شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أمهات بلا أبناء... هل هناك أمومة ما بعد الإجهاض؟

أمهات بلا أبناء... هل هناك أمومة ما بعد الإجهاض؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 21 مارس 202006:16 م

مازال صراع المرأة على ملكية جسدها وحق التصرف به محط الكثير من النقاشات القانونية، سواء في العالم العربي أو في الغرب.

فحق السيادة على الجسد الذي يضمنه القانون يختلف من بلد لآخر، في فرنسا مثلاً، حق الإجهاض مضمون، لكنه ممنوع في إيطاليا، أما في العالم العربي، فما زال هذا السؤال قيد الطرح، والكثير من حالات الإجهاض خارج إطار الزوجية، تتم بالسرّ وفي ظروف مشينة وخطرة في بعض الأحيان.

هذه السيادة وحرية الخيار مرتبطان بالعديد من العوامل الثقافية والسياسية، ويتمحوران حول سؤال: متى تكون الحياة حياةً؟ أي، هل الإجهاض قتل من نوع ما؟ هل يهدد الإجهاض الأسرة؟ هل تهديد حياة الأم واستمرارها على حساب حياة جنينها ضريبة لابدّ من دفعها في بعض الأحيان؟

كلها تساؤلات يمكن الإجابة عنها مهما كانت توجهنا الفكري، لكن هناك إشكالية متعلقة بالأمومة ما بعد الإجهاض، لا بوصف الأمومة خياراً ثقافياً وسياسياً فقط، بل أيضاً حالة بيولوجية وعاطفياً يستعد فيها الجسد لإنتاج حياة وضمان استمرارها عبر الزمن.

هل هناك أمومة بلا أبناء؟ هل هناك أمومة ما بعد الإجهاض؟

 إشكالية الأمومة ما بعد الإجهاض

يُنظر إلى المرأة التي قررت الإجهاض إما كـ"بطلة" اختارت ما هو لمصلحتها ومصلحة "الحياة" التي كان من المفترض أن تأتي، فيُحتفل بها وبخيارها، أو تُنبذ ويشار إليها وتحاط بالهمسات القاسية لأنها نفت حياة مستقبلية، لكن هناك جانب بيولوجي: الأمومة لا تعني فقط إنتاج حياة، بل أيضاً تغيرات جسدية وهرمونية، وقرار الإجهاض ذو تبعات طبية وعاطفية خصوصاً، أن "الموت" يحدّق بهذا الخيار ويحاكمه أخلاقياً.

قرار نفي الأمومة وأثره الذاتي والعاطفي يسمّى "بمتلازمة توتر ما بعد الإجهاض" والتي لم تنل الاعتراف بوصفها حالة نفسية، بل ينظر لها كوسيلة سياسية للضغط على "أنصار الخيار"، لأن قرار الإجهاض وتنفيذه تمّا بوعي تام في الحالات المثالية، وكأن هناك ضريبة على المرأة أن تدفعها بصمت إن اختارت ألا تصبح أماً بالمعنى الثقافي والبيولوجي، هذه المتلازمة تشابه أعراض توتر ما بعد الصدمة، هناك الذنب والشعور الإنساني بأنها "خسرت حياة" وومضات من الذاكرة، خصوصاً أن الإجهاض تدخّل طبي- جراحي في بعض الأحيان، وأحياناً قد تصل الأعراض حدّ محاولة الانتحار.

هذا الإهمال للأعراض الجسدية والعاطفية، يحرم من قامت بالإجهاض من التعاطف، هي رفضت أن تكون أماً، في تجاهل تام للتبعات البيولوجية للأمر، وينظر إلى هذه الأعراض بوصفها عقاباً من نوع ما، بسبب تعلّقنا المفرط بمفهوم الحياة التقليدية والمرتبط بالحمل والولادة.

لا تفدم المؤسسة الطبية دوماً المعلومات الكافية عن الموضوع، إذ تتردد عبارات حول من تريد الإجهاض بأنه "عمل سريع"، "لا يؤلم"، "لا يحمل آثاراً جانبية" و"هو ليس طفلاً بعد"، هذا الغموض الطبي حول الأعراض قد يساعد المرأة في قرارها لحظة الإجهاض، لكنه يُخفي التبعات العاطفية للموضوع، بل ويمكن يحرم المرأة التي قامت بالإجهاض من حق تساؤلات مستقبلية عن ألمها النفسي.

الإجهاض خيار صعب، لكنه ليس خاطئاً، ومن أجهضت، تنطبق عليها خصائص الأمومة، هناك فقدان من نوع ما تمر به، ولابد من العناية و"الإنصات" لهذا الألم

أمومة دون أم

يتم تجاهل الأمومة كتغيّر جسدي على حساب الخيارات الثقافية والسياسية، الإجهاض سلاح ذو حدّين، هو سيادة على الجسد ومفهوم الحياة، في ذات الوقت، "تهمة بالقتل" ترسخ عبر سياسات الصمت التي تلاحق من يقمن بالإجهاض، هناك ترفع من نوع ما يواجه هذا الخيار، وكأن المرأة تُحرم من حق الرعاية بسبب خيارها الذاتي و"المحقّ"، ما يعيدنا إلى السؤال الثقافي عن مدى "صحية" شروط الإجهاض التي تضمنها البيئة الثقافية والطبية، وهذا ما يمكن اختزاله بالتالي:

الإجهاض خيار صعب، لكنه ليس خاطئاً، ومن أجهضت، تنطبق عليها خصائص الأمومة، هناك فقدان من نوع ما تمر به، ولابد من العناية و"الإنصات" لهذا الألم، وهنا يظهر الاختلاف الثقافي مرة أخرى، بين من خسرت جنينها دون قصد، ومن أجهضت بخيارها، الأولى تستحق الشفقة والتعاطف والعناية، أما الثانية فمثيرة للشبهة و"تستحقّ ما تمرّ به"، وكأن لحظة الإجهاض مجرد حدث عابر، يومي ومبتذل، لا "أمومة" لمن تختبره، وعلى من تختبره أن تصمت كي لا يعود جدل "الخيار" مرة أخرى للسطح، وإلصاق تهم "اللاطبيعية" حول حق الإجهاض.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard