بين الأسماك الملوَّنة، والطحالب، والصخور البحرية، يتحرك بكل خفة كأنه في مشهد سينمائي ببدلته الخاصة بالغوص لينقل للعالم عبر كاميرته ما لا تشاهده العيون عن غزة المحاصرة.
من أعماق بحرها، ينقل محمد أسعد (37 عاماً) صوراً للعالم ولأهل المدينة المحظور عليهم منذ سنوات طوال التمتع بكامل حدودها البحرية.
تجربة فريدة
بدأ محمد قبل سنة ونصف أولى خطوات مغامرة الغوص ليفتح المجال من بعده للعديد من الهواة لتجربة هذه الرياضة الفريدة في قطاع غزة. يقول لرصيف22: "التجربة كانت جديدة، واعتمدت على نصائح الصيادين، وحصلت على معلومات من الإنترنت، وتحديداً من اليوتيوب، وجمعت معلومات عن تمارين الغوص الحر".
كان يحلم منذ زمن طويل، كلما خرج في رحلة بحرية، أن يرى مليونا غزي، وملايين خارج القطاع المحاصر هذا المشهد، ويتأملون "جمال طبيعة بحر غزة".
طبيعة عمل محمد خدمته في هواية الغوص، وتصوير أعماق البحر، فهو يعمل في مجال التصوير الصحافي منذ 12 عاماً، وحصل على العديد من الجوائز العربية والدولية، من ضمنها "كاميرا الجوبرو" من خلال جائزة منظمة الأوائل التابعة للأمم المتحدة في مسابقة روح الإنسانية عام 2015، وبمصاحبة تلك الكاميرا يقوم برحلات الغوص والسباحة.
"خطوة من لا شيء"
وقفت أمام محمد مجموعة من التحديات، مثل عدم توفر أنابيب أوكسجين ووسائل التنفس الخارجية (غوص السكوبا)، لذلك اعتمد على طول النفس لأن الاحتلال الإسرائيلي يمنع وجود أنابيب الأكسجين في غزة، والبزات الخاصة بالسباحة، وزعانف السباحة، حسب قول محمد. يقول: "مع تمارين الرئتين أستطيع أن أستمر أكثر من دقيقة، الحركة داخل المياه مشكلة، لأني حالما أحرك عضلاتي وجسمي الحركة نفسها تحت المياه تحرق أوكسجين، ويراكم داخلي ثاني أكسيد الكربون، وهذا قد يتسبب في غرقي، لهذا غالباً أنزل البحر مع الصيادين".
يمنع المحتل الإسرائيلي دخول أنابيب الأكسجين، والبزات الخاصة بالسباحة، وزعانف السباحة إلى القطاع، لذا يلجأ محمد إلى تمارين الرئتين ليستيطع أن يستمر أكثر من دقيقة داخل المياه
ويؤكد أن هذا المجهود يؤثر عليه بسبب غياب وسائل التنفس، لذلك يحصل في كل مرة على مشاهد محدودة، قائلاً: "أحياناً أترك الكاميرا تحت المياه للتصوير ساعات طويلة، ثم أشاهدها، وأختار المشاهد الجميلة منها، وهذا يستغرق مني وقتاً مضاعفاً".
ويشكو محمد، كما كل الغزيين، تلوث مياه البحر، التي أيضاً تمنعه من الغوص مدة أطول، لذلك ينتظر الربع الأخير من العام، حتى إن كانت المياه باردة جداً، لأن المياه تكون نظيفة، وبذلك يخرج بمشاهد جميلة.
بدلة غوص مهترئة
بدلة السباحة والزعانف والنظارات التي يمتلكها محمد أسعد، جميعها قطع قديمة، دخلت غزة قبل عام 2014، وحالياً لا توجد بدلات غوص، لذلك يجازف، وينزل ببدلته القديمة، وزعانف مرتَّقة، يصلحها أكثر من مرة، يقول: "وكل هذا في سبيل الصورة الطبيعية الجميلة". يقول، ويضيف : "بالإضافة إلى ذلك الحصار الموجود على الأرض، هناك حصار في البحر من خلال منع الاحتلال دخول معدات الغطس، وأي تلف بالمعدات مصيبة كبيرة توقف عملي، لذلك أكثر ما أتمناه هو أن يكون عندي كاميرات مائية، وبدلة غطس جديدة، ومعدات تساعدني على أن أصور تحت المياه بشكل أفضل".
أنشأ محمد قناة خاصة بالغوص على يوتيوب، يقول: "أتحدث في قناتي عن التكوين الداخلي للبحر، وطرق طهو الأنواع النادرة من الكائنات البحرية، ومؤخراً صورت فيلماً عن زعانف مبتورة، وعرض على شاشة الميادين، وكان إنجازاً جيداً لأنه أول فيلم وثائقي يخرج من غزة من تحت البحر".
ويشير محمد إلى أن ما يشاهده الناس عبر قناته على اليوتيوب يدفعهم للتواصل معه بهدف تجربة رياضة الغوص، خصوصاً بعد عرض مشاهد بحرية لأكثر الأماكن تميزاً، حيث المناظر الصخرية الخلابة كصخور القرنيطة، والبلحة، والأهرامات جنوب خان يونس، وصولاً الى الجزيرة، وهي مساحة واسعة من ثلاثة آلاف متر مربع، تحتوي على مغارات، وصخور بشكل تصاعدي حتى تصل إلى فوق سطح الماء بسنتيمتر.
القدرات الجسدية والمعدات
أما رامي مقداد (34 عاماً) فعمل على تطوير هواية الصيد، التي يحبها منذ طفولته، من خلال متابعته المحترفين من خارج غزة، حتى أصبح رئيس لجنة الغوص الحر في اتحاد السباحة الفلسطيني. يقول: "اهتممت بشكل كبير في حصر أعداد هواة الغوص في قطاع غزة، حيث أصبح هناك 40 عضواً في الاتحاد جميعهم محترفون وقادرون على الغوص في اعماق البحر".
ويضيف رامي لرصيف22: "للأسف القوة والقدرات الجسدية وحدها غير كافية، فنحن بحاجة لمعدات وأدوات كثيرة، حتى وإن حاولنا تصنيع بعضها محلياً، مثل المسدس البحري، فقد أصبحنا نصنعه من الخشب، وهو أقل جودة وكفاءة، ونقوم كذلك بإعادة تصنيع بدلات السباحة في محاولة للتغلب على كل المعوقات".
وعن أفضل أوقات يراها رامي مناسبة للغوص، يجيب أنها أيام تشرين الأول/أكتوبر، وتشرين الثاني/نوفمبر، إذ يكون البحر صافياً، ويبدأ موسم هجرة الأسماك.
غواصة تطمح للعالمية
تنبه فاطمة منصور (36 عاماً) رئيسة لجنة المرأة بالإتحاد الفلسطيني للسباحة في غزة إلى وجود إقبال كبير من قبل الفتيات لتعلم السباحة، دوناً عن الغوص، لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع المحافظ.
تقول منصور لرصيف22: "في مرحلة الزهور، تتقدم أكثر الفتيات لطلب الالتحاق بدورات السباحة، خاصة في فترة الإجازات، وخلال الصيف الماضي تجاوز عددهنّ 100".
تضيف منصور، مستدركة: "لكن يقتصر تعليم الفتيات على السباحة الداخلية بأماكن مغلقة بحكم طبيعة العادات والتقاليد الشرقية في قطاع غزة، وبسبب خصوصية المجتمع المغلق، لذلك يكون تعليم الغوص لمن هم تحت 13 عاماً، وعملنا قبل سنة مسابقة على البحر لكن أكبر من هيك صعب".
مي عودة، طالبة الثانوية العامة، لم تتجاوز 17 عاماً، أحبت البحر، والسباحة، وفكرة الغوص من والدها، الذي اصطحبها وإخوتها كثيراً لشرم الشيخ في مصر، ومارسوا هناك رياضة الغوص، ولاحقاً قرّرت أن تنضم لأكاديمية السباحة حتى تتعلّم بإشراف مدربين محترفين.
وتقول مي لرصيف22: "على مدار 3 سنوات اجتزت 4 مراحل من السباحة الحرة، والصدر، والفراشة، والظهر، وبدأت بالغوص الحر واكتشفت جمال البحر في بلادنا".
"يقتصر تعليم الفتيات في غزة على السباحة الداخلية بأماكن مغلقة بحكم طبيعة العادات والتقاليد، وبسبب خصوصية المجتمع المغلق، لذلك يكون تعليم السباحة في البحر لمن هم تحت سنّ 13 عاماً"
وتضيف: "أهلي كانوا الدعم الأول لي، وشجعني بابا بهدية رائعة عبارة عن بدلة، ومعدات سباحة من مصر، واليوم حلمي وطموحي أن أصبح غواصة عالمية، أغوص في بحار كثيرة، وأحصل على دورات أكثر، ومسابقات خاصة عندما كان عمري 12 عاماً بعد شهرين من تعلم السباحة، حصلت على المركز الثاني في بطولة فلسطين للمسافات القصيرة 50 متراً سباحة في غزة".
"رياضة قديمة أحياها الشباب"
يشير محمد عودة، رئيس لجنة الزعانف والعلاقات العامة في الاتحاد الفلسطيني للسباحة والرياضات المائية، إلى أنّ رياضة الغوص "قديمة حديثة إذ كانت موجودة من قبل 40 عاماً، وكانت تقتصر على الغوص الحر الذي يعتمد على حاجة الصيادين إلى النزول لأعماق البحار لتسليك الشباك، الذي كان يشبك بالصخر، وكان الغوص ارتجالياً يتعلق بطبيعة المهنة فقط".
ويضيف عودة لرصيف22: "اليوم أصبح لدينا الاتحاد الفلسطيني للسباحة والرياضات المائية، والذي يشمل كل أشكال الغوص، مثل السكوبا الذي يعتمد على الأوكسجين، لكنه غير متوفر في غزة بكثرة، والغوص الحر الذي يعتمد على النفس، وأصبح لدينا فريق كبير من 40 شخصاً".
ويتحدث عودة عن المعوقات التي تقف أمام الغواصين في غزة، مؤكداً أن المعوق الأساسي هو الاحتلال الإسرائيلي، والمعابر المغلقة، التي لا تسمح بدخول المعدات اللازمة، مثل معدات الغوص من الزعانف والنظارات والسنوركل والبدلة الخاصة في السباحة.
"التلوث يؤثر بشكل كبير على رياضة الغوص".
ويرى عودة أن الحصار لا يزال عائقاً أمام تحرك الغواصين للمشاركة في مسابقات دولية لرياضة الغوص، إضافة إلى الحصار الذي تسبب في ضخ مياه الصرف الصحي في البحر، حيث التلوث يؤثر بشكل كبير على رياضة الغوص، التي تعتمد بشكل كبير على صفاء المياه.
وعن مشاركة المرأة في رياضة الغوص، يقول عودة، متفقاً مع وجهة نظر فاطمة منصور فيما يتعلق بخصوصية المجتمع المحافظ: "نحن كاتحاد مهتمون كثيراً بأن ندعم بشكل كبير نشاطات تخص المرأة، ويرعى الاتحاد العديد من سباقات السباحة بالجامعات بإشراف محكّمات، ونراعي في هذه السباقات الأعراف والجوانب الاجتماعية وطبيعة المجتمع الغزي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون