شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"هي طوق نجاة لنا"... فتيات يتزلجن بأحذية وعجلات في شوارع مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 24 يونيو 202103:33 م

يتجوّلن في شوارع مصر والتحدي يملأ وجوههن. يكسرن العادات والتقاليد التي يرين بأن لا فائدة منها، عبر ممارسة الرياضة التي يحببنها. فتيات تتراوح أعمارهن بين الثامنة عشر والثلاثين، باتت رؤيتهن وهن يتزلجن بأحذيتهن ذات العجلات في شوارع مصر أكثر انتشاراً في الشهور الماضية.

هذه الرياضة تعرف باسم "الإسكيتنغ"، وهي عبارة عن جهاز مزود بعجلات من الأسفل، يتمّ ارتداؤه في القدمين للتزلج على الجليد أو الأرض. هي في الأساس تعتمد على السرعة الكبيرة للمسافات الطويلة، لكن فتيات مصريات اكتشفن بأنها قد تكون مفيدة لهن، فقررن تجربتها في الشوارع والطرق، لتصبح مع الوقت وسيلة مواصلات مريحة، خاصة للمشاوير القصيرة.


طوق نجاة وتفريغ نفسي

أسماء شوقي (25 عاماً) من محافظة القليوبية، تروي لرصيف22 عن بدايتها مع الإسكيتنغ قبل ثلاثة شهور، مؤكدة أنها تجرّأت على الفكرة حينما شاهدت العديد من الفتيات بأحذيتهن ذوات العجلات في شوارع محافظتها.

باتت رؤية فتيات وهن يتزلجن بأحذيتهن ذات العجلات في شوارع مصر أكثر انتشاراً في الشهور الماضية.

مع مرور الوقت وانتشار فتيات وسيدات يتزلجن في طرقات القليوبية، تطور الأمر، كما تقول الفتاة الحاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية، إذ بدأ عدد من المحلات والمطاعم بالتواصل مع الفتيات اللواتي يمارسن هذه الرياضة، كي يقمن بعمل دعاية لمنتجات هذه المحلات لقاء مقابل مادي.

والأهم من وجهة نظرها، أن الإسكيتنغ باتت وسيلة مواصلات للعديد من الفتيات، خاصة للمشاوير القصيرة، فهي تحميهن من التحرش المنتشر بشكل كبير في وسائل المواصلات: "هي طوق نجاة لنا"، حسب وصفها، مؤكدة أنها تستخدمها كوسيلة مواصلات شخصية، فهي تخفف من حالات التحرش التي يمكن أن تتعرّض لها، وتساعدها على الهروب من الزحمة، كما توفر وقتها.

فتيات يمارسن الاسكيتنغ في شوارع مصر

من مجموعة Cairo skaters girls only

وكغيرها من الأنشطة الرياضية، تخلص ممارسة "الإسكيتنغ" الفتيات من المشاعر السلبية، وتحسن المزاج والحالة النفسية بشكل ملحوظ، وفق حديث أسماء.

ويتطلّب دخول هذا المجال كما تتحدث أسماء 400 جنيه مصري على الأقل ثمن الحذاء (25 دولاراً)، وهو يمكن أن يصل حتى 8000 جنيه، والتدرّب بمعدل لا يقل عن ثلاث مرات أسبوعياً، وعدم الخوف من حوادث الوقوع على الأرض واختلال التوازن التي يمكن أن تحدث خلال الفترة الأولى من التمرين.


نتعرّض للاستهزاء أحياناً

إلا أن ممارسة هذه الرياضة في شوارع مصر ليست بالأمر السهل كما تقول أسماء، "فالبعض يرون بأنها عيب وتتنافى مع العادات، وكثيراً ما أقرأ في عيون المارة عبارات من قبيل: عيب عليك تمشي وتتراقصي كده، أو: إيه اللي أنتو بتعملوه دا".

الاعتراض لا يتوقف فقط على الغرباء في الشارع، فعائلات كثيرة ترفض فكرة أن تخرج بناتها للتزلج في الطريق، نتيجة الخوف عليهن من التعليقات، ومن خطر اللعبة نفسها. بذلك، كثيراً ما تتلقى الفتاة أسئلة من فتيات أخريات مثل "إزاي أقنع أهلي"، مضيفة أن "الأهالي يعترضون لمجرد أنها تجربة جديدة غير معروفة في مصر والعالم العربي عموماً".

باتت الإسكيتنغ وسيلة مواصلات للعديد من الفتيات، خاصة للمشاوير القصيرة، فهي تحميهن من التحرش المنتشر في وسائل المواصلات. أنا اليوم استخدمها كوسيلة مواصلات شخصية، فهي تخفف من حالات التحرش التي يمكن أن أتعرّض لها، وتساعدني على الهروب من الزحمة، كما توفر وقتي

هذا لا يعني عدم الحصول على الدعم مطلقاً من الوسط المحيط، ففي أحيان كثيرة تسمع أسماء تعليقات بصوت مرتفع من المارة مثل "عاش"، "الله ينور"، "إديني لفة"، كما أن البعض يعترضون طريقها في الشارع ليسألوها عن نوعية هذه الرياضة وكيف تعلمتها، وما هي الأماكن التي يمكن للفتيات اللجوء إليها لإتقانها.

بدورها تتحدث رنا عطيتو علي (20 عاماً)، وهي تدرس بكلية علوم الحاسب بجامعة طيبة،عن هذه الرياضة التي باتت جزءاً مهماً من حياتها، وحياة العديد من المصريات في الآونة الأخيرة، بغض النظر عن أعمارهن وانتماءاتهن وخلفياتهن، وحتى إن كن متزوجات أو لا، والعديد منهن يرتدين الحجاب والنقاب.

تنشر رنا على حسابها على فيسبوك العديد من المقاطع التي تظهر فيها وهي تتزلج مع صديقاتها في شوارع المدينة، وتشير خلال حديثها مع رصيف22 إلى أن ما يدفع فتيات مصريات كثيرات لممارسة هذه الرياضة في الشارع هو عدم وجود أماكن مخصصة ومجهزة لها، وهو أمر يقع على عاتق وزارة الشباب والرياضة، كي تهتم بالإسكيتنغ وتشجّع من يمارسونها، خاصة وأنها فعلاً تساعد على التخلص من الطاقة السلبية، وممارستها لساعة واحدة كل يوم بعد انتهاء العمل أو الدراسة لها تأثير إيجابي كبير، وفق تعبيرها.

ولا تخفي رنا تعرضها أحياناً لمضايقات في الشارع وهي تتزلج: "يعترض طريقنا أحياناً من يستقلون موتوسيكلات أو سيارات، ويوجهون نحونا ألفاظاً ونظرات تحرش. لا نلقي بالاً للأمر، وحتى لو توقفت إحدانا عن الرياضة بسبب الإزعاجات والسخرية تعود بعد وقت قصير إذ نشجعها جميعنا على ذلك".

فتيات يمارسن الاسكيتنغ في شوارع مصر

أسماء شوقي من ممارسات الإسكيتنغ في مصر

سائقو الحافلات "بيخبطونا قصد"

تشرح مريم وائل (22 عاماً)، وهي تلعب "الإسكيتنغ" منذ خمسة عشر عاماً، وتدرب اليوم بأحد نوادي القاهرة، أكثر عن هذه الرياضة لرصيف22: "هي رياضة سباق سرعة تعتمد على الجري لمسافات معينة ووقت معين، ومنها ما يتحول لرقصات على أغنيات محددة، لكن ذلك يحدث ضمن النوادي فقط، في حين تلجأ فتيات كثيرات لممارسة هذه الرياضة في الشارع لعدم وجود أماكن كافية مجهزة للعب بشكل آمن واحترافي، وأغلب الأماكن هي مجرد مساحات فارغة لا تسمح تضاريسها باللعب كما يجب".

تؤكد مريم، التي تدرس بالجامعة الكندية في القاهرة، تعرّضها لمضايقات، خاصة من سائقي الحافلات: "أشعر وكأنهم يقولون لي بأنني منحرفة وغير محترمة. منهم من يتعمد صدم الفتيات اللواتي يتزلجن وحتى تعريضهن للأذى، مع عبارات مثل: تستاهلي يا أمورة ياللي عايزة تتعاكسي"، وتعبّر عن استيائها من نظرة كثير من المصريين لهذه الرياضة، والبعض يقول بأن السبب هو الملابس المخصصة لها: "إحنا مش ماشيين في الشارع بمايوه مثلاً... لابسين ملابس عادية"، مضيفة: "لا بد من التوعية حول هذه اللعبة وأهميتها، تعريف الناس بها وتخصيص أماكن أكثر لها".

فتيات يمارسن الاسكيتنغ في شوارع مصر

من مجموعة Cairo skaters girls only

ومنذ حوالي شهرين، ومع ازدياد عدد ممارسي هذه الرياضة، أنشأت مريم مجموعة فيسبوك لتتشارك فيها فتيات "الإسكيتنغ" تجاربهن، وفيها اليوم أكثر من 18 ألف فتاة يتفاعلن ويحكين قصصهن مع الأسرة والمجتمع المحيط.

وعن المجموعة والنقاشات الدائرة ضمنها تشرح بالقول: "يرفض كثير من الأهالي هذا الموضوع، مثل ركوب الدراجة الهوائية، تحت شعار العادات والتقاليد: ما ينفعش بنت تركب عجلة أو موتوسيكل وتلفت نظر ليها. الطريقة الوحيدة للإقناع هي أن تبدأ الفتاة باللعب في مساحة آمنة مثل النادي، وبعدها يمكن الانتقال لمساحات أخرى أوسع وحتى استخدام الآلة كوسيلة مواصلات، خاصة وأن إتقان اللعبة لا يتطلب سوى بضعة أشهر، ومع الشجاعة والجرأة قد لا تتجاوز المدة اللازمة لذلك الشهرين".

أشعر وكأنهم يقولون لي بأنني منحرفة وغير محترمة. منهم من يتعمد صدم الفتيات اللواتي يتزلجن وتعريضهن للأذى، مع عبارات مثل: تستاهلي يا أمورة ياللي عايزة تتعاكسي. يقولون بأن السبب هو الملابس المخصصة لهذه الرياضة. إحنا مش ماشيين في الشارع بمايوه، لابسين ملابس عادية

بدورها تشجع شدوى الشريف، رئيسة جهاز ألعاب الانزلاق بنادي الشمس، وهي مدربة إسكيتنغ منذ عام 2000، الفتيات على ممارسة رياضات التزحلق، وهو أمر ترى بأن الإقبال عليه ازداد في الآونة الأخيرة، إذ تقدّر ارتفاع عدد الطلاب لديها، وخاصة الفتيات، بنسبة 70% في العام الأخير.

وتتحدث شدوى (39 عاماً) لرصيف22: "تعترض صعوبات كثيرة دون شك طريق الفتيات اللواتي يرغبن باستخدام هذه الأحذية في الشوارع، خاصة وأن شوارع مصر غير مؤهلة، ما يعرّضهن للخطر، هذا إضافة لتعنّت الأهالي ورفضهم، لكننا نلاحظ بأن الأمر يتغير بعد مشاهدتهم التمارين وكيفية تأثير هذه الرياضة على حياة بناتهم بشكل إيجابي".

وتختم حديثها بالقول: "نظرتي كمدربة أن الإسكيتنغ ستصبح لعبة شعبية في مصر، مثلها مثل السباحة، ولكننا نحتاج وقتاً لأن الشارع المصري يرهب الفكرة ولكن لا يكرهها. اللعبة ذات روح حلوة، والمنافسة فيها جميلة، وحتى من يخسر يستمتع، فالسقوط والنهوض يعلم ممارسيها فن الحياة أيضاً".

    


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image