شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
فشل المحاولة الأخيرة لمواجهة العالم بشعر طويل

فشل المحاولة الأخيرة لمواجهة العالم بشعر طويل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الثلاثاء 30 أبريل 202410:57 ص

استيقظت من حلم مريع. رجل غريب، أكرهه كرهاً غير مبرّر، يهديني فساتين بشعة، ليس أي منها على مقاسي، ويجبرني على ارتدائها. يهديني فستاناً خشبياً، يشبه قفص عصافيري المعلق بشرفتي. يهمس لي بأن هذا هو الزي المطلوب ليأخذني معه بعيداً. أتجاهل في الحلم كراهيتي الشديدة، وأرتدي الفستان الخشبي في سبيل الخروج من هنا. الدماء تسيل من ذراعي حين أقحمهما في الخشب الصلب غير المصقول، وحين يطبق القفص على صدري، أستيقظ فزعة أحاول التنفّس، أستجدي الأكسجين من كل مكان، أهرع إلى مرآتي، أحمل المقص وأقص شعري.
كانت يداي ترتعشان إثر مزيج مؤلم من الخوف والسعادة، خائفة من الرجل المريب ونقص الأوكسجين، وعلى شعري الذي أُقحمه في تجاربي النفسية، وسعيدة لأنني نجوت.
عدت إلى النوم بعدها بشعر قصير لا يصل إلى كتفي، وذاكرة مشوّشة لا تفصل بين الحلم واليقظة. استيقظت في الصباح التالي برأس أخف وأكثر سعادة، المرآة المقابلة لسريري برهنت لي تخميني: لقد فقدت جزءاً كبيراً من شعري.

تستدعي ذاكرتي التفاصيل الدقيقة لأحداث الليلة الماضية، وعلى الرغم من شعوري بالارتياح، إلا أني لم أملك تفسيراً دقيقاً لما فعلت. لم أكن أعلم أنه عندما تخليت عن شعري في بداية الأسبوع دون تفكير، كان هذا سيعني، بالضرورة، ما هو أكبر عندما أصل لنهاية الأسبوع. اليوم، وبنفس الطريقة المتهوّرة التي حملت بها المقصّ من الدرج وقصصت شعري، دخلت غرفة مديري وقدمت استقالتي.
عندما كنت فتاة صغيرة لم تدهشني روبنزل بشعرها الطويل،  كنت أميل إلى بياض الثلج أحياناً، رغم بياضها المفرط و سماري الأصيل، إلا أننا تشابهنا في الشعر القصير الأسود، بينما كانت باتركب، من كرتون "فتيات القوة"، حتماً هي فتاتي المفضلة. كنا نتشارك أكثر من قصّة الشعر، كذلك  الغضب والتمرّد واستخدام العنف أحياناً لحل المشكلات.

عندما أتت سلطة الحجاب، أدركت أنني خسرت جزءاً لن يعوّض من هويتي، وأنني بدون شعري الحرّ المتمرّد، سأحتاج وقتاً أطول لشرح نفسي وإثبات جوانب من ذاتي تنزلق أساساً بين يدي
رغبتي الدائمة كفتاة صغيرة في قص شعري بوي كات، كانت أول علامات اختلافي عن إخوتي البنات. فتاتان جميلتان تكبرانني، شعر الواحدة منهن يصل أسفل ظهرها، بينما أبكي بهيستيريا في حال لمس شعري الأسود الكثيف كتفي. كنت أتجوّل في المدرسة هكذا أكثر ثقة، بتسريحة مختلفة كل صباح، فشعري القصير حرّ، يرفرف حول أذني، بينما كل زميلاتي قد ربطن شعرهن بتلك الضفيرة المتينة الروتينية المملة، عندما يشتعلن غيظاً من اختلافي، كن يشبّهنني بالصبيان. لم يكن الأمر يهمني، ومع ذلك كنت ألقن المتطاولات درساً.
على أعتاب المراهقة، ولأننا كفتيات نكبر أسرع، كان الدليل الوحيد لدي أنني أقترب من النضج الأنثوي المثير أنني أخيراً أستطيع التحكم بشعري، لا أحتاج أمي لتصفيفه، أستطيع بمهارة تمشيطه، رفعه على هيئة ديل حصان، خفضه في ضفيرة صغيرة غير محكمة، أهرب من طفولتي للحظات أخطفها أمام المرآة، أنا فيها امرأة حقيقية أملك زمام شعري، وعندما أتت سلطة الحجاب، أدركت أنني خسرت جزءاً لن يعوّض من هويتي، وأنني بدون شعري الحرّ المتمرّد، سأحتاج وقتاً أطول لشرح نفسي وإثبات جوانب من ذاتي تنزلق أساساً بين يدي. كلما شعرت أني أفقد نفسي، تذكّرت شعري القصير أسفل الحجاب المحكم.
هل جرّبتِ أن تتغلّبي على أوقات صعبة بقصّة شعر جديدة؟
عند محاولة تفسير علاقتي بشعري لصديقاتي اللواتي يمجدن خصلاتهن تمجيداً تبرز سريعاً مدى تعقيد علاقتي معه، لا أستطيع تفسير تناقض حبي الشديد له وهوان خسارته والتخلي عنه. هو جزء جوهري في صورتي كامرأة، وفي تكوين صورتي النفسية والشخصية كذلك. رغبتي الملحة في التخلص من بعضه تنذرني بأن هناك أمراً جلياً يحدث بداخل تلك الجمجمة التي يغطيها.

يقول الكاتب كيرت استين في كتابه "الشعر، تاريخ الإنسان"، إن الشعر يحمل أكثر مما هو مظهر ما، بل يحمل رسالات عديدة لأشخاص آخرين، كالصحة، القوة، المعتقد. وعلى مدار التاريخ تشبّعت الحكايات والأساطير بما يدلّ على ذلك، ففي الثقافة الهندية الشعر الطويل الصحي علامة على ارتفاع مستويات الطاقة والهدوء والحكمة لدى المرء، وقصّ الشعر في تراث أمريكا الجنوبية دليل على الخضوع و الذل، وفي الصين اعتبروا الشعر امتداداً للروح، وارتبط باحترام الذات، فبالتالي يعد قصّه تعذيباً للروح وليس فقط إخلالاً بصورة الجسد، و في نيوزلندا، تقدر رجولة الرجال بطول شعورهم، وفلاسفة الإغريق جميعاً ذوي شعور طويلة وكثيفة، وفي اليابان تقول أسطورة حاروناجو (صاحبة الأسلاك الشائكة) إنها امتلكت القدرة على التحكم بشعرها الطويل الناعم، لتصطاد به الرجال، وتجبرهم على حبها ثم تخنقهم بأطرافه، وكان على أثينا أن تحيل شعر ميدوسا لثعابين صغيرة لتجعلها قبيحة إلى الأبد.
أسطورة الشعر الطويل ثقافة محملة إلينا بعبق الزمن والتاريخ، أفكار راسخة، شكلت حجم الالتفات لرؤوس الآخرين. الشعر الطويل، لأسباب ما، يمثل براءة الطفولة والإغراء الأنثوي الناضج، ويظهر ذلك في المشاهد العديدة التي ركزت على إطلاق المرأة سراح شعرها الطويل على أنه مشهد حسي ومثير.
إنه رمز للطبيعة الأنثوية الهشة، وصورة للانكشاف والضعف الذي يبرز مشاعر الانجذاب الجنسي التي غالباً ما تتواءم مع الشعور بواجب الحماية لدى الرجال.

عندما تنفذ مني الحلول، خصوصاً عندما أصطدم بعجزي، أقصّ شعري، وأنصح صديقاتي بخوض التجربة بين الحين والآخر. أنا، كسائر النساء، أدلّل شعري وأحبه، لكن عندما أفقد زمام حياتي، أستعيدها بقصّة شعر جديدة

وفقاً لما سبق، فالنساء بحزب الشعر القصير هم أكثر ثقة وقوّة بطريقة ما، فالمرأة ذات الشعر القصير في نظر التقاليد تغلب عليها الهوية الذكورية والعملية، أكثر من الهوية الأنثوية المعهودة باللطف والرعاية.
عندما توّجت هذا العام إيف جيل، عارضة أزياء الفرنسية، ملكة جمال فرنسا، تعرّضت لهجوم عنيف عبر الإنترنت بسبب قصّة شعرها الرجالية التي تدعي pixi cut، و هاجمها البعض بأنها تقحم الأيدولوجيا النسوية المتطرّفة في مسارح مسابقات ملكات الجمال والموضة، وبرغم العديد من التعليقات الإيجابية التي أشارت إلى التفات معايير الجمال أكثر إلى الوعي بالذات والثقة بالنفس، ولكنها لم تترك أثراً جلياً كغيرها من التعليقات السلبية العنيفة.

عندما تتخلص امرأة من شعرها غالباً ما يكون الأمر أكثر من مجرّد ستايل جديد، يحمل الأمر في العادة تغييراً حقيقياً في إدراكنا لذواتنا، وتخلينا عن جزء ما أثير بنفوسنا، ليس على الدوام دليلاً على القوّة، بل ربما ثورة على الطبيعة الخانقة التي جعلت منا نساء، أو خضوعا وألماً لخسارة مدوية، تماماً عندما تطل علينا فنانة مشهورة برأس حليق، إثر أزمة عاطفية أو طلاق، فالمرأة غالباً ما تلجأ للتخلّي عن شعرها في المواقف الأكثر ضغطاً أو المحيرة، إذ نرغب حينها في رؤية آثار أفعالنا وقرارتنا على حيواتنا بشكل فعّال، ما يعيد إلينا الإحساس بأننا، بشكل ما، لا زلنا نملك زمام الأمور، وكذلك في أكثر المواقف ألماً، وحين تكون لحظات التخلي عن الشعر مصحوبة بالبكاء والأسى، تشعر حينها أن ما تودعه أكثر من بضع خصلات، بل تودع من كنت عليه قبل دقائق، تلك تجربة مماثلة للحظات التخلي عن شيء أثير، وما تحويه من مزيج بين حزن الفقد وحماسة استقبال الجديد.
عندما تنفذ مني الحلول، خصوصاً عندما أصطدم بعجزي، أقصّ شعري، وأنصح صديقاتي بخوض التجربة بين الحين والآخر. أنا، كسائر النساء، أدلّل شعري وأحبه، لكن عندما أفقد زمام حياتي، أستعيدها بقصّة شعر جديدة، أدرك معها ربما أنني أقوى، أنني موجودة، أنني فريدة بشكل ما، وبالتأكيد أتنفّس على نحو أفضل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard