شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"إن كانوا يعولون على أننا سنتغاضى عن الإبادة، فلن نفعل"... استدعاء برلمانية فرنسية بتهمة تبرير الإرهاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أعلنت البرلمانية الفرنسية ماتيلد بانو في فيديو نشرته على وسائل التواصل الاجتماعي أن الشرطة القضائية الفرنسية استدعتها رسمياً بتهمة "تبرير الإرهاب".

كانت بانو قد ألقت خطاباً في البرلمان الفرنسي مع بداية الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة دعت فيه أعضاء البرلمان لإعلان مطالبة واضحة وصريحة بوقف إطلاق نار فوري في غزة، وكان الخطاب قد ترجم إلى العربية وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

ماتيلد بانو هي سياسة فرنسية شابة، عضوة في حركة "فرنسا لاتخضع" اليسارية التي توصف بالمتطرفة وإن كانت الحركة ترفض هذا التوصيف، وعضوة في البرلمان الفرنسي منذ العام 2017 عن منطقة فال دو مارن. ومنذ العام 2021، أصبحت بانو رئيسة كتلة "فرنسا لاتخضع" في البرلمان.

تشرح بانو في الفيديو الذي نشرته بعد استدعائها من قبل الشرطة، أن الاستدعاء والاتهام تم على خلفية بيان أطلقته كتلتها البرلمانية بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتشير إلى أن خطورة هذه الخطوة أنها سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة لأنها المرة الأولى التي تستدعى فيها رئيسة كتلة برلمانية معارضة بتهمة على هذا المستوى من الجدية بناء على أدلة مضللة. وأن هذا الاستدعاء والاتهامات التي وجهت قبلها إلى زميلتها في الحركة ريما حسن، إحدى مرشحات حركة "فرنسا لا تخضع" لانتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة، تهدف بمجملها إلى إسكات الأصوات المؤيدة لفلسطين، كما تمس بحريات أساسية أهمها حرية التعبير، وأضافت أن منع وإلغاء الاجتماعات والحوارات من قبل الشرطة يمس أيضاً بحق الفرنسيين والفرنسيات بالتجمع بحرية، ويتلاعب بحق الكتلة المعارضة بالتحشيد من أجل التصويت في الانتخابات الأوروبية المرتقبة.

ألغت السلطات الفرنسية مجموعة ندوات لرئيس حركة "فرنسا لا تخضع" جان لوك ميلانشون، ومنعت مؤتمراً عن فلسطين نظمته الحركة في مدينة ليل، وأرسلت استدعاء للحقوقية ريما حسن التي ستمثل أمام الشرطة القضائية بتهمة "تبرير الإرهاب"، بسبب ما نشرته على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي

خلال الشهر الماضي، ألغت السلطات الفرنسية مجموعة ندوات لرئيس حركة "فرنسا لا تخضع" جان لوك ميلانشون، ومنعت مؤتمراً عن فلسطين نظمته الحركة في مدينة ليل، وأرسلت استدعاء للحقوقية ريما حسن التي ستمثل أمام الشرطة القضائية بدورها بنفس تهمة بانو بسبب ما نشرته على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي في شهري نوفمبر وديسمبر. وريما حسن هي حقوقية فرنسية فلسطينية، ولدت في النيرب في سوريا، ووصلت إلى فرنسا بعمر التاسعة، حاصلة على ماجستير في القانون الدولي، وقد أسست منظمة مراقبة مخيمات اللاجئين في العام 2019، وحركة "أكسيون- فلسطين فرنسا" في العام 2023، كانت قد عملت سابقاً في المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين "الأوفبرا"، وقد استقالت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من عملها في المحكمة الوطنية للجوء ورفضت وظيفة مع منظمة العفو الدولية، وهي اليوم المرشحة السابعة على قائمة "فرنسا لا تخضع" للانتخابات الأوروبية، أي أنها يمكن أن تصبح عضوة في البرلمان الأوروبي في حال حصلت الحركة على سبعة مقاعد على الأقل من المقاعد المخصصة لفرنسا في البرلمان.

رغم أن كل الإجراءات السابقة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا، التي ناصر اليسار فيها القضية الفلسطينية عبر سنوات طوال، وإن كانت السنوات الماضية قد جعلت الاهتمام بالقضية يتراجع بسبب ظهور قضايا إقليمية أخرى، وانشغال العالم باستقطاباته الجديدة، لكن بقي الرأي العام اليساري مناصراً للحق الفلسطيني ومتعاطفاً مع المدنيين الفلسطينيين ضد ما يتعرضون له من انتهاكات، إلا أن فرنسا ليست استثناء أوروبياً، فقد شهدت المرحلة الماضية مسارين متوازيين، يتمثل الأول باهتمام الجيل الشاب بالقضية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار كميات كبيرة من رسائل التعاطف والتوعية بالحكاية الفلسطينية، فيما يسير بالتوازي مسار تجرؤ السلطات الأوروبية على خطوات قمعية غير مسبوقة، كفض التظاهرات المؤيدة لغزة بشكل عنيف، واعتقال المشاركين في الاعتصامات والمظاهرات، ومنع التجمعات والندوات الحوارية ومنع دخول الفلسطينيين إلى الأراضي الأوروبية حتى إن كانوا حاصلين على جوازات سفر أو فيزا شنغن تخولهم الدخول، وكانت فرنسا قد رحلت الأكاديمية الفلسطينية مريم أبو دقة عن الأراضي الفرنسية ومنعت الحوارات التي قدمت لإجرائها واعتقلتها من الشوارع وكأنها ارتكبت جريمة بمجرد تواجدها في فرنسا رغم حصولها على فيزا، كما منعت ألمانيا الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة من دخول أراضيها للمشاركة في مؤتمر تضامني مع الفلسطينيين وأعادته إلى المملكة المتحدة.

شهدت المرحلة الماضية مسارين، يتمثل الأول باهتمام الجيل الشاب بالقضية الفلسطينية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار كميات كبيرة من رسائل التعاطف، فيما يسير بالتوازي مسار تجرؤ فيه السلطات الأوروبية على خطوات قمعية غير مسبوقة، كفض التظاهرات المؤيدة لغزة، واعتقال المتظاهرين

تبقى إحدى أغرب الإجراءات التي اتخذت في الفترة الماضية، منع ألمانيا لوزير الاقتصاد اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكس من دخول ألمانيا للمشاركة في المؤتمر نفسه الذي كان سيشارك فيه أبو ستة، ولم يفهم حتى الآن في ظل رفض السلطات الألمانية التعليق، كيف يمكن منع مواطن أوروبي من دخول أراض تابعة لدولة أوروبية. وكان فاروفاكس قد نشر الكلمة التي كان من المفترض أن يلقيها في المؤتمر على وسائل التواصل الاجتماعي مشيراً أن هذه الخطوة بحد ذاتها قد تعرضه للمساءلة القضائية في ألمانيا.

تبقى أغرب الإجراءات التي اتخذت في الفترة الماضية، منع ألمانيا لوزير الاقتصاد اليوناني يانيس فاروفاكس من دخول ألمانيا للمشاركة في المؤتمر نفسه الذي كان سيشارك فيه أبو ستة، ولم يفهم حتى الآن كيف يمكن منع مواطن أوروبي من دخول أراض أوروبية.

أسس فاروفاكس مع آخرين حركة ديم25، وهي حركة الديمقراطية في أوروبا في 2025، وهي حركة تدعو إلى ثورة ديمقراطية في أوروبا تنهي حكم الأوليغارشية المتحكمة بالسوق الأوروبية وبالحياة السياسية الأوروبية، وقد نجحت الحركة رغم أنها لاتزال حديثة العهد بالوصول إلى القوائم الانتخابية الأوروبية في كل من ألمانيا والسويد.

لا يمكننا أن نهمل التقاطع هنا بين المنع الذي تنفذه السلطات بحق المتضامنين اليساريين مع القضية الفلسطينية والانتخابات الأوروبية القادمة، رغم أن الموضوعين لا يبدوان متقاطعين، إلا أن مطالبة التيارات المرشحة للانتخابات الأوروبية بالمثول أمام السلطات القضائية بتهم تتعلق بموضوعة الإرهاب يدفعنا لطرح الكثير من الأسئلة حول خوف السلطات من وصول الأصوات المعارضة إلى البرلمان الأوروبي.

لا تزال المعركة من أجل حرية التعبير والتجمع مستمرة، وكما قالت بانو في كلمتها رداً على استدعائها: "إن كانوا يعولون على أننا سنخرس، ونغض أبصارنا عن الإبادة، لا تخشوا شيئاً لأننا لن نفعل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image