مع اشتداد حدّة الصراع المسلّح في سوريا، يبحث الشباب السوريون أكثر فأكثر عن طرق تساعدهم على تجنّب أداء الخدمة العسكرية والابتعاد عن خطر الموت. وهم ابتكروا طرائق عدّة، بعضها كان رائجاً قبل تغيّر الأحوال.
الرسوب المتعمد
يتعمّد بعض طلاب الجامعات السورية الرسوب في مادة أو أكثر من مواد السنة الدراسية الأخيرة بهدف الاحتفاظ بوضعية الطالب، التي تسمح لهم باستصدار "وثيقة دوام" تمكنهم من تأجيل الخدمة العسكرية. ولكن الطالب السوري لا يحق له الرسوب أكثر من ثلاث سنوات قبل أن يُفصل من الجامعة، لذلك لا يستطيع اتباع هذا الأسلوب وقتاً طويلاً. يقول الطالب الجامعي ابراهيم: "إن مدة ثلاث سنوات كافية كي أؤمن خلالها فرصة للسفر. صحيح أنني أخسر سنوات من عمري بدون فائدة، ولكن أحاول استغلالها في العمل".
الجامعات الافتراضية
يلجأ بعض الطلاب المتخرجين من الجامعة إلى إكمال دراستهم. هذا الطريق ليس متاحاً للجميع. فللتسجيل في الدراسات العليا في الجامعات العامة، على الطالب أن يكون حائزاً معدلات معيّنة. من لا يستوفون الشروط وجدوا طريقة أخرى: التسجيل في إحدى الجامعات الافتراضية المعترف بها من قِبل الحكومة السورية. هكذا يحصلون على "وثيقة الدوام" التي تمكنهم من تأجيل خدمتهم العسكرية. يقول طالب آخر اسمه طارق: "لم يكن هذا الخيار طوعياً على الإطلاق، فإلى جانب الدراسة، يجب أن أعمل بشكل مكثف كي أتمكن من دفع الأقساط العالية. الجامعات الافتراضية تستغلّ ظروف الحرب وترفع رسوم التسجيل".
في شوارع دمشق، انتشرت أخيراً إعلانات ترويجية لهذا النوع من الجامعات. ولكن نسبة كبيرة من الشباب لا تستطيع تحمل تكاليف التسجيل المرتفعة فيها.
سماسرة تأجيل الخدمة
الظاهرة الأخرى تتمثّل في سماسرة تأجيل الخدمة العسكرية. هؤلاء ينتشرون بشكل سري لأنهم قد يتعرّضون للمساءلة من قِبل الأجهزة الأمنية. وهم ملجأ الشباب الراغبين في الابتعاد عن خطر المشاركة في الحرب. يؤمن السمسار تأجيلاً رسمياً مدته ستة أشهر يُصنف على أنه "تأجيل إداري". من يحصل على هذا التأجيل يستطيع المرور بشكل آمن على الحواجز الأمنية والعسكرية التي لا تترد في اعتقال أي شخص مخالف وسوقه إلى الخدمة. خلال هذه الفترة القصيرة، يجهّز الشباب أنفسهم للسفر إلى خارج البلاد أو يبحثون عن جامعة افتراضية. تكلفة هذه العملية مرتفعة. "150 ألف ليرة سورية (860 دولار). وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى الشاب المتخرج حديثاً من الجامعة"، يقول منذر، الذي لجأ إلى هذه الطريقة، ويضيف: "عليّ أن أدفع 3 أضعاف هذا المبلغ إذا أردت التأجيل سنة كاملة، خياراتي الآن محصورة بالسفر إلى الخارج".
الانتقال إلى مناطق تحت سيطرة المعارضة
الوسائل المذكورة أعلاه ليست متاحة للجميع. مَن ترك المدرسة في صفوف مبكرة لن يكون باستطاعته التأجيل لدواعي الدراسة، كما أن إمكانية دفع بدل الخدمة، الذي كان يراوح بين 100 و300 ألف ليرة سورية (ما بين 600 و1700 دولار)، قد باتت متعذّرة بالنسبة إلى المواطنين المقيمين في سوريا. بالتالي انحصرت خيارات شريحة واسعة من الشباب بالهروب إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة، حيث لا يمكن للسلطات السورية الوصول إليهم.
السفر إلى الخارج
يبقى الحل الأمثل للهروب من نيران الحرب ومن نير الخدمة العسكرية، هو مغادرة البلاد. بعض السوريين يسافرون من أجل إكمال دراستهم أو العمل. ولكن بعد تغيّر الأوضاع الأمنية بات الهدف هو البحث عن الأمان والهرب من أداء خدمة عسكرية يعارضها بعضهم لأسباب تتعلق بمعارضته للنظام.
يقول وليد، وهو طالب دراسات عليا في الجامعة العربية في بيروت: "ليس لديّ طموح أكاديمي. الهدف الأساسي من قدومي للدراسة في لبنان وهو الهرب من الخدمة العسكرية. بعد أربع سنوات، قد أتمكن من دفع بدل خدمة العلم، خصوصاً بعد خفض البدل الخاص بالمسافرين خارج سوريا من 15 ألف دولار إلى 8 آلاف.
فيتامين "واو"
فيتامين "واو" هو المصطلح الذي يطلقه السوريون على الواسطة تندّراً. من لديه أقرباء متنفّذون في الجيش أو القوى الأمنية يستطيع تأجيل خدمته. في بعض الحالات، يكون الحلّ هو التطوّع في الجيش أو في أية مؤسسة أمنية أخرى مع تأمين الفيتامين "واو" نقل المتطوّع إلى الخدمة في مكتب إداري أو في إحدى مؤسسات الدولة في منطقة آمنة، حيث يستطيع المجنّد أن يعيش حياته بشكل طبيعي مستفيداً من مرتّبه الشهري المتواضع.
التزوير
إنه أحد الخيارات الأخيرة التي يمكن أن يلجأ إليها السوري المطلوب للخدمة العسكرية. ولكن هذا الخيار خطر ومكلف (من 115 إلى 285 دولار). هكذا يحصل الشاب على ورقة مزوّرة تحمل ختم شعبة التجنيد وتوقيعها، وتفيد بأنه أجّل الخدمة. ومن المتعذّر اكتشاف التزوير على الحواجز الأمنية المنتشرة على الطرق. خطورة هذه الطريقة تكمن في احتمال أن يتحرى عناصر الحاجز عن اسم الشخص في أحد الفروع الأمنية فيكتشفوا إذ ذاك التزوير لأن التأجيل في هذه الحالة لا يكون مسجّلاً في الدوائر العسكرية الرسمية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 3 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت