شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أبو الهول بثديَيْن في لشبونة… البحث عن مصر في البرتغال

أبو الهول بثديَيْن في لشبونة… البحث عن مصر في البرتغال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

الأحد 28 أبريل 202411:03 ص

المسافة بين مصر والبرتغال تزيد على 400 ألف كيلومتر. وكي تصل إلى لشبونة من ميناء الإسكندرية في مصر، عليك الإبحار 10 أيام متواصلة.

لكن على الرغم من هذا الُبعد الجغرافي، فإن التقارب الثقافي والاجتماعي لم يغب عن البلدين لا سيما أنهما يحتفلان في 25 أبريل/نيسان، منذ نحو 4 عقود كل عام، بـ"التحرير". ففي اليوم نفسه حرر البرتغاليون أنفسهم من دكتاتورية إستادو نوفو في ثورة القرنفل، كما حرر المصريون أرض الفيروز من آخر جندي إسرائيلي على أرض سيناء عام 1982 بعد انتصار 6 أكتوبر/تشرين الأول.

ولأن الحضارة المصرية القديمة هي القوة الناعمة التي لم تعرقلها أي رياح، تأثر البرتغاليون بمنحوتات الفراعنة ورموزها بشكلٍ واضح يمكنك أن تشاهد ذلك بكل بساطة في جولة داخل حديقة الحيوان بالقرب من محطة قطار Sete Rios في وسط العاصمة لشبونة، حيث تنتشر بين جنبات الحديقة تماثيل تم نحتها بتأثر بالغ بالمنحوتات الفرعونية الشهيرة، وخاصة "أبو الهول" Sphinxes.

أبو الهول بثديين

يزيد عمر هذه التماثيل عن 250 عاماً، أي قبل الشروع في تحويل ذلك المنزل الريفي إلى حديقة حيوان، إذ تم بناؤه في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وكان مالكه المهندس جواو فريديريكو لودوفيس، الذي عاش هناك ابتداءً من عام 1748.

لشبونة، بعدسة مصطفى ماهر

وعلى الرغم من أن النحات البرتغالي القديم قرر أن يسير عكس الخيال الفرعوني وصمم أبو الهول بشكلٍ أنثوي، فإنك للوهلة الأولى تستطيع أن تقول إنها منحوتات مصرية.

على الرغم من أن النحات البرتغالي القديم قرر أن يسير عكس الخيال الفرعوني وصمم أبو الهول بشكلٍ أنثوي، فإنك للوهلة الأولى تستطيع أن تقول إنها منحوتات مصرية.

تشتهر لشبونة بتنوع أسواقها الشعبية التي تجد فيها كل شيء، وحتى القطع المقلدة للآثار المصرية تجدها هناك، ففي جولة داخل سوق Luggage Fair in Telheiras وجدنا أكثر من بائع يعرض من ضمن التحف والمنحوتات الفنية قطع مقلدة للآثار المصرية لا سيما تمثال توت عنك آمون والمسلات الصغيرة المنحوتة من الجرانيت مع بعض لوحات البردي ذات الرسوم الفرعونية المميزة.

الرموز المصرية تجلب الحظ في لشبونة

تقول ماريسا لرصيف22، إحدى بائعات سوق Telheiras الذي ينعقد في السبت الثالث من كل شهر، إنها تتفاءل بعرض القطع المصرية بين التحف الأخرى لأنها تجلب لها الحظ في ذلك اليوم وتحقق مبيعات أفضل كلما زادت القطع المصرية لديها.

لشبونة، بعدسة مصطفى ماهر

لا تعرف ماريسا الكثير عن مصر لكنها تحفظ ملامح الملك المصري توت عنخ آمون ولا تزال تتذكر تلك المرة التي زارت فيها مصر قبل نحو 17 عاماً، والتقت بالملك المصري وجهاً لوجه للمرة الأولى داخل غرفته بالمتحف المصري.

وبجوارها يعرض بائع آخر المزيد من القطع الفنية الفرعونية من ضمنها لوحة بردية داخل إطار مُذهب، ويقول إنها تعتبر إحدى عوامل جذب المشترين لأنها من أشهر الأعمال الفنية في العالم، لذلك يحرص هو وزملاؤه على استخدام تلك القطع في الدعاية لمعروضاتهم، ومن قبيل المصادفة أن تكون في هذه الحديقة القريبة من محطة مترو الأنفاق مجسمات تشبه الأهرامات، وهي ليست المجسمات الوحيدة على شكل هرم في البرتغال، إذا أنه تم بناء بعض المقابر على شكل هرمي نسبة إلى الحضارة المصرية القديمة صاحبة هذا الشكل وصاحبة فكرة ربطه بالموت، ففي عام 1849 تم بناء مقبرة برازيريس الضخمة لدوق بالميلا على شكل هرمي، وهذا ذاته حدث مع مقبرة عائلة بيزاني عام 1852، ومقبرة الجنرال الألماني كريستيان أوغست، الأمير الثالث من فالديك، الذي توفي في مدينة سنترا البرتغالية عام 1798.

لشبونة، بعدسة مصطفى ماهر

لاعب مصري أذهل البرتغاليين قبل 20 عاماً

على بعد 5 دقائق سيراً من السوق، نصل منطقة الـ Alvalade وهي كلمة ذات أصول عربية تعني البلاط أي الأرض الممهدة بالأحجار، هناك يوجد واحد من أشهر ملاعب كرة القدم في أوروبا وهو سبورتنج لشبونة، قبل نحو 20 عاماً شهد الملعب واقعة كروية خالفت كل الحسابات وكان بطلها ساحراً مصرياً، هكذا كان البرتغاليون يلقبون عبد الستار صبري لاعب فريق SL Benfica، والذي استطاع أن يحبط آمال المنافس الأشرس Sporting Lisboa في الحصول على درع الدوري رغم قوة الجهاز الفني وحارس المرمى الأشهر في التاريخ بيتر شمايكل.

تقول ماريسا لرصيف22، إحدى بائعات سوق Telheiras الذي ينعقد في السبت الثالث من كل شهر، إنها تتفاءل بعرض القطع المصرية بين التحف الأخرى لأنها تجلب لها الحظ في ذلك اليوم وتحقق مبيعات أفضل

وفي ميدان Espanha يوجد متحف كالوست غولبنكيان الذي اشتهر بولعه بالحضارة المصرية القديمة من الجيزة إلى أسوان في فترة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، يضمن المتحف بعض القطع المصرية ولعل أبرز ما يتميز به المتحف تمثال حورس أحد أشهر رموز الحضارة المصرية القديمة وأمامه تم نحت تمثال لغولبنكيان وهو جالس أمام التمثال تماماً مثل الصورة التي التقطتها أمام تمثال حورس الأصلي في مصر قبل نحو 90 عاماً.

لشبونة، بعدسة مصطفى ماهر

سمكة واحدة وحدت أطباق المصريين والبرتغاليين
ولم يقتصر التقارب على تلك النواحي فحسب، فبالنظر إلى المطبخ البرتغالي ونظيره المصري نستطيع أن نتذوق وجبة مشتركة تعتبر من أشهر الأطباق البرتغالية التراثية وهي سمك القد أو سمك الباكالاه، يأكله البرتغاليون في مناسباتهم الاجتماعية والدينية المختلفة، حيث يباع في كل مكان ويطغى برائحته على محالّ البقالة الكبيرة.

ببساطة يتم تجفيف سمك الباكالاه بالملح بشكلٍ مكثف ليتم حفظ السمكة ومكوناتها الغذائية لأطول فترة ممكنة، وعند طبخها يتم تذويب الملح على عدة مراحل إلى أن تختفي تماماً آثار الملح وتصبح قابلة لتحويلها إلى وجبة القد الشهيرة.

لشبونة، بعدسة مصطفى ماهر

يقول مانويل لرصيف22، وهو صاحب مطعم أسماك بوسط العاصمة لشبونة، إنه يطبخ يومياً ما يزيد عن 120 كيلوغراماً من سمك الباكالاه لرواد مطعمه، مضيفاً أن أكثر ما يميز سمك القد هو تنوع أطباقه إذ يمكن أن يتم طبخه بأكثر من 350 وصفة أي بعدد أيام السنة، لذلك بات أكلة شعبية للبرتغاليين على مدار عشرات السنوات جنباً إلى جنب مع السردين والتونة.

لشبونة، بعدسة مصطفى ماهر

في مصر أيضاً اعتاد المصريون أن يتناولوا سمك الباكالاه والقد في المناسبات لا سيما عيد الفطر، وهي العادة التي بدأت تندثر نظراً لارتفاع أسعار سمك الباكالاه، لأنه من الأسماك المستوردة لأن هذه السمكة تعيش في المحيطات والمياه الباردة فقط.

 تظهر معالم الحضارة المصرية القديمة في كثير من المعارض والمتاحف في البرتغال ولعل أبرزها متحف الصيدلة الذي يضم نحو 100 قطعة من المجموعة المصرية، من بينها تابوت أنثروبومورفي وهو واحد من أهم عوامل الجذب الرئيسية في المتحف

 ويعتبر من أشهر الوجبات التي يحرص السائح الذي يزور مدينة الغردقة في البحر الأحمر على تجربتها كواحدة من الأكلات الشعبية.

توابيت فرعونية في متحف الصيدلة

يحب البرتغاليون الحضارة المصرية ولذلك كان من الطبيعي أن تظهر معالم هذه الحضارة القديمة في كثير من المعارض والمتاحف ولعل أبرزها متحف الصيدلة الذي ضم نحو 100 قطعة من المجموعة المصرية، من بينها تابوت أنثروبومورفي وهو واحد من أهم عوامل الجذب الرئيسية في المتحف، وتعتبر هذه القطعة الأكثر حفظاً من بين 10 توابيت مصرية تم العثور عليها في البرتغال.

لشبونة، بعدسة مصطفى ماهر

في الحقيقة لم تكن تلك المعالم والعلامات التي رأيتها في هذا البلد هي الوحيدة التي ترتبط بمصر، لأن المتاحف البرتغالية المنتشرة في أنحاء البلاد لا تخلو من القطع المصرية النادرة، وربما رحلتي هذه التي بحثت خلالها عن مصر قللت من الإحساس بالاغتراب وجعلتني أقرب إلى بلادي رغم طول المسافة واختلاف اللغة والثقافة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بين دروب المنفى وذكريات الوطن

خلف كلّ مُهاجرٍ ولاجئ، حياة دُمِّرت وطموحاتٌ أصبحت ذكرياتٍ غابرةً، نُشرت في شتات الأرض قسراً. لكن لكلّ مهاجرٍ ولاجئ التمس السلامة في أرضٍ غريبة، الحقّ أيضاً في العيش بكرامةٍ بعد كلّ ما قاساه.

لذلك هنا، في رصيف22، نسعى إلى تسليط الضوء على نضالات المهاجرين/ ات واللاجئين/ ات والتنويه بحقوقهم/ نّ الإنسانية، فالتغاضي عن هذا الحق قد يؤدّي طرديّاً إلى مفاقمة أزمتهم والإمعان في نكبتهم. 

Website by WhiteBeard