الحكم على مغنّي الراب الإيراني الشهير توماج صالحي بالإعدام، هو الخبر الذي أشعل الرأي العام مؤخراً في إيران، وتفاعل معه عشرات الآلاف من الأشخاص على شبكات التواصل الاجتماعي. توماج صالحي، البالغ من العمر 33 عاماً، مغنّي راب ومؤلف أغانٍ فارسية، اشتهر خلال السنوات العشر الماضية بأغانيه ذات المضامين الاحتجاجية على مشكلات إيران السياسية والاجتماعية والسياسات القمعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
خلال الاحتجاجات الأخيرة في إيران، والتي عُرفت بحركة "المرأة، الحياة، الحرية"، وصلت شهرة توماج إلى ذروتها من خلال أغانيه الاحتجاجية. توماج صالحي الحاصل على العديد من الجوائز الدولية عن أغاني الراب تلك، مسجون حالياً في سجن "دسْتجِرد" في مدينة أصفهان وسط إيران.
من هو توماج صالحي الذي أصبح الآن من الشخصيات الأكثر شعبيةً في إيران؟
المغنّي الذي حُكم عليه بالإعدام
وُلد توماج صالحي في مدينة أصفهان التاريخية وسط إيران، وتعلم منذ سن السابعة العزف على التمباك (طبلة خشبية)، وهي إحدى الآلات الإيقاعية الإيرانية. شاعره المفضّل هو الخيام. تخرّج توماج من الجامعة في الهندسة الميكانيكية، كما أنه خبير في الخراطة.
يتحدث توماج صالحي في أعماله وأغانيه عن أمله في وجود بلد خالٍ من الاضطهاد ويلقي اللوم بشكل مباشر على حُكّام إيران في تخلّف البلاد وفقرها والتمييز فيها
يتحدث في أعماله وأغانيه، عن أمله في وجود بلد خالٍ من الاضطهاد ويلقي باللوم بشكل مباشر على حُكّام إيران في شأن تخلّف البلاد وفقرها والتمييز فيها. نشأ في أسرة سياسية، إذ قضى والده سنوات عدة في سجون إيران بعد الثورة الإسلامية.
صدرت أولى أعمال توماج قبل ثماني سنوات، وهي عبارة عن فيديو كليبات احتجاجية بمضامين سياسية، تناولت بشكل نقدي الوضع الاجتماعي والسياسي داخل إيران، ما جعله يتمتع بشعبية كبيرة بين الإيرانيين. هو الملحن لغالبية أغانيه التي كانت بمثابة صوت جديد، للجيل الذي أراد نمط حياة جديداً، الجيل المنتفض ضد ممارسات النظام السلطوية في إيران.
ألقي القبض على توماج في المرة الأولى قبل ثلاث سنوات، في 12 أيلول/سبتمبر 2021، بسبب أنشطته الفنية ومُنعت عنه الزيارات ولم يكن لديه أي اتصال بعائلته، وحكم عليه أخيراً بالسجن لمدة ستة أشهر مع غرامة مالية، لكن بعد إطلاق سراحه لم يعدل عن الطريق الذي اختاره، ومن هنا بدأت حريات توماج تتقلص ومتاعبه تتفاقم.
توماج والحركة النسوية في إيران
بعد مقتل مهسا أميني، في أحد مراكز شرطة الأخلاق في طهران، في أيلول/سبتمبر 2022، اندلعت موجة من الاحتجاجات السياسية داخل إيران، شاركت فيها غالبية المدن الكبرى والتحقت بها القرى، وشهدت البلاد في هذه الانتفاضة أكبر وأطول مظاهرات ضد الجمهورية الإسلامية، وحظيت بدعم واسع من الإيرانيين/ات في الخارج، الذين نظّموا مسيرات احتجاجيةً ضد النظام في أكثر من 150 مدينةً حول العالم، كما تضامنت معها الحكومات والشخصيات السياسية والاجتماعية والعلمية والفنية البارزة في مختلف دول العالم.
وبحسب صحيفة الغارديان، شكلت هذه الاحتجاجات أكبر تهديد للحكومة الإيرانية منذ الثورة الإسلامية عام 1979، إذ كانت في البداية احتجاجات ضد وجود شرطة الأخلاق في شوارع إيران لتطبيق قانون الحجاب القهري، لكن سرعان ما تحولت إلى حركة ثورية ضد النظام. خلال هذه الاحتجاجات اعتُقل وسُجن عشرات الآلاف من الأشخاص، كما قُتل مئات المتظاهرين، وفقد العشرات أبصارهم بسبب إطلاق الشبيحة النار مباشرةً على عيونهم.
وكان توماج صالحي أحد الفنانين/ات المتضامنين/ات مع تلك الحركة ومصدر إلهامها، إذ نشر مقاطع فيديو موسيقيةً احتجاجيةً مباشرةً بعد بداية الحركة، ومع اندلاع الاحتجاجات العامة في 2022، نشر توماج صورةً لنفسه وهو يشارك في الاحتجاجات، وأصدر أيضاً أغنيةً بعنوان "تبصير في فنجان القهوة"، تحدث فيها عن ذلك اليوم الذي يُقبض فيه على جميع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية.
وبعد ذلك، هرب من القوات الأمنية وتحولت حياته إلى حياة سرّية، وقام خلال هذه الفترة بتسجيل مقاطع فيديو، تحدّث فيها عن ضرورة الوقوف في وجه الحكّام. توماج الذي قال في مقابلة مع قناة "سي بي سي" الأمريكية، إنه متفائل للغاية في شأن مستقبل هذه الاحتجاجات، ويعتقد بأنه ستكون هناك ثورة في إيران خلال ستة أشهر، اعتُقل في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، في محافظة جهارمحال وبختياري غرب البلاد.
أمضى توماج 252 يوماً في الحبس الانفرادي، وتعرّض لتعذيب كان يمكن أن يُفقده بصره إلى الأبد، لكن بعد إخماد احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، أُطلق سراحه بكفالة من سجن دستجرد في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بعد سجنه لمدة جاوزت العام.
بعد إطلاق سراحه، كشف توماج على الفور عن تعذيبه في سجون النظام، وفي الأيام القليلة التي أعقبت إطلاق سراحه، ذهب للقاء أشخاص آخرين تم اعتقالهم خلال الاحتجاجات، وهؤلاء جميعهم الآن في انتظار جلسات المحاكمة أو تنفيذ أحكامهم. ولاقت صورة لأحد هذه اللقاءات الكثير من الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي صورة لقائه مع الشاعرة الإيرانية سبيده رشنو، التي ألقي القبض عليها وحُكمت بالسجن لمعارضتها الحجاب الإجباري.
وبسبب كشفه عن تعذيبه، تم اعتقال توماج مرةً أخرى بعد 12 يوماً من إطلاق سراحه في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، إذ هاجم عدد من عناصر الأمن منزله واعتقلوه.
كان توماج صالحي أحد الفنانين المتضامنين مع الحركة الاحتجاجية الأخيرة في إيران ومصدر إلهامها، إذ نشر مقاطع فيديو موسيقيةً احتجاجيةً مباشرةً بعد بداية الحركة، ومع اندلاع الاحتجاجات العامة في 2022، نشر توماج صورةً لنفسه وهو يشارك في الاحتجاجات
منذ يوم اعتقاله وحتى اليوم، لم يغب توماج عن أحاديث الناس على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، ويُعدّ الآن من أكثر الشخصيات شعبيةً في الوسط الفني في إيران. وفي 24 نيسان/أبريل 2024، حكمت محكمة الثورة الإسلامية في أصفهان على توماج صالحي بالإعدام شنقاً بتهمة الإفساد في الأرض، لكن محاميه قال في مقابلة إن هذا الحكم فيه تناقضات قانونية واضحة، مؤكداً أنه سيقدّم استئنافاً ضده. وما يساعد توماج أكثر من الاحتجاج ضد الحكم، هو الاحتجاج الشعبي الذي ظهر على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل واسع.
للتخويف أو لإعدام المعارضين؟
يعتقد كثيرون في إيران أن الحكومة أصدرت مثل هذا المرسوم لخلق جوّ من الترهيب فقط، إذ يرون أنه لن ينفَّذ بأي شكل من الأشكال، فيما يقول آخرون إن الحكومة حاكمت وأعدمت حتى الآن العديد من الأبرياء، أبرزهم المصارع الإيراني الشهير نويد أفكاري، والصحافي الإيراني روح الله زم. لكن إذا أصدرت الحكومة حكم الإعدام على معارضيها لخلق الرعب، فلن تنفّذ تلك الأحكام إذا لزم الأمر بغية تخويف المجتمع أكثر، وربما على الفنانين في جميع أنحاء العالم التحدث عن توماج، لكيلا تتمكن السلطات الإيرانية من إعدامه.
وحتى اليوم، تفاعل أشخاص مختلفون من الأطياف السياسية والثقافية كافة مع حكم الإعدام، وأرسلت الناشطة نرجس محمدي الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2023، التي ظلت في السجن لسنوات عديدة لمعارضتها اضطهاد النساء والمواطنين الآخرين، رسالةً ضد هذا الحكم الذي وصفته بالجائر، كما كتب الموسيقيار الإيراني الشهير كيهان كلهر، رداً على صدور هذا الحكم، تضمّن التالي: "يجب إطلاق سراح توماج صالحي، وصمتنا يعني دعم الظلم والظالمين".
وطلب بطل العالم في كمال الأجسام الإيراني هادي شوبان، من المرشد الأعلى الإيراني والرئيس الإيراني العفو عنه، لكن يقال إن توماج نفسه لم يرغب في الكشف عن الحكم عليه بالإعدام من أجل ألا يؤثر الأمر على معنويات الشباب الإيراني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه