شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
العمليّة العسكريّة في النصيرات... هل مهّدت إسرائيل لبقاء طويل الأمد في غزة؟

العمليّة العسكريّة في النصيرات... هل مهّدت إسرائيل لبقاء طويل الأمد في غزة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

السبت 27 أبريل 202412:08 م

في الحادي عشر من نيسان/ أبريل 2024، بدأت الفرقة المدرعة 162 في الجيش الإسرائيلي، وهي الفرقة نفسها التي نفذت قبل شهرٍ هجوماً مباغتاً على مستشفى الشفاء، بتنفيذ عملية عسكرية محدودة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وعلى الرغم من أن الجيش أعلن عن انتهائه رسمياً من العملية، لا تزال آلياته وطائراته تنشط في المنطقة التي كشفت العملية عن أهميتها الاستراتيجية في أهداف إسرائيل العسكرية. إذ أعلن الناطق باسم الجيش عن تدمير بنى تحتية لفصائل المقاومة، ومنصات صواريخ. لكنّ أهدافاً أخرى للعملية تحقّقت كذلك، لعل أهمّها تمهيد إسرائيل لبقاء طويل الأمد في غزة تستطيع من خلاله تنفيذ مخططات مبيتة أو مستجدة على الأرض.

وهي كانت قد قامت بتوسيع الحزام الأمني حول قاعدة نتساريم العسكرية شمال النصيرات، والتي بناها الجيش الاسرائيلي خلال الحرب لتكون خطاً أمنياً فاصلاً بين شمال القطاع وجنوبه.

ويرى محللون أن طبيعة العملية في مخيم النصيرات، البطيئة والموضعية، قد تتسم بها عمليات إسرائيل القادمة في رفح إذا ما اجتاحتها. الدبابات الإسرائيلية محتشدة قبالة رفح على الجانب الإسرائيلي، لكن تتحدث المعلومات عن أن الوفد المفاوض أبلغ المصريين أمس الجمعة 26 نيسان/ أبريل 2024 بأنه سينتظر التقدم في صفقة مع حماس لتحرير الرهائن، وأنه سيجتاح رفح إذا ما فشلت الصفقة.

يبدو أن جيش الاحتلال استخدم في النصيرات أساليب جديدة لترهيب الغزيين واستهدافهم، وبالتالي تهجيرهم من هذه المناطق، كاستخدام أصوات مسجّلة لأطفال يبكون ونساء يصرخن تطلقها طائرات كواد كابتر لإثارة الفزع

عملية مباغتة

لم تكن العملية العسكرية في منطقة النصيرات هي الأولى التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بل سبقتها قبل أشهر عملية أكثر عمقاً جنوب المخيم، حين تقدمت آليات باتجاه أطراف المنطقة الوسطى للقطاع، ونفذت الطائرات عمليات قصف لأبراج ومربعات سكنية فسوّت المنطقة تمهيداً لدخول الدبابات.

أثارت العمليات البرية الأولى، بالإضافة إلى الطبيعة المفاجئة للعملية العسكرية الجديدة في شمال المخيم، الذعر في سكانه الذين لم يتم تحذيرهم مسبقاً كما في الاقتحام الأول. فدُفعوا إلى النزوح من منطقة المخيم الجديد وأرض المفتي و"مخيم 5" والمناطق الأخرى شمال النصيرات، نحو مناطق أكثر أمناً، مثل دير البلح ومنطقة الزوايدة جنوب المخيم. 

ويبدو أن جيش الاحتلال استخدم في النصيرات أساليب جديدة لترهيب الغزيين واستهدافهم، وبالتالي تهجيرهم من هذه المناطق، كاستخدام أصوات مسجّلة لأطفال يبكون ونساء يصرخن تطلقها طائرات كواد كابتر لإثارة الفزع.

واعتبر البعض هذا الأسلوب استدراجاً للمدنيين من أجل استهدافهم إذا ما خرجوا للبحث عن مصدر تلك الأصوات، ولم يعقب الجيش الاسرائيلي على الأمر.

يقول سالم محمد (25 عاماً)، من شمال النصيرات، لرصيف22: "كنت جالساً في غرفتي حين سمعت صوت طفلٍ يبكي. ومرة أخرى سمعت صوت امرأة تصرخ، وأصوات أخرى لكلاب وقطط. اعتقدت أن هناك عائلة هاربة من القصف في شارعنا، وحين نزلت لتحري الأمر، وجدت أن الأصوات صادرة عن طائرة كواد كابتر. كان ذلك مرعباً بالنسبة لي".

الخوف من العودة

"لقد كانت ليلة التوغل في النصيرات مرعبة بكل تفاصيلها. ذكرتنا بليالي القصف العشوائي في الشمال قبل أن نغادر إلى النصيرات هرباً من القصف والتقدم البري. وها نحن ننزح للمرة الثانية"، يقول ياسر إبراهيم (33 عاماً) لرصيف22.

ولا شك في أنّ تهجير السكان يسهل على الجيش الإسرائيلي توغله وتمشيطه للمناطق التي يدعي نشاط فصائل المقاومة فيها أو يبتغي منها أهدافاً أخرى كأهداف إقامة المنطقة العازلة.

يرى المصري بأن العملية العسكرية في النصيرات تمهد أيضاً إلى إمكانية استبدال معبر رفح بالميناء الأمريكي المتوقع

فعلى الرغم من إعلانه عن انتهاء العملية العسكرية في النصيرات، لا يزال الكثير من السكان قلقين من فكرة العودة إلى منازلهم شمال المخيم، حيث أن القصف المدفعي والجوي والتوغل العسكري لا زال مستمراً، وسط حالة تصدي متواضعة من قبل عناصر المقاومة.

يقول سلامة رياض (29 عاماً): "على الرغم من أن عملية النصيرات ليست بنفس حجم عمليات أخرى قام بها جيش الاحتلال، كاجتياح خانيونس، لا نزال خائفين من العودة إلى بيوتنا. فلا يوجد أي ضمانات حقيقية بأن العملية انتهت".

هل تمرّ طريق رفح من النصيرات؟

يرى الكاتب والباحث السياسي عزيز المصري أن العمليات العسكرية الجارية في جنوب الوادي- بدءاً من عملية خانيونس، وصولاً إلى العملية العسكرية في البريج والمغازي، انتهاءً بالعملية العسكرية في شمال النصيرات- وبموازاة تكثيف الضربات في مختلف مخيمات المنطقة الوسطى، تخدم بعضها بعضاً. وبالتالي "لا يمكن الحديث عنها دون الإشارة إلى العملية المتوقعة في رفح"، يقول لرصيف22.

ويلفت إلى أن "العملية العسكرية في النصيرات، ومن خلال أهدافها التي تضمن فصلاً تاماً بين الشمال والجنوب، تشير إلى احتمال نقل النازحين في رفح وتوزيعهم بين منطقة المواصي وخانيونس ومخيمات الوسط عوضاً عن عودتهم إلى الشمال".

وكانت صور أقمار صناعية لوكالة "أسوشيتد برس" كشفت عن خيام جديدة في خانيونس، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الجيش بناها تمهيداً لتفريغ رفح من سكانها. علماً بأن الجيش، الذي يتأهب محتشداً قبالة رفح بعتاده وآلياته، لم يتلق بعد الضوء الأخضر، من المستوى السياسي، لبدء علمية التهجير.

من جهة أخرى، يرى المصري بأن العملية العسكرية في النصيرات تمهد أيضاً إلى "إمكانية استبدال معبر رفح بالميناء الأمريكي المتوقع، في حال اجتياح رفح برياً، والسيطرة على محور فيلادلفيا".

تتشارك جميع العمليات التي تتم على هامش الأهداف المعلنة للحرب الاسرائيلية بأنها قليلة الضجة وبالغة التأثير في آن معاً. بحيث تؤسس لبقاء طويل في قطاع غزة

تمهيد لبقاء طويل في غزة

لعل إسرائيل ساعية فعلاً إلى تحقيق نموذج الموصل في عملياتها الحالية والقادمة في القطاع، كما اقترحت عليها واشنطن، بصفته النموذج الأفضل لحرب المدن حسب التجربة الأمريكية في العراق. ويعتمد النموذج تنفيذ عمليات عسكرية موضعية بهدف إحكام سيطرة تدريجية بدلاً عن الاجتياح دفعة واحدة والاشتباك المباشر مع المقاومة.

إذ تتشارك جميع العمليات التي تتم على هامش الأهداف المعلنة للحرب الاسرائيلية بأنها قليلة الضجة وبالغة التأثير في آن معاً. بحيث تؤسس لبقاء طويل في قطاع غزة، كالعمليات التي نُفذت في بيت حانون، وهدفت إلى تفريغ البلدة من سكانها لزيادة فرص الاستيطان مستقبلاً.

كما تهدف العمليات التي تتم على الدوام شرق قطاع غزة إلى قضم ما يزيد عن كيلو متر على طول الحدود مع إسرائيل. وهي تتوازى مع عمليات الهدم والتجريف والبناء التي ما زالت تجري على طول شارع الرشيد المطل على البحر غرب غزة، بهدف تغيير معالم المنطقة والتجهيز للميناء الأمريكي الذي يتوقع أن يكون في منطقة البيدر على ساحل المنطقة الوسطى للقطاع.

وانتهى الجيش الإسرائيلي من تجهيز الجسر الذي سيرسم الطريق بين نتساريم في الشرق حتى الساحل غرباً. ويقدر مراقبون أن هذا الطريق سيسهل السيطرة الاسرائيلية على الميناء. كذلك، استطاع تحويل مربعٍ كامل يصل إلى 49 كيلو متر إلى منطقة أمنية عازلة ومكشوفة على مشارف مخيم النصيرات.

يقول الباحث والكاتب د. تيسير عبد الله إن عملية النصيرات والتجهيزات التي رافقتها "ستحمي أعمال الاحتلال في الشمال، وتجعل منه منطقة منفصلة وجاهزة لمشروعات مستقبلية استيطانية واستثمارية، يلعب الميناء الأمريكي المرتقب فيها دوراً مهماً وحيوياً".

أهداف قديمة اقتنصها الاحتلال

ربما لم تهدف حالة الحرب التي أعلنها كابينت الحرب الإسرائيلي، بعد هجوم السابع من أكتوبر، لتحقيق القضاء على حماس واستعادة المخطوفين وحسب، بل جاءت الحرب بنية انتقامية وإبادية مبيتة وثقتها تصريحات السياسيين الإسرائيليين أمام العالم، وبرغبة في تنفيذ مخططات إسرائيلية مؤجلة، كالتهجير واقتلاع السكان وإحلال مشروع استيطاني في غزة.

فقبل أن تتحدث إسرائيل عن مخططها لليوم الذي يلي انتهاء الحرب، سارعت جمعيات استيطانية وأحزاب يمينية إسرائيلية ممثلة في الحكومة، وعقب محكمة لاهاي، إلى تنظيم مؤتمر "عودة الاستيطان إلى غزة".

يؤكد د. تيسير عبد الله إلى أن الاحتلال كان يعد خططاً مستقبلية لغزة قبل بدء الحرب، فكان هجوم السابع من أكتوبر فرصة سانحة لتطبيقها. "خطط تهجير أكبر عدد من سكان غزة إلى سيناء تحت ضربات القصف هو حلم إسرائيلي قديم جديد"، يقول.

ويردف: "قد تمتد هذه المشروعات مستقبلاً إلى حقول الغاز قبالة شواطئ غزة وبشكلٍ تدريجي. وهناك مقترحات إسرائيلية بأن تتم هذه الخطوات عبر حكومة فلسطينية محلية معينة، يتم إقامتها في الشمال".

قد تشير هذه القراءات إلى أن عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة تتشارك في طبيعتها التدميرية، التي تؤسس لمراحل جديدة سيعيشها القطاع. إلا أن العملية في النصيرات ربما تشكل علامة فارقة في منهج الاحتلال الإسرائيلي على الأرض، الذي يكسب وقته الطويل من جولات المفاوضات المتكررة، ومن التسليح الجاري والضوء الأخضر من الدول الشريكة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من أجل ضمان سيطرتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image