شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
خالد يوسف يُخرج والأجهزة تنتج... أسئلة ما بعد احتفالٍ بطعم الاحتلال

خالد يوسف يُخرج والأجهزة تنتج... أسئلة ما بعد احتفالٍ بطعم الاحتلال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 10 سبتمبر 202104:16 م

أما الاحتفال بطعم الاحتلال فيقيمه المؤمنون بأن فرحهم منقوص، مشروط بإكراهات سلطة سمحت بالاحتفال، وفرضت شروطها على المحتفَل به، ونبّهته إلى أنه يؤدي دوراً، ويجتهد في حدود النص المنزّل، ويمارس سباقات العدْو في المحل لتفادي تيبّس المفاصل، أو داخل أسوار يعجز عن ارتقائها.

وما جرى للبرلماني السابق خالد يوسف منذ فبراير 2019، حتى عودته من منفاه الاختياري الباريسي في سبتمبر 2021، يثير علامات استفهام حول السلطة كجهاز فوق القانون. ولو كنت مكان خالد يوسف، بما لديه من حصانة عمومية وشهرة كتلميذ ليوسف شاهين، وحماية من يساريين وناصريين ومعتقلين سابقين احتفلوا بعودته، لسمّيت الأشياء بأسمائها، وقلت: هذا أحد تجليات “إرهاب دولة”.

عودة المنتصر محمولاً على الحق، وليس على قوة أجهزة السلطة، تمدّه بالثقة الكافية لرفع صوته، واسترداد حقوقه كمواطن أسيء إليه، ولو بإصدار بيان يستعرض الحقائق، ويطالب المخطئين في حقه بالاعتذار، ويلوّح برفع دعاوى تؤيدها نصوص الدستور ضد أجهزة شوّهت سمعته، والأهم من هذا كله أن يبرئ ساحة آخرين، وبالأحرى أخريات تعرضن للسجن، وكان اسمه وارداً معهن في أكثر من جملة مفيدة، طوال احتمائه بإقامته الباريسية، وهنّ سجينات، ضحايا ذئاب مكلفين بأكل لحوم غير القادرين على الفرار إلى باريس، أو الانتحار في الصحراء حيث الضواري أرحم من "إرهاب الدولة"، وهو مصطلح يتفاداه خالد يوسف بذكاء، بعد "قرصة أذن" لعلها انتهت بتسوية.

في 13 سبتمبر 2019 نشرتُ في صحيفة العرب اللندنية مقالاً عنوانه "تجديد الخطاب السياسي... بمناسبة تسونامي محمد علي"، قلت إن دستور 2014 في مصر "أول دستور في العالم يجري تعديله، مسبوقاً بحملة دعائية بالترغيب والترهيب، قبل تجريبه لاختبار مدى صلاحيته".

لا نريد الاطلاع على شروط الصلح، ولكن الزفّة والزواج السريع بالإعلان عن أعمال يخرجها خالد وتنتجها الأجهزة يثير الشكوك

وتقول مادة رقم 57: "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصالِ حرمةٌ، وسريّتها مكفولةٌ، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محدودة". ولم توجّه تهمة خرق الدستور، وتحدي القانون، إلى إعلاميين تسمّنهم أجهزة سرية، وتحرضهم على انتهاك الحياة الخاصة لمواطنين، منهم خالد يوسف وضحاياه.

لدى الرجل أنصار من خبراء القانون، أكثر دراية بنصّ دستوري صريح يسمح بعقاب مستبيحي عرض مواطن واتهامه بجريمة تمسّ مواطنات. فلماذا لا يقدم على هذه الخطوة، إثباتاً لجدارة الدستور واحترامه، وانتصاراً للحقيقة، وتبرئة لساحة فتاتين قُضي على مستقبلهما؟

وبعد القصاص من متعمدي التشهير واختراق حرمة الحياة الخاصة، يمكن لمحاميه الاستدارة إلى الفتاتين ضحيتيْ خالد يوسف؛ ففي فبراير 2019 قدمت محامية الفتاتين إلى محكمة جنح مدينة نصر ما قالت إنه عقد زواج عرفي، بتاريخ أبريل 2014، لكلٍّ من الفتاتين من المخرج، وإنهما "أكثر المتضررين من تسريب الفيديوهات لتأثيرها على سمعتيهما باعتبارهما سيدتين كانتا متزوجتين من المخرج خالد يوسف"، واتهمتاه بالتغرير بهما.

انتصار منقوص؛ فالعودة تبدو تحت الحماية، والاحتفال تحت انتداب يمنح سلطة الحكم الذاتي في حدود المنازل. والصور التي نشرها خالد يوسف دالة على أن معظم المحتفلين تسبقهم صفة "سابق": مرشح للرئاسة، وزير، برلمانيون، معتقلون، صحفيون مقربون من السيسي، أعضاء في مجلس نقابة الصحفيين. بقي أن يقول المشهد إنهم "مواطنون سابقون".

لو لم يكونوا كذلك لاستغلوا حماسة النصر، ووقعوا بياناً يطالب بشفافية التعامل مع ضحايا لا يزالون وراء الأسوار، ولم توجه إليهم تهمة، والاتهامات إن وجدت فهي مرسلة. ولعل خالد داود، الناجي من المعتقل، أدرى بما يلاقيه كلٌّ من زياد العليمي، وهشام فؤاد، وعلاء عبد الفتاح، وعبد المنعم أبو الفتوح، وآخرون.

كان اسمه وارداً معهن في أكثر من جملة مفيدة، طوال احتمائه بإقامته الباريسية، وهنّ سجينات، ضحايا ذئاب مكلفين بأكل لحوم غير القادرين على الفرار إلى باريس

بعد 2013 جرى تقريب صحفيين ومذيعين. كانت السلطة تجرب القياسات الملائمة، وجعلتهم نجوماً، ثم منعت برامجهم وغيّبتهم، واستنبتت آخرين صغاراً ينفذون التعليمات حرفياً، ولا تقوى أنفسهم على جسارة الجدل، ولا يملكون مهارات الاجتهاد في حدود النص. سلطة عَجَول -من العجلة لا البهيمية- يصيبها الضجر، وتستعجل الثمرة.

وهنا أدركتْ قيمة المثل القائل: "شراء العبد أفضل من تربيته"، ففتحت الدفاتر القديمة، واستدعت بعضاً من المغضوب عليهم، في عودة مشروطة. يعود الضالون ولا يتعففون عن الجزرة المسمومة، لعلمهم بأن وليّ النعم سيمنع ثانية إذا خالفوا شروط التعاقد. في العودة يكونون أكثر حذراً، جنوداً ذاقوا النعيم مرتين، ومرارة الفراق مرة، يريدونها أخيرة.

أهلاً بخالد العائد؛ ترحيب يتبعه حق المجتمع في المعرفة وكشف الغموض، وإعادة الحقوق إليه وإلى فتاتين جرى استغلالهما واغتيالهما. البيان الذي لم يصدره المرحبون بالزعيم يفترض أن يسأل: أين الدولة من انتهاك الحياة الخاصة؟ كيف تعوَّض فتاتان عن السجن أربعة أشهر والندوب في الروح باقية؟ لماذا لا تتحرك دعاوى ضد إجرام مارسه أفراد وسمحت به أجهزة؟ ما مصير اتهام الفتاتين للمخرج وقولهما إنه تزوجهما؟ وإذا جرى خطأ في حق الضحايا فلماذا تعتذر السلطة عن فترات القهر في السجن أو المنفى الاختياري؟ لا نريد الاطلاع على شروط الصلح، ولكن الزفّة والزواج السريع بالإعلان عن أعمال يخرجها خالد وتنتجها الأجهزة يثير الشكوك.

أرجو أن يخيب ظني بإجابات عن هذه الأسئلة. بتجاهل الحق في المعرفة تفتقد الثقة في السلطة، وفي مخرج قدّم نفسه كمعارض لم يحتمل فاتورة رفضه تعديلات دستورية تؤبّد حكماً نابليونياً بحاجة إلى تقنين، كما أعادت التعديلات مجلس الشيوخ، وهو "اسم دلع" لمجلس الشورى الذي كان إلغاؤه من مكاسب ثورة 25 يناير؛ لأنه عبء اقتصادي على بلد لا ينتج خبزه.

العودة والترحيب والاستغفال عناوين على متن الحواوشي؛ "يا أهلاً بالحواوشي"، وما بين الأقواس عنوان مقال نشرتُه في مارس 2008 في صحيفتيْ "الدستور" القاهرية و"القدس العربي" اللندنية. بالمصادفة كان المقال عن فيلم لخالد، والآن ينتقل مفهوم الحواوشي من السينما إلى العجين السياسي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard