في مجتمع مهووس بالتحديات والتسابق"، تقول خبيرة الإرشاد النفسي ودكتورة الصحة النفسية سيهار صلاح، لرصيف22.
الضغط على الأطفال، للحصول على البطولة أو التدريب أو حتى الدراسة، شكل من أشكال العنف النفسي والعاطفي ضدهم.
عضوة الجمعية الأمريكية للإرشاد النفسي، أضافت: "هذا الضغط يولّد مشكلات لدى الأطفال، ومنها الكذب، والعدوانية، والتأخر الدراسي، خاصةً وأن بعضهم لا يعيشون طفولتهم، بسبب الانشغال بالمدرسة والتمرين. عاينت قبل فترة، طفلةً جاءت بكمية مشكلات نفسية رهيبة، طالبةً من أمها أن تتوقف عن التمرين فوراً"، وشددت على أن الآباء يجب أن يتخلّوا عن استخدام الأطفال، كوسيلة لإحساسهم بالبطولة والسعادة: "الطفل ليس مصدر استعراض، خاصةً مع نشر الأهالي صور أبنائهم على مواقع التواصل، فالرياضة موهبة، وهناك من لا يقدرون عليها".
ونوّهت صلاح بأن أغلبية المدرّبين لا يتملكون خلفيةً نفسيةً، أو تربويةً، ويستخدمون أساليب خطأ، وعنيفة، وغير مقبولة مع الأطفال. "هذا الأسلوب مؤذٍ نفسياً، ويتسبب بكراهية الطفل للرياضة، وشعوره بأن أبويه لا يدافعان عنه، وتالياً يتقبّل الأذى الجسدي، وهذه كارثة، فكيف أطلب منه بعد ذلك أن يقاوم ويتصدى للتحرّش على سبيل المثال؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.