شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الضغوط أثّرت على حياتهم الجنسية"... العقم عند الذكور من تداعيات الحرب السورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 21 أغسطس 202106:33 م

جلست ليلى، في غرفة الانتظار، في عيادة الطبيب النسائي، وهي تمسك بيدها ورقة تحليل الحمل المخبري، وتتأمل أخباراً مفرحةً، بعد أن تأخرت دورتها الشهرية أسبوعاً كاملاً.

منذ مدة، وليلى، البالغة من العمر 30 عاماً، والنازحة من دير الزور، شرق سوريا، إلى مدينة القامشلي، شمال شرق البلاد، تسعى للحصول على طفل، بعد مرور خمس سنوات على زواجها، لكن دون جدوى.

شهدت ليلى (اسم مستعار) وزوجها، ويلات الحرب منذ اندلاعها في سوريا عام 2011، من قصف، وسقوط قذائف، ومعارك في مدينتهما دير الزور، وعاشا أياماً وظروفاً سيئة خلال وقوع المدينة بيد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، حتى هروبهما، كلاًّ على حدة، بعد عامين، نحو القامشلي، ليتزوجا فيها.

"زج تنظيم داعش بزوجي في السجن، ستة أشهر، بتهمة التدخين، وتعرض هناك للضرب، بينما أنا، كما حال بقية النساء، لم أخرج من المنزل، خلال سنتين من سيطرة التنظيم على مدينتنا، إلا ثلاث مرات، وكأنني كنت في سجن أيضاً، إلى أن تدبر أبي أمر خروج عائلتنا من المدينة. زوجي هرب بعد أن أُطلق سراحه نحو الشمال، وظل فترة يتعالج من آثار الضرب، واحتاج إلى وقت، ليعود إلى حياته الطبيعية".

انخفض معدل الخصوبة في سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل ملحوظ.

وتواظب ليلى، حالياً، كما تخبر رصيف22، على مراجعة الطبيب النسائي، على أمل أن تحمل من جديد، بعد أن خسرت جنينها الأول، خلال الأشهر الأولى من الحمل، على الرغم من معالجة المشكلات الصحية التي كانت تعاني منها، كافة.

اعتقدت ليلى أن المسألة تتعلق بعمرها، إلا أن الطبيب طلب تحليلاً من الزوج، ليجد أن المشكلة تتعلق به، بالدرجة الأولى، إذ إنه يعاني من ضعف الحركة، وقلة عدد الحيوانات المنوية، وهو ما أحبط السيدة، وجعلها تفكر، للحظة، بأنها لن تحظى أبداً بطفل.

"أدرك تماماً أن ما مررنا به، أنا وزوجي، من خوف وقلق مستمرين، قد انعكس على حالتنا النفسية لمدة طويلة، لكن لا أعلم مدى تأثيره على محاولتنا الإنجاب"، تقول بحزن.

وذكرت منظمة "سيريا ريليف" الإغاثية، في دراسة استقصائية، أُجريت في آذار الفائت، بأن 99% من النازحين السوريين، و73% من اللاجئين السوريين، يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، التي تصيب من يتعرضون لصدمة قوية، أو يعايشون تجربة صعبة، ومؤلمة. وتقول الدراسة: "لا يزال هناك ضرر دائم من الصراع الذي نادراً ما يتم إصلاحه بشكل مناسب، لأنه غير مرئي. الندوب العقلية للحرب لا تزال حية في أذهان الأشخاص الذين تحملوا القتال الوحشي".

وتضيف ليلى: "ما زالت مشاهد الدمار، وأصوات الرصاص، وحالة الهلع التي عشناها، ترافقنا على الرغم من محاولتنا عيش حياة طبيعية"، وتتساءل إن كان لهذا دورٌ على فشل حدوث الحمل.


"أغلبنا يعاني من صعوبة في الإنجاب"

أما علي، وهو شاب يبلغ من العمر 36 عاماً، ومقيم في مدينة دمشق، فله حكاية أخرى.

"التحقت بالخدمة العسكرية عام 2010، وبسبب اندلاع الحرب، تم الاحتفاظ بنا بعد انتهاء خدمتنا حتى عام 2018. كنت شاهداً، خلال هذه السنوات، على الكثير من المعارك في ريف دمشق"، يقول الشاب الذي فضّل الحديث لرصيف22 باسم مستعار، ويضيف بأنه كان في أغلب الأحيان، على خطوط التماس، مع قوات المعارضة المسلحة، مؤكداً وقوعه تحت ضغط نفسي كبير، في أثناء محاولته البقاء على قيد الحياة.

بعد عودته إلى حياته المدنية، قرر علي الزواج مباشرة، إلا أنه لم يحظَ بطفل إلى الآن. يشرح حالته بالقول: "طلب مني الطبيب تحليلاً، فكانت النتيجة أنني أعاني من قلة عدد الحيوانات المنوية، وضعفها. آلمني الأمر كثيراً، لكني اكتشفت، أن أغلب من كانوا معي، في قطعتي، يعاني من صعوبة في الإنجاب".

وفي تصريح سابق لعميد كلية الطب للشؤون العلمية في دمشق، مروان الحلبي، عبر إذاعة محلية، قال إن "الأزمات الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية، والنفسية، بعد الحرب، زادت من حالات العقم عند الذكور، وبعض حالات العقم عند الإناث، أيضاً".

"طلب مني الطبيب تحليلاً، فكانت النتيجة أنني أعاني من قلة عدد الحيوانات المنوية، وضعفها. آلمني الأمر كثيراً، لكني اكتشفت، أن أغلب من كانوا معي، في قطعتي، يعاني من صعوبة في الإنجاب"


العامل النفسي مهم

دلشان محمود (28 عاماً)، من أهالي مدينة عفرين التابعة لمحافظة حلب شمال سوريا، متزوجة منذ خمس سنوات، وما زالت محاولاتها وزوجها للحصول على طفل، تبوء بالفشل.

تقول لرصيف22: "بعد سنة من زواجنا، عرفنا أن زوجي يعاني من قلة العدد، وضعف حركة النطاف، ما يمنع حصولنا على طفل. ومنذ ذلك الوقت، لم يتوقف زوجي الثلاثيني عن اتباع العلاج الطبي، والنظام الغذائي الذي حدده له الأطباء، لكن من دون فائدة، وقد أكد جميعهم بأن العامل النفسي مهم جداً في الإنجاب".

وكانت دلشان وزوجها، يقيمان في عفرين التي بقيت محاصرة من قبل المجموعات المعارِضة المسلحة، منذ 2013، إلى لحظة الهجوم التركي على المنطقة، في كانون الثاني/ يناير 2018، واحتلاله للمنطقة في 18 آذار/ مارس من العام نفسه، ونزحا إلى أربيل في كردستان العراق.

تتابع: "أثّرت الحرب علينا كثيراً، فالشعور بعدم الاستقرار، والنزوح من بلادنا، وارتفاع تكاليف المعيشة في أربيل، تؤرقنا، وتضعنا في حالة قلق مستمر، كما أنني لا أستطيع الكف عن التفكير في رغبتي في الحصول على طفل. فكرنا في اللجوء إلى ‘طفل الأنبوب’، إلا أن عمليات الزرع مكلفة جداً هنا، إذ تصل كلفتها إلى سبعة آلاف دولار".

لا يمكن حتى الآن تقدير نسبة محددة لزيادة حالات العقم في سوريا.

وتشير إحصائيات إلى أن معدل الخصوبة انخفض في سوريا، خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وقد بلغ عام 2019 نسبة 2.77%، في حين كان 3.51%، عام 2009. ومعدل الخصوبة هو متوسط عدد الأطفال الذين ولدتهم امرأة واحدة، وهي في سن الإنجاب. وتتوقع إحصائيات أخرى انخفاض هذا المعدل إلى نسبة تتراوح بين 1.4% و2%، عام 2025.


حالات عقم بلا تفسير

يقول الطبيب رضوان محمد، وهو أخصائي التوليد والأمراض النسائية والعقم، في القامشلي، لرصيف22: "لاحظنا، أنا وزملائي، في الفترة الأخيرة، زيادة نسبة العقم لدى الزوجين، لكن الازدياد الأوضح هو عند الرجال، إذ تكون التحاليل الهرمونية والفحوص، كلها، طبيعية، إلا أن النطفة تكون ضعيفة، وحركتها قليلة، من دون أن تكون هناك مشكلة واضحة".

ويتابع في حديثه: "نتوقع أثراً للحرب على ذلك، فلا أخلاق في الحروب، والأسلحة المستخدمة، والبيئة الملوثة، ومخلفات الحرب، بالإضافة إلى الاضطراب النفسي، قد تسبب جميعها الضعف الجنسي عند الزوج"، مشيراً إلى "وجود حالات عقم غير مفسرة، وتحتاج إلى الدراسة والمتابعة، لبحث أسبابها وعلاجها، من قِبل مختصين، ومنظمات دولية عاملة في هذا الشأن".

ويؤكد محمد، أن تأثير الحرب أكبر على الأشخاص الذين يشهدون المعارك، إذ يعيشون تحت ضغط نفسي كبير، من خوف وقلق، مما يسبب لهم اضطرابات دائمة، ويعانون جسدياً من أعراض عدة، كسرعة دقات القلب، وزيادة إفراز الأدرينالين، وتصبح تغذيتهم سيئة، ما يؤثر على أداء حياتهم المدنية عامةً، بما فيها الحياة الجنسية.

"بعد سنتين من الحرب، لاحظت من خلال الحالات التي عالجتها في عيادتي، زيادة مشكلات الإنجاب، ومعظم أسبابها تكون لدى الرجل، وبسبب حالته النفسية المتردية، التي تسبب توتراً عصبياً، وزيادةً في معدل التدخين، ونقصاً في التغذية، يومياً، ما يؤثر على عدد النطاف، وحركتها"

"في منطقتنا، لا توجد إحصائيات وأرقام عن عدد حالات العقم، وأسبابها. لكن من خلال عملي في عيادتي، تمر عليّ، كمعدل وسطي، ست حالات عقم في الأسبوع، وتعود لأسباب عدة، منها التهابات الإباضة لدى المرأة، أو ضعفها، والنسبة الأكبر لقلة النطاف لدى الرجل، وضعفها، في حين كنت أعاين، قبل الحرب، من حالتين إلى ثلاث حالات أسبوعياً، وقد بدأت الزيادة بشكل تدريجي، وأصبحت واضحة في السنوات الثلاثة الأخيرة"، يشرح الطبيب، مضيفاً أنه يعاين حالات عديدة من العقم غير المفسر، وهي لا تقل عن خمس حالات شهرياً، وهو رقم كبير وفق رأيه.


لا أرقام دقيقة

بدوره، يتحدث الطبيب سليم نعسان آغا، أخصائي الجراحة النسائية والتوليد وطفل الأنبوب، عن عمله خلال السنوات الست الأولى من الحرب، في مشافٍ وعيادات في محافظتي إدلب وحلب. يقول لرصيف22 إن حالات العقم لها أسباب متعددة، أحدها الحالة النفسية: "تقل لدى الرجل الرغبة الجنسية، ويعاني من نقص الشهية، فتنقص عنده الفيتامينات التي يحتاجها الجسم، ويقل بذلك عدد النطاف، وحركتها، مع مرور الوقت. أما الأنثى، فتحدث لديها اضطرابات هرمونية، كتأخير الدورة الشهرية، أو النزف الحاد، خلال الطمث".

ومن خلال خبرته في العمل، في محافظتين "ساخنتين"، في أثناء الحرب، يضيف: "بعد سنتين من الحرب، لاحظت من خلال الحالات التي عالجتها في عيادتي، زيادة مشكلات الإنجاب، ومعظم أسبابها تكون لدى الرجل، وبسبب حالته النفسية المتردية، التي تسبب توتراً عصبياً، وزيادةً في معدل التدخين، ونقصاً في التغذية، يومياً، ما يؤثر على عدد النطاف، وحركتها، ومعظم الحالات تُشفى بعد العلاج".

ولا يستطيع الطبيب المقيم حالياً في بوخارست، تقدير نسبة محددة لزيادة حالات العقم في سوريا، فهو يرى، كما الطبيب رضوان محمد، بأن الأمر يحتاج إلى دراسات وافية حوله. وقد حاول رصيف22 التواصل مع مراكز إخصاب عدة في سوريا، وأيضاً مع منظمة أطباء بلا حدود، العاملة في الشمال السوري، لكن لم تتوفر لدى أي منها أرقام دقيقة، لعدم تطرقها سابقاً إلى البحث في الأمر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image